رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الثالث عشر
لم أجبر على أن أكون مجرما
فالمشاعر الحقيقة لم تكن يوما سبيلا للشر
لكني اخترت ان اقدس مشاعري
إلى حدٍ
لا يعجب احد
ولا حتى انا
لكنه
لكنه يرضيني
- وحش الظلام.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
دخل بيته
سار قليلا
نظر حوله
ثم اتخذ مقعدا بالأريكة ولبث برهة يحدق بالهواء فقط، ينظر للأمام لمدة ساعة وكأنه ميت بعين ناظرة فارغة
تطلع للمقعد جنبه، للذكريات عندما كانت تجلس بالأريكة قفزا عليها بمرح، أو تتسلقها لما كانت أصغر، أو أصغر بكثير عندما كان يرفعها ويجلسها جنبه مع قهقهة تطلقها لأن طيرانها دغدغها فيضحك هو دون أن يعي على ثغره
كان يدغدغ كثيرا.
كما يفعل الآن، يبتسم ضاحكا وتبكي عينه حزنا
لمعت عيناه عندما أدرك انها لم تعد هنا، أنها رحلت للأبد، لن تعود من المدرسة لن ينزع حذائها الصغير ويسألها عن يومها وعما تعلمته اليوم، عما أضحكها اليوم، عما احزنها اليوم، عما فكرت به، وكم كان يحب اجابة السؤال الأخير
ما فكرت به؟
فكانت تقول أنها فكرت كثيرا بأشياء كثيرة لكن لا فكرة واحدة تجعلها سعيدة مثل فكرة، أن لها أخا ينتظرها، وأنهما سيشاهدان فلما حماسيا الليلة، وأنه يضع يده على شفته ويقول لها: لنسهر اليوم بسرية فموعد نومك حل
بسرية عن من؟
عن أحلامهما المشتركة الصغيرة، فتعانق خصره مبتسمة وبالنهاية تنام بحجره فيحملها ويأخذها لسريرها وهو يمسح على خصلاتها ناظرا لوجهها البريء، يقرر النوم جانبها واحتضانها ومنحها الأمان والاحتواء الذي تحبه منه فقط.
{مؤلم جدا، مؤلم جدا هذا سوزي، أريد النوم وعدم الاستيقاظ، لكني لا أنام أصلا، أريد أن نضحك معا، لكني لا أضحك بعدك أريد البكاء من تعب العمل والشعور بك تقفين بعتبة الباب تنظرين لي بحزن تجمعين يديك مع ملامحك البريئة القلقة على فأنظر لك ثم أفتح ذراعي وتركضين إلى تحتضينني وتقولين لي: أخي ان سوزي هنا وسوزي تشكرك لأنك أيضا هنا فابتسم وأنسى التعب كله، واشعر بأناملك الصغيرة تمسح على رأسي وتلعب بخصلات شعري}.
بالنسبة إلى ماركوس صار العالم فارغا، لا شيء به، لا مشاعرا ظلت تطرق قلبه وتطلب الإذن بالدخول، صار هو بيتا مهجورا من أصحابه، دون ألوانه خاليا برائحة الحزن والخيبة، هجر نفسه منذ زمن بعيد وهجر أي لمسة لشعور ما لقلبه
اشتاق لك.
فتح الباب بهدوء، في ظلمة الليل بغرفة نوم بنافذة كبيرة، يشهد القمر عليه، تطلع للجالسة بحافة السرير والدموع تخترق وجنتيها، ترتعش، ترتعد وشهقت عندما دخل هذا الكريه إلى هنا وأغمضت عيناها عندما تقدم نحوها، وقف قبالتها وتطلع إليها من رأسها إلى أخمص قدميها محدقا بكل التفاصيل التي تعجبه، ثم انحنى لمستواها، رفع ذقنها لتقابل نظراتها الباكية خاصته، وابتسم بشر مطلق.
{تزدادين اثارة بوجهك الباكي، يا للشفتين المثيرتان، ثم أخبرتك لا تأتي بملابس المزارعين هذه، لا تعجبني اخلعيها! }.
زاد بكاءها وشهقت أكثر، بهذه اللحظة تتمنى الموت قبل ان يحدث ما سيحدث، أغمضت عيناها بقوة وطلبت السماح من ابنها الصغير وحضنت نفسها، أغضبته ردة فعلها وصفعها بقوة حتى نزفت شفتها واقعة على السرير ثم اعتلاها ونظر لتلك الدماء والتي اعجبه منظرها فانحنى لها مقبلا اياها بينما تحاول دفعه لكنه ثبتها بعنف
{إن لم تريدي خلعها سأفعل أنا}
تراجع ومزق عنها ملابسها عندما سحب حزامه ومدده بين يديه.
{ومنذ الآن فصاعدا ستفعلين ما أقول وإذا لم تطيعيني سيحدث هذا}
ترك الحزام يضرب جسدها العاري بقوة وعنف مسببا كدمات وجروح على بشرتها، ورغم توسلاتها له بالتوقف استمر لبضعة مرات ليجعلها خاضعة له حتى استسلمت بالفعل
{هذا جيد تم ترويضك الآن، لا تقلقي المال الذي سأدفعه لك سيكفيك أنت وابنك لتعيشا جيدا}.
راقبت يديه وهما تمتدان لنزع ملابسه السفلية وكل نظراتها استسلام، بكت على ابنها أكثر من نفسها وتقطعت أجزاءها بسبب هذا الكريه هنا، أخذ منها ما تحمله أنوثتها بروح باردة، لعنت نفسها وتعلق الندم بأطراف عينيها، هو يفعل بمن مثلها هكذا دائما.
ألن يأتي يوم لينتهي هو به؟ ألن ينقذ ضحاياه القادمين أحد؟ لما لا تفعل هي؟ أجل ستقتله، ربما تدخل السجن، لكن ابنها لن يشعر بالخذلان منها لمنحها نفسها لهذا الطاغية من أجل مال يطعمهما هي وصغيرها.
{سفاح الأمهات، مهووس بالنوم مع الأمهات العازبات اللواتي تردن بعض المال لذا يتلذذ برؤية نظرة الاستسلام بأعينهن كانت ضحيته هذه المرة كينيدي نيكول، أم عازبة لطفل ذو أربع سنوات في سرير مشبع بدمائها، الطب الشرعي يشير إلى أنها نزفت حتى الموت من جرح برحمها، وأثبتت الكدمات على جسدها بغض النظر عن الكدمات الناتجة عن عنفه بالعلاقة الجنسية أنه حدثت مناوشة قبل موتها والأرجح أنها كانت تحاول قتله قبل أن يطعنها برحمها، لتكن هذه أول قضية فكل ام عزباء نادمة على ليلتها تحاول قتله تلقى حتفها، يوجد بعض منهن استسلمن للحقيقة، أخفين أنفسهن تجنبا للفضيحة وهويته عن الشرطة}.
أنهى راتشل سرده لكل تفاصيل هذه القضية قبالة ماري وماركوس
{وهذه القضية تثير غيضي، استغلال المرأة في سبيل اشباع رغبات هذا اللعين تجعلني أغرب بدفنه حيا}
{أنا أرغب بتركه ينزف حتى الموت} رد راتشل مؤيدا بشكل أكبر
التفت ماركوس للصور بلوح التحقيق تاركا راتشل وماري يتحدثان عن المزيد من التفاصيل فيما لبث برهة يفكر في هذا السفاح الجبان الذي يختفي تحت أحضان النساء ليشبع رغباته الحيوانية
شخص مثله يستحق الموت حتما.
{سنستعمل خطة الوسيط وهي انه علينا إيجاد إما ضحيته القادمة لنستعملها كطعم أو نجد ضحية سابقة لتخبرنا عن هويته} وضحت ماري تشبك يديها معا
{سيكون هذا صعبا، إنه يستهدف أشخاص لديهم نقطة ضعف في الحياة، نقطة واضحة سهلة الاستغلال والوصول}
{تقصد أبنائهن؟ طبعا ستكون محاولة الإقناع بالاعتراف، صعبة فعلا لكني سأبذل جهدي}.
أمسك ماركوس ورقة بأسماء الضحايا وحدق لبرهة في معلوماتهن والنقاط المشتركة، كلهن يملكن ابنا واحدا، كلهن من طبقة فقيرة، عاملات بدوام جزئي أو عاطلات، أسمائهن مختلفة تماما لكن أسماء الأبناء، هذه النقاط اختارها المجرم لسبب واضح كلهن فقيرات سيستدرجهن لأجل المال، كلهن يملكن ابنا فلو امتلكت اكثر هذا يعني ان لديها قابلية لمواجهة الحياة بطرق اخرى اكثر كونها عاشت للآن، ثم ان الابن الأول دائما تكون له مكانة خاصة ويخاف عليه كثيرا، شعور الأمومة الأول يكون قويا جدا وهذا يكون عاملا جيدا بسحبهن إلى سريره بسهول أكبر.
لكن أسماء الأبناء...
{لا يمكن انه يختار ضحاياه عشوائيا؟ لا بد أن هناك أمرا ولقد لاحظت ان أول نقطة هي ابن وحيد، والأم تكون عازبة بدون زوج قانوني}
جحظت عينا ماركوس ولاحظت ماري فجأة ارتفاع حرارته وتصبب العرق من جبينه، كان واضحا أنه يتعرض لنوبة ما
{ماركوس! ماركوس أنت بخير، راتشل ساعدني}
امسكا كتفاه أجلساه على كرسي وأحضرت له ماري الماء لكنه لم يستطع تمرير قطرة بحلقه قط رغم جفاف شفتاه وعيناه المتسعتين.
لا بأس لا بأس
{ س، كل الأسماء تبدأ بالسين}
خطفت ماري الورقة وانزلقت حدقتاها على طول القائمة إلى اخرها وتقطب حاجباها، فعلا ما قاله ماركوس صحيح لكن لما أصابه كل هذا؟
{ماركوس اهدئ أعلم انها تذكرك لكنها مجرد صدفة، تنفس أرجوك هيا بهدوء}
راتشل فقط هنا من يعلم ان اسم اخته هو سوزي
باول حرف، السين
ابعده ماركوس ووقف عندما انتشل سترته مغادرا باللحظة التي دخل بها شرطي يخبر ماري أنهم وجدوا أخت الضحية.
منزل كبير يحذو حذو القصور، باب عملاق وحديقة شاسعة مليئة بكل أصناف الورود النادرة والمعروفة المزينة لأطرافه وأشجاره، الوصول للباب الداخلي من الخارجي يمنحك وقتا لتأمل جمال الطبيعة والاخضرار الموجود في كل زاوية والرائحة العطرة، لجنة النحل والنعيم بها
{أخت تعيش هنا؟ } تعجبت ماري
{هذا ما كتب بعنوان وثائقها، لا أدر لما لم تساعد أختها بدل تركها لهذا المصير الأسود} رفع راتش كتفيه بقلة حيلة مجيبا.
{عندما تكون وحيدا لا يعني هذا أنك لا تملك عائلة أو أصدقاء، بل يعني أن هؤلاء الذين تملكهم لا يستحقون اللقب الذي تطلقه عليهم}.
خرج صوت ماركوس يحمل قلبا ناطقا، انه حتى لم يعي أن صوته كان مسموعا لصاحبيه اللذان صمتا لحظات يقدران قيمة كلماته، لو سجلت الحكمة حروفا لكانت هذه جزء من جمله، هو يعلم جليا ما معنى الوحدة، هو الذي عاش كل عمره وحيدا، ملأ قلبه بشخص واحد ومنحه لها مرغما راضيا السرقة المباحة، لقنته الحياة المسؤولية بحركات حروفها حتى وبكل دقيقة وتنهد مرارا في جوف الليالي وفي وضح النهار في كل زمن مر عليه وهو متجرع إياها.
أعتذر
لا يهم، كل هذا بالماضي، ما يهم هو الحاضر، هو التنهدات التي سيطلقها الآن ليس تحملا للمسؤولية بل لتوريثها للعالم بطريقة عادلة تليق بمكانته احالية
طرق راتشل الباب ولبث برهة قبل أن تفتح امرأة شابة متعبة السحنة هادئة الوجه ملابسها توضح مكانتها بالمنزل الكبير، خادمة هنا حسب ما يقوله مئزرها الأبيض والقماش الأسود المجعد على الحواف
{هل السيدة كينيدي هنا؟ أخت السيدة نيكول؟ }.
{أجل، تفضلوا لغرفة المعيشة وسأناديها إنها بالأعلى}
أرشدتهم الخادمة، منحتهم ابتسامة بسيطة وصعدت الدرج بخطوات هادئة لتختفي بأخره بينما تفحصت ماري أرجاء الغرفة.
ضيقت عيناها أين تقبع لوحة للصور ولكن لا أثر لها بل بها فقط صورة زفاف ليس واضحا به وجه العروس لانها تلتفت لزوجها، ثم صورة لهما بإحدى العطل في أرقى المنتجعات السياحية في جزر القمر وهي تمسك قبعتها التي غطت وجهها بسبب الرياح ثم صورة لمرأة غير ظاهرة كاملا بالصورة تفتح ذراعيها لطفلة ذات شعر أشقر تركض وظهرها للخلف يبدو أنها ابنتها وهي تحمل ندبة بذراعها.
بعد دقائق نزلت السيدة كينيدي لكن ما اثار حيرة ماري وراتشل أنها كانت بزي الخدم! هل هي خادمة هنا؟ لا يعقل أنها تساعد بهذا المنزل
{سيدة كينيدي؟ مرحبا إنها أنا أريل ماري محققة جنائية جئت لأسألك بضعة أسئلة فيما يتعلق بقضية أختك، وأقدم تعازي لك قبل كل شيء}
{سمعتك معروفة سيدة ماري، تشرفت بلقائك شخصيا، وشكرا جزيلا أقدر كلماتك}.
همهمت ماري لها وصافحت كينيدي التي تطلعت إلى الرجلين معها وأومأت لراتشل كتحية بينما لم تجد مقلتيها لنظرات ماركوس سبيلا، هو فقط ينظر الى مكان محدد شاردا، الى طاولة بمزهرية جميلة
لا تنساني
لم يغير من جلسته حتى كما فعل راتشل بل هو كمن ذهب بذهنه لمكان أخر تاركا حمل جسده هنا
{لحسن الحظ سيدة المنزل شخص جيد وسمحت بزيارة الشرطة لها هنا بسببي}
{إذن لست صاحبة هذا القصر؟ }.
{أنا؟ مستحيل! انا أعيش هنا فقط بكرم من السيدة}
{حسنا بالعودة إلى أختك، }
{انني حقا متأسفة لما فعلته أختي، رغم أن حالتي المالية يرثى لها وكانت تعلم ذلك إلا أنها لم تخبرني بحاجتها للنقود ولابد أن ذلك الوضيع استغل ضعفها تجاه ابنها ليفعل ذلك، انني أم الآن وأدرك مليا ما كانت تشعر به، مسكينة}
{لم تخبرك عن شخص كان يلاحقها ربما؟ صفاته؟ عنوانه أي خيط يدل عليه؟ }.
{لم تخبرني أنها تحتاج المال، برأيك أستخبرني أن أحدا يلاحقها؟ نيكول معتادة على كتم مشاكلها منذ كانت صغيرة كانت تحب تدبر أمرها بكل شيء}
{ما اسم ابنتك؟ }
{جوليا}
{أيمكنني رؤيتها لو سمحت؟ } سأل فألقت عليه ماري نظرة والذي أومأ لها فقط
شرود ماركوس لا يعني انه ليس مركزا، علمت ماري أنه ينبش التراب بحثا عن أمر ما وهو نفسه الذي تنبش هي عنه، ليس الكثير مما يعلمون عن أفكارها لكنه للتو فعل
يالها من حاذقة.
{إنها بالحضانة الآن، لكن لدي صورة لها لحظة فقط}
أخرجت هاتفها ومدته إليه، وفيما قلب صورة الفتاة في عينيه نظر مليا إلى ذراع الفتاة ثم إلى شعرها وخصلاتها، تفحص الصورة وأعاد الهاتف لها
{لقد انتهيت أنتظركما خارجا}
استقام واضعا يديه بجيب سترته وتلاقت أنظاره مع المرأة، تطلعا إلى بعضهما لبرهة ثم أشاح نظره مغادرا حتى أن كينيدي لبثت مدة لا تنطق رغم سؤال طرحته عليها ماري.