رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل التاسع
سبعة أشخاص، أربعة من الحراس والبقية سجناء معلقون إلى جذع أشجار، لازالوا على قيد الحياة لكن لا لكرامتهم حياة، منزوعوا الأقمصة متروكون ببناطيل فقط وحشود السجناء تنظر وتهتف بفرح وسرور عن الجريء الذي فعل هذا على الذي تجرأ على ضباط أمن وعلى سجناء خطرون.
رن جهاز الانذار ركض الحراس هنا وهناك للم فوضى وضجة الخارجين عن القانون الذي يتذمرون وتعلوا صيحاتهم يريدون المشاهدة، حل ارتباك على جهاز الأمن الإدارة وخرج المدير مبهوتا من ما حدث
{واللعنة ما الذي يحدث هنا؟ كل السجناء إلى زنازينهم بسرعة والآن}
نفذ الحراس الأمر، جروهم بعيدا وتكلف أخرون بإنزال رفقائهم والسجناء الأخرين وبدأت عملية التفقد فقد يستغل البعض الفرصة للهروب خارجا أو ربما تكون خطة محكمة.
بإحدى غرفة الزنازين لم يتحرك داميان إلى الخارج فهو يعلم جليا ما يحدث وأنهم سيعيدونهم إلى زنازينهم لذا اكتفى بالاستلقاء والحظي بوقت أطول للنوم قبل أن يزعجه صوت الإنذار البغيض والذي لعنه، بالزنزانة المقابلة كان كيلان يجلس إلى سريره وهو يقرأ كتابا لكنه ابتسم بجانبية عند لمحه للآخر وتذمره الصامت
{كان من البديهي اطلاق صفارة الانذار بعد ما فعلت، لما تدعي البراءة}.
{إن صوت انذارهم كصراخ المدير هنا، صرصور يحتضر! }
علت الضجة حالما أعيد البرتقاليون إلى زنازينهم وهنا ضحك كيلان أكثر على داميان الذي جلس يحدق بالفراغ، لا نوم الان مع الثيران الهائجة التي تسير إليهم، هذا ما أقرته نفسه في ضجر ومتعة لكيلان الذي يستمتع بانزعاجه.
{داميان! لن تصدق ماذا حدث! أربعة أغبياء وثلاث منا معلقون الى الأشجار دون أقمصتهم فاقدون الوعي دون لكمة واحدة بوجوههم، لقد فوت حفلة الشتائم التي تبادلنا القائها نحن والأغبياء! }
هنا عاد كيلان لكتابه وغاص به، كل ما سيقوله رفقاء داميان هذا واضح بالحرف الواحد ولذلك هذا مضجر خاصة وأنهم يظنون انه فوت نشوة انتصارهم بينما في الحقيقة هو من صنع هذه الحفلة.
الأغبياء ليسوا ضباطا فقط كما اتفق كل السجناء، الأغبياء بنظره هم، الجميع! باستثنائه فقط
صدح صوت ارتطام العصا الحديدة بالقضبان من احد الحراس والذي يسير إلى جنب المدير المكشر والغاضب هذا الصباح كما هو واضح حتى صمت الجميع لينتبهوا لما سيقوله هذا الان والاطلاع على اخر المستجدات
{أراهن على أنه لا يعلم حتى ان لعابه كان يغطي وجهه عندما حدث ما حدث}.
ضحك رفيقه بصوت صاخب وابتسم كيلان بجانبية غير ان العصا ضربت القضبان مجددا ليصمت صاحب القهقهة
{اللعين الذي قام بهذا سنجده ونريه ما معنى اللعب! }
{يبدو لي أن اللعين الذي فعل ذلك يستطيع أن يرسل رصاصة مسدسه بجماعتكم بسهولة! }
لم تجعل ضربات العصا على القضبان المكان صامتا مثلما جعلته كلمات داميان، الجميع نظر له بينما تقدم المدير بخطواته الثقيلة كوزنه إلى زنزانة داميان وناظره بصمت وغيظ واضح.
لا مبالاة داميان، عدم خوفه وابتسامته كلها تجعل المدير يصاب بالجنون، التعامل بالبرود من اختصاص داميان نفسه انه من يقتل النار بصقيعه
{لسانك طويل أيها الحقير! ولابد أنك تعلم من فعل هذا وربما لأنك متواطئ معه! سنجري تحقيقا ونكتشف الأمر}.
شريط أحمر على التلفاز يعلن عن هروب سجينين بعد تخريب نظام امن سجن كاملا دون أن يمس أحدا بسوء
بغض النظر عن أنهما جعلا من أربعة حراس وثلاث سجناء يقيدون ويحتجزون إضافة لاحتجازهم بذلك السجن، الشرطة لم تعرف خطتهما بالتحديد ولا لما فعلا ذلك ولم يهربا بأول يوم بل انتظرا تكثيف السجن لحراسته وكأنها كانت نقطة قوة لهما.
أطفأ التلفاز ورمى جهاز التحكم جانبا ثم وقف امام قمة الطاولة الطويلة يناظر ضيوفه بهذه المائدة الواسعة، عيناه تلمعان بريقا خفت منذ زمن، معنى لكلمات احتجزها قلبه، الكل يعلم يقينا عن الخرق الذي أصابه فقد أصابهم جميعا الكل يعلم جيدا مقدار حجم الخطوة الصغيرة التي سيقدمون عليها
احسنتما داميان، كيلان
فعلا.
{واه واللعنة زعيم المافيا داميان يجلس جانبي، إنه لشرف لي} قال أيدن وقد ابتسم باتساع ينظر الى الذي يتأرجح بالكرسي ويضع ذراعيه خلف رأسه
{الشرف لي أيدن لكنه ليس لأحدهم أليس كذلك إدوارد؟ } قال داميان ثم نظر الى إدوارد قبالته يرفع طرف شفته بسخرية
{أجل أخر مرة قضيت على نظيرك بطريقة فذة وعقدت العزم على أن تكون التالي، للأسف لك حظ وافر}.
{عملت معه قليلا وأدركت لما عليك الجلوس دهرا لإيجاد طريقة للتخلص منه} تدخل أخيرا كيلان يبدي رأيه إلى إدوارد المنزعج من هذه الحقيقة، انه وعدوه اللدود في مكان واحد
{إنه يمتلك مارثا، ستكون مهمة صعبة} همهم دانيال بصوت بالكاد كان مسموعا لكن مارثا ابتسمت باشراق تستقبل الاطراء برحابة صدر.
{لو سمحتم؟ أريد الترحيب بكم وشكركم على تلبية دعوتي الحياتية بهذا المصير، قبل كل شيء أريد أن أخذ تعاهدا أخذه أحدهم منكم قبلا}
جلس بكرسيه زاغت مقلتيه بكل أعين الحاضرين، ابتسامة جانبية من أيدن، نظرة صارمة من داميان وأخرى سعيدة من مارثا، غوص بالماضي بنظرات دانيال وتقوس شفتين للأسفل لإدوارد أما كيلان تهرب مقلتاه مستذكرة إلى صاحب الذكرى
وحش الظلام.
تعاهدا منكم على أن نخطو هذه الخطوات حتى النهاية، هي نقطة اللاعودة
مشيرا أثناء حديثه إلى مصدر النار هنا مدفئة تلتهم ألسنتها حطبها وتحتضن قطع حديدية وقف واستخرجها بمشبك الذي إعتاد منح النار وجبتها، تلفح حرارتها بشرته ينظر للجحيم الصغير القابع هناك والذي سيغمس فيه كيانه من اليوم فصاعدا، ينعكس الضوء الأصفر المحمر على حدقتاه وتتصاعد الأبخرة السوداء تاركة تلك الرائحة المميزة.
وهو الآن ينتزع القطع الحديدية ذات أشكال عديدة يضعها بحوض خشبي ثم إلى وسط المائدة كالطبق الرئيسي لهذه الأمسية
شواء الجلد على الحطب
{أنا منذ أول أن جلست على هذه المائدة كنت قد سبق وقررت أن مسار حياتي كان مقدرا لهذا فقط دونه}.
انتشل قطعة حديدة تغوص بنارها لونها متغير وجعل شكلها يغرس علامته على جلد ذراعه، بمعصمه، اللهيب وحرارة الحديد ترك أثار حروق، أثارا بشكلها بشكل الفهد ولم تهتز حدقتا داميان ألما حتى بل راقب تكمش جلده تحت رحمة الحديد متأملا إياه فقط.
أخذ دانيال قطعته المنشودة حتى شكله يذكره بتلك الذكرى الوحيدة والخالدة ودون تردد فعل مثل ما فعل داميان وترك اللهب بالحديد يرسم شكلا مؤلما على ذراعه، لم يكن مؤلما أكثر مما تتألم بها روحه كانت بشكل نصف وجه لأرنب دامي
سيف الامير بذراع إدوارد وعين بخاصة مارثا، حرف بذراع كيلان ونوتة بخاصة أيدن.
وبقيت القطعة الأخيرة في اللوحة المرسومة بكل معانيها، في لوحة التغير ولوحة جحيم الجنة كان الظلام الذي سيواجهونه قبل الفجر وكان هو الوحش الذي سيغوص بهذا الظلام إلى موعد الفجر الذي لا يهمه أكثر من هذا الظلام، كان هو وحش هذا الظلام ورغم أن الفجر سيدخر له تاجا ليتوج به صاحب الفضل لكنه حبذ أن يكون بهذا الجانب، الجانب الذي يعتبر أهم جانب بكل هذه القصة، قصة حياته وقصتها التي يفترض أن تكون معه.
بذراعه تجسد اللهب بالحديد على صورة وحش وألقى عهده موضع التنفيذ وخطوة اللارجوع والتي هي تنافس الموت في اللاعودة فلا موته ولا موت أي منهم قد يجعل العهد متوقفا، العهد عهد إلى أبد الدهر وإلى نهاية العالم
إن لم أجدك هنا سينتهي العالم.
قال هذا ولازال يقوله حتى الآن كل ليلة كان هذا عنوانا رئيسيا لمقدمة كتابه وخطواته.
اجتماعات، ولائهم منذ البداية لم يكن إلا لهذا الغرض، لتغير العالم وتفكيره، أو على الأقل ليوضح للعالم مدى فساده وهذا يشمله أيضا فالشر والخير متواجدان دائما وأبدا بكل نفس بشرية أولا وبكل علاقات اجتماعية وبشرية مع الغير، الإنسان يحب الشر والخير وله الاختيار بما يتبنى في النهاية.
أنا وحش الظلام، شرطي صار يعمل مع محقق، انا الذي سأوضح للعالم مدى سخف مبادئه الإنسانية التي يتخفى بها لكل شروره وأنا الذي وضعه القدر لهذا العمل والذي وضعكم به أيضا، والآن سيكون علينا أن نبدأ أول مهمة لنا
الجريمة ليست دائما سيئة، الجريمة بنظر العالم قد تكون وسيلة تسوية وهذا ما تبنيته وتبنيناه كلنا، عند السير بهذا الطريق لا عائلة ولا أحباب سيكونون معيقا لهذا.
تنفيذ أوامري حرفا حرفا والنزوح عنها يعني الإخلال بالعهد وكل مخل بالعهد هو، خائن
تلمس أثار حروقه بذراعه، الوحش الذي يحب شكله الآن والذي لا ينتظر حبا من أميرة او قلبا عطوفا، هو لم يصبح وحشا رغما عنه، هو اختار أن يكون هكذا وإلى الأبد.
دار حول الطاولة، دانيال يراقبه بنظراته أما البقية فينظرون أمامهم بملامح مختلفة إلى أن وصل الوحش إلى كرسي خلف مارثا، يبدو الأمر كملك الموت وهو يختار ضحيته تحت صمت الغرفة وصوت الجحيم من المدفئة تذكرهم بكل لحظة أن هذا مصيرهم بقرارهم وخطواتهم هذه، قد يشعر المرء بالشفقة تجاه مارثا والتي وضع الوحش كفه على كتفها دون أن تتحرك الآخرى بل وانحنى بجذعه وهمس بأذنها همسا سمعه من حولهم، فبقعر الأرض ستسمع حركة حبيبات الرمل والفطريات.
مارثا؟
{رائع حسبتك لن تصل إلي}
وقفت ورمشت بعينها الحمراء وتركت مقعدها لهامسها بينما ترأست قمة الطاولة أين كان وحش الظلام قبلها يحدثهم، مارثا لا تبكي ملامحها أبدا، مارثا لم تتقوس شفتاها للأسفل البت بحياتها كلها بل هي تضحك وتضحك وتبتسم وتبدو سعيدة دائما!
{رفاق أنا آدمز مارثا، فتاة لكن يمكنكم مناداتي مارث إذا كان في قلب أحدكم استضعاف للمرأة لست أبالي فعلا، كما يعلم صديقي داميان، أنا مخططة، يمكنكم الوثوق بي فخططي لن تفشل مطلقا، إن فعلت عندها، }.
{عندها؟ } سأل أيدن رافعا حاجبا ومتحمسا بفضول فوضعت مارثا ذراعيها على الطاولة، أمالت جذعها تقرب صوتها الهامس إلى أذانهم، تريهم بنظرة من إحدى عينيها أنها أدمية ومن النظرة الأخرى أنها صاحبة العين الحمراء وليس الأدمي العادي
{عندها سيكون مباحا قتلي بأي طريقة تحبونها حتى لو كان معناه أن أقتل أنا ذاتي كبتا لتنفسي}
{إنه مستحيل} عارض كيلان بهدوء، تحمل نبرته بعض السخرية
{تماما}.
رفعت حاجبا محدقة، لا! مكلمة كيلان بصمت أخطر من أي كلمات، ينظر تارة لعينها الطبيعية الخضراء تارة للحمراء يعي جيدا معنى حركة حدقتيه المهتزتان
{ستكون خططي ناجحة بكل تأكيد ما أطلبه منكم هو تنفيذها مهما بدت غريبة، غير منطقية أو مخاطرة، بالمهمة سلموني حياتكم وسأعتني بها جيدا، اتفقنا؟ }.
{أنا سبق وأعلم ذلك، إنها مرة أخبرتني بالقفز من جرف أثناء مطاردة، جرف أسفله لم يوجد سوى أحجار وأمواج متلاطمة غاضبة} حرك داميان كتفيه بلا مبالاة قائلا
{وأنت مجنون قفزت؟! } صاح إدوارد غير مصدق
{لو لم أفعل لم أكن لأجلس هنا معك ولم تكن لتجدني بالسجن حتى، بل جثة بأحد القبور المهجورة أعضاؤها مفصولة عن بعضها البعض} أجاب داميان بلا مبالاة.
{بهذه الحال سيسعدني تسليم حياتي لك، أحيانا أشعر بالضجر من مجرد التفكير بأن على حمايتها} علق أيدن لاويا شفتيه بقلة حيلة
حقا؟ إنه ليس شعورا متداولا هذه الأيام، أتقوم بشنق نفسك حينها؟ } سخر كيلان فضحك أيدن مظهرا صف أسنانه البيضاء بابتسامة مربعة وعينان حاديتن، في ملامح سايكو مستمتع
{لا، بل بمراقبة رغوة تظهر من ثغر أحدهم لا يشعر بشعوري ويريد حماية حياته لكنه يحتضر بنفس اللحظة}.
{حسنا إنه دوري} نطق إدوارد جاذبا أنظارهم
لم يقف بل ظل مكانه وانتشل قطعته الحديدية التي رسمت سيف الأمير بها ولوح بها بوجههم أنهاها بالإشارة إلى نفسه عندما عرف عن ذاته
{حسنا أنا من عائلة ثرية تلك، همفريز، الابن الوحيد، أتعلمون ماذا أتمنى بجنازتي؟ }
{ألعاب نارية؟ } حزر أيدن يقهقه بخفة
{انها مفرقعات! ما هذا الاسم اللطيف بحقك! }.
أشار إلى أنف أيدن بقطعته الحديدة التي تبعد إنشات قليلة عنه ولم يتحرك الاخر حتى بل ابتسم أكثر راضيا وباللحظة ذاتها أطلق هو ضحكة عندما نظر الكل إلى صاحبها، كان الأمر جميلا كانت لوحة من الماضي تعود الآن إليهم
غير كيلان جهة مصاصته من اليسار إلى اليمين بلحظة رمقه فيها إدوارد بخفة ولكنها كانت كافية بالنسبة له ليعلم حقيقتها
{لا تذكرني، بيوم ميلادك كنت متحمسا بشكل مبالغ وقد أرهقت أعصابي أن ذاك}
كان مضحكا.
{بل وحتى يوم ميلاده الأخير كان يشرب بتأني بينما مفرقعاته تغني خلفه، ونصف سم يجري بك يا صاح نصف سمي أنا} علق أيدن
{شكرا على المجاملات، أحب القنابل بين كل الأسلحة، إنني خبير أسلحة أيضا فمثلا كيلان مصاصتك أجمل سلاح رأيته بحياتي}
غمز له لاعقا شفتيه مع حاجب مرفوع، ادرك لحظتها كيلان ان تبديل جهة مصاصته بثغره كان كافيا لهذا امامه ان يكتشف سرها، وهذا ما لا يحبذه ابدا.
{واللعنة عليك احتفظ بهذا لنفسك أيها الوغد}
{اووه إنه يغازل فتاتك كيلان، لا تترك له العنان هذا الشخص قذر ويتمادى} حرض داميان أكثر يضع ملامح قذرة ليزيد الأمر سوء
{ليس أكثر منك بيرس لعنة، لكن أخبرني كيلان أتطلق الرصاص؟ دخان؟ لا تقل أنها قنبلة؟ يا الهي قلبي ينبض حماسا وحبا}
{يوم أدسها بثغرك ليطير لسانك بعيدا عن رأسك ستدرك عملها، التوقف عن أكلها سيوضح كل شيء على اية حال}.
نظر الوحش إلى لهب المدفأة ثم إلى شكل ألسنتها وابتسم لذاته، إنه قادم
نهاية العالم قادمة، أتذكر هذا ماركوس؟ أختك من قلت لها هذا، وهذا ما ستقوله عندما تنتهي حياتك.