رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الأول

رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الأول

رواية وحش الظلام للكاتبة رونيا الفصل الأول

رمت الدفتر على الطاولة تقف وقد أبعدت الكرسي الذي كانت تجلس عليه بهدوء قبل لحظات وضربت بقبضتها سطح الطاولة بعنف قبالة المجرم الذي يبتسم بينما يحشر مصاصة بثغره، لم يجرؤ أحد على نزعها منه كون هذا المجرم أقر أنه يريدها جدا، ببساطة.

تقطيب حاجبي المحققة وتضيقها لعينيها ترميان حروف الغضب حرفا حرفا إليه لم يزده إلا ابتساما بوجهها حتى أنه أظهر غمازتيه كما لو أنها أمطرته بمديح ما وهو يشكر قولها بما هو أجمل من الكلمات.

إن الإضاءة في مكان مظلم خالي من أي نافذة منحت خط ذقنه حدة مرسومة بالظلال، شفتين تستران أسنانه حتى مع ابتسامته وعيناه ثاقبتان، ولونهما ظل مدهش من الرمادي العاصف الذي يبدو أنه يعكس تعقيدات شخصيته معلنا التمرد عن السعادة ببريق من الذكاء الماكر، تلمح إلى أعماق تفكيره، تتحالفان مع البسمة الخبيثة أو المتعجرفة التي تحمل لمسة من الحقد معلنا أنه احتضن الظلمة.

هيئته لم تكن لمجرم في أول انطباع لكن هذه الظاهرة صارت منتشرة: ان يكون ألطف وجه على الكرة الأرضية يجرؤ على قتل أكثر من نملة وبكل برودة ضمير، كان طويل القامة، ويظهر بنية متناسقة توحي بالقوة وضبط النفس. شعره ظل غامق من اللون البني، وهو يتساقط بشكل طبيعي مبعثر، ويؤطر وجهه بطريقة تضيف إلى هالته الغامضة. ملابسه داكنة، جينز أسود وقميص أبيض مخطط بالأسود فوقه سترة جينزمماثلة الطول، وحذاء رياضي رمادي.

قاعة التحقيق عازلة للصوت غير أن أجهزة لسماع المحادثة مركبة بها لتسمح للواقفين خارجا بالاستماع إلى الحديث من سماعات أذنهما بينما يرقبان الأحداث من الزجاج الذي يسمح برؤية داخل الغرفة من خارجها ولا يفعل عكس ذلك
{ملامح المحققة أريل أثناء العمل جدية بشكل مخيف أليس كذلك سيد نوفيشن؟ }.

كسر الصمت الشاب الثلاثيني ذا التعبير المريح، راتشل، التماس الأمان في حديثه أمر تشيع به شخصيته ووقوفه وهو يجمع ذراعيه يراقب المشهد أمامه أوضح أنه يملك نظرة محللة لما حوله أكثر، القى سؤاله وقد رفع حاجبيه قليلا يزيد من وقع تأثير كلماته ثم نظر الى من التقطت اذنه السؤال.

رجل ثابت الملامح وكما لعينيه الكهرمانيتان سكون مهيب قد يلمح الناظر إليه شيء من الحزن المخبأ عميقا داخله، اثار قلب مجروح يواجه الحياة ببسمة ساكنة، خصلاته البنية النحاسية تتراقص على جبينه في وميض فاتح، بعضها تهوى اخفاء احدى عينيه بشقاوة فترميها سبابته بحركة خفيفة تنهرها عن فعلتها.

كان يضع يديه خلف ظهره تراقب نظراته السوداء المشهد في هدوء كحال مرافقه، عدا أن تركيزه العميق لا يدل إلا على أنه يخترق الروح في الكلمة وينقب خلفها، فما لا تقوله الكلمات تلتقطه مسامعه وكأنها أصوات حقيقة ضائعة في موجات الحياة
{أريل ماري، إن كونها تعمل مع الأجهزة العليا يفسر كل شيء راتشل، ماري محققة محترفة}.

لاءمت نظرته نبرته، فامتزجت بين حدة والسكون ليجعل تخطي أحدهم لكلامه أمر مستحيل، نغمة حلقه تجعلك تلتفت لا اراديا إليه لتشدك ملامحه الوسيمة أكثر
{العزباء الجميلة ملكة القبضة الجهنمية على المجرمين والذين يقومون بجرائمهم بأبعد مكان تتواجد هي به، تؤمن أن المجرم عليه أن يتلقى العقاب مهما بلغ صغر جرمه، ومولعة بالانتصار فقط}.

كراوي لقصة خيالية قال راتشل وابتسامته تتسع حتى يلمح المرؤ تلك اللمعة تبرق بمنتصف عينيه تغلفها السعادة المطلقة، سعادة بما صعنت جهوده وهو يراها الآن قبالته
علا صوت حاد من سماعاتهما فالتزما الصمت مجددا وركزا بكلام المحققة مع المتهم داخل تلك الغرفة الصغيرة
{سيد كيلان لا تهزأ بي! لما تقوم بتخريب نظام أمن والحماية ببنك باختراق النظام وتغادر دون سرقة قرش واحد؟! }.

{ربما فعلت ذلك} ينظر بهدوء إلى انفعالها ويجيب كما لو أنه حقا يتساءل في امر هو فاعله، جعل من ذاته طرفا ثالثا دون اي جهد يذكر واستمتع أكثر بالانزعاج الذي يسكن المحققة أمامه
{أنا أعلم أنك لم تفعل، إن البيانات تشير أنه لم ينقص مقدار صغير حتى من الأموال، ما الذي تخطط له؟ }.

نقرت بسبابتها على دفترها الموضوع فوق الطاولة، ماري تحمل ملامح حادة لفتاة لم تترك للحياة فرصة للسخرية منها، حاذقة الذكاء تخنق الهزيمة بكفيها وتنتصر دائما على خطط أكبر المجرمين! هي متأكدة أنه يعتقد أنها تستشيط غضبا لكنها بالواقع تحتفظ بهدوء اعصابها الداخلي وماكان انفجاراها الآن بوجهه سوى وسيلة من وسائل الترهيب.

ماري كانت طويلة بساقين ينظر لهما أي مجرم قذر، ملقيا غزلا مبتذلا فتجعله يأكل كعب حذائها، جسدها كان نحيلا كعارضات الأزياء، ذراعان قويتان فهي حاصلة على جوائز بسباقات السباحة مذ كانت صغيرة، ذقن حاد بفك متناسب وأنف ينتهي مرتفعا كشماخة كبريائها، عينان ليستا بالكبيرتان لكنهما ثعلبيتان خصلات تقلب مزاجها بين البني والأشقر بشكل طبيعي ترفعه بعشوائية بمشبك مرتخي، حاجبان دقيقان تقطيبهما يجعل غضبها ذا وزن لمحدثها.

كانت الحسناء
{أنت تريد دخول السجن عمدا؟ تركت خلفك إشارات على دخولك هذا واضح! }
تنهد المعني، وقلب عينيه ثم جال بنظره بالغرفة الكئيبة الخالية من أي شروط معيشة، فقط مصابيح بالسقف، عمرها بالنظر إلى حالتها وشدة إضاءتها ما يقارب الشهرين، رائحة المكان رطبة ففكر أن المكان يحتاج إلى دهان عازل، بالنظر إلى استواء الأرض سيراهن بميلون دولار على أن حفر بئر بهذه المنطقة كان ليكون مفيدا أكثر من مركز شرطة سخيف.

{هذا ممل، لما يثرثر الكل بنفس الكلمات دائما؟ }
أعادت جلوسها إلى الكرسي الذي سبق وانشاح بعيدا كما لو انه تفادى شرارة غضبها، تنهدت وضبطت ملامحها عندما قررت اكثر اسلوب حديث ينفع مع هذا النوع من الشخصيات الإجرامية: استمالة العاطفة، وهي تدرك جيدا كيف يمكن فعل ذلك، بالطبع ستفعل عندما تكون امرأة حاذقة
{لما تريد دخول السجن؟ لديك قريب هناك؟ }.

جذبت هذه الكلمات نظره إليها، صحيح أنه لم يجب لكنها اعتبرتها علامة على اهتمامه بما تنطقه الان لذلك واصلت سؤالها له وقد سجلت أول انتصاراتها
{قد تفكر أني سأقول أنه أحد من عائلتك ربما بالسجن؟ لكني أعلم أنك يتيم عشت لدى عائلة ثرية كابن متبنى أليس كذلك؟ }.

{أجل بسبب ابنهم الفاشل الذي شوه سمعة العائلة أرادوا الحصول على فتى ذكي يرفع غرورهم وكنت ناجحا جدا بالميتم وحاصلا على علامات كاملة وبالتالي الفتى المثالي للتبني والتغطية على ذلك الفاسق}.

سحب مصاصته وانفجر بالضحك بصخب حتى تكونت دموعه وابتسم بجانبية بنهاية نوبة ضحكه بينما تركها متعجبة من انفتاحه المباشر بحديثه عن شبه عائلته هكذا، كان أسرع مما توقعت لكنها التقطت كل حرف نطقه بجدية تامة، تقلبها بعقلها وهي تولي اهتماما أكبر للكلمات القادمة.

{إنهم مجرد حمقى، لعب دور الفتى المثالي كان يسبب الضحك وأحيانا ألام بالمعدة، أيتها المحققة إن أي شخص يملك بضعة خلايا تعمل بعقله سيدرك أنهم يستغلونه فقط، كنت سلاحا ذو حدين، كوني ذكيا كانا جالبا لسرورهم لكنه أيضا كان كاشفا لشرورهم، إضافة لعدم إظهار أخي المزعوم لغيرته تجاهي يوضح مدى بؤس محاولاتهم بكبت جماح ابنهم الطائش عبر حشو عقله الغبي بعبارات الثناء عليه وأنهم سيتخلصون مني حال استغلالهم الأمثل لي}.

عند اخر جملة له رفع كلا كتفيه كما فعل لأحد حاجبيه، أطلقت تعابيره أعلى درجات الاستهزاء والسخرية ولو كان من قبالته أحد غير المحققة لكان نجح باستفزازه ببساطة شديدة بتلك النظرة الداكنة المتعالية
{اكتشافك لإستغلالهم هو من جعلك تغادرهم بعد ذلك؟ }.

لاحظ صاحب الغمازتين ذلك التحول في نبرتها، في لطف حديثها المفاجئ وكان على دراية تامة برغبتها بنفض غبار الصمت عن ثغره لكن سؤالها للتو اخفى خبثه واستبدله بدهاء مرعب
{ سيدتي المحققة، من يستغل من هنا؟ كان تعليمي ما أريد مجانيا وكشخص شريف رددت صنيعهم ببضعة شهرة فانية}
{أتعلم أنا معجبة بقدرتك على اختراق أي نظام لديك يد سريعة بالتكنولوجيا}.

مازالت تواصل اسلوب العاطفة فأيدت قوله، ورغم أنها أيدته عميقا داخلها حقيقة وكرهت تصرف تلك العائلة نحو طفل يتيم لم يكن له لا حول ولا قوة لكن هذا ما ابداه لهم فقط، انزلقت بكلامها من حديثهما حول محيطه الى داخله، شخصيته، وبالفعل هي صرحت بحقيقة انها مندهشة بصريح العبارة ومعجبة بخفية بمهارته
{أشكر إطراءك سيدتي، أنت كذلك محققة بارعة سعيد أن تسنى لي الدردشة معك، صدقيني أي مجرم سعيد سيتمنى محادثتك}.

{ليس كل من تطاله قبضتي يكون سعيدا، هل أنت كذلك؟ }
{بقدر لم يسبق لي أن كنت به}
بنبرة واثقة وغمازتان ملوحتان أجاب ثم دس المصاصة بثغره وواصل ابداء سرور، اشغاله لثغره اعطاها معلومة صريحة ان هذا الثغر لن يتحدث بأكثر من هذا، وقد وضع نقطة نهاية الحكاية امامها للتو، بقية الغبار سيكون دليل عراقة كلماته المتبقية.

تنهدت وحملت أدواتها ثم انسحبت بهدوء فما أخذته حاليا وما حققته ستعتبره كافيا بالوقت الراهن، وربما لقاء ثان معه سيفضح أمورا أخرى بعد ان تدرس ما حصلت عليه الآن بالفعل.

أغلقت الباب خلفها عندما صادفها الواقفان قبالتها فبدلت نظرها بينهما، أولا على راتشل الذي منحها ابتسامة هادئة مريحة كما لو أنه يقول لها بوركت جهودك وما لم يقله وصلها بوضوح بالفعل، ثانيا على ماركوس الذي لم تفعل عيناها اي تغيير على ملامح وجهه ونظرته الثابتة، بدى لها لوهلة ان جسده فقط ما يقبع امامها وخاطره حر طليق غادر منذ زمن.

{إذن مجرم يخترق البنك الكبير ولا يأخذ شيئا يخفي أمرا مريبا أليس كذلك سيدة أريل؟ }
{أعلم ما يجري بنصف الرقعة بالفعل، أراد دخول السجن عمدا مع تشويه لصورة عائلته التي تبنته، هذا ما أثمره حديثنا لكن الكثير من التساؤلات مبهمة مثل: لما؟ يعني أن لديه شخص ما يريد لقائه ولن يصعب عليه أن يقوم بجريمته بوقت محدد ومكان محدد ليكون مصيره سجن محدد لكن لما؟ }.

حركت قدماها وهي تلتقط محفظتها وتخبئ دفترها داخلها بينما تروي نتيجة تحقيقها بشكل مبسط إلى زميليها، وما ان انهت عمل يدها وقفت تضعها على خصرها تستمع لرد راتشل لها
{أنرسله لمكان اخر إذن؟ لتخريب خطته؟ }.

سأل مباشرة وكأنه يتوقع هذا الحل البسيط البديهي منها على أية حال، لكنه صدم عندما نفت برأسها بهدوء، لحن صوتها كان أكثر ثقة مما كانت عليه بداخل غرفة التحقيق، إن من يسمع صوتها قد يشك في أنها ذات الشخص الذي كان يصيح ثم يحنو بلمحة البصر
{لست أريد تخريب خطته وهو يعلم جيدا اني لن أفعل لذا أترك الأمر يجري بكل سلاسة}
{لكن هكذا قد يقوم بجرائم أخرى؟ }.

{سيهرب حتما من السجن مهما فعلنا، وقد تحاول اقناعي الان بألف حل لمنعه ولست بصفتي رئيستك سأمنعك بكل الأحوال بل من واجبنا المحاولة لكني متيقنة أنه سيهرب، إنها خبرة وليست تشاؤما أو استهتار من طرفي، ثم إننا لن نستطيع التعرف بصديقه المجهول إذا لم نتركه يسير بخطته، وذلك الصديق أكثر خطورة منه بالفعل، فليتشر كيلان لن يسبب مشكلة بالوقت الراهن، أنا متأكدة، سأغادر الأن}.

نزعت عنها مشبك شعرها وتركته ينسدل بحرية على كتفيها، أعلنت أن الهاء ستركع لها والتاء ستفرش لها الأنوثة بساطا، لا أحد يعرف حقيقة ما تفكر هي به، لا أحد يعلم أنها تتحدى كيلان هذا وما يخطط لفعله، الترقب من صفات الذئاب الشرسة والانقضاض باللحظة الصائبة هو من سيجعلها الفائزة
{الوقوع بحبها أمر في غاية السهولة} همس راتشل
{أتعتقد ذلك؟ ستكون حركاتك مرصودة}
ومسلية.

ربت ماركوس على كتف صديقه فيما ابتسم بجانبية له، فراتشل معجب بها منذ زمن وماركوس يعلم ذلك، يعلم أنه من توسل السلطات الأعلى لتحضر المحققة أريل ماري لتولي هذه القضية ورغم اعتقادهم أنها قضية سخيفة لتوجه لها هي التي تقف بالقمة دائما لكن لكون كيلان لم يسرق درهما واحدا ساعده بتأويل ذلك على أنه أمر مريب تقدر عليه فقط ماري وراتشل لم يكن يكذب بشكه، لم يكن يريدها أن تأتي فقط ليقرر الوقوع بحبها، لكنه كان مثل معجب يريد رؤية فنانه يعمل عن قرب ثم الوقوع بحبه أكثر.

{إن أخر ما ستفكر به ماري هو مواعدة أحد ما، حرر قلبك راتشل إنها مستحيلة، إنها لا تفكر بالحب، هي امرأة بقلب حديدي}
والحديد يملك نقطة ضعف
أنهى حديثه ونظر عبر الزجاج لكيلان الذي يتأمل السقف بهدوء وهو يتأرجح بكرسيه ثم ربت على كتف صديقه وتركه وخطا بخطواته بعيدا عنه بينما تتراقص على شفته تلك الابتسامة الحزينة.

Flash Back.

رفوف كثيرة، كتب كثيرة، رائحة الرطوبة وارتفاع الخزانات شاهق مثل جبال عالية بالنسبة إلى الصغيرة، ترفع رأسها وهي تنظر حولها، تمسك يد أخيها وهي تسير مع خطواته البطيئة لأنه يتفحص بنظره الكتب وأسماءها، لاحظت أن المكان يعمه الصمت، بضعة همسات أحيانا، والمكان بني بشكل واضح، من ضجة المدينة الى هذا المكان الذي يوجد بوسطها والغريب أنه مناقض كما لو أن الأصوات تخافه فلا تدخله رعبا عدا الهمسات الشجاعة.

{أخي؟ لما تتكلم الكتب؟ }
{هل تفعل؟ }
{أجل اسمع جيدا، المكان صامت ستستطيع سماعها تتحدث عن نفسها، إنها لطيفة للغاية}
أفلتها ونظر لها قليلا رافعا حاجبا كانت لازالت تحتضن يديها وتميل يمينا وشمالا مبتسمة كمن يسمع دندنت الألحان، أخته جميلة الروح هذا ما ردده فابتسم دون أن يعلم مدى اتساعها
{حسنا سوزي أخبريني أين هو كتاب بعنوان تاريخ الجرائم العالمية؟ }.

وضعت سبابتها على شفتها تطلب منه الصمت فابتسم أكثر من فعلتها وانطلقت ركضا عبر الأروقة كان هذا بديهيا من تصرفها لكنها بنقطة قوة فركضها لن يسبب ضجة وهو لا يستطيع ملاحقتها وإلا تم طردهما بسبب الضجة فاكتفى بالإسراع بخطاه، ولكن من فرط حماسها وركضها لم تنتبه للهيئة التي تقف على بعد خطوات ولم تدري إلا وهي مرتدة إلى الخلف من اصطدامها تقع ارضا
{أنا أسف يا صغيرة هل أنت بخير؟ لا تبك أرجوك، خذي مصاصة}.

حركت رأسها يمينا وشمالا رفعت رأسها لمحدثها والذي يجلس القرفصاء أمامها مادا يده التي تحيط ذراعها عله يهدئها حتى لا تبدأ بالبكاء، لا يعلم أنها واجهت ما هو أكثر ألما من مجرد وقعة أرضا ولم تبك حينها
{بعد موت والدي وعدت أخي ماركوس ألا أبكي مرة أخرى، ولن أبك الآن أيضا لكن مؤخرتي تؤلمني}.

عبست بشفتيها تضع يدها خلفها لكنها لم تلبث ان اطلقت ضحكة قصيرة بعد ان تذكرت لقطة بأحد الرسوم المتحركة لوقعة مضحكة وهاهي في موقف مشابه
ارتفع حاجباه متعجبا تقبلها لواقعها سريع، واصرارها على عدم البقاء حزينة أكثر من لحظة، بل انها حتى اضحكت داخله بردة فعلها فيما تعلقت نظراتها بالمصاصة فأخذتها منه وتفحصتها بين نظراتها
{هل حقا لا بأس أن أخذها؟ }
{أجل أجل، إنه اعتذار، هل أساعدك؟ }.

رفعها لتقف نفض ملابسها بهدوء وابتسم بوجهه يحتضن كتفيها ثم رتب خصلات شعرها المبعثرة ومشبك شعرها الذي ارتخى من موضعه فمنحته ابتسامة صغيرة لطيفة وأشارت له بيدها في علامة مثالي كانت قد شاهدتها في أحد الأفلام مؤخرا وسألت أخاها عن معنى الحركة
{شكرا، أبحث عن كتاب الجرائم؟ لا بد أنك تعلم أين هو؟ }.

بلغ حده، الطفلة مضحكة حقا فأطلق قهقهة صغيرة، أعجبه سؤالها وعن ماذا سألت تحديدا، إنه لمن الغريب أن يسألك طفل عن كتاب للجرائم وبنبرة بريئة متطلعة تجعل من الموقف أكثر إثارة للضحك
{لما تبحثين عن هذا الكتاب؟ إنه ليس لعمرك}.

أومأت مرات عديدة مؤيدة تتمسك بالمصاصة في يدها، كانت ستقول أنه لأخيها كانت ستقول أنها كانت تستمع لحديث الكتب ولكنها اختلطت عليها لربما هو يسمعها بوضوح فيخبرها عن مكانه، لكن صوت أخيها قاطعها
{سوزي! شكرا للإله أنت هنا، قلت لا تذهبي بعيدا عن ناظري مرة أخرى}.

أسرع ماركوس إليها وجلس القرفصاء يحتضن رأسها الى صدره بخفة فقد كان خائفا عليها ثم حضن وجنتيها بينما تستمر هي بمنحه نظرات لطيفة مستمتعة وبوضوح بهذا الاهتمام
{أسفة أخي، سيد الحروف يستطيع إخبارنا عن الكتاب الذي تبحث عنه}
{لكنك قلت أنك تسمعين الكتب؟ ماذا حدث الآن؟ }.

عبس ماركوس ممثلا وسألها مميلا رأسها، لم يفهم قصدها - بالاستماع الى الكتب - ولكنه استمر بمجاراتها، لكنها لم تجبه وبدل ذلك رفعت بصرها الى سيد الحروف وحدقت به قليلا
{الكتب لا تفصح عن كل كلماتها إلا لمن يمتلكها، سوزي، علمت ذلك لاحقا أليس كذلك؟ }.

لحظتها تبادلا الابتسامات، راقت له هذه الفتاة الصغيرة كثيرا، تسأل عن كتاب دموي ثم تقول أنها تسمع الكلمات والأهم تدعوه بسيد الحروف، لا يمكن أن يفرط بالتعرف على طفلة مثلها البت فهو ودون غيره من يعلم كيف يكون تفكير طفل عبقري
{مرحبا سيد ماركوس أنا فليتشر كيلان، سعيد بلقائك ولقاء هذه الصغيرة الذكية، لدي كتاب عن الجرائم إضافة لمذكرة خاصة من صديق لي قابلها بأماكن بحكم عمله يمكنني إعارتك إياه}.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب