رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الخامس عشر

رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الخامس عشر

رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الخامس عشر

{وها هو حاسوبه بين أيديكم}
تراجع للخلف، أو ربما حاول التراجع لكنه أدرك كم الرؤوس التي تقف خلفه محدقة ببراعة أدائه بالولوج إلى حاسوب هدفهم القادم وهذا ما جعلهم يشهقون من الإعجاب، لقد كانت فقط واحدة من مهارات كيلان، لكن أبدا ما حبذ الصخب والتجمعات عليه لذا فإنه أرسل لهم نظرة بطرف عين جعلت كلا من الأربعة يتراجعون للخلف بهدوء وباعتذار من أعينهم المرتبكة والأسفة.

{كم أكره الكاذبين أشد الكره} علق داميان هامسا
{بلاك ليو هو مترشح للانتخابات التشريعية الشهر القادم، الإحصائيات تقول أنه الفائز لا محالة هذه المرة، وإحصائياتي تقول أن الانتخابات ستؤجل بضعة أيام إلى شهر، وبالطبع أنا واثقة مما سيحدث بسبب ما سنفعل}.

عاد أيدن إلى الجلوس إلى طاولته التي تحوي العديد من أنابيب الاختبار واناء طيني واسع مغطى بلوحة حديدية أسفله موقد صغير بينما انتشلت يداه احد الأنابيب يحركها ليتغير لونها كأنه بمخبره الصغير الخاص بزاوية الطاولة الكبيرة {لا أفهم لما علينا البحث عنه يمكنني الذهاب لسرقة روحه والعودة قبل أن تستيقظوا صباحا}.

{وسنبدو قتلة مهوسين، على العالم أن يعلم مقدار خبث هذا الوضيع وكذبه المنمق بكلمات التي يريد الكل سماعها، ثم ماذا يوجد بهذا؟ } رفع إدوارد غطاء الاناء الطيني الواسع قبل ان يمنعه أيدن وباللحظة التي نظر لمحتواها صرخ متراجعا وأفلت الغطاء الحديدي أرضا
البقية ضحكوا عليه، كيلان انزعج من صخبهم وأرسل أيدن سهاما حانقة إلى إدوارد المتطفل على عمله {هل أنت مصر على الموت بجرعة سم اخر؟ }.

{من يقوم بغلي عقرب في سائل لونه أغرب من لون مستنقع؟! }
{وقح مستغل للعقارب المسكينة! } همهم كيلان.

{انه عقرب سام! تنهد منه يطيحك ميتا، لكني أطيحه قبل أن يفعل بكما لو سمحتما قدرا عملي الجاد، وانقاذي لحياتكما} نطق ممسكا الغطاء مغلقا على حساء العقرب السام خاصته بينما ناظرهم بنظرات مملة، لا أحد هنا يقدر موهبته بالكيمياء وقدراته الفذة بالمحاليل وصنع أي محلول لأي موقف، إلا الوحش طبعا، المعجب بهذه الموهبة وبأنغام كمانه أيضا على السواء
{أيها الوحش المهمة هذه المرة ستكون ل...
لي طبعا أليس كذلك؟ }.

{بحقك دامياني! انها مهمة ممتعة! أحيانا أكرهك حقا! } وقف دانيال متذمرا ومطلقا الكرة بمسار ما بعيدا ثم سار بهدوء إلى كرسي جالسا بحنق ورفع ذراعه لتعود الكرة إليه بعد جولة من الإرتطامات دقيقة الزاوية والايقاع والاتجاه، لديه تلك النظرة الفذة وبثانية يمكنه تحديد مسار كريته التي رماها وأين سينتهي بها الحال، فما بالك عن مكان يحفظ معالمه غيبيا، يبدو كساحر ألعاب الخفة، الذي ينزع قبعته مستخرجا أرنبا لطيفا، غير أن به تغيرا طفيفا هو ان ما سيستخرجه هو أرنب دامي فقط.

{هذه المرة لن تكون مهمة مباشرة علينا اللعب قليلا قبل الموعد المنشود، خطاب المترشح الأخير قبل الانتخابات، علينا اشعال المعارضة ونشر فتات الخلاف بين الحزب ولهذا سيذهب داميان وهذه هي الخطة} وضحت مارثا.

Flash Back
المال المال هذا كل ما كان يقول والده له كل يوم، نحتاج المال لدفع كذا وكذا للعيش، أغرب للعمل وأحضر المال، يذهب ويكد ويعود ولا يرضي الأمر والده، لا يكفي، يقول له، لا ينفع عليك فعل أكثر عليك المقامرة بروحك لأجل المال لأنه السبب الوحيد للعيش والسبيل الوحيد كذلك للحياة.

قول هذا لفتى بعمر صغير لم ينهي تعليمه الابتدائي حتى وصار يعبد المال كعبادة الإله لأجل والده، والعودة للبيت بدون مبلغ فوق المحدد سيعرض لسخط الإله وربما هو سخط والده فقط.

بعمر العشر سنين انخرط بعصابات شارعية منحوه دراجة نارية وقام بسرقات عديدة وكان يعود للمنزل بالكثير من المال، والكثير من الجراح والأعطاب، نفسية أو جسدية، إنه حتى تعرض لكسر بكتفه بأحد الأيام ونصحه الطبيب بعدم تحريكها لشهر كامل لكنه صباح اليوم التالي انطلق بدراجته النارية، رغم انه بكى من الألم لحظتها لكنه استمر بالقيادة والسرقة والعودة بمغلفات للمال
{من اين تحضر هذا المال؟ }
{من مؤخرتي}.

{يا طويل اللسان أيها الولد العاق، ما الذي تفعله؟ }
امسك ياقة ابنه وهزه بعنف بينما يطالع الأخر مجلته بضجر ولم تتغير ملامحه البت، استمع لصراخ والده لما يقارب الساعة، من يراه يعتقد انه يريد نصح ابنه بالابتعاد عن المشاكل والطريق الخاطئ بهذه الحياة، لكن وحده داميان كان يعلم أن والده يريد أن يعلم المصدر فقط لغايته الشخصية، ليبعده هو ويحصل هو على المكان والمال، ليصير غنيا كما يفعل أبنه وهو يخطو نحو ذلك.

{كم تريد؟ يمكنني إحضارها لك بأي لحظة}
{أنت مجرد لعين! وتمتلك اللعنة، لكني سأقتلك يوما ما! }
صفعه وأرداه أرضا ثم حمل معطفه وغادر بعد انتشاله لمغلفات المال التي بعثرها ابنه بالوسط، حتى وهو يذهب متظاهرا بالكبرياء يرميه هباء عند النظر للمال ويصبح عبدا له.

خرج وجلس داميان وحيدا وقتا طويلا وهو يحدق بقفازي دراجته عندها سحب خريطة من أحد الأدراج ونظر لما حدده بقلم أحمر، لأكبر سرقة سيقوم بها، ولنقطة بداية عصابته، يحلم ان يصير مافيا يهابه الكل، يلقن كل الأولاد المزعجين الذين احتقروه يوما ويأخذ المال ممن يملكون الكثير منه سيكون مافيا بيرس ويكون زعيمها وأحد أعضائها، بالأحرى العضو الوحيد بها، لا يحتاج لأحد، لا يثق هو بأي أحد.

{عندها فقط يا أبي ستدرك أني بالفعل أملك ما يجعلني لعينا وما سيصيبك بنوبة بسبب طمعك وستركض لقدمي لأجل ان أذر عليك القليل من المال لكن أتعلم عندها ماذا سأفعل؟ لن أقتلك كلا مثلما ستفعل أنت لي، سأتركك تعيش، سأعذبك فقط}.

Now.

{أقسم أني أشتاق لك يا دراجتي كل ربع دقيقة، مرحبا صغيرتي} قال داميان وهو يشد قفازيه على كفيه، مرتديا بخفة حذاء أسود قوي البنية كخاصة العساكر وربطه بإحكام.

احتضنت الخوذة وجهه مثبتا إياها أسفل عنقه مع نظرتين لفهد أسود، أول قدم بالدراجة، برشاقة رفع الأخرى وصار جالسا بمقعدها، شغل محركها الصاخب أصدر صوتين للمحرك الزائر، وأنزل زجاج خوذته واختفت عيناه الثاقبتين خلفهما، احنى رقبته يمينا وشمالا مع طرطقة لعظامه ثم أنهى الدور لأنامله الطويلة ذات البدلة السوداء وأعادهما لمقبض عزيزته
{أنا مستعد}
همم همم مثير جدا! أرأيت أيدن لماذا أحب العمل مع رئيس المافيا بيرس.

سمع صوت مارثا وأيدن من سماعات خوذته، ابتسم بجانبية وانطلق بدراجته، الفهد صار بميدانه، بغابته يتوجه لفريسته ليحصل على عشاء الليلة، توقف بعد مسيرة ساعة الى جانب الطريق، نزل منها ودفع بقدمه مثبت دراجته النارية، من محفظة دراجته أنتشل بضعة معدات له، مسدس، عصا معدنية ذات نهاية لمنجل صغير، خناجر صغيرة زرع الكثير منها في جسده واحدة بحذائه بذراعه الجلدية، بخصره وأخيرا بقبعته.

واللعنة أستحتاج لخنجر برأسك؟ لن يفتشك أحد هناك ثق بي،
اهدئ لثواني أيدن دعني اتابع الرجل الفهد خاصتي بهدوء
سأشعر بالغيرة لهذا مارثا، ألا تهتمين لمشاعري؟
مشابك معدنية أجهزة خفية بجيوب داخلية لسترته، رمى الخوذة على الدراجة النارية وسحب قبعة وضعها لتخفي خصلاته حقيقة نظرة الفهد المخادع خاصته.

بذلك المبنى الواسع، مبنى اجتماع أعضاء الحكومة التشريعية يقف على بابها حارسان أحدهم عجوز قبيح الوجه يجلس بكرسيه بخمول بيده قارورة من الشراب الرخيص والثاني يبدو أصغر عمرا يتكئ على الحائط بملل يراقب الذاهب والعائد، التف داميان حول المبنى، وإلى خلفه لم تكن الحراسة مشددة سوى شخص يسير بالداخل من حين إلى آخر بكل الغرف.

سحب داميان من خصره العصا المعدنية وبزر خفي عليها ضغط راميا إياها كصنارة التقطت حافة النافذة، وترك لها مهمة رفعها لجسده بخفة، وقبل أن يصل للنافذة أخرج خنجر رماه أعلى انغرس حالما وصل لوجهته ووقف عليه وغرس أخرا لتتمسك به يده
واللعنة مارثا! ألن يسقط؟
إنه أخف من ريشة ألا تظن ان جسده النحيل يساعده على هذه المهمات
أجل على ما يبدو...
مارثا؟ أتحبين الرجل المفتول أو النحيل؟ يمكنني دائما التضحية بعضلاتي لأجلك.

أخرج مشبكا حديديا ثبته على زجاج النافذة لتخرج سكينة صغيرة قامت بجولة دائرية كاسرة دون ضجة الزجاج، ثم دفعها بسبابته لتخر ساقطة لولا أنه أمسكها قبل ان تفعل، وقف بعد نجاحه بالدخول، أعاد القطعة الزجاجية لمكانها بهدوء حتى لا تبدو أنها منكسرة، نظر لكاميرا المراقبة المتواجدة بزاوية الغرفة وأنحاء الغرفة خزنات كثيرة حديدية رمادية، كانت هذه غرفة الأرشيف كما هو واضح.

لوح للكاميرا ثم رفع لثامه تاركا العينان الثاقبتان تظهران من كل ملامحه الوسيمة، لكنه وجد الأمر مملا أنه دخل لهذا المكان دون ترك بصمة فريدة تليق بالهارب من السجن بسهولة بيرس داميان زعيم مافيا بيرس لذا فإنه وبكل بساطة رفع لثامه ثم وسطاه للكاميرا
أووهوو كيلان والوحش يضحكان بقوة بشكل جديد بسبب فعلتك، كيلان قال أنه لن ينتزع هذه اللقطة.

رفع داميان ابهامه مؤيدا الفكرة وهو يعلم ان فعلته جعلت الفريق يحدث ضجة بالمقر الآن وبكل تأكيد، هم يحبون هذا خاصة منه، من الصامت المخادع
{والآن أين هي الخزنة المنشودة، أولا}
مرت سبابته على طول الخزنات، وهو يراقب أرقامها بهدوء إلى أن وصل للرقم عشرة، فتوقفت يداه، نقرات خفيفة وفتح الخزنة ليجد أنها تحوي الكثير من الأوراق والتي لا يريد قراءتها الآن لذلك سحب محفظته فتحها ودس كل ما بها داخلها.

داميان واللعنة عليك قلت أريد ملفا واحدا لما تحضر كل هذا، هل سأقرأها كلها لأعلم أين ملفي!
رفع داميان كتفيه بقلة حيلة، وراح يغلق الحقيبة راميا إياها بظهره ثم وقف واضعا يديه على خصره وسحب حبلا خفيفا طويلا، ببادئ الأمر يبدو عاديا لكن سرعان ما ظهرت تلك الكرات الصغيرة المثبتة عليه
انظر الى اختراعي الجميل يزيد معداتك جمالية، انها افضل اختراعاتي والتي ستكون مفرقعات بالسماء الليلة لحسن الحظ هي صافية.

كان إدوارد المتحدث وهو يلقي بكلامه بحماس واضح بينما استمر داميان بسحب الخيط من سترته يسير بالأرجاء ويتركه كأثر على مكان سيره حتى جال كل الغرفة وتوقف بنهاية الخيط، فتح الباب بهدوء وخرج، داميان يدخل من النافذة ليبدو سارقا، يتعرف عليه المكان ثم يتواطأ معه فيتركه يخرج كسيد له من الباب.

هكذا اعتاد داميان على سرقة محلات المجوهرات والبنوك المالية الكبيرة دون رنة واحدة لجرس انذار، لكن هذه المرة لم يكن المكان فارغا بل الحارس بهت عندما رأى فهدا أسودا يخرج من غرفة الأرشيف فانتشل مسدسه بسرعة يهدد به داميان باللحظة التي أخرج بها الاخير خنجرا صغيرا
{أتواجه مسدسا بخنجر أيها المسكين؟! ارمه حالا! }
{عجبا هذا ما كنت سأفعل بالضبط}.

قبل أن يدرك التف داميان يمينا راميا الخنجر على كتف خصمه الذي لم تسعفه ذراعه المصابة على اطلاق النار بعد ان اخترق كتفه الخنجر الصغير الذي استهزئ به قبل لحظتين، توجه له، مصوبا مسدسا عليه بحيث توقف الحارس دون حراك يمسك كتفه بألم.

التقط داميان مسدس الحارس ونزع عنه رصاصاته ورماه جانبا ثم أخذ خنجره ساحبا إياه من كتف الحارس المرتعش الأن ليزداد نزيفه أكثر وهو يراقب داميان هو يسير بخطوات هادئة كل الهدوء هنا وهناك
كقط لن تسمع من خطواته شيئا، ثم جلس أرضا ساحبا من محفظته شريطا لاصقا عريضا وحبلا
حينها علم الحارس مصيره
من النافذة التي دخل منها داميان علق الحارس رأسا على عقب بشريط لاصق على ثغره.

لم يكن المبنى ذا حراسة أغلب السنة سوى هذه الأشهر بسبب الوثائق المهمة التي يخبئونها هنا قبل الانتخابات التشريعية والتي قد سبق وقرر الرؤساء الأعالي من سيتم اختياره بالفعل، الانتخاب ذريعة للناس والمجتمع بتحقيق الديمقراطية فقط، أيتم انتخاب ترامب مثلا ثم رؤية معارضة وسخرية جل الشعب من هذا الرئيس الأحمق؟ هل من المنطقي ان الأغبياء فقط من ينتخبون؟ ام أن المحتالون هم من يقررون من الغبي الذي سيتم اختياره ببساطة؟

هكذا تكون الحكومات الفاسدة، هكذا يكون العالم الذي تحكمه المصالح الشخصية لكبار الشخصيات، هكذا ينتشر الفساد على حساب الإصلاح بكل النفوس الطماعة والجشعة بالثروة والجاه والسلطة وأغلبهم يكونون مفتونين مخدوعين عشاق عبيد لرغبات مضرة، يصيبهم العمى عن كل الحقيقة.

الحقيقة أنه يتم استغلالهم، فالجشع جشع ولن يشارك أحد ما يريد، بالنهاية ستكون هناك فئة قليلة طمعها ودهائها كان أقوى للسيطرة حتى على عقول الجشعين الصغار الذي يظنون أنفسهم بالأعلى وهم مجرد حجر في رقعة شطرنج سيتخلصون به في سبيل حماية الملكة!

خطى داميان خارجا وإلى أن صار بالحديقة نظر لمن يقفان عند الباب دون أن يعلما من يوجد خلفهما، تنهد بملل و أخرج مشبكين حديدين، وباللحظة التالية كانا واقعين أرضا، يغطان بنوم عميق.

أمسك العجوز وسحبه قليلا لكنه استفرغ من الشراب المقزز الذي كان يشربه قبل قليل وهذا أغضب الفهد الأسود، مما جعله يرميه بعنف شاتما إياه وتوجه للأخر، قيده وبحث عن هاتفه امسكه وخبئه بسترته ووضع هاتفا أخر شبيها بالذي أخذه في جيبه وتركه مرميا أرضا
{حسنا انتهت المهمة، بمنظر مقرف نوعا ما، أتعلم ماذا؟ سأجعلك تدفع ثمنا}.

امسك القارورة الزجاجية التي كان يشرب منها هذا المقرف وكسرها برأس الشاب ثم أمسك قطعة زجاجية وجرح بها ثغر العجوز
{عمل بطولي أيها العجوز، أتضرب زميلك هذا سيء، لما تثمل وتضرب صاحبك، يا للحظ لقد ضربت خائنا وأنت ثمل بطولة في القمامة، بدل رمي مالك في الشراب الرخيص اذهب واشتري لزوجتك زهرة ما، يا الهي أشعر بالغثيان بالفعل}
لن أغضبك بحياتي داميان، أنا أحبك تعلم ذلك؟ هل أشتري لك وجبة عشاء؟

وصل لدراجته، اتصلت مارثا بالشرطة مخبرة إياهم أن سارقا يخرج من المبنى بخفة لكنه التقى ثملا وتشاجرا في منتصف الليل وهذا أضاف بهارات إضافية محببة للفريق
مسح داميان على دراجته انحنى تاركا أنفاسه الحارة تلفحها ثم قبلها بخفة ليستقيم مبتسما برضا، ربما يراضي دراجته على تركه لها بموعد لهما.

في منتصف ليلة بعد بلاغ مجهول وجدت الشرطة في مبنى التشريعيات رجليين ملقيين أرضا أحدهم كان ثملا والأخر أغمي عليه بسبب ضربة على رأسه من الأخر ووجدوا هاتفا والذي يحوي على رسالة مهمة من بلاك ليو هو المترشح للانتخابات لهذه السنة، الرسالة تقول أنه سرق الملف المطلوب منه وأرسله مع أحدهم لكن وقبل ان يدخل رجال الشرطة إلى الداخل انفجر المكان في خطة يصفها الناس بالمحكمة، محترقا بالكامل وهذا جعلهم يجهلون طبيعة الملف المسروق، توجهت السلطات للتحقيق مع بلاك ليو هو واكتشفوا بضعة دلائل بحاسوبه المحمول لكنه نفى الأمر مرارا، ولم يفصح حتى الآن عن طبيعة الملف المسروق رغم ضغط الشرطة عليه، تقول بعض المصادر أنهو وقع تحت مؤامرة من منافسيه وبعض أخرى تقول ان بلاك ليو هو لا يستحق الحصول على المنصب لأنه محتال مخادع.

{فعلا رؤساء الأحزاب يصيرون مجانين عند قرب الانتخابات}
لم تكن هذه قضية مسلمة لها، لم تكن لأن أريل ماري لا تحب تسلم القضايا السياسية، لهذا اكتفت بمطالعة الأحداث من بعيد هي وراتشل بشاشة التلفاز الكبيرة أعلى حائط مكتبها، لكنها أخفضت بصرها متطلعة حولها، تبحث عن أحدهم لم يأت إلى هنا بعد لكنها لمحت امرا مريبا بذراع راتشل الشارد بالتلفاز
{ما الذي حدث لمعصمك راتشل؟ }.

خرج من شروده ونظر لها مستفهما قبلا لما تردفه لكن انظارها العالقة بيده جعلته يخفض بصره، الى تلك العلامات الموجودة بذراعه والتي لا يعلم سببها الا هو وبذلك انزل سترته مغطيا اياها واكتفى بالنفي براسه مبتسما فقط، علمت حينها انه لم يرد ان يتحدث بالأمر فنظر لمعصمها، الوشم به، الوشم الوحيد به كانت ستغطيه هي الاخرى لكنها ادركت ان راتشل سبق ولمحه فرفعته له مبتسما ومبعدة الجو الغريب عنهما.

{حصلت قبل فترة على هذا الوشم اليس جميلا؟ }
{الا يشبه وحشا؟ }
{القصة الوحيدة التي احببتها بطفولتي هي الحسناء والوحش}
{ولما اخترتي الوحش؟ }
{لطالما احببت الاشياء الغامضة، انه السبب الذي جعلني اصير محققة وباحثة عن العدالة}
نجحت بابعاد الجو الغريب، لكن كلاهما صمتا قليلا عندما تذكرا انهما في خضم مواجهة للوحش لذلك انزلت ماري بصرها وتحدثت بهدوء
{وربما هذا ما سيجعلني اتذكر الوحش دائما لأهزمه}.

بعد هذا الحوار الجاد صمتا، راتشل يستذكر سبب الندبات بذراعه، للذكريات المؤلمة فقط، لانه يحب ولكن حبه يجرحه ومع كل شعور جارح لقلبه يوجهه لذراعه كمحاولة لابعاد الالم عن داخله بالم خارجه، هو يعلم انه مثير للشفقة لكنه هكذا لا يتغير، يكون معتدلا لكنه عندما يتعلق يحذو حذو الهوس والذي لايكون بالعادة صحيا كثير
{ألن يأتي ماركوس؟ }
قاطعت ماري جلسة شروده بسؤالها عن صديقه وزميله.

{ماركوس؟ اوه لا أعلم، لم يتسلم أي قضية هذه الأيام على كل حال، قال أنه لا يشعر أنه بحالة تسمح له بالتحقيق}.

نطق راتشل بدون مبالاة يتفحص بضعة أوراق له لكنه ما إن ألقى نظرة خاطفة على ملامح ماري فجأة ووجدها تميل لوجه لم يره قبلا بماري نفسها، كان شعورها مزيجا من التساؤل عن أحوال شخص معين، الفضول عن حالته، شعور سيء يقول أن الأمر ليس على ما يرام وشعور أخر متفائل يقول أنه مجرد إعياء من العمل، فيتحول هذا الشعور إلى سيء أيضا فمعناها أنه متعب ويتعب نفسه مثلما ما رأت منه من أيام سابقة، ثم تراودها أسئلة مثل أهو بخير؟ هل تدعوه لكوب من القهوة؟ حينها ستطلب مثل طلبه بالتأكيد.

{هل أنت قلقة عليه سيدة ماري؟ }
{قلقة؟ لا كلا البت، انه فقط متعود على القدوم باكرا هذا فقط}
أجل كانت قلقة، لكن قلبها قفز عندما فتح باب المكتب كاشفا عن المتحدثين عليه، بتلك اللحظة لمح الأنظار تحملق عليه ورغم أنها أول مرة يفعلون به هذا، لكنه منحهم ابتسامة فقط وبتلك اللحظة أيضا علمت ماري أن قلقها تضاعف أكثر عندما رأت مدى شحوب وجهه والتعب واضح جليا عليه.

{ماركوس، يا الهي هل انت بخير؟ أأعني سيد ماركوس، تبدو متعبا}
{اوه أجل في الواقع، أفكر كثيرا هذه الأيام، ماري} نطق اسمها مجردا وارسل ابتسامة ملائكية لها، يخبرها انه لا يمانع حتى ان قفزت من رسمياتها معه كونها بالنهاية زميلة عمل ولا بأس بذلك بالنسبة له.

هو حتى أخبر راتشل ألاف المرات بعدم دعوته بالسيد لكنه لم يرد متحججا أن لسانه تعود بالفعل، أو ربما لأن راتشل نفسه معجب بزميله في عمله ويذكر نفسه بذلك أن عليه أن يكون أفضل كل يوم مثل نوفيشن ماركوس، والآن صارت مثله ومثل أريل ماري.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب