رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل السابع
بدلة رسمية، تصفيفة متأنقة، حذاء لامع ووجه جذاب يحمل كأسا من شراب والكل سعيد منه إلا هو قانط على موقفه، وهذا ما جعل صديقه يقف جنبه ويسأله عن سبب تقطيبه لحاجبيه هكذا في يومه السعيد، رغم انه يعلم الاجابة مسبقا نوعا، لكن عليه ان يسأله فلا أحد اتعب نفسه بالنظر الى سبب انزعاج صاحب الحفل، الحفل اهم من صاحبه بنظرهم
{هيا يا رجل إنها حفلة ميلادك، ما كل هذا العبوس؟ }.
{إريك أنت تعلم جليا أني أمقت هذه الحفلات اللعينة، الكل سعيد بتقدمي في السن، بخطواتي نحو الموت! إنه كله بسبب أمي التي تهوى أن تحضر حفلة أفضل من أخت زوجها، اللعنة على وعلى الذي ولد بهذه العائلة ذات النسب اللعين}
{لكن أنت ابن الوحيد لعائلة همفريز العالية المقام لا يجوز عدم الاحتفال بيوم ميلادك صديقي}
{بكل هذا الصخب السخيف؟ بئسا لعائلة همفريز هذه، لكن لست إدوارد إن لم أشرف على مفرقعاتي الخاصة}.
وضع الكأس بصينية خادم مار وتحركت خطواته بهذا القصر الكبير، ساحة واسعة بها عدد كبير من المدعوين الضيوف بدلات رسمية وفساتين فاخرة، هرج ومرج وشراب بعضه يذهب العقل والاخر يذهب الصحة، ضحكات وقهقهات موضوعها عائلة نبيلة انهارت مؤخرا أو عن إفلاس شركة مرموقة، زواج إجباري لفتاة من شاب ثري مدلل لا يعرف للمسؤولية قدرا فقط لأجل المصلحة.
أوقفته والدته لتعرفه بضيف مهم، قديم، لم يهتم وتجاوزها محرجا إياها مع ضيفتها التي تقبع جانبها
{أسفة كاترين إنه إدوارد عندما يفكر بأمر ما ينسى كل ما حوله، لكن أخبريني إنه وسيم الليلة أليس كذلك؟ }
{أجل سيدة همفريز بشكل ملفت للنظر، بالطبع فهو صاحب هذه الأمسية الجميلة من إعدادك سيدتي}
{اوه يا إلهي كم أنت لبقة كاترين، إن أي سيدة راقية مثلي ستتمنى أن تحظى بكنة جميلة مثلك}.
{هذا من حسن ظنك سيدتي، كلامك أكثر مما أستطيع الإجابة عنه بسبب خجلي من عباراتك}
كان من السهل بالنسبة لكاترين جعل خداها يتوردان بلطف بالغ، إنها ممثلة بارعة، ليس هنا فقط، إنها ممثلة مشهورة بالفعل ابنة الثانية لعائلة فولر، جميلة ومذيبة لقلوب الشباب حولها، إلا إدوارد الذي لم يكد يتذكر اسمها إلا من تكرار والدته له كلما ظهرت لها في إعلان بالتلفاز أو اتصلت بها على الهاتف.
حدقت كاترين بظهر إدوارد الذي اختفى بالجموع، مالت ابتسامتها لتتسع أكثر، إنه يعجبها هذا الذي لم يعرها اهتماما الآن وسابقا وحتى وأنها قدمت بقدميها إليه، إنه شخص استثنائي ولازال منذ أول مرة رأته إلى هذا اليوم
بالنسبة له، كان لديه موعد أهم وفضول عن شخص أهم يريد مقابلته على عجل، شخص لم يدر أنه يكره أشد الكره الأثرياء! أي يكرهه هو نفسه ولن تعرفه بعينيك، ستعرفه بأذنيك، هكذا قال له.
عزف الكمان بألحان هادئة جذبه، توقف والتفت حوله عندما لمح شابا طويل القامة بمعطف يوازيه طولا، أنامله رشيقة ونظرة عميقة بحدقتين أخفاهما بين كل نوتة تعجبه وأخرى، يعزف على الكمان كمن يرسم لوحة من الألحان ويخط حروف وكلمات لمشاعر مبهمة بأصوات فقط لن يفقهها إلا هو
الكمان فن لمن تسمو أرواحهم عن العامة هكذا يعتقد بنفسه.
أعجب إدوارد العزف ولبث يرقبه حتى قدمت جنبه كاترين وهي تحادثه بصوتها الرقيق تقدم له كأسا من شراب حاد، انتشله غير مستمع لها ودون أن يبعد عينيه عن العازف، كان كمن أخذت روحه لعالم ثان، عالم هو فقط وعازف الكمان من يعيشان به
{عزف جميل أليس كذلك؟ كل الفتيات يعتقدن أنه ملاك لكني أعتقد أنه يوجد شخصا واحد يستحق الأضواء}
{يمكنك أخذ هذه الأضواء، لست عبدا للشهرة على كل حال، لن تصدقي مدى رغبتي بطرد الكل هنا}.
اتسعت عيناها وتبدلت ملامحها لانزعاج واضح، جعلها حتى تناظره بحنق وتغادر من وقوفها جنبه أما هو فقد ارتسمت ابتسامة جانبية بثغره، رفع الكأس لشفته وهنا تغير اللحن، عازف الكمان يعلن أنه نهاية الحفل اقتربت وتسارع اللحن، وتراقصت أنامله برشاقة
ارتشف إدوارد من كأسه وأنزله لتتسع ابتسامته أكثر، لقد سئم من الحفل السخيف ويريد نهايته وحالا وهو سيحقق هذا بعد ثواني
زادت سرعة الألحان
اتسعت ابتسامة إدوارد.
تقدم خطوتين للعازف
أسرع العازف
أوقف عزفه فجأة
رفع إدوارد يديه ليصفق وعندها...
انفجرت قنبلة بزاوية من القصر!
{مفرقعات للحماس ولطرد الجرذان وإلا لن يكون حفل ميلاد بمعنى القرب من الموت}.
الصراخ والركض هنا وهناك وهو لايزال واقفا يناظر الصخب حوله وتحول الحفلة من مملة إلى أمتع ما يكون حينها تذكر العازف فنظر لموقعه ولم يجده!، بحث بنظره أكثر بتفاجؤ ليجده يتخذ طريقا لرواق منعزل فأسرع إليه ركضا مبعدا لمن يعترض طريقه وغير أبه لمناداة والده له أو حتى لإريك.
أحكم قبضته على ياقته ودفعه للحائط بقوة حتى سقطت قبعة العازف كاشفة عن الوجه الجميل للنساء، ملامح وسيمة لكنها أخبث ما يكون وإدوارد يعلم جيدا كيف تكون هذه الملامح
{من أنت؟ من تكون؟ }
{أوهوو رويدك صديقي أنا ويست ايدن عازف كمان متواضع، انتهى عملي وها أنا ذا أغادر المواضع} غمز اخيرا، ملامح متعجرفة وابتسامة ساخرة وياقته مسحوبة من قبل ذا الوجه الحاد بنظرات تماثله
{كنت تعلم بوجود القنبلة؟! }.
{ولو تجرعت رشفة أخرى من كأسك لكانت جثتك تحترق وتموت مرتين، مثير أليس كذلك؟ }
{لكنك كنت تعلم أنني لن أتجرعها مرتين، أولا لا أحب الشراب الحاد وثانيا، }
{لأنه طلب منك ومني التعرف على بعضنا، التعرف على من أراه عدوي، ولكن لأنك أحدثت مفرقعات لحفلتك سأعتبرك صديقا الآن}
ابتعد إدوارد عنه ترك ياقته وجمع يديه يراقب هذا الخبيث كما يدعوه بقرارة نفسه
ايدن ذو دهاء واضح.
هو من أرسله لحضور حفلته وهو من أخبره أن يشرب رشفة على الأكثر من أي كأس يتلقاه بالحفلة، عازف الكمان الكاره للأثرياء يقابل واحدا بطلب منه هو وليعرفا بعضهما عليهما النظر بأذنيهما، أحدهم سمع عزفا والأخر سمع انفجارا
{أشربت نصف سم الآن؟ }
{وبيوم مولدك، تمنى أمنية قبل أن يطفئوا شموع حريق مفرقعاتك}
{أتمنى أن أركل مؤخرتك يوما ما}.
{لطيف أن أكون أمنيتك صديقي، همفريز إدوارد أنت حقا نبيل مرموق كيف هو شعور أن تكون ثريا؟ }
{صاخب، ماذا عنك؟ }
{يغيرني بزرع السم في الأوردة}
تبادلا الابتسامات مد ايدن يده وصافحه إدوارد برحابة لكن الأخير أحكم قبضته على خاصة ايدن والذي تقطب حاجبه غير أن قنبلة أخرى انفجرت مما سبب ضحك إدوارد بمرح لم يعهده أحد بيوم ميلاده وبسعادة كبيرة
{هذه من أجلك}.
{انت فقط من يصبح سعيدا بعد جولة من الكآبة في حفلة ميلاد فاحشة بسبب قنبلتين}
{أخبرتك صاخب أليس كذلك؟ }
{أنت تعجبني يا صاح}.