رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل العشرون
ارتدت القفازات البيضاء والحذاء ودخلت لمكان الحادث عندما وجدت كرسيا معلقا إلى السقف يجلس عليه المدير ببنطلونه فقط وجسده مشوه بالعديد من الكلمات، بالأحرى الأسماء، نظرت حولها عندما لمحت كمية الدماء الموجودة بالغرفة، الملابس الممزقة أرضا وقطعة حمراء اتضح أنها لسان مع توقيع لوحش الظلام وملحوظة على غير العادة
أتمنى أن تفكري بهذه القضية مليا أيتها المحققة، من هنا
سيبدأ كل شيء وسنتعرف قريبا أعدك عزيزتي.
أنزل جسد الضحية بعد أخذ العديد من الصور له ثم نظرت مليا إلى كل الأسماء المحفورة على جسده بطريقة مؤلمة جدا
فتحت ثغره تفحصه ثم تراجعت عندما تأكدت من ثغره ونظرت حولها مجددا وإلى المشرط الواقع أرضا المغلف بالدماء، بقعتين بنفسجيتين في ذراع الضحية مثل ما حدث مع سابقيه حين سحب الدماء منهم لكن هذه المرة سحب من موضعين؟
{مثل العادة، الضحية متورط بالأعمال غير شرعية، المتاجرة بالأطفال والاغتصاب تأكدت منه عندما وجدت أن عضوه غير سليم لحسن الحظ ترك ملابسه السفلية}
{السفاح؟ }
{أجل مثله}
تطلعت ماري إلى الأسماء المكتوبة، رجل غير قانوني عوقب بخطاياه، أجلس بكرسي
وعلقه أعلى؟ لماذا فعل هذا؟
فكرت مليا أن هذه أكثر جريمة ترك بها دلائل عنه، لقد ترك خط كتابته على جلد الضحية، حتى لو كانت مهتزة وغير واضحة لكن هذا لا يمنع أن الوحش هنا كتب أكثر مما لم يكتب قبلا، بدل التوقيع والملحوظة ذات حروف الطابعة ترك كلمات عديدة وتركه للأسماء هنا، يدل على أمر ما
{ماري؟ هل أنت تستمعين لي حتى؟ }
خرجت من شرودها والتفتت لمصدر الصوت
{اوه ماركوس أنت هنا؟ متى أتيت؟ }.
{كما توقعت تكلمت لأكثر من عشر دقائق ولتو لاحظتني؟ ماذا يحدث هنا؟ وحش الظلام مجددا؟ }
أومأت فقط ثم طلبت من راتشل التحقق من هذه الأسماء، والتفتت لماركوس الذي كان يتفحص المكان جيدا
{النافذة مغلقة والأبواب أيضا كما أن هذه الغرفة عازلة للصوت، لقد اهتم بترك انطباع جيد لدى الأطفال حتى لا يسمع أي أحد أي شيء كما أنه من الممنوع دخولهم إلى هنا مما يجبر أحد الموظفين على اكتشاف الجثة، أعتقد أنه يحب الأطفال}.
{يحب الأطفال؟ أليس من البديهي عزل الصوت حتى لا يكتشف أحد هذا؟ }
{رفع الجثة للأعلى بحيث لا يراها أي أحد من الخارج عبر النافذة، يعلم ان الأطفال فضوليين وقد يحاول أحدهم التجسس هنا بالليل فرفع الضحية لن يسبب أي رعب للأطفال، عدا ذلك، أنا متأكدة أنه منحهم منوما ولقد سبق وطلبت فحص الأطفال، لم يحرص الوحش على عدم اكتشاف أحد للضحية كما فعل مع الأطفال}.
راقبت طريقة كتابة الوحش للأسماء على جلد الضحية ووجدت أنه أستغل الحروف المتكرر في كتابة الأسماء حيث قد يجعلها متقاطعة عند تشارك اسمين للحرف واحد وقد لاحظ ماركوس أنها اكتشفت الأمر مثله من ملامحها المقطبة
{إذا كان الوحش عديم الرحمة لما يستغل تقاطع الحروف أليس هذا يعني أنه أنقذ الضحية من بضعة حروف؟ }.
هذا ما فكرت به، لكن تكراره لبعض الحروف رغم أنه كان يمكن أن يفعل نفس الأمر جعل الشك يراودها أنه لم يفعل هذا فقط لتزيين ضحيته
{الحروف، المتكررة، واثقة، ان لها أمر ما، }
قالت وهي تتحس باناملها جلد الضحية اين كتبت الأسماء
أسرعت وأخرجت ورقة وقلم وكتبت كل الحروف المتقاطعة ونظرت إليه مليا، شعرت بالاختناق فخرجت بالهواء الطلق وهي تردد الحروف التي وجدتها.
{ س و د ع ج أ م ما هي الكلمات التي يمكنني تركيبها من هذه الحروف يا ترى؟ }
{سيدة أريل وصلت التقارير}
خبأت مفكرتها والتفتت لراتشل الذي يمسك بضعة أوراق يطلع عليها، قائمة الأطفال بالميتم، والفحص عن نصف الأطفال هنا
{جميع أطفال الميتم محقونون بنوم بجرعة صغيرة مناسبة لأعمارهم، تجعلهم يخلدون بنوم عميق حتى الصباح على الأقل}.
{كما توقعت لن يجازف برؤية طفل لمنظر كهذا أبدا، حتى مع أخذه كل الاحتياطات تأكد من عدم استيقاظهم بعد الجريمة}
{هناك أمر أخر جميع الأسماء بالضحية مكتوبون هنا بقائمة أطفال الميتم عدا طفلا واحدا}
.
.
.
.
{هانت أندرو أليس كذلك؟ }
{أجل إنه أنا}.
بنفس الطاولة التي إعتاد أندرو مقابلة والدته هيندا بها جلست المحققة هذه المرة بعدما أرته بطاقتها وطلبت لهما كوب قهوة وله كوبا من الحليب وفطورا صغيرا مناسبا للطفل أندرو هنا
{أخبرني قليلا عن نفسك؟ }
{لا أعتقد أن لمقيمي الميتم الكثير لقوله عن أنفسهم}
{حسنا فهمتك سأساعدك على التوضيح أخبرني عن والديك عن بعض أخر ذكريات لك معهم إن كنت تتذكر}.
{جئت لأول مرة للميتم عندما كان عمري خمس سنوات، ما أذكر عن والداي أنهما كانا متطلقان، أبي مات بعدها بحادث مميت بعد تطلقهما بسنة أو نحو ذلك}
{ماذا عن والدتك؟ أتفهم إن كان الأمر يؤلمك}
{لم نكن أثرياء كثيرا، لهذا كان على أمي العمل كثيرا لتلبية قوت يومنا، حتى اني لم أعد أذهب للمدرسة لكنها كانت تحرص على شراء كتاب لي بالشهر لأتعلم ولو قليلا، بعدها، لم تتحمل كل هذا التعب}.
لم يكن يكذب كل ما قاله حقيقة، لم تتحمل والدته التعب فقررت حلا أخر ينقذهما كما قالت له، لكنه أنقذها فقط من المسؤولية، أنقذه من الموت ربما او من القتل أيضا، لكنه قتل العلاقة النقية بين أم وابنها، لم يعد ينظر لها كوالدة له، هي حتى بكل وقاحة قالت له أنها ستتبناه لتسوية الوثائق وليبدو انه ابنها بطريقة قانونية مثلما أدخلته الميتم بطريقة غير قانونية
كانت تلك الكلمة جارحة
أن تقول لك والدتك أنها ستتبناك.
بعد ان تخلصت منك هي
{أفهمك جيدا، ليرقدا بسلام، لابد أنك كنت تحب والدتك وتقدرها على تضحيتها بحياتها في سبيلك}
{لم أكن لأتمنى أن تضحي بحياتها في سبيلي طبعا، لذا أنا أشكر أن لي والدة أعرفها على الأقل، بعض الأطفال بالميتم هنا لا يعرفون شكل أقاربهم حتى}
{أنت حقا طفل ذكي، لذا هل يمكنك أن تخبرني عن أي شخص كان يزورك كثيرا؟ يحدثك ربما؟ }.
{لا أحد أنا يتيم بالنهاية لست بسجن ليأتي لي زوار أليس كذلك أيتها المحققة؟ }
عدا والدته طبعا
هكذا قال لنفسه مبتسما بسخرية
{طبعا طبعا، حسنا، لن أطيل كثيرا، أسبق وسمعت عن وحش الظلام؟، وربما حتى شخصيا؟ }
{كلا سمعت عنه فقط من، من، الصحفيين}
{الوحش قام بجريمة هنا بحق مديركم ما رأيك؟ }
{يستحق هذا، كان وغدا، أعذريني سيدتي}
{لقد تطرق الوحش لأسماء أصدقائك بالميتم عداك بما تفسر هذا؟ }.
{تطرق مجرم لأسماء هو الخطر عادة، ألا يكتب عادة المجرم أسماء الضحايا القادمين؟ أنا خارج القطيع صحيح؟ لكن أليس هذا معناه أني بأمان أكثر من كل من تدعينهم بأصدقائي الذين كتب أسمائهم بجسد مديرينا؟ بالحقيقة، أنا سعيد أن إسمي لم يكن بجسد مدير شرير، أيتها المحققة أنا أكثر شخص هنا بأمان من السيد وحش}
انا خارج القطيع
تدعينهم بأصدقائي
مدير شرير
السيد وحش.
جحظت عيناها عندما سمعت قول أندرو، تنبيهه الذي لم تلاحظه: ألا يكتب عادة المجرم أسماء الضحايا القادمين؟ هذا الطفل حقا ذكي، وربما كون هذا هو السبب الذي جعل الوحش يمتنع عن كتابة هذا الاسم، لابد انه يعلم عن أندرو أشياء أكثر مما هي تعلم
يشبه أحدهم...
ليس وكأنها تشك أنه سيؤذي الاطفال لأنه كتب أسمائهم على جسده لكن ربما لهذا علاقة بتقاطع الحروف، ربما الاسم الذي قد تستخرجه من هذا التقاطع هو تلميح على خطة مستقبلية
{في الواقع ان اسمي عانى الكثير من المشاكل الإدارية ربما لم يكن بقائمة الوحش هذا ببساطة، فطبعا من أكون أنا بالنسبة للوحش؟ }.
ليس سوى مجرد معجب من بين ملايير الناس بهذا العالم الذين سمعوا عنه والذين لم يفعلوا، هكذا قال لنفسه فهو لن يحلم أبدا أن ينطق الوحش اسمه، بل ربما من سوء حظه بنفس الوقت انه لم يكتبه فمعناه انه لم يمر على اسمه، والسبب لن يفكر به مثل المحققة فهو وعده وعدا من طرف واحد أنه سينظر للقمر وليس لسبابته.
وقفت ماري بعد أن ودعت أندرو وتركته يتناول طعامه بهدوء، رغم انه يعلم عن بعض التفاصيل عن الجريمة مثل الأسماء على جسد المدير لكنه يبدو هادئا، ولم يفقد شهيته من بشاعة الأمر حتى، هذا الطفل مريب بكل تأكيد، وأينما يوجد لغز يوجد وحش الظلام.
خرجت عندما صادفت سيدة بكاميرا تصوير وتقدمت لها لتسألها عن الجريمة لكن ماري تخطتها بسرعة حتى لا تضطر لإجابة أي سؤال لكنها لم تعلم ان هذه الصحفية فعلت هذا لتجعل المحققة تغادر المكان فقط، انتظرت رحيلها وانطلقت للداخل عندما وجدت ابنها يتناول الطعام بهدوء ودون ان يرفع نظره لها نطق بين طعامه
{كنت أعلم أنك ستأتين، لدي بعض الأخبار السيئة والجيدة لك}.
احتضنته بخفة وجلست بالكرسي تستمع له بينما هو لازال يتناول طعامه ثم وضع ملعقته جانبا ونظر لكأس الحليب الفظيع هذا
{المحققة التي التقيت بها خارجا استجوبتني للتو}
{حقا؟ لماذا؟ ما شأنك أندرو؟ أنت تفزعني}
{هنا الجانب الجيد، الوحش زارنا أمس، الذي تطاردينه جاء إلى ابنك وكتب جميع أسماء أطفال الميتم بجسد المدير عدا إسمي، لهذا تساءلت المحققة}.
تجمدت هيندا عندما سمعت ما قاله لها ابنها، واتسعت عيناها ولم تلبث حتى اتسعت ابتسامتها أيضا بسعادة واضحة من مقلتيها حتى، لم تقلق على ابنها الذي نام ليلة أمس بمكان به جريمة ولم تقلق على سلامته من مجرم، بل فرحت ان مرتكب الجريمة جاء إلى هنا، أن الوحش نفسه جاء، مجرم خطير يجزل ظله على ابنها الا يدعو هذا للقلق؟
{ماذا يعني هذا؟ لما لم يكتب اسمك؟ }
{الكل يطرح هذا السؤال أما أنا فأقول: لما كتب الأسماء؟ }.
{إنه مختل ابني، لا أحد يفسر تصرفاته}
{حسنا انه مختل لا أحد يفسر تصرفه بعدم كتابة أسمي أيضا}
{ليس نفس الأمر، أنت صغير لا تدرك الأمر بعد، هيا أشرب حليبك وعد للبقية}.
وقفت وغادرت على عجل فالأخبار ساخنة خارجا وعليها العمل الآن، تطلع أندرو لكأس الحليب بهدوء، الطفل الصغير داخله بدأ يشعر بالانكسار والحزن، يريد بعض الحنان فقط، قلبه يتألم من هجرانه والدته له بمكان كهذا ولم تقلق عليه، لم تظهر كذبا حتى قلقا زائفا
لهذا سيشرب الحليب
أمسكت يده كأس الحليب وقرب لثغره ليشربه
{لو كنت مكانك لما فعلت ذلك}.
توقف أندرو ونظر خلفه ليجد شابا ملثما يقف ناظرا له بهدوء بيديه داخل جيبه لكنه حينما نطق ازال اللثام عن ثغره
{لقد أرسلني إليك، هو يعلم أن لديك حساسية من الحليب، ويطلب منك أن لا تفعل ذلك لأنه قرر أن يهتم لأمرك}
جحظت عيناه ووقف من كرسيه واقترب من الشاب وحدق بتفاصيله مليا طويل القامة بنظارات شمسية معطف طويل وعندما ابتسم له ظهرت غمازتيه له.
{مرحبا معك سيد الحروف، والسبب الذي جعله يرسلني إليك هو اننا متشابهان قليلا لذا آمل أن نتوافق أندرو }
مد يده طالبا مصافحته عندما ابتسم أندرو بسعادة وصافحه بحيوية، لقد عرف عنه، فعل عمدا عدم كتابته لاسمه، لكنه لا يهتم لهذا بقدر ما يهتم للرسالة هذه المرة من هذه الجريمة
قال الوحش لكيلان
- إذ ما سألك عن سبب عدم كتابة اسمه فاستدر واتركه عائدا
- وان سألك عن سبب قتل المدير فابقى وأجبه
ماذا سأل أندرو؟
{لماذا سيعود إلى هنا بعد أن انهى أمر المدير؟ }
استعت عينا كيلان، رغم أنه يحسن التنبؤ بكلمات الأخرين لكن هذا الطفل فاق تصوره، لم يسأله عن سبب عدم كتابة اسمه كما توقع الوحش وجونغكوك، ولم يسأله عن سبب قتل المدير كما توقع الوحش، ولكنه سأل عن سبب عودته إلى هنا!
ما لم يكتشفه أي محقق إلى هذه اللحظة أدركه أندرو بلحظة واحدة فقط بالنظر إلى شخصية الوحش دون الذهاب بعيدا بالأدلة وغيرها.