رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الحادي عشر
{دونغ هيرومي رئيس فندق المشاهير كما يلقبه الكل، خمسيني لا خلفيات إجرامية، مزدوج الجنسية: بريطاني ياباني، لا أعداء معلنون وجد مشنوقا مختنقا مع جرعة من المسحوق الأبيض بثغره، كرسي وسرير لا يحوي أي أثار للمسه، فريق البحث الجنائي كشف عن وجود أحماض نووية لشخصين بالغرفة، رئيس الفندق ومساعده روبن وتثبت الدلائل حتى هذه اللحظة أنه مات مختنقا مع جرعة زائدة للمسحوق الأبيض}.
{لكنه كان معلقا إلى حبل، أكان يخطط للانتحار به ثم استبدله بطريقة أخرى؟ }
سأل ماركوس لكن راتشل رفع كتفيه بقلة حيلة ونظر إلى المحققة التي تسلمت هذه القضية: أريل ماري وهي تقرأ التقرير بحرص لأي تفاصيل ثم وضعته بهدوء وراقبت زميليها بهدوء ولازال واضحا أنها تفكر بعمق بصوت مرتفع
{حتى الآن ما هو واضح، أنه تعاطى جرعة زائدة من المسحوق الأبيض منتحرا، إن لم يكن قتلا متعمدا}.
{قتل متعمد؟! لا يمكن! ان كل الادلة تشير الى انه انتحر بطريقة مختلفة غير مسبوقة، لكن لما سيضع حبلا حول عنقه ويصعد كرسيا إذا كان يقرر الموت بجرعة زائدة؟ } تساءل راتشل بحاجبين مقطبين
{ما يهم هنا لما يترك الضحية مغلفا أخر من المسحوق الأبيض قبل موته؟ الكمية أكبر مما يحتاجها للموت بأضعاف} وضحت ماري بهدوء.
لاحظت أنه يوجد مغلفين، وان كان المتوفي قرر استعمالها فيستكفي حاجته واحدة فلما يوجد مغلفين أحدهم ممزق والأخر سليم، وقفت ونظرت إلى صورة الضحية مليا ثم أشارت إلى الكرسي المرمي جانبا وإلى وجه الضحية استنتجت التالي: {ان شخصا يفكر بالانتحار قد يتعاطى مهلوسات قبل الموت لذا فإنه قتل نفسه مختنقا بكل تأكيد}
{ماذا عن الجرعة زائدة؟ }.
{يمكنني تعاطي الكثير وقبل الموت أقوم بشنق نفسي، إن العملية جيدة لتمويه سبب الموت، لكن تركه لعينة من المسحوق الابيض يوحي بأمر ما، هو دليل خفي يجب أن نحسن النظر له من زاوية أخرى إن الأمر برمته وعدم منطقية طريقة الانتحار عبارة عن رسالة! } اتسعت عيناها عندما أدركت أمرا، القضية تتحداها بخفية، وهذا ما سيجعلها تصر على الفوز بأي ثمن، عليها فك هذا اللغز.
انتشل ماركوس الذي كان صامتا طوال الوقت صورة الضحية وحدق بها مليا متفحصا أثار الشنق على عنقه، بقايا المسحوق الأبيض بثغره وعنقه، متناثرا على الكرسي أسفله أيضا وفم الضحية مفتوح وعيناه جاحظتان
{أظن انه مروج وبائع للمخدرات ويمكن أنه يشير إلى شركائه؟ لن يسقط وحده بل الجميع معه}
{بالضبط! أحضر مساعده الآن وافحص العينة اللعينة من هذا المسحوق أريد أن أعلم كل التفاصيل عن مكوناتها ومصدرها}.
{روبن مساعد رئيس الفندق دونغ هيرومي توفى ليلة أمس تعلم ذلك؟ } سألت ماري روبن في غرفة التحقيق بعد أن تم إحضاره
{لا أعلم أي شيء، لا أعلم لم أكن معه لا أعلم أي شيء}
{تعاون معنا، كاميرات المراقبة تظهر أنك دخلت غرفة ثم دخل بعدك، ثم خرب أحدهم الباقي، الدلائل تشير إليك إذا لم تساعدنا}
{أقسم أني لم أفعلها، أرجوك لا أريد الموت}.
{لن تموت، أنظر روبن لن أسألك إذا قتلت رئيسك أنا أعلم أنك لم تفعل أخبرني فقط إذا كنت أو كان هو متواطئا مع أشخاص تجار للمخدرات؟ }
{بعض المشاهير الذين لن أستطيع ذكرهم كانوا كذلك}
{هل كان له أعداء مخفيين؟ }
لم يجب وهنا تنهدت ماري لتضع بقوة عينة المسحوق الأبيض فوق الطاولة وراقبت ردة فعل روبن والذي جحظت عيناه بخوف ورهبة.
{قلت له لن أساعدك لقد أجبرني تلك الليلة على عدم فضح أمره وأنه سيتخلص مني إن أخبرت أحدا عن تجارته الخادعة}
{لما انتحر إذن؟ أخسرت تجارته؟ }
{لم ينتحر بل قتل! لكني لم أفعل لست أنا أقسم بذلك خرجت قبل أن يموت ليلة أمس}
{قتل؟ }.
نهضت وأشارت للحراس بتكبيله ورميه بالسجن المؤقت بينما ظل يصرخ أنه لم يفعل أي شيء وانهم يريدون قتله، إنهم تركوه فقط لبضعة أيام، وأنهم محقين بما قالوا له أن الشرطة لن تصدقه مهما فعل، عندما أخرجوه من قاعة التحقيقات التفت روبن يبحث عن منقذ ووقعت عيناه على ماركوس فأفلت بشكل ما من حراسه وتعلق بذراعه يجتذبها إليه مع نظرة هلعة بمقلتيه توسله بنظراته ثم بلسانه.
{أرجوك ساعدني أيها المحقق سيقتلونني لأني تعاونت مع رئيسي وأخفيت أمره}
{من سيقتلك؟ هذه العقوبة جزاءها السجن، الشرطة لا تقتل أحدا} قال يشير للحراس بالتريث للحظة قبل سحبه بعيدا عنه، ليسمع الكل البعض مما يريد هذا الصارخ قوله
{لا لابل إنه قاتل رئيسي! }.
{الدلائل تشبت أن رئيسك مات منتحرا يا سيد روبن} أشار لهم المحقق فسحبه الحراس وأبعدوه وظل يصرخ أن رئيسه قتل ولم يمت منتحرا، لكن ربما يبعد بذلك شبهات تعاطيه أو تواطؤه مع رئيسه بتجارة المخدرات لهذا سيظل تحت السجن المؤقت خاصة وأن الدلائل تشير إليه ببعض التفاصيل
جاء راتشيل بهذه اللحظة ووقف جنب ماركوس الذي يحدق باهتمام في الجهة الذي ذهب بها الشرطة مع روبن، لكن قول زميله أخرجه من شروده.
{راتشل أين كنت؟ السيدة ماري كانت تبحث عنك}
{كنت. بالجوار فقط، هل ذهب روبن؟ }
{اجل سنضعه بالزنزانة المؤقتة حاليا، هيا لنذهب}.
نقر على أزرار كلمة مرور شقته وولجها في ظلمت ليلها، كان يوما متعبا بقضية مهمة وكبيرة، توقف عن العمل هو وماري بعد اصرار من راتشل على ان ينالا قسطا من الراحة لهذه الليلة واستكمال البحث غدا فغادرا تاركين اياه هناك
اغمض عينيه عنما اخترق سمعه تلك الاصوات، بل صوت واحد متكرر بكل زاوية من هذا المنزل، استلقى على الأريكة فتح زرين من قميصه وتنهد زافرا الهواء بقوة
لا تنزعج.
وقف وتوجه صوب الحمام نازعا سترته لكن إطار الصور ذاك أوقف سيره وجعله يحدق به برهة
يالها من ذكريات
رمى سترته أرضا وحمل الاطار بيديه ينظر للصورة، تلك الابتسامة بوجهها، وتلك النظرة بخاصته، وهذا الجرح الدامي الآن بقلبه، تلمس أيسر صدره العاري كمن يتحسس هذا الجرح بهدوء ولانت عيناه.
{سوزي؟ لا تعودي هذه الأيام لأني لست جديرا لأتذكرك بعد اتفقنا؟ سأعيد روحك بالوقت المناسب، وحينها فقط سيجوز لي الإحساس بك، همم اختي الصغيرة؟ انتظريني}
مسح على صورتها بهدوء، ابتسامة باهتة واعاده لمكانه عندما ولج الحمام وشغل المياه تاركا القطرات تبلل شعره بهدوء وبرودته تبرد جسده وتريحه بشكل ما
سأشتاق لك.
ناظرت اللوح المعلق عليه صور للضحية، للغرفة، لعينة المخدرات، للكرسي، أثار الشنق، للمساعد روبن، للقطات من كاميرات المراقبة والأهم لأثار حقنة بذراع الضحية، وهذا يشير إلى امر معين، أن الضحية قبل موتها كان معها شخص ما، سواء تم غرز الابرة باردته ام لا فان هذه الابرة ناقصة ولا أثر لها بمسرح الجريمة ولابد أن أحدا أخذها إذن.
قد تكون لحقن المهلوسات، وكل انواع الممنوعات، لكن من يعقل انه أخذها، روبن اذا كانت القضية انتحارا، او القاتل اذا كانت القضية جريمة قتل
{أثار على عنقه ثغره مملوء بالمسحوق أمات مختنقا عمدا بالشنق أو بالجرعة الزائدة؟ أم أنه قتل؟ وبهذه الحال من يمكن ان يقتله؟ }
{شخص يتعاون معه في تجارته غير قانونية بكل تأكيد} إقترح راتشل ينتظر تأييدا ما من ماركوس أو ماري.
هضمت المعلومات التي تمتلكها، وكل احتمالات مسارات أسئلتها وإلى أين تنتهي وبهذا يمكنها معرفة المسار المسدود من المفتوح والوصول إلى نتيجة ما، وللمزيد من المعلومات جلست إلى مكتبها حدقت بالفراغ قليلا وأمسكت شعرها بربطتها، تمردت منها بضعة خصلات مصفرة لم تهتم لها وبعيناها الحادتين تطلعت إلى راتشل قائلة
{هل أحضرت قائمة نزلاء هذا الأسبوع بالفندق؟ }.
{أجل بضعة ممثلين ومغنيين وأفراد العائلات النبيلة ها هي ذي القائمة، الفندق فاخر لهذا نزلاؤه من الطبقة المخملية}
ماركوس الواقف بزاوية المكتب يتطلع إلى النافذة كان يعلم جليا ما تحويه تلك القائمة، إن أفقر من بها يملك عقارات كثيرة وهذا ما سيهدد مسيرة التحقيق فلا يريد أحد المساس بسمعة وكبرياء شخصياتهم وعائلاتهم وتهديد مهنهم ومكانتهم بالمجتمع.
انعكاس الغروب على وجهه وتشكل خطوط الحمراء على الأفق جعل من المكتب يميل للاصفرار، تعلن الشمس على نومها ودون أن يعلم أحد يعلن وحش الظلام عن استيقاظه وبالأساطير والخرافات قضى عليها وهيمن هو الظلام، خلا المكان إلا منه وداعبت أشعة الشمس المحتضرة بشرته تستنجده تخبره أنها لا تريد للظلام أن يحل حتى لا يعود الوحش لكنه أدار ظهره لها ووعدها أنه سيخذلها كما سيخذله القمر عند تركه لها تشرق مرة أخرى دائما والى النهاية.
من شروده لم يلحظ ماري تراقب تغير تعابيره، كلمات طائرة من عينيه لا تعيها، ملامحه الثابتة على ما لا يدركه عقل، على قطع من ذكريات محطمة مهشمة على أثار دموع انزلقت يوما على خديه اختطفها بعنف وصارت حفرية غير مرئية الى لنفسه عندما ينظر بالمرآة
نطقت ماري قائمة النزلاء واخترق سمعه تلك الأسماء فشد قبضته ونظر إليها مانحا إياها أذناه
{، . همفريز إدوارد وأخيرا فولر كاترين، أحضر هؤلاء للاستجواب أيضا}.
{لكن ماري إنهم كبار الشخصيات لن يفهم هذا بطريقة جيدة} قال راتشل بعينين متسعتين، جذبت كلماته اهتمام ماركوس، أصغى السمع وانتظر بلهفة لم يعهدها ردها حينها وقفت وتطلعت أنظارهما إليه وانتهت تحدق براتشل بنظرة واثقة متحدية
{ليست الجرائم حكرا على صغار الشخصيات، قلت للاستجواب وإن لم يقبلوا يمكنهم رفع دعوة قضائية ضدي}.
كان يعلم كلاهما أن لا أحد يقدر على ذلك فإن كانت من تستهدفهم من كبار الشخصيات فهي كذلك تعد، والصراع هنا ستنهيه السلطات بطرق ملتوية
{ان للأثرياء قدرة أكبر على فعل الكثير من أنواع الجرائم لأن ما بظهورهم يحميهم}.
منحت ماركوس نظرة متفاجئة، أعجبها رأيه أعجبها قدرته على نطق ما جال بنفسها وأعجبها عدم توانيه عن تحقيق العدالة، لم تعلم أن عدالته خاصة أكثر، لأجل ما حدث بالماضي صار هو من يجدر به تحقيق العدالة بشكل خاص، ولم تعلم ايضا أن الفضل لجملته يعود إلى التنبؤ بالكلمات التي كانت ستقولها
رن الهاتف قاطعهم فانتشلت السماعات علقتها بأذنها وأصغت السمع عندها لم يبد أن ملامحها تغيرت لكن.
ارتعاش أصابعها، رفع مقلتيها من الأرض إلى الافق، شدها على شفتيها كل هذا يدل على أن خطرا حدث، أمرا غير مرغوب تدركه جيدا ماركوس
ابتسم ماركوس بوهن حرك ساقاه وإلى باب المكتب أمسكت كفه مقبضه وفتحه، لم يدر راتشل أن المغيب حل وبعد اربعة ايام من التحقيق سدت كل أبواب الاحتمالات وأصغت للواقع ولما تريده الأنفس غيرها.
وضعت سماعات الهاتف بمكانها خرج ماركوس من المكتب وخرت قواها وجلست إلى كرسيها رامقة الفراغ بنظرة أكثر فراغا، تحركت شفتاها بكلمة اللعنات {أغلقت القضية لأسباب سياسية، سيقولون أنه انتحار فقط حتى روبن، }.
أغلق بهذه اللحظة ماركوس الباب وغادر، كان يعلم ان هذا سيحدث كان يعلم أن رئيس الفندق الشهير والذي رواده من كبار الشخصيات لن يسمحوا بتلوث أحذيتهم بدماء الضحايا، كان يعلم جليا أنه لو كان انتحارا لما أوقف التحقيق وأن نظرة روبن تلك وصراخه أنه سيموت لم تكن سوى الحقيقة وكلمات أخيرة
{روبن وجدت جثته بالسجن بجرعة من سم في قارورة كانت معه بشكل ما}.
اهتز هاتف ماركوس معلنا عن وصول رسالة، انتشله من عمقه وظلامه وأخرجه للعيان ونظر للرسالة من رقم مجهول، الجريمة بتفاصيلها.