رواية عزلة السقر للكاتبة لبنى الموسوي الفصل التاسع

رواية عزلة السقر للكاتبة لبنى الموسوي الفصل التاسع

رواية عزلة السقر للكاتبة لبنى الموسوي الفصل التاسع

عَودِي وَ وَدعِيني.
لا تَرحَلي مِنْ عَالمي دونَ عِناق
كَي لا يَبقى اِلْتِقاء جَسدي بِ جَسدِكِ في العُمرِ
غُصة .
تقلب مزاجه الواضح بين الثانية والأخرى وترني كلش يعني قبل لحظات بسيطة كان مصدوم ش بسرعة تحولت الصدمة ل رد فعل قوي جدًا بحيث رمى الموبايل من إيده وغادر غرفة المكتب بدون ميرد على تساؤلاتنا!
باوعت ل رسول بنفس النظرات القابلني بيها، ما نطق ولا حرف طلع من يمي مباشرةً يتتبع أثره.

تقدمت السريع رفعت الموبايل من الأرض المكالمة منتهية وشاشة القفل مسدودة، ما أعرف الرمز لذلك ما ضيعت وقت أكثر، نزعت السترة وسحبت حقيبتي من الزاوية ضميت موبايله بيها ونزلت ب وجهي للكراج.

يامن ديطلع من الباب الرئيسي ورسول يشغل بسيارته ركضت أسحب بمقبض الباب مقفول، إلا شوية راد يتحرك حتى ما أنتبه لوجودي لو ما صحيته بطرقات سريعة وقوية على جامة السيارة. فتح القفل مباشرةً، صعدت وياه وتحركنا أباوع على سيارة يامن ديقودها بسرعة جنونية اِنخطف گلبي من هذا الإستعجال!
حط رسول إيده الهورن ما رفعها بعد، الشارع كله توقف ل حركته المُريبة إلا يامن ولا كأنه ديشوفنا وراه.

رسول: لك أوگف أوگف لخاطر الكائنات أوگففففففف
قدر: يا رب دخيلك شنو صاير وياه راح انجن!
- طلعي موبايلچ اِتصلي عليه بسرعة حتى لو ما جاوب ظلي لحي بالمكالمات...
- يمعود على كيفك مو گدامك شمر الموبايل وطلع
- لچ هوَ خله عقل ب راسي بس خل يوگع ب يدي وأني أعلمه شلون يولي ويخلينا حايرين شما كان السبب
- يا الله بس لا أهله صابهم مكروه! فدوتك ربي كل شي ولا هالسالفة يامن ابد م يتحمل.

- لخاطر ربچ لتتفاولين بالشر، ماكو شي تلگيها سالفة سخيفة مثله، مصاحب له وحده لو سمع له فد حچاية غثته المهم مو يم أهله الشغلة أني متأكد.
حاول يقنعني ب هالكلام بس ظاهريًا هوَ نفسه ممقتنع
اِستمرينا على هذا القلق المُغلف ب الهدوء الكاذب طول الطريق إلى أن تأكدنا من مخاوفنا بعدما توقف يامن أمام باب المستشفى ونزل من سيارته يركض مثل المجنون تاركها ب منتصف الطريق مشرعة أبوابها للمارة.

ظلوا أمن المستشفى ينادون وراه لأن قطع الطريق العالم بوگفته هذه، حاچاهم رسول بعدما ركن سيارته بالمقدمة ودخلنا بسرعة مندري وين لازم نتوجه، أفتر على نفسه وإيده فوگ راسه محتار شلون يتصرف صرخت بيه أطلب منه نتوجه للطوارئ أكيد إذا صاير شي راح نلگاهم هناك متقبل الغلط.

وفعلاً مجرد مدخلنا للمكان صار گدامنا منزل راسه الكرسي و صوت نحيبه واصل ل نهاية الممر! ركضنا اِتجاهه ب وقت واحد، سحبه رسول من زنده يسأله شنو صار، ماكو رد! يامن ب عالم ثاني تمامًا مو ويانا
اِندار رسول الموجودين يصرخ ب صوت عالي يطلب منهم يردون على سؤاله وهنا كانت الصدمة الحقيقية من سمعنا واحد من الحاضرين جاوبنا ب هالجملة الصغير بالحروف الكبيرة بالأثر والمعنى.
- أختو توفاها الله.
رسول: يُمنى!

- ما أعرفش أسمها بس هيَّ لسه تلميذة في المدرسة وخبطتها عربية بعد خروجها من الإمتحان على طول
رسول: يامن، يامن اترجاك اصحى وجاوبني هذا على منو ديحچي يُمنى لو وحدة غيرها! لك يامممممممن
هزه ب قوة وركض للداخل تبعته ب جنون أدعي يكونون فاهمين الموضوع غلط ومو يُمنى المقصودة.
دخلنا لغرفة الطوارئ بعدنا بالباب لگينا الجثة مطروحة على سرير المستشفى مغطيها ب شرشف العمليات ولون الدم الأحمر طاغي على لونه الأصلي!

تصنمت بمكاني ما گدرت أتحرك خطوة أما رسول تقدم ب خطوات مترددة يحاول يحافظ على توازنه إلى أن تمكن من الوصول للسرير وبلمسه مليئة ب الإرتعاش الواضح على يمينه سحب الشرشف من جهة الرأس.
يُمنى.
اي هيَّ يُمنى مو غيرها!

ب عمري وحياتي مگدرت أوصف مشاعري حتى بيني وبين نفسي و ب مُختلف الظروف، عشت العمر اتلقى الضربات من هالدنيا ب لسان أبكم وعيون مُمطرة أداوي جِراح روحي ب روحي وأرجع أوگف على رجلي من جديد ولا كأن أكو شي صار، هالشكل علمتني الحياة.

تركت رسول منهار يمها وطلعت اشوف يامن، گاعد على أرضية المستشفى مرچي ظهره الحايط وراسه للگاع والناس متجمعين يمه يحاولون يواسوه بمصيبته بس هوَ مو يمهم نهائيًا ولا يدري بالدنيا شنو ديصير وكأنه فاصل عن العالم الواقعي بشكل تام.

تجاوزتهم و جثيت على ركبي أمامه أتوسله يتجاوب وياية بس للأسف بدون نتيجة لدرجة رسول اِضطر أن يتكفل بالإجرائات الضرورية ب نفسه وهوَ اللي أخذ على عاتقه تبليغ أهلها بالخبر، كل هذا ويامن بعده متقوقع ب داخل عُزلته إلى أن وصلوا أهله للمستشفى.

عمو سَلمان دخل ممر الطوارئ وهوَ مفجوع ب شكل يفوق الوصف لدرجة بدون مينطق حرف واحد تجاوز الكل ودخل ليُمنى مجرد ما شاف وضعها المُزري خرج يصرخ عليهم من أعماق گلبه يريد يعرف شلون خسر بنته ومنو اللي كان سبب ب خسارته إلها.
كنت منزوية عنهم ب مكان معزول بس لمحني تقدم من بيناتهم يمشي سريع ب اِتجاهي، لزم إيدي عصرها ب قوة والدموع تارسة شيبته الوقورة.
- شلون ماتت قدر، شلون ماتت يُمنى جاوبينيييي.

درت وجهي عنه أمسح دموعي المتقبل تتوقف أحاول أخفي ضعفي ب هالطريقة لأن من اليوم كلهم محتاجين ل قدر تسندهم مثلما سندوني سابقًا ب مصابي.
- حادث عمو دتعبر الشارع العام واجت سيارة سريعة ضربتها، حاولوا الشباب ينقذون حياتها بس للأسف بعدهم بالطريق متوجهين للمستشفى وانطتك عمرها
- وصاحب السيارة وين هسه؟!
- اِنهزم بس لتخاف حفظوا رقمه وصدر أمر إلقاء قبض ب حقه مراح يجي الليل إلا وهو‌ بالحبس أوعدك.

ابتعد عني متوجه ل رسول. بقيت حايرة بين يامن وأخوه ألى أن صار وقت مغادرة المستشفى، طلب عمو من عندنا نتحرك بسرعة اِستجابينا لطلبه ما عدى يامن بعده على نفس الگعدة حتى من اجوا أهله ما تحرك.
تقدم عمو ب اِتجاهه سحبه عليه يصرخ بصوت نابع من أعماق وجعه يريد يصحيه ماكو أخر شي شبعه كفخات
باوع لأبوه وعلامات الصدمة مسيطرة على ملامحه أخذه لصدره مباشرةً يحاول يرجع له وعيه ب هالحضن.

مجرد ما حضنه عمو اِستوعب الموقف و اخيرًا. لف ذرعانه على ظهر أبوه و اِنهاروا سوى ب نفس الإنهيار
لحظات مُستحيلة الوصف اِنتهت ب مغادرتنا للمستشفى
تغسيلها، تكفينها، تشييعها، و الدفن. كل شي انتهى بلمح البصر وصارت يُمنى جزء من ذكرياتنا الموجعة بعدما كانت البارحة بيناتنا وجزء من أيام حياتنا.

گاعدة مقابل خالة الفاقدة ب فقد بنتها بالتحديد تحت أقدامها والناس طابة طالعة تقدم لها التعازي والمواساة ب مُصابها العظيم، أمسح دمعة تسقط عشرة بمكانها ما دأگدر أسيطر على مشاعري واني أكثر وحدة تعرف ألم الفقد شيسوي بالإنسان لو غادره عزيز.
رفعت إيدها أقبلها ب لهفة والعبرة تخرج من روحي مو بلاعيمي، رجعت نصت على إيدي رادت تقبلها سحبت كفي منها ووگفت على ركبي أخذتها ل حضني حيل.

نِبراس: ولچ يمة قدر راحت أختچ راحت الغالية ب عز شبابها ولكم حتى ما لحگت أفرح بيها يا ناس ما لحگت والله العظيم ما لحگت، راحت وحيدتي اِنطفت شمعة البيت وصفى بيتنا أظلم ب غيابها
زهرة: گولي يا الله يمة گولي يا الله كلنا على هالطريق
نِبراس: يا الله، يا الله عَجل ب موتي لأن هالنار الشابة بين ضلوعي ما راح تنطفي إلا إذا توسدت نفس التراب التوسدت بيه بنيتي، وحيدتي، شمعة بيتي ونور حياتي.

لزمت إيدها و اِنهاريت ب شكل مينوصف رغم قوتي.
قدر: اسم الله عليچ الله يطول لنا ب عمرچ، لتحچين هيچ هيَّ مو بنتچ الوحيدة اني همْ بنتچ يمة لو نسيتِ وتبريتِ مني! حبابة كافي ترى دتأذيني ب هالكلام
نصت راسها على راسي تشهگ ب صوت يفتت الصخر.
نِبراس: اخخخخ ولچ قدر راحت أختچ اخخخ يا وجع فراگها شديسوي ب گلب أمهاااااا خل ترجع وتشوف
بس حچتها سكنت. صرخن النسوان ب صوت عالي.

بعدتها عني مُغمى عليها صِحت بيهم ماي على السريع
جابت أخت رسول الماي بس غسلت وجهها فاقت گمت بسرعة بعدت النسوان عنها وطلبت منهن محد تتقرب بعد حتى تگدر تتنفس ليسكت گلبها لا سامح الله
بعدها بيبي تفرك إيديها ب خوف و أني واگفة مقابلهم دموعي غاسلة وجهي محتارة شلون لازم أتصرف حتى أخفف ولو جزء بسيط من تعبها، ب حركة عفوية اِلتفتت على النافذة الستار كان مسحوب من جهتي.

هوَ اني شفتها دخلت من الباب لو عقل ما ظل ب راسي
رميت الگلاص من إيدي و طلعت أركض قبل لتدخل للاِستقبال وتشوفها خالة، تصادفنا بالصالة عيونها من شدة البچي وارمة بس شافتني گدامها رجعت تبچي
بدون مقدمات سحبتها من بين الناس طلعتها ل خارج الصالة وصلنا للباب دفعتها ب قوة وگعت على وجهها
- ش عندچ جاية لهنا!
سندت نفسها على حافة الباب نهضت متجاهلة سؤالي
- أطلعي من هالبيت بسرعة بدون ما أسمع لچ صوتچ.

- اِجيت ل فاتحة أختي ما جاية علمودچ أني.
- أختچ! هه من شوكت صارت أختچ و إذا هيَّ فعلاً أختچ مثل متگولين ليش هسه يلا تذكرتي الأخوة اللي بيناتكم؟
- اِبتعدي عن طريقي قدر أريد...

قبل لتكمل الجملة أخذت رگبتها ب كفي شديت قبضتي ب قوة ورجعتها للباب اِنرگع راسها بالجامة، من سرعة الحركة وشدتها اِنفطرت من الطول للطول أما هيَّ بياض عيونها تحول لاِحمرار منا الضربة التلقتها براسها ومنا النفس المديدخل للرئة. اِجت تموت بين إيدي.

- اِسمعيني لچ أموتچ، تعرفين شنو يعني أموتچ لو لا والله العظيم روحچ أطلعها ب يدي وإذا حاولتِ تكبرين راس وياية أدوسه لراسچ ب أقذر قندرة عندي وأنتِ تعرفين كلش زين قدر إذا حطتچ ب راسها شنو ممكن تسوي بيچ، أدمرچ. وحق لوعة هالمسكينة النفجعت ببنتها أخليچ تتمنين الموت ومتحصليه.

رخيت قبضة إيدي عن رگبتها اجتها نوبة سُعال جدًا قوية بقت تحاول تسحب النفس لصدرها برهبة، بعدها تحاول تستجمع قوتها شبكت أصابعي بين خُصلات شعرها سحبته ب قسوة وسحلتها ل خارج البيت دفعتها للشارع حيل و رديت الباب وراية.
- كافي عاد كافييييي، ش شايفة نفسچ متگولي لي!

- شوفي أحذرچ تعتبين عتبة هالباب مرة ثانية وإياچ تحاولين تراوين هالعالم خلقتچ الزفرة وإلا وحق الخلقچ وبلانا بيچ تشوفين مني اللي عمرچ ما تخيلتِ تشوفيه لا من عدو ولا من صديق وگولي قدر حذرت الحية وداست على راسها بالأخير.
- إذا أني حية أنتِ عگربة صفرا ماخذة العالم بحنيتچ المُزيفة وأنتِ من الداخل تنثين سم وحقد بس للأسف كلهم مخدوعين بيچ الوحيدة اني الأعرف حقيقتچ
- خلصتِ؟ خلصتِ جاوبيني لتبقين منچبة.

- ماكو كلام بالدنيا كلها يگدر يوصف الحقد ال بداخلي اِتجاهچ أنتِ بالذات لذلك لو احچي منا للصبح ذم واِهانة همْ مستحيل أگدر أوفي حق نفسيتچ القذرة، بس أني كابوسچ قدر وماكو شي يخلصچ من هذا الكابوس طول ما أنتِ مُصممة تبقين عايشة بالأحلام
- خلصتِ؟
- خلصت.

- دوري وجهچ و اِنقلعي من وين ما اِجيتِ وها قبل لا تولين تذكري قدر العگربة شنو ممكن تسوي إذا تجرأت هالحية وداست لها على طرف، يعني بالنهاية إذا أنتِ معتبرة نفسچ كابوسي تگدرين تعتبريني قدرچ السيئ من هالحياة ومثل متعرفين القدر ما لنا سُلطة عليه
حچيتها ودخلت ردت أسِد الباب اِجت عيونها ب عيوني رگعتها ب وجهها حيل. نصيت راسي ثبته على الباب أستغفر ب نفس مضطرب وغصة واضحة ب نبرة صوتي.

هزت بدني الله يهز أقدامها على الصراط المستقيم.
بقيت بالخارج ل عدة دقائق همْ أستجمع نفسي شوية وهمْ حتى اتأكد من مغادرتها بعدها رجعت فتحت الباب للعالم ودخلت جوة الحمد لله ما اِنتبهوا ل غيابي لأن كل واحد منهم مشغول ب همه محد فارغ لي.
لليل دخلوا الرياجيل علينا اِلتمن النسوان يمهم يقدمن التعازي وهمَ يجاوبون مُجاملة، لحظات بسيطة وكل واحد منهم راح على غرفته، المُعزين كذلك غادرونا.

للعشرة بيت عمهم سلموا يرحون، باوعت من نافذة الصالة رسول طلع برة بس ظل گاعد مراح وياهم، بقت عيوني تدور بين الباب الداخلية وغرفة يامن محتارة لمنو المفروض أروح بالبداية وإلمن لازم أواسي! أخر شي ومن دون وعي رجلي أخذتني ل غرفة يامن طرقت الباب و دخلت عليه.

كان متمدد السرير ب نفس الملابس و حاضن روحه ب وضعية الجنين، تقدمت امشي ب خطوات بطيئة من وصلت يمه فتح عينه. اِبتسمت له ب حزن عميق رجع غمض، تعبان حتى ما بيه يجاملني.
- گوم غير ملابسك وحاول تنام باچر وراك يوم مُتعب
- ما أعتقد راح أعيش بعد تعب أكثر من تعب هاليوم
گعدت على طرف السرير أخذت كفه اليمين بين كَفيني وشديت قبضتي عليه ب قوة.

- ميحتاج أقدم لك النصيحة واگول الكبت يولد ضغط والضغط النفسي يسبب الإنفجار لأن خبرتك ب هالمجال تعادل خبرتي وتتعداها هماتين بس بدل متگعد وحدك بين أربع حيطان وتشكي همك لنفسك أني موجودة وتعرف قدر بالنسبة ل يامن روح ثانية ومستحيل تلگى اليفهم سكوتك ويستوعب وجعك أكثر من روحك
مررت سبابتي على وجناته: يلا حبيبي گوم، گوم حتى تحچي لي البيك وتريح گلبي وترتاح وياية.
عدل گعدته يباوع ل عيوني وحچى ب غصة واضحة.

- البارحة كانت بيناتنا قدر! البارحة بالليل گاعدة هنا بنفس المكان الگاعدة بيه أنتِ اجت إلى حتى أدرسها أخر اِمتحان ومن خلصت المادة بقت يمي بالغرفة شگد حاولت أخليها تگوم ماكو تأخر الوقت وهيَّ معاندة.

كانَّتْ صَغيرة. صَغيرةٌ لِلغايَة، لَمْ يَكُنْ هُنالِكَ شَخصٌ يَجرُؤُ عَلى أنْ يَكسُرَ عِنادُها الدائِمْ إلا أنَّها لَمْ تَجرؤُ عَلى مُعانَدةِ القَدر كَي تَحتَفظُ بِما تَبقى في شَجرةِ العُمرِ مِنْ أورَاقٍ قَليلة.

وَدعَتْهمْ الحَسناءُ النَاعِمةْ رَحَلتْ مِنْ بَينِ حَشدِهمْ تَارِكَةً لإحضانِهمْ بِ خِفَةٍ وَسَكينَةْ وَكإنَّها رِيشةٌ بَيضاءْ سَقَطَتْ غَفلةً مِنْ جِنحِ المَلائِكةْ لِتَكُنْ ضَيفًا خَفيفًا في دُنياهمْ
هُنالِكَ مَنْ يَرثيها صَمتّا وَ هُنالِكَ مَنْ يَبكيها وَجعًا، وَما بَينَ هذا وَذاكْ يَقِفُ مَنْ كانَّ يَعدُها روحًا عَاجزٌ عَنْ شَرحِ ألَمهْ
طابَ عُمرهُ بِها وَ لكِنْ أيامها طابَتْ بِ التُرابْ.

يُمنى: أدري شبيك دتدفع بيَّ قابل گاعدة على گلبك
يامن: لا إله إلا الله، ولچ يابة مو صارت الوحدة!
- اي وتصير شنو يعني قابل إذا عفتك راح تنام مباشرةً
- مو وراچ اِمتحان، نامي زين حتى تصحصحين عدل
- لتذكرني هذا أخر اِمتحان وترى ما ناسية وعدك گلت بالعطلة تاخذني ل شرم الشيخ يومين سياحة
- ترى كنت أقصد عطلة أخير السنة ليش هذا يا عاقل يفكر يروح لشرم الشيخ ب هالبرد!
- حچي يفيدك أنتَ وعدتني ووعد الحر دين، تاخذني.

- أخذچ ي الطرگاعة بس فضيني وگومي لغرفتچ نامي
- يعني لو ما اعرفك كلش زين چان گلت ديوزعني لأن يريد يخابر صاحبته، ش عندك حبيبي اِعترف اِعترف
- أريد أنام يالحمزة، متگولي لي شنو سالفتچ اليوم!
- يلا عمي رايحة بس لتبچي.
حچتها و نهضت من يمي، مشت مسافة بسيطة قبل لتفتح باب الغرفة رجعت باوعت لي.
- ها شكو.؟
- نسيت اگول لك باچر أنتَ توصلني لأن الخط ميجي
- شنو سالفته هذا كل يومين والثالث يعتذر ما طلعت.

- حجج يمعود يوميا حجة شكل بس بيه يطلب فلوسه
- زين وبالرجعة شلون؟
- والله دبر نفسك لو تريدني أرجع بالأُجرة عادي تعرف ما عندي مانع أختك زلمة معدل ميخاف من شي
- كرمينا ب سكوتچ لا أگوم لچ والله.
- يعني أفهم من رزالتك راح تعوف دوامك وتجي عليَّ
- طبعًا اجي ليش يا يوم خليتچ ترجعين وحدچ.

بس حچيتها تقدمت عليَّ حضنتني ب لهفة. ضحكت من تصرفها وبادلتها الحضن ثواني واِبتعدت عني تباوع ل عيوني ب نظرات غريبة ما لگيت لها تفسير!
- خير شبيچ؟!
- احنا بالنسبة لبعض أصدقاء مو مجرد أخوان مو صح
- شكو بعد هالمقدمة يا ستار! إذا تردين فلوس گولي ترى الشغلة بسيطة ميحتاج لها مقدمات.
- لاصدگ يامن عود همْ راح يجي اليوم التزعل بيه عليَّ أو تاخذ مني موقف لأي سبب كان؟
- وشنو مناسبة هالحچي لتطيرين عقلي من راسي!

- بس دجاوبني أول.
- أمري لله، غير إنچ أختي و صديقتي شنو بعد؟
- ممم، بنتك الربيتها أكيد.
- وما أعتقد أكو أب يگدر يزعل من بنته لو عندچ رأي ثاني؟
- بس أنتَ زعلت من...
- لتكملين لأن ماكو مقارنة بين الموضوعين نهائيًا
- باوعت لي الحيرة ب عيونها.
- احچي حبيبتي ولتخافين راح أتفهمچ ب كل الظروف.

- ماكو شي بس ردتك تعرف أختك شگد تحبك. يعني مهما صار لتتصور أني أتحمل زعلك عليَّ ولا اتجرأ وأزعلك مني عن قصد، أنتَ بالنسبة إلى أب ثاني
- لو تحچين بوضوح لو تنهين هالكلام ترى بدا الشيطان يلعب براسي بس مع ذلك تبقى ثقتي بيچ أقوى من كل شي.
- لا لتفهمني غلط أني تربيتك و تربية سَلمان و نِبراس مو معقول تشك بيَّ يامن!

- لچ أنتِ ثولة! وين شكيت مو گلت ثقتي بيچ أقوى من كل شي بس مع ذلك يظل كلامچ غريب يعني فجأة نزل عليچ الحب والاِعتذار وگعدت المسامر الطويلة، هذه شنو يسموها صحوة الموت وما أدري
- هههههه صدگ مشتهية سمچ وأني مو كلش وياه بس لا فعلاً هذه صحوة موت! اويلي يا حسرتااااه على شبابچ يُمنى راح تموتين وبعدچ مشايفة من الدنيا شي.

خزرتها ساكت گرصت خدي بضحكة: ديلا عاد تخلص من إزعاجي وطلباتي التعجيزية مدري شلون متحملني بس ها ما اوصيك تسوي سمچ وتوزع بثوابي وبالعافية عليكم أنتم تاكلون ويُمنى تنشوي بالتراب مثل السمچة
- انچبي وولي لغرفتچ يلا، دوختيني بتبذير أريد أنام
- مو تتدلل يماني. باستني تضحك: تصبح على خير
- وأنتِ من أهل الخير حبيبتي، طفي الضوة من يمچ.

ثاني يوم الصبح قريب العشرة أخذت من عمي زمنية وتوجهت للمكتب حتى أروح ل مدرستها، قبل لا أغادر الغرفة اجاني إتصال منها.
- اِجيت يُمنى مسافة الطريق ما اتأخر عليچ.
- لا لحظة لتطلع غادة بنت عمو حسن عندها خط بيه مكان شاغر يمكن أرجع وياها هسه راح أشوفهم.
- على شنو دتزحمين العالم ويانا! هذا أني أخذت لي زمنية دقائق وأصير عندچ ظلي منتظرتني.

- يمة يمة شگد غاوي تعب بتبذير لو رجل آلي همْ كان اِحتاج للراحة، أنتَ شنو بس فهمني.
- هسه صرت محتاج للراحة! شو خلصت عمري وأني أشتغل شوفير إلچ وللخلفوچ، عمومًا تعبكم راحة ست يُمنى ليش ش عندي غيركم بالدنيا.
- ههههه حضرة الشوفير داِنطينا مجال مو حتى البنية عبرت الشارع وتركتني من وراك.

وهذه كانت أخر جملة أسمعها من يُمنى، قبل لا أجاوب سمعت صوت فرامل السيارة وبعدني ما طالع من صدمتي تبلغت بالحادث من الناس الكانوا قريبين عليها
كان يتكلم و منصي نظره مني. مديت إيدي رفعت حنكه ب اِطراف أصابيعي بس اِلتقت عيوننا اِنهار تمامًا
تقدم عليَّ ثبت راسه على مقدمة كتفي ينحب بصوت مليان وجع وهوَ يصرخ: راحت يُمنى، دفنتها ب يدي قدر ورجعت للبيت تاركها تواجه وحشة الليل بروحها.

بس حچاها نزلت دمعتي ال كانت تحرق جفوني من گد ما قاومتها وأني أحاول أمنعها تنزل وتضعفني.
رفعت إيدي على ظهره حضنته حيل. بادلني الحضن ب قوة تعادل قوة الألم المستوطن صدره حاليًا وهوَ ينحب بنحيب يشبه تمامًا نحيب الثكالى ولا كأنه ذاك يامن القوي الماكو شي بالدنيا ممكن يهز رجولته
احتضنت راسه ب كفي وقَبلت شعره أكثر من مرة أريد احچي ما اگدر الغصة خانگة صوتي حتى النفس ديدخل لصدري ب صعوبة.

بعدته عني من شفت مدى الاِنهيار الوصل له استجمعت طاقتي وقويت نفسي علموده، رفعت إيدي على وجهه لمست لحيته ب هدوء ومسحت دموعه ب أطراف أصابعي، راد يبعد نظره مني رجعت راسه عليَّ و بقيت محتضنة وجهه بين كَفيني
- حبيبي. عمري أنتَ، أترجاك تقوي نفسك ما عرفتك ضعيف هيچ بالنهاية احنا مؤمنين و نعرف الموت حق
بس حچيتها حط إيده على وجهي وسوى وياية نفس الشي، مسح دموعي ب أطراف أصابعه ورجع حضني.

- يامن عفية لتتصرف هيچ والله دتخوفني عليك.
- لتخافين قدر ما بيَّ شي.
- قدر شنو!
- اِبتسم من بين حُزنه: بلوة عمري
- وبلوة عمرك مستعدة تدفع عمرها بالكامل بس ترجع تشوف هالاِبتسامة الجذابة تلون وجهك الحلو
- اسم الله على عمرچ لتحچي لي ب هالسيرة اترجاچ.

- يُمنى راحت ل ربها نظيفة، ب روح حلوة و گلب نقي لتفكر بيها لأن هيَّ اِرتاحت من خلصت من هالدنيا أما احنا ف الصبر موجود لأن رب العالمين مثلما كتب علينا الموت كتب علينا الصبر والاِيمان بالقضاء والقدر حتى ميسمح لعباده يوصلون ل مرحلة الجزع والكفر.
- ونعمَ بالله.
- يلا يا روح أختك گوم غير ملابسك وحاول تنام شوية.

مررت إبهامي على مجرى الدموع واِنسحبت من يمه، وصلت للباب دأفتحه رجعت نظري عليه بعده ديراقب خطواتي ب عيونه.
- لتأذي نفسك بداعتي بالنهاية إِنا لله وإِنا إِليهِ راجعون
- إِنا لله وإِنا إِليهِ راجعون.
بس طلعت من يمه اجاني إتصال يبلغوني بيه سائق سيارة الأجرة الضرب يُمنى و إنهزم گدروا يوصلون له وحاليًا هوَ تحت التحقيق وراح ياخذ الجزاء اليستحقه إن شاء الله.

سديت الخط منهم متوجهة لرسول مباشرةً، لسه على نفس گعدته بس حس أكو حركة وراه مسح دموعه بالخفية وتحمحم ب صوت متموج.
- مو باردة عليك هنا؟ ليش متگوم للداخل
- لا زين الجو.
طبطت على كتفه ب مواساة ونزلت گعدت ب جواره.
- أني أعرف كلش زين يُمنى بالنسبة لك أكثر من بنت عم وأعرف كذلك مدى حجم الأوجاع المجتاحة دواخلك حاليًا وأنتَ فاقد الإنسانة...
قطع كلامي ب غصة واضحة جدًا على نبرة صوته.

- الگاعد أحس بيه أكبر من أن يتسمى وجع، أني بهذه اللحظات الصعبة گاعد أحس روحي دتحاول تغادر جسمي بس أكو شي مانعها تطلع وتريحني.

مخنوگ، كلش مخنوگ قدر نار ومشتعلة بگلبي وماكو شي يگدر يطفيها، شلون راح اتجاوزها؟! شلون راح اتجاوز حقيقة موتها، قنعوني يُمنى راحت قنعوني بعد ما اگدر أسمع صوتها ولا أشوف ضحكتها الحلوة مرة ثانية، قنعوني هيَّ صارت ذكرى بحياتنا شهر شهرين سنة سنتين وننساها ونعيش ولا كأنها كانت موجودة بيناتنا بيوم من الأيام.

ليش هيچ والله ما كانت نيتي وياها سوء، ردتها حلال إلى وكنت أخاف ربي بيها مثلما أخاف على خواتي شنو الذنب الاِرتكبته حتى رب العالمين يجازيني بحرمانها وشلون راح أگدر أتقبل حقيقة هالحرمان!
- اِستغفر ربك لأن عمر الموت ما كان عقاب للبشر، هذا أمر مفروض علينا وكل من ينخلق ب هالدنيا ينكتب بصحيفته يوم خروجه منها ب نفس اللحظة.

هيَّ لأن نظيفة وطيبة الله اِختارها و إلا نعرف كل عار عمره طويل ب هالدنيا، صعب يموت بسهولة!
العمر راح يستمر رسول سواء كنا مرتاحين أو لا وهذه أني مثال حي گدامك جربت شعور الفقد قبلك وعشت ما متت لأن ماكو واحد يموت بعد واحد مهما كان عزيز وإلا ما اِستمرت الحياة ل يومنا هذا واِنتهت البشرية.

كلها فترة و راح نعتاد غيابها مثل ما اِعتادينا وجودها صح راح تكون فترة صعبة بس لتخاف لا يُكلف الله نفسًا إلا وسعها، ربك ما راح يحملنا فوق طاقتنا وبكل لحظة جزع واِشتياق راح نلگاه هوَ سندنا الوحيد.
مسح دموعه النزلت رُغمًا عنه و نهض ينفض ملابسه من تراب قبرها اللي لحد هاللحظة عالق بيه مثلما راح تبقى يُمنى عالقة ب ذاكرة هالرجُل طوال حياته.
- وين رايح؟
- للمغاسل اتوضأ حتى أصلي واقرا لها قرآن شوية.

- زين تسوي ويا ليت تخليك ويا يامن الليلة لأن مثلما هوَ محتاجك أنتَ محتاجه وأكثر، أكيد فهمت عليَّ؟
هز راسه ودخل. بقيت على گعدتي أريد أگوم ما أگدر أحس جبل من الهموم رَسا على ظهري ورغم كل شي لازم أقاوم وأدعي القوة حتى أخفف عنهم المُصاب.

بعدني أحاول أستجمع نفسي عن طريق تخدير العقل بالإنعزال عن الواقع واِنعدام التفكير بحتمياته، سمعت صوت اِرتطام قوي في الأرض تبعه تَكسُر زُجاجي على أثره رجعت لي طاقتي ونهضت ب اِستعجال متجهة ب اِتجاه مصدر الصوت واللي كان منبعث من الجانب الخلفي للممر الداخلي للبيت...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب