رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الثالث
تراوغت عجلتي دراجته النارية ذات المحرك الصاخب يمينا ويسار، خلفه سيارة سوداء ودراجتان ناريتان تطاردانه وأبواق سيارات الناس الغاضبة منهم
جاءه صوت بسماعات أذنه المثبتة على تلك الخوذة التي تخفي أي ملامح لوجهه مع سترة جلدية تحتضنه
{استدر يمينا عند أول منعطف}.
فعل الأمر، تبعته السيارة والدراجتان أطلق أحد رصاصة لم تصبه حتى، سحب هو الأخر مسدسه التفت بمقعده إلى الخلف صار يجلس معاكسا لدراجاته النارية دون مبالاة أو شعور بالخطر بوجهة دراجته فهناك من يراقبه ويحرص على توجيهه
رصاصة لعجلة السيارة وخرجت عن طريقها، سحب من ذراعيه مجسمات حديدية ورماها بطريق كلا من الدراجتين واتضح أنها متلفة للعجلات فتخلص بطبيعة الحال منهما أيضا.
{مفترق طرق بإشارة ضوئية بعد خمسة أمتار انعرج يسارا}.
وضع يديه أسفل المقعد وبسرعة لف جسده معاكسا فصارت يداه على المقبضين ينعرج يسارا ليواجه فجأة مطبا مكنه من القفز بدراجته إلى أن تجاوز مفترق الطرق ثم توقف بحدة محدثا صوتا صاخبا ورائحة احتراق للعجلات، نزع الخوذة نفض يديه قليلا لاعنا شدته على المكابح ثم نظر للسيارة التي تغوص بنارها الآن، والناس تنقذ أصحابها والذين لن يحبذوا الخروج من جحيم الموت للذهاب إلى جحيم الحياة.
{كان يمكن أن تقولي أنه يوجد مطب لأجهز نفسي}
{أنا أثق بقدراتك على القيادة رئيس بيرس}
ابتسم بجانبية بهدوء على الجواب، وحرك خصلاته يمنحها الهواء بينما يضحك مع نفسه وعلى جنونه بالقيادة، يا لذلك الشغف المجنون الذي يضع حياته على المحك ومع ذلك يكرر الأمر دائما، صار متعودا على المشي بمحاذاة النهاية هو ودراجته النارية السوداء ثم العودة دون ان يصيبه مكروه.
كان ذا ببنية جسم نحيلة ومرنة، تجعله رشيقا ومحنكا في حركاته، بدلاً من قوام مثالي وعضلات قوية. شعره، بلون بني ماهوغاني غامق، يصفف بخفة إلى الخلف مع تساقط طبيعي يضيف لمسة من العنفوان والجرأة إلى مظهره العام، ممنحًا إياه لمحة أنيقة ومتمردة، عيناه عميقتان وملتهبتان، تتمتعان بلون عسلي يسطع صفرة في ضوء القمر، تحملان مزيجًا من القوة والغموض، معبرتين عن طبيعته المعقدة والصراعات في ماضيه، ملامح وجهه حادة ومحددة، مع فك قوي يضيف إلى هيبته وعزمه، يمتد ندبة خفيفة على عظمة وجنته، بصمة تذكر بمواجهة سابقة تركت أثرها.
شعر بتحديق ما على الرصيف فنظر ليجد شابة تقف بينما ثغرها مفتوح من المفاجأة فغمز لها فيما امتطى دراجته التي زأرت كفهد أسود عند انطلاقه وغادر المكان
مثل الشياطين اللامعة، بحق الجحيم هل هو حقيقي؟
.
.
.
.
.
.
.
.
.
توقف بمكان ما فارغ، لبث دقيقة حتى تحركت الأرض تحته لتنزل للأسفل بينما أحكم إغلاقها من الأعلى، مرحبا بمقر بيرس داميان السري، إنه أشبه بالرجل الخفاش، باتمان عصره لكنه ليس للخير مثلما يظنون، داميان أفضل سارق بالبلد
إنه حتى رئيس مافيا مثلما يقول الكل فخططه يستحيل أن يقوم بها وحده، لا أحد يعلم أن مافياه كاملة مكونة من فردين فقط! عقل مدبر بحكمة وعقل منفذ ببراعة.
{أهلا رئيس داميان، تهانينا كانت سرقة محترفة}
{شكرا، لك الفضل بذلك أيضا}
قال واضعا حقيبة وفتحها عندما أشرقت بأكوام الأموال التي أخذها داميان من أحد الأغنياء الأغبياء، خزنة تحوي على الجنة بعينها كانت من نصيب داميان الآن.
بيرس داميان سارق محترف لم تعرف الشرطة طريقة سرقته إنه يأخذ المجوهرات من المحلات الكبرى دون أن يضطر لكسر نافذة واحدة ولا قطعة زجاج حتى، يأخذ كل شيء كأنه صاحب المكان، أجهزة الإنذار تصبح متواطئة معه، لا ترن إلا عندما يخرج ويغادر المكان كليا، كما القط لن تسمع وقع خطواته أبدا
سأل الشرطة والمحققون سؤال واحدا: كيف تقوم مافيا بيرس بالسرقة دون إحداث جلبة؟
المقر أوسع من أي مستودع فارغ، يحوي كل ما يحتاجه الاثنان، أجهزة وشاشات مراقبة بأحد الغرف
غرفة للأسلحة وأخرى مكتب راق لداميان ولخطط مهماته وسرقاته، خريطة عملاقة للمدينة تقبع بالحائط خلف كرسيه عليها خطوط حمراء لمقر السرقات التي يهواها الكل، على مكتبه تموضعت حقيبة سرقته لليوم ومارثا تتأرجح بكرسي رئيسها الذي اتخذته مجلسها الآن تراقب الحقيبة الجميلة لعيناها
{اووه إنها كثيرة هذا رائع داميني! }.
ابتسم الأخر بجانبية لكنه أغلق الحقيبة ومدها كلها لمارثا عندما تعجبت الأخرى، داميان يستعمل أرباحه دائما بتطوير أجهزته، دراجات سيارات ومعدات لسرقة سهلة سريعة ولأسلحة خطيرة مثيرة لكن هذه المرة كانت له خطة أخرى
{سأسافر لفترة قصيرة، اتصلي بالشرطة وأخبريهم أن رئيس مافيا بيرس بساحل العاصمة}
{أين ستذهب؟ }
{لساحل العاصمة}
{أه إنه الآن؟ }.
أومأ داميان، اتجه لحائط ضغط زرا كشف عن رفوف لمفاتيح معلقة، مرر أنامله على طول مفاتيح سيارته وتوقف بواحدة، انتشلها وغادر ملوحا لمارثا براحة يده بينما هزت الآخرى رأسها مبتسمة لصديقها، توأم روحها ربما، وما أحلى أن يكون شريك جرائمك
نظرت للمرآة الصغيرة المتموضعة فوق المكتب.
شعرها أحمر داكن يصل إلى منتصف ظهرها، تنساب خصلاتها الكثيفة بحرية وتتأرجح مع حركاتها، مما يضيف لمسة من الحيوية إلى مظهرها، عينها اليسرى تتمتع بلون أخضر زمردي رائع يعكس نظرة متأنية، بينما التحفة الغريبة تكمن في عينها اليمنى أين تظهر عين مركبة ذات عدسة مصنعة حمراء، ذات بشرة نضرة وخالية من الشوائب، تبدو مثل الخزف الأبيض المصقول، ملامح وجهها ذات خطوط ناعمة وأنيقة، مع شفتين محددتين تنضح بالحسية والقوة الصامتة، ومع ذلك ابتسامتها مثل شروق الشمسوالتي تفضح حقيقة أنها امرأة مهما حاولت اخفاء ذلك عندما تكون خارجا.
{للمرة الأولى بتاريخ مافيا بيرس ستمسك الشرطة برئيس هذه العصابة، يا له من أمر مثير حقا}
--------- --------- --------- --------- --------- --------- ---------.
Flash Back
--------- --------- --------- --------- --------- --------- ---------
{أتمنى العزف على البيانو أخي}
{سوزي بالكاد لدينا نقود تكفينا، أنظري حتى أننا نبحث عن بعض الملابس لك للسنة الجديدة لا يمكنني دفع مقابل دروس البيانو أيضا، سنجد حلا ما بالاعدادية لكن الآن لا نستطيع حسن؟ }.
الكثير من الملابس المعلقة الخاصة بالأطفال، السعر باهض نوعا ما، وجهه شاحب هالات أسفل عينيه، ومفاصله مرهقة من كثرة حمل الصناديق والركض هنا وهناك إضافة لتدريبه كشرطي مستقبلا، فقط ليستطيع شراء ملابس جديدة لأخته
ملامحها كانت عابسة قليلا، لكن ليس لرفضه
بل لحالته.
هي لم تتذمر قط عن حالتها المعيشية، لم تكره عدم قدرة أخيها على تحقيق أحلامها الصغيرة، لم تكن كباقي الأطفال تبكي لأجل لعبة جديدة إنها حتى لم تكن تطلب منه شراء الألعاب لها، وعند عرضه ترفض بحكم أن الألعاب لا تعجبها، لا فائدة منها كما تقول، او سخيفة الفكرة
{لنشتري فستانا جميلا من اختيارك}.
داعب خدها بسبابته عندما رآى عقدة حاجبيها قليلا، لم يعجبه كونه رفض تحقيق أمنيتها، وان كان أجلها فقط فهو وعد أن يكون جنيها السحري
يأمل فقط أن تكون صبورة قليلا عليه وسيحضر المستحيل ليركع لها، فهي تستحق كل ما تريد
{أبيض أبيض! أريده أبيضا! }
{لكن الأبيض لون ممل قليلا ألا يبدو لك ذلك؟ }
ضحك على قفزها بسعادة وهي تصيح متحمسة بلونه، لم تقل قبلا أن الأبيض لونها المفضلة وها هي تريد فستانا بهذا اللون؟
{كلا يمكنني تلطيخه بأي لون أريد حينها كالأحمر مثلا}
{تلطيخه؟ ما الذي، }
{هذا مضحك، هذه الصغيرة ممتعة حقا، أهي ابنتك أم أختك؟ لا تبدو كبيرا أيها الأب العازب}
كان صاحب الجملة الأخيرة المقهقة بمرح، عينان صغيرتان دقيقتان، بشرة شاحبة يرتدي سترة جلدية وقفازات سوداء بيده، يقف بينما يمسك قبعته التي نزعها للتو مع ابتسامة جانبية بطبع ذو ملامح هادئة
{ماركوس أخي، لا أملك أب لق، }.
اسكتها ماركوس بسحبها خلفه كون هذا الرجل قبالتهما يبدو كفرد من عصابة شارعية بهيئته السوداء المبعثرة
هنا تدخل صديق هذا الغريب وهو يرتدي نظارات مع بضعة خصلات حمراء منسابة من قبعته، ملابسه مرتبة مقارنة بصديقه الغريب، والأهم أحد عينيه قرمزية، وكأن جسده تخلى عن بشريته بتلك البقعة
{قول فتاة لمثل هذه الجمل لدليل على أنها تشاهد ما هو أكبر منها}.
قال صاحب الخصلات الحمراء معدلا نظاراته يتفحص هيئتها الصغيرة المتطلعة بفضول لهما من خلف أخيها
{أو أنها تفكر بما هو أكبر منها، إن أخوها يحميها هذا واضح}
{أخي ماركوس يحب مشاهدة التلفاز لكني لا أفعل، التلفاز لا يحوي سوى ضوء، وأنا لا احب مشاهدة الضوء}
صاحت مجددا باسمة هذه المرة، من نية خاطرها تعتبر الكل اشخاص جيدين بمجرد دخولهم في حوار، ترى الناس ذو قلوب طيبة، ترى العالم أكثر نقاء مما قد تتخيله يوما.
{هل جئتي لشراء فستان أيضا؟ }
سألت سوزي تنظر لصاحب الخصلات الحمراء، صاحبة الخصلات، والتي اتسعت عينيها عندما ادركت أن هذه الفتاة أكتشفت أنها تخفي أنوثتها تحت ملابس واسعة أشبه بملابس رجالية، عندما حدق بها ماركوس قليلا أدرك أن شقيقته على حق، لقد كانت امرأة وليست برجل
{سوزي هيا لنذهب، كم مرة قلت لك لا تتحدثي مع الغرباء}
{كيف سنصبح أصدقاء إذن؟ }
{لن تصبحي أصدقاء مع غرباء! }.
مجددا جعل كلامها الغريبان يضحكان خاصة أحدهما وهنا منع ماركوس من المغادرة وهذا ما جعله متحفظا أكثر وأخفى أخته خلفه بقلق عليها، لكنه أبدا ليس خائفا منهما، فحركات كهذه ستكون لعابث ما وهو سيحمي أخته مهما كلف الأمر حتى لو ضحى بحياته في سبيلها
{أنا بيرس داميان سيد ماركوس وأريد التعرف على أختك الصغيرة لو سمحت، هل تقبل دعوتكما لكوب قهوة؟ }
{أسف لكني أرفض دعوتك سيد بيرس، هيا سوزي}.
{لن يكون هذا لقائنا الأخير سيد نوفيشن، أنظر أنا لا أنوي شرا للمرة الأولى في حياتي بما يخص أختك}
قال لظهر ماركوس المغادر، رآه عندما خرج من باب المحل ملقيا أخر نظرة عليه وأحكم قبضته على أخته والتي ظلت تنظر للخلف لداميان ومارثا بأعين حزينة، تريد صديقيها الآن
{لما أنت متعلق بالصغيرة داميان؟ }.
{لا أعلم سأكتشف هذا لاحقا، على كل لن نقتحم هذا المحل غيرت رأيي، لقد كانت تلك النقية به ربما سيعودون ولا أريد لمكان دخله ملاك أن يلطخه شيطان}.
استمر داميان بالتجول فيما لبثت مارثا قليلا ثم ابتسمت بمكر، مارثا عندما تتعلق بأحد ستذهب بطريقة أخرى، بطريقة الانسان الهادئ وستحقق حلمها بتعلم البيانو بسن صغيرة، قررت أنها ستتكفل بكل مصاريفها وتدريسها حتى بشكل خاص دون أن يعلم ماركوس هويتها، خطتها ستجري تماما كما تريد بكل تأكيد، خططها دائما تجري كما تريد على اي حال.
في حين قررت سوزي تسمية صديقيها الممنوع عليها أن تكون صديقتهما ب الفهد والعين الحمراء لأجل حدقتها المركبة بمكان عينها والتي أعجبتها، أعجبتها رغم ان الكل يخشى مظهرها ذاك.