رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل السادس
تعلم ان ما يحدث عبث في عبث فقط صحيح ليونارد؟
سأل صاحب الشعر البندقي، كان المعني بالاجابة يستند على السور الذي يطل على الحديقة الداخلية لقصرهما.
انني اساير الوضع فقط، كما انك تعلم خطورة أخذها بالغصب من قصر فيسكونتي، اجزم ان ايطاليا كلها ستنقلب علينا!
قلب ايدواردو عينيه بضجر، لا زال غير مقتنع!
تساير الوضع؟
و هل مسايرة الوضع ستجعل من ماريا تحبك؟!
اخبرها فقط بما يحدث و اجزم انها ستخرج من ذاك القصر هاربة الى احضانك!
اخذ ليوناردو نفسا عميقا، حسنا هو بدوره يشعر ان ما يحدث مجرد فوضى غبية.
لكن ايريك ادرى بما يجب فعله!
ماريا ستحبني عاجلا ام آجلا!
المهم الآن هو ابعادها عن ذاك الوحش الحقير،
اومئ ايدواردو مستسلما، و فجأة ابتسم بمكر يطالع اخيه الذي يقابله.
انا من سيقتل سواريز!
ضحك الغرابي باستهزاء قبل أن يعانده مصححا ما تلفظ به شقيقه.
لن يفعل احد غيري هذا.
كلاهما يحدق بالآخر باصرار...
و كلاهما ابتسم بنفس الطريقة و في نفس اللحظة...
حجرة ورقة مقص!
لم أتوقف عن السير جيئة و ذهابا أحاول هضم ما سمعته من ثغر المجنونة التي تجلس على سريري تراقبني بينما ترمش بغباء.
توقفت فجأة احدق بها و سألتها أحاول التأكد للمرة الألف من ما تقوله.
اذا ايريك لم يحرق اي شيء بل ابنى عمك المختلان هما من حرقا معملهما!
اومأت برأسها في حركة آلية، عدت ألف الغرفة جيئة و ذهابا، ما اللعنة التي اسمعها الآن؟!
حسنا لما لم يقل ايريك شيئا حيال ما حدث؟!
لما لا يحاول انقاذي؟!
لما يريد التخلص مني؟
آخر ما قلته جرحني، احقا يريد ايريك تزويجي من هذا الوحش ليتخلص مني؟!
لا تهذي ماريا!
ايريك اكثر شخص يهتم لامرك في هذا القصر اللعين!
فجأة صار الامر اشبه بكذبة!
هل كان كل ذلك مزيفا ام أنه تغير فجأة؟
هل يريد الإرث ايضا؟!
لو طلب مني لكنت قد اعطيته كل شيء و ليغضب مني العالم كله!
لكن لما فعل هذا بهذه الطريقة؟!
إسمعي سأتأكد من الامر ماريا، لا يمكننا التأكد من بضع كلمات خرجت من افواه مخمورين!
لقد سمعت ميرنا حراس اخيها يتحدثون عن حرق المعمل الخاص بعائلة اورسيني بأمر من ليوناردو و ايدواردو، أي ان ايريك لم يحرق شيئا و رغم هذا لم يقل انه لم يفعل هذا...
هذا يعني انه قد اتفق معهم!
علي اخذي كي يتخلصوا مني.
هل يعلم جوليان و ماريوس عن هذا؟
هل يهدد ليوناردو اخي؟
ام هل ايريك هو صاحب الفكرة؟!
كلما شردت و لم أتحدث اسافر عبر افكاري، أحاول تبرئة ايريك من كل ما يحدث لكن، لما أشعر أن له يدا في الامر.
لا تكتئبي مثل البومة هكذا ماريا!
لا يمكننا الوثوق او التأكد من شيء الآن، ستقام خطبتكما انت و ليوناردو بعد ثلاثة ايام فكري بهذا الآن!
عليك استغلال الوضع و التحقيق معه!
ابتسمت بسخرية لما تقوله، انا احقق مع كتلة الشر تلك؟!
ما إن كنت على وشك اجابتها حتى سمعت طرقا على الباب، اذنت للفاعل بالدخول.
العشاء جاهز و الكونت يناديكما للأكل.
كانت ايليت الطارقة، ابتسامتها مرهقة و ملامحها شاحبة، لابد انها متعبة من كل ما حدث.
سننزل الآن ايليت لكن، ما رأيك في أخذ قسط من الراحة!
نبست بهدوء أحاول ان لا تظهر الصدمة و القلق في معالم وجهي و كإجابة هي اومأت لي و انسحبت من الغرفة.
لم اعلم حينها انها قد استمعت لكل ما قلناه انا و ميرنا!
ودعت ميرنا بعد ان تناولنا العشاء، لم يكن ايريك موجودا و ارسلت اليه حصته في غرفته.
لم يكف والدي الاثنان عن التحدث حول الخطبة التي ستكون يوم الثلاثاء...
أشعر بالاهانة كونه يومي المفضل!
جدي لم يلقي نظرة واحدة علي، كان يتحاشاني و كأنه لا يستطيع سوى التألم لحالتي بعيدا عن فعل اي شيء آخر.
اما عن اخوتي فالوضع كان كاسرا ناحيتهما، من جهة كان ماريوس يقتل والدينا في مخيلته لكونهما مسرورين لما آلت له الاوضاع، اما عن جوليان فاكتفى بامساك احدى يدي بين الحين و الآخر ما إن ابدأ تعنيفهما لغضبي و حزني...
صعدت الدرج المؤدي لغرفتي و انا اتحامل على الوقوف، الخدر ينتشر في انحاء جسدي، مررت بغرفة ايريك و التي كان بابها على وشك ان يكون مغلقا.
كنت سأطرق الباب لولا ان شهقات فتاة ما سبقتني.
اللعنة عليك ايريك!
أهذا جزاء حب اختك لك!
تجمدت الدماء في عروقي، أنه صوت ايليت.
ايليت جميلتي انت لا تفهمين شيئا!
من الواضح أنه و بنطقه لكلامه حاول الاقتراب منها لكنها منعته بصرختها.
اياك و لمسي!
اقسم انني لن اتردد في قتلك
بعيدا عن ان اطرافي ترتجف لما سمعته غير انني شعرت بالصدمة لما تفعله ايليت، اعلم أنها تعشق ايريك اشد انواع العشق، لكنها نفرته عنها من اجلي!
ايليت انت لا تفهمين شيئا.
ضحكت المعنية بسخرية و اجابته.
هل تزويجها بهذه الطريقة المتوحشة أمر لا أستطيع فهمه؟!
انت تبيعها لشخص لا تعرفه!
صمتت لبضعة لحظات قبل أن تهمس بضعف...
همسات وصلت لمسمعي من شدة هدوء الرواق.
انت لست من احببت ايريك!
الشاب الذي احببته هو ذاك اللطيف الذي حمى اخته من كل شخص بالعالم!
لا الشاب الذي يتخلص من أخته بهذه الطريقة!
الدموع شوشت رؤيتي...
هذا يعني أن ما قالته ميرنا صحيح!
لم يحرق ايريك اي معمل و لم يقتل أي شخص، لقد اتفق مع ليوناردو على الايقاع بي و تزويجي له...
ايريك يكرهني!
كما يفعل والدي، و خالتي، و نيكولاس...
و الجميع!
هرعت الى غرفتي راكضة و ما إن صرت هناك حتى اغلقت الباب و انهرت على الارض ابكي بحرقة ما يحصل معي...
اكرهكم جميعا...
أكره نفسي...
اتمنى ان يجدني الموت!
مساء اليوم الموالي، الساعة الثامنة...
ملابس مطرزة و مصممة من طرف اهم المصممين في ايطاليا بأكملها، بضعة رشات من العطر الاسباني الرفيع و التي لم يعرض بعد في الاسواق، حذاء رياضي ملمع و اسود اللون، نظارات من ماركة شهيرة بباريس...
انت الاوسم يا رجل!
همس لنفسه يمنحها غمزة عبر انعكاسه بالمرآة...
خرج من الغرفة و من ثم القصر بأكمله ناحية النهر أين موعد لقائه مع الفتاة التي اعجبت به.
دقيقة، دقيقتان، عشر دقائق، ربع ساعة...
ها قد مرت ساعة و نصف و لم يظهر لماري أثر في الحديقة بأكملها.
يلعب بالسماعات في شرود منه، كلما لمح فتاة استقام ظنا منه انها فتاته لكن، و ككل مرة يخيب ظنه.
فجأة بسم ثغره و استقام بسرعة، كانت فتاة تشبهها، بنفس الشعر المتموج و الطول...
تستند على السور و تحدق بالمياه.
انها فرصتك ماريوس!
همس لنفسه، الامر المضحك أنه يود ارجاع السماعات فقط للفتاة المعجبة به لا المعجب بها!
ماريوس فيسكونتي لا يعجب بأي فتاة بالطبع!
حتى لو كانت ماري صاحبة الشعر المتموج و البشرة القمحية و التفاصيل الطفولية!
وقف خلف الفتاة و اخذ نفسا عميقا...
لما كل هذا التوتر بحق الجحيم و هو من تعجب به كل الفتيات من نظرة منه!
نقر كتفها بشكل مضحك و لطيف، كان يستعد لان يبتسم لها لولا ان نظراته لفحها شيء من البرود عندما اتضح انها ليست ماري.
نعم سيدي!
نطقت الفتاة في استحياء و خجل، من لا يروقها محادثة شاب وسيم كالواقف امامها الآن؟!
ظننتك شخصا آخر
نطق ببرود، ليس و كأنه من ازعجها!
انتظر و انتظر و انتظر...
و كانت النتيجة لا شيء...
تنهد بانزعاج و ما إن صار القمر يحتل منتصف السحاب حتى نهض مقررا العودة و هو يهمس بشتى انواع التذمر...
واو لم يقدر ان يشتمها!
ابحثوا عن من تسمى ماري، احضروا لي قائمة عن من تحمل اسما كهذا!
وجه شاحب عكس العادة و عيون الحتل ما اسفله السواد، حسنا انها الهالات السوداء!
لست مستغربة لشكلي الذي اصبح مخيفا، البكاء لساعات طوال الليل، توزيع الابتسامات على جميع اخوتي و اضطراري لسماع توبيخات امي و دروس والدي و تهديداته...
كل هذه الامور جعلت من حالتي تسوء نفسيا و جسديا.
امي تعتقد ان شحوبي راجع لعدم اتباعي النظام الغذائي و الرياضي بشكل صحيح، و هذا ما جعلها تفرض قوانين جديدة كالتجويع و زيادة الرياضة لجعل منحنيات جسدي تظهر بشكل جيد.
لا أحد من اخوتي يعلم عن هذا الامر ولا اريد أن يعلم احد، ثقتي تحطمت بجميع من حولي، اتحاشى ايريك قدر الامكان و لم اخض معه ولا حديثا واحدا، لا زلت امر بحالة صدمة عويصة!
اليوم هو يوم فرحة والدي القصوى...
اليوم هو اليوم الذي ستبيعني فيه عائلتي للشيطان...
اجل سأخطب لدوق المدينة المستقبلي...
ليوناردو اورسيني!
اختارت أمي ان اسدل شعري و قررت ان اترك التصفيفات الفخمة حتى ليلة الزفاف، و عن الثوب فقد اختارت فستانا ازرق قاتم، يتمسك بجسدي بسلسلتين حديديتن رفيعتين تحيطان كتفي، اكمام اليد التي كانت طويلة جدا و غطت كف يدي بشكل انثوي و فخم مع فتحة صدر معقولة.
و طبعا لم تنسى ان تأمرني بارتداء حذاء اسود ذو كعب عال ليصعب المشي علي!
الساعة كانت تشير للسادسة و النصف عندما سمعت طرقا على الباب افسد تأملي لانعكاسي و شتم حظي، اذنت للطارق بالدخول و انا اعنف اناملي خشية ان يكون الفاعل احد اخوتي و هذا ما لا اريده!
لا أريد أن التقي بأحد اخوتي مطلقا!
وسعت حدقتي بصدمة عندما اتضح ان الفاعل هو جدي، جدي الذي لم يطرق باب أحد من قبل بل هو من يأمر فيجدنا امامه خلال ثوان!
جدي!
نبست و انا اركض لاصل اليه، ابتسم لي بتعب و فتح ذراعيه لي و لم أضيع فرصة الاحتباس داخل حضنه، هو الوحيد الذي يحبني بصدق!
كيف حالك ايتها الكونتيسة؟!
ابتسمت بهدوء أستمتع بمسحه على شعري، و بلكنة لطيفة و مستريحة اجبته.
بخير ماذا عنك جدي؟
تنهد بثقل و شعرت به يبتعد عني اتجه للجلوس على السرير و لحقته اجلس على ركبتي، فليذهب الفستان للجحيم!
تبدين آية فالجمال، فليحفظك الرب يا ابنتي.
نطق بعنينه الحنونتين و اللتين لا تكونان بهذا المنظر الا عندما ينفرد بأحفاده.
شكرا لك جدي!
تنهد مجددا ثم عاد يتكلم بهدوء.
عائلة اورسيني ليست بذلك السوء، الدوق فيليب شخص جيد و قد كان صديقي، فلا تقلقي!
كان يكذب، ليسا صديقين انا اعلم هذا، لكنني ابتسمت كاذبة و اومأت له اطمئنه.
أعلم هذا، بل انني سعيدة لهذا الزواج!
كنت بارعة بالكذب هذه المرة، كنت بارعة في ادعاء انني و رغم كوني لازلت بالسابعة عشر من العمر مسرورة لانني سأتزوج من يشبه الشيطان.
طبعا انا سعيدة ما الذي سيجعلني حزينة؟
انت وردة جميلة، وردة عليها ان لا تذبل...
ارثي كله رهنته بك انت ماريا!
لم اغير رأيي لانك فتاة كونك كنت مختلفة!
اعلم انك ستغيرين كل شيء!
اعلم انك ستجدين طريقة تحقيق ما تريدينه...
ثقي بنفسك!
كلماته أثرت بي و لم اجد غير هز رأسي كإجابة.
انا ماريا فيسكونتي...
لن يتغير هذا أبدا!
السابعة بالضبط هناك أين سمعنا ذلك الصوت الغريب، و أين خرجت من غرفتي و رأيت اخوتي الثلاثة يناظرونني بعدم فهم، كانو ثلاثتهم على وشك النزول ايضا، اسرعنا اربعتنا الى الخارج، البوابة الكبيرة كانت قد فتحت على مصارعها في انتظار الضيوف، ما بينها و بين العتبة اصطف صفان من الخدم الذين ارتدوا ثيابا موحدة...
حسنا لن أكذب الامر فخم!
كان الصوت العالي و الغريب يقترب شيئا فشيئا، بعد ثانيتين لحقنا والدي و امي و جدي.
طبعا اجبرتني امي على الصعود لغرفتي من اجل عدم خرق العادات و رغم ان اخوتي الثلاثة كانو على وشك صدها عن ارسالي خضعت لامرها مسرعة من اجل أن اشاهد ما سيحدث من الشرفة.
وقفت انتظر انا الاخرى و الهواء يتلاعب بشعري...
الصوت اصبح قريبا جدا...
يا الهي!
همست لنفسي باندهاش، و اقتربت من سور الشرفة اكثر.
العديد من السيارات السوداء المتشابهة، تتوسطها واحدة بيضاء فقط و التي كانت على سطر واحد طويل، و من كلا الجانبين تحيطها دراجات نارية كثيرة و هي التي تسببت في ذلك الصوت القوي.
كانت عائلة اورسيني متوزعة في مختلف السيارات السوداء الا ايدواردو الذي كان يسبق السيارات على دراجة حمراء اللون...
اما عنه فكان من يقود السيارة البيضاء...
عكس البدلة السوداء التي تحيط جسده.
خرج الجميع من السيارات، كان رجال عائلة اورسيني يحملون مختلف الهدايا و التي كانت كلها لي انا، اما عن العائلة فقد اتجهوا ناحية عائلتي للترحيب بهم،
اما عنه هو...
فقد وقف بعيدا يراقبني، يبتسم لي...
و كأنه يخبرني بنظراته أنه فعلها...
أنه يقوم بجعلي ملكه...
يثبت لي انني له!
كانت هذه اول مرة ابتسم له ايضا...
اللعنة على فقد اعجبني الوضع!