الرئيسية - الكون والفضاء :

العيش في الفضاء

عندما يدور الناس حول الأرض، أو يسافرون إلى القمر، فإنهم يعيشون في الفضاء إلى حين. وهناك يتعرضون إلى ظروف تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الموجودة على الأرض. فلا هواء في الفضاء. وترتفع الحرارة وتهبط إلى درجات مفرطة، ويصدر عن الشمس إشعاع في غاية الخطورة. وتشكل بعض الجسيمات المادية التي تملأ الفضاء مصدر خطورة لمرتادي الفضاء. فعلى سبيل المثال، تهدد جسيمات الغبار التي تسمى النيازك الدقيقة المركبات الفضائية بسرعتها الهائلة المدمرة. كما أن أنقاض (مخلفات) البعثات الفضائية السابقة يمكنها أن تدمر المركبة الفضائية.

وعلى الأرض يمثل الغلاف الجوي واقيًا طبيعيًا للأرض ضد هذه المخاطر. أما في الفضاء فيحتاج رائد الفضاء والأجهزة التي تصحبه إلى أنواع أخرى من الحماية. ولابد لهم أيضًا من تحمل الآثار الجسمية الناتجة عن الرحلة الفضائية، والعمل على حماية أنفسهم من قوى التسارع الهائلة خلال عمليتي الإطلاق والهبوط. ولابد أيضًا من توفير الحاجات الأساسية لرائد الفضاء مثل التنفس والأكل والشرب والتخلص من فضلات الجسم والنوم وغيره.

 

الحماية من أخطار الفضاء

تمكن المهندسون العاملون مع الاختصاصيين في طب الفضاء من التغلب على معظم مخاطر العيش في الفضاء أو تقليلها إلى درجة كبيرة. فقد جعلوا للمركبة الفضائية بدنًا مزدوجًا، بحيث يتهشم الجسم الذي يرتطم بالبدن الخارجي، فلا يستطيع اختراق البدن الداخلي.

يحمى رواد الفضاء من الإشعاع بطرق شتى. فعلى سبيل المثال، يتم تركيب مرشحات (فلاتر) على نوافذ المركبة الفضائية، تحمي الرواد من خطر الأشعة فوق البنفسجية.

ويحمى رواد الفضاء أيضًا من الحرارة العالية والآثار الجسمية المصاحبة لعمليتي الإقلاع والهبوط، بتزويد المركبات الفضائية بواقيات حرارية تقاوم درجة الحرارة العالية، وتقوية بنائها بحيث تتحمل قوى التسارع الساحقة. ويكون جلوس الرواد بطريقة لا تجعل الدم يندفع بقوة من الرأس إلى أسفل الجسم مما يسبب حالات الدوخة والغشية (الإغماء).

وترتفع درجة الحرارة داخل المركبة بسبب الحرارة المنبعثة من النبائط الكهربائية وأجسام الطاقم. ولهذا يعمل نظام التحكم الحراري على تنظيم درجة الحرارة، حيث يضخ النظام بعض السوائل المسخنة بحرارة القمرة إلى ألواح مشعة، والتي تطلق الحرارة الزائدة في الفضاء. وتُدفع السوائل الباردة مرة أخرى إلى ملفات بالقمرة.

 

الجاذبية الصغرية

تتعرض المركبة الفضائية، وكل شيء داخلها، عند دخولها مدارًا ما إلى حالة تعرف باسم الجاذبية الصغرية، حيث تسقط المركبة ومحتوياتها بتلقائية منتجة حالة شبيهة بانعدام الوزن داخل المركبة. ولهذا السبب تعرف الجاذبية الصغرية بالجاذبية الصفرية أيضًا. ولكن، على أية حال، فإن من الخطأ فنيًا استخدام هذين المصطلحين. فالجاذبية في المدار لاتقل عن الجاذبية في الأرض إلا بدرجة ضئيلة. فالمركبة الفضائية ومحتوياتها تسقط باستمرار في اتجاه الأرض، ولكن سرعة المركبة الأمامية الهائلة أثناء هبوطها وعودتها للأرض تجعل سطح الأرض ينحني بعيدًا عنها. ويبدو أن السقوط المتواصل تجاه الأرض يجعل كل محتويات المركبة الفضائية بلا وزن، وهي الحالة التي يطلق عليها أحيانًا انعدام الوزن.

وتؤثر الجاذبية الصغرية على الرواد والمعدات معًا. فعلى سبيل المثال، لايتدفق الوقود من مستودعاته في الجاذبية الصغرية إلا بعد ضخه بغاز تحت ضغط عال. ولايرتفع الهواء الساخن في الجاذبية الصغرية ويتم تنشيط دورة الهواء بوساطة المراوح. وتنتشر جسيمات الغبار والماء في القمرة وتتجمع في مرشحات المراوح.

أما جسم الإنسان فيتأثر بالجاذبية الصغرية بطرق عديدة، حيث يعاني أكثر من نصف الرواد في أي بعثة فضائية من غثيان مستمر ربما صاحبه أحيانًا تقيؤ. ويعتقد بعض الخبراء أن "مرض الفضاء" هذا، والذي يسمى أيضًا متلازمة التكيف الفضائى، رد فعل طبيعي للجاذبية الصغرية. وتعالج هذه الحالة التي تستمر لبضعة أيام ببعض الأدوية.

وتؤثر الجاذبية الصغرية أيضًا على الجهاز الدهليزي، فتحدث خللاً في إحساسه بالاتجاهات المختلفة. ويتكون الجهاز الدهليزي من أعضاء التوازن في الأذن الداخلية. فبعد مضي عدة أيام في الفضاء، لايتعرف الجهاز الدهليزي على الإشارات الاتجاهية. وتستأنف أعضاء هذا الجهاز عملها عند عودة رائد الفضاء إلى الأرض.

يعاني جسم رائد الفضاء لأيام، وربما لأسابيع، من حالة تعرف باسم عدم التكيُّف. وفي هذه الحالة تضعف عضلات الجسم لقلة استخدامها، وينتاب القلب والأوعية الدموية الخمول. وتعالج هذه الحالة بالتدريبات البدنية الجادة مثل ركوب الدراجات الهوائية، واستخدام طواحين الدوس، وغيرهما من النشاطات البدنية.

وتعاني عظام رائد الفضاء بعد قضائه عدة شهور في الفضاء من زوال التمعدن. ويعتقد كثير من الأطباء أن زوال التمعدن يحدث لعدم الضغط على العظام في حالة انعدام الوزن. وقد أثبتت حالات الرواد الروس الذين قضوا مددًا طويلة في الفضاء أن التدريبات الجادة والحمية الخاصة يمكن أن يقللا من الإصابة بزوال التمعدن.

 

تأمين المتطلبات الأساسية في الفضاء

 تجهز مركبة الفضاء المأهولة بأنظمة المساعدة على الحياة والمصممة كي تؤمن متطلبات جسم رائد الفضاء. فهناك أنظمة محمولة مساعدة على الحياة يمكن حملها في علبة خلفية تمكن رائد الفضاء من العمل خارج مركبته.

- التنفس:

ينبغي أن تجهز مركبة الفضاء المأهولة بمصدر للأكسجين الذي يستعمله الطاقم في عملية التنفس. كما يجب أن تحتوي على وسائل التخلص من ثاني أكسيد الكربون الناتج من عملية الزفير. وتستخدم المركبات المأهولة مزيجًا من الأكسجين والنيتروجين يماثل نظيره الموجود على سطح الأرض، في مستوى سطح البحر. وتعمل المراوح على تدوير الهواء، بالقمرة وفوق حاويات مليئة بكريات مادة كيميائية تسمى هيدروكسيد الليثيوم، والتي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء. ويمكن أيضًا التخلص من ثاني أكسيد الكربون بإمراره على بعض المواد الكيميائية. وتساعد مرشحات الفحم النباتي على التحكم في الروائح.

- الأكل والشرب:

ينبغي أن يكون الطعام على المركبة الفضائية مغذيًا وسهل التجهيز وملائمًا للتخزين. فقد كان رواد الفضاء في البعثات الأولى يأكلون طعامًا مجمدًا جافًا تم تغليفه في أنابيب بلاستيكية، وأزيل منه الماء. وكان رائد الفضاء يشرع في تناول طعامه بعد مزجه بالماء.

أما اليوم، وبعد مضي سنوات على ارتياد الفضاء، فقد أصبح الطعام الذي يقدم للرواد أكثر شهية. فاليوم يستمتع الرواد بتناول الطعام الجاهز الذي لايقل جودة عن ذلك الذي يعد على الأرض. فقد توافرت في المركبات الفضائية معدات لتدفئة الطعام وتبريده، بل وتجميده.

ونظرًا لأهمية ماء الشرب لأية بعثة فضائية، فإن خلايا الوقود بالمكوكات الفضائية تنتج ماء نقيًا عند توليدها للكهرباء اللازمة للمركبة. ويعاد استخدام الماء في الرحلات التي تستغرق وقتًا طويلاً في عمليات الغسيل والنظافة. وتنقي أجهزة إزالة الرطوبة الهواء من الرطوبة الناتجة من عملية الزفير.

- التخلص من فضلات الجسم:

يمثل تراكم فضلات الجسم وطرحها مشكلة كبيرة في الفضاء، وبخاصة أثناء المرور بحالة الجاذبية الصغرية. ويستخدم رواد الفضاء نبيطة تشبه مقعد المرحاض. وتعمل القوة الماصة الناتجة من تدفق الهواء على تحريك الفضلات إلى مجمعها تحت المقعد. ويستخدم الرواد في المركبات الصغيرة أقماعًا عند التبول وأكياسًا بلاستيكية عند التخلص من الفضلات القوية. وعندما يعمل الرواد خارج المركبة الفضائية، فإنهم يرتدون معدات خاصة يتم التخلص من فضلاتهم فيها.

- الاستحمام:

تتم الطريقة البسيطة للاستحمام في المركبة الفضائية بوساطة قطعة أسفنج وفوط مبللة بالماء. واستخدم الرواد الأوائل غرف استحمام في شكل حجيرات بلاستيكية قابلة للطي، حيث كان الرواد ينثرون الماء على أجسادهم، ثم يفرغون الحجيرة من الماء، ويجففون أنفسهم بالفوط. أما المحطات الفضائية الحديثة فتشتمل على حجيرات استحمام ثابتة.

- النوم:

يستطيع رواد الفضاء النوم على أكياس نوم مزودة بأشرطة تربطهم بسطح ناعم ووسائد. ويفضل رواد الفضاء النوم سابحين في الهواء ومقيدين بأشرطة قليلة تحميهم من الارتطام بمعدات القمرة. ويضع رواد الفضاء عصابات على أعينهم تقيهم ضوء الشمس المتسلل من نوافذ المركبة أثناء دورانها. وينام الرواد في الفضاء نفس المدة التي ينامونها على الأرض.

- الترويح:

للترويح أهمية خاصة لصحة رواد الفضاء العقلية في الرحلات الطويلة. فالتحديق عبر نوافذ المركبة الفضائية يزجي وقتًا طيبًا للرواد. وتزخر المحطات الفضائية بالكثير من الكتب وأشرطة التسجيل والألعاب الحاسوبية. وتتيح التدريبات الرياضية أيضًا فرص الترويح.
  
- التحكم في المواد المخزونة والنفايات:

يعد حفظ وتنظيم آلاف المواد المستخدمة في المركبة الفضائية من المشكلات الكبيرة التي يواجهها رواد الفضاء. فهناك أدراج وخزانات تحوي مواد كثيرة، وتعلق أشياء أخرى بالجدران والأسقف والأرضيات. ويعمل الحاسوب على حصر جميع هذه المواد المخزونة، ويحدد أماكنها وطرق إحلال بعضها محل بعض. أما النفايات، فإن الطاقم يعمل على تخزينها في مكان غير مستغل من المركبة، ثم يتم التخلص منها بإلقائها خارج المركبة، لتحترق في الغلاف الجوي، وربما عادوا بها للأرض حيث يتم التخلص منها.

- الاتصال مع الأرض:

يتصل رواد الفضاء مع إدارة البعثة، وهي الجهة التي تشرف على الرحلة الفضائية من الأرض، بعدة طرق من أهمها استخدام الراديو والتلفاز. وترسل الحواسيب وأجهزة الإحساس وغيرها من المعدات الإرشادية إشارات منتظمة إلى الأرض. وتستطيع أجهزة الفاكسميلي (الناسوخ) التي بالمركبة استقبال المعلومات من الأرض.