رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل السادس عشر والأخير
بالشمس و وهجها المضيء...
بالقمر و نوره الجريء...
بقرب النجوم للسماء...
و بهجة الاطفال في المساء...
اقسم لك بالرب!
ان لا شر سيمسك ولا انس سيقربك ما دمت فتاة تربعت على عرش قلبي
لا المسافات قادرة على ابعادك و لا الشياطين قادرة على اذيتك
انت لي و انا لك، هذه هي نهايتك، و ستظل كذلك للابد
و بمختصر الكلمات ساقول...
ان هذا عصر اسطورة ماريا فيسكونتي و الدوق،!
Leonardo Orssiny.
كتمت شهقاتي بيدي مفلتة الرسالة من يدي، ابكي بهدوء افتعله رغما عني، لا يجب على ميرنا رؤيتي و انا ابكي، لا يجب على احد ان يشفق على بعد الان، لقد مر من الوقت ما يكفي ليجعلني اوقن حقا انني نذير شؤم
لربما اكون اول فتاة ملعونة حقيقية عكس ماريا جيوفاني التي كانت مجرد اسطورة
انا حقيقية، مشؤومة، و جريحة!
اعدت الرسالة للظرف و التي كعادتها تطلخت ببضعة قطرات من الدموع المناسبة من عيني، فتحت درج المكتب بغرفتي و خبأتها هناك مع شبيهاتها، جررت الكرسي المتحرك خاصتي للحمام، فتحت الصنبور فهلطت المياه الباردة على كفي التي رحت اطبطب بهما على وجهي ازيح اثار الدموع التي تسببت رسالة زوجي بهما.
رفعت رأسي فقابت المرآة التي عكست صورتي، حدقت مطولا بالكيان الذي انا عليه، بشرة شاحبة و عيون منهكة و هالات حمراء تحت عيني، زفرت بعمق و صرت اروح بيدي امام وجهي لعلي هكذا اخفف من حدة الغصة التي تستعمر حلقي بقسوة
حملت مظلل العيون و رحت اوزعه على بشرتي قليلا كي اتفادى تعليقات ميرنا عن كوني في حالة مزرية، و بكامل جهدي المستنزف رسمت ابتسامة زائفة على وجهي اجاري بها يومي الذي بدأ منذ لحظات معدودة.
كنت اعلم ما ينتظرني عندما اخرج من الغرفة، مائدة مزينة بمختلف الاطباق و صوت ضحكات تصل لاعالي السماء، احاديث مطولة حول معهد الفنون الذي التحقت به طيلة الثلاث الاشهر الماضية، و طبعا تفادي النظر لاعين بعضنا
هذا هو حالنا انا و ميرنا منذ ان جئنا لهنا، و بقدر ما كنت اكره هذا اليوم كان يزداد بغضي له حينما تصلني رسالة ليوناردو الاسبوعية فالاحظ ان الكذب حول سعادتي يكبر اكثر فاجرح به داخل صديقتي اكثر.
اخذت نفسا عميقا و استدرت بغية الخروج من غرفتي لكن عيني وقعتا على اطار تلك الصورة التي تموضعت على المنضدة بقرب رأسي، عضضت شفتي السفلية اكبح الشعور المقيت داخلي و اقتربت دون شعور من المكان المنشود احمل الاطار بين يدي، كانت الصورة تجمعني بليوناردو امام برج ايفيل، تلك الصورة كانت خلال المدة التي قضيناها هنا، كان يعانق خصري و رأسه متموضع على كتفي ينظر لملامحي و كأنه غارق بمتاهة يصعب الخروج منها في حين انني كنت انظر ناحية المصور الذي تكفل بالتقاط تلك الصورة.
كانت تلك الايام اجمل ما مر على في حياتي بطولها، بدى لي الامر حينها و كانني حرة، و كانني فتاة طبيعية لا يقيدها شيء بل و يوجد شخص قد يضحي باي شيء من اجلها لكن اتضح انني مجرد واهمة
اريد ان اكرهك من اعماقي، لكنك لا تسمح لي،.
همست بشرود امسح على وجه ليوناردو باناملي، و دون قصد مني عدت سارحة بالخاتم الذي يحيط بنصري، بالماسته السوداء تلك، نظرت لها مطولا اقلب فكرة انتزاعه من اصبعي، لكنني تراجعت واضعة الاطار في مكانه اشق طريقي لخارج الغرفة، ما ان فتحت بابها وقع ناظري على ميرنا التي تتكئ على الحائط شبه مستيقظة، ابتسمت للطافة منظرها قبل ان انبس بضحك
ما كان عليك الاستيقاظ باكرا ان كنت ستبدين بهذا الشكل.
مددت ميرنا اطرافها تهز رأسها ما جعل خصلاته المصبوغة بالاشقر تتطاير هنا و هناك، لقد اختارت لون الشعر الذي يكرهه ايدواردو من اجل اغاضته، هذه الفتاة قد عبثت بخصلاته منذ قدومنا الى هنا
تارة صبغة برتقالية و تارة اخرى زهرية و البارحة فقط دخلت المنزل بلون جديد
لدي موعد مع طبيب الاسنان.
تمتمت بنعاس تجر بالكرسي المتحرك الذي يحوي جسدي نحو المطبخ، كنت اعلم انها تكذب حيال ما تقول، هي كانت تعلم ان ليوناردو سيرسل شيئا ما اليوم و الا ما كنت لاجد الرسالة تحت الباب بعد ان جلبتها هي بنفسها لانها متاكدة انني لن افعل
صراحة لولا ميرنا ما كنت لافتح اي رسالة قادمة منه او من غيره و ساتركها تتراكم هناك دون القاء نظرة بسيطة عنها لانني و ببساطة لا اريد احدا حولي.
بالكاد اواصل مواكبة المعهد الذي لم التحق به برغبة مني لكن ذاك الاورسيني هو من فعل دون اخباري، لا بد انه كان يخطط للامر باكرا
ابتسمت بسخرية لما فكرت به و راقبت ميرنا التي اتجهت لصنبور المطبخ تغسل وجهها لعلها تستفيق
هل ستذهبين للمعهد
سألتني بعد امسكت كوب قهوتها تنظر لوجهي المبتسم، كنت ادهن خبز التوست و انا اتحدث بحماس لا يناسب قلبي الغائم.
اجل، سيكون هناك تدريب جماعي امام هيئة تحكيمية من اللجنة المسؤولة عن المعهد و آرثر دعاني لنشكل انا و هو فريقا اثناء العرض
ما ان جلبت سيرة هذا الاخير حتى زفرت ميرنا بانزعاج
هذا الشاب ملتصق بك رسميا، و انت حقا تسايرينه ماريا
لم امح ابتسامتي و بينما كنت التهم شطيرتي الخفيفة اجبتها
لا تقلقي سانقل له عدوى الشؤم بسرعة و سيركض بعيدا.
ختمت كلامي بضحكة عابثة و قلبي يعتصر الما، هذا كان حالي منذ ان حطت اقدامي هذا المنزل رفقة صديقتي، ابتسامات كثيرة و ضحك زائف و الكثير الكثير من، الجروح
داخلي يموت ببطئ لكنني لا اجد ما افعله غير المواصلة و مع كل يوم يمر اشعر انني ما عدت اتحمل اكثر و انني سانفجر لا محالة لكنني اواصل، هل على ان افتخر بانني ممثلة جيدة...
لا تقولي هذا ماريا، انت لست مشؤومة كفي عن التحدث بهذه الطريقة.
اتسعت ابتسامتي اكثر، اكتفيت من الاكل لذا وضعت ما تبقى في الصحن و انسحبت من المطبخ منهية الكلام بعدة حروف مختصرة
انت لا تعرفين شيئا ميرنا
اتجهت نحو الخزانة المتموضعة امام الباب اخذ حقيبتي التي كنت قد رميتها باهمال هناك البارحة، كان من السهل على سماع خطوات ميرنا التي تتبعني
انا التي تعرف كل شيء، لا اصدق انك استسلمت حقا لهذه الاسطورة السخيفة.
حافظت على ملامحي المبتهجة ارتدي حذائي الرياضي الابيض، و بقدر جهدي تفاديت النظر لعيني صديقتي، لا اريد ان ترى ما بداخل عيني، لا اريد ان تفهمني مطلقا و لا ان تعلم عن ذلك الانكسار بداخلي
هذه الاسطورة السخيفة التي تتحدثين عنها هي انا ميرنا، حاولي تذكر ما حدث معي فقط قبل عدة شهور، بل دعك من ذلك تذكري فقط هذا الاسبوع.
واصلت الضحك بطريقة جعلت من اعصاب الواقفة بجانبي تحترق اكثر قبل ان ابث حروفي مكملة بابتسامة و كانني اروي قصة مضحكة لا الاحداث المزرية التي مررت بها
من الانسان الطبيعي الذي يسقط امام الجميع كل يوم، من هذا الذي قد يكسر البيانو اثناء عرضه، من هو الشخص العادي الذي قد يسقط فوقه صحن الحساء بالخطئ امام الجميع بالكافيتيريا
ضحكي اثار في ميرنا غضبا جما جعلها تصرخ في وجهي بطريقة جمدتني في مكاني.
و اللعنة ماريا توقفي
اخذت تتنفس بقوة بينما احمرار عينيها اوحى رغبتها العارمة في البكاء
ما اللعنة معك ها، ما الذي تهذين به انت، اي شؤم تتحدثين عنه
ابتسمت بطريقة مهتزة و كنت على وشك ان اتحدث بهدوء غير انها قاطعتني بانفعال
لا تبتسمي. لا تضحكي، كفي عن قتل نفسك و قتلي معك بهذه الطريقة المقرفة، لما انت ضعيفة هكذا و اللعنة. لما تبتسمين و انت تبكين داخلك، لما تمثلين على و على نفسك، اخبريني من تخدعين بالضبط.
كانت تبكي و تصرخ بكلماتها تلك في وجهي دون هوادة، ما جعلني ابكي بدوري دون شعور و بحدة هسهست في وجهها بينما ابتسم ببرود
و ما الذي على فعله برايك ميرنا، ابكي في الزاوية و اقول ان زوجي ارسلني هنا لاموت وحيدة، ام اغلق على نفسي الباب و اصرخ بانني سئمت من كوني ملعونة و مشؤومة، ام،
اغمضت عيني و تحدثت بقهر.
ام اموت بحسرتي على طفلتي التي فقدتها و جدي الذي خسرته و عائلتي التي لم ارها لان زوجي يخاف ان يقتلني والدي، هممم اخبريني ماذا على ان افعل
اخذت نفسا عميقا و فتحت عيني الدمويتين امام التي تنظرلي بحزن كبير و الندم قد زين تعابيرها
انت، لست مشؤومة ماريا
همست و بدى و كأنها تتوسلني لتقبل هذه الفكرة لكن عبس
اراك لاحقا.
جررت كرسيي المتحرك خارج المنزل، كنت اعلم ان رجال ليوناردو يحيطون المكان بتخف لانني مانعت و عارضت بشدة تواجد اي شخص يقربه حولي، انا بالكاد تحملت قدوم ميرنا معي و الذي احمد الرب انها عاندت و رافقتني لانني واثقة من انني كنت لالقي بنفسي من السطح ان بقيت وحدي طيلة هذه الاشهر.
استمررت بدفع الكرسي خاصتي نحو محطة الحافلات و عقلي شارد بما حدث قبل اشهر، في تلك اللحظة التي واجهت ناظري ليوناردو لاخر مرة قبل ان يتم نفيي هنا لاتحطم بعيدا عن جميع من احبهم
لذلك اليوم الذي قتل اخر قطرات الحياة بداخلي.
لوحدنا، اجلس على السرير الذي ضم يوما جسدي لجسده بحب بالغ، بينما انتظر قرارا سيحطم شضايا قلبي المنفطرة
كان هو قد اختار كرسي المكتب ليجلس امامي، كنت انظر له بهدوء احاول كبح العواصف داخلي، مستحيل انني قد سمعت ما سمعته حقيقي، او على الاقل هو سيروي الآن ما يشفي انكساري فيرجعه جرحا ملتئما عكس ما هو عليه الآن
هو سيفعل، اوليس!
عليك ان تذهبي من هنا.
و كأن مسامعي رفضت ان تصدق ما استقبله مرماها ما جعل ثغري ينطق بحروف تعبر عن عدم فهمي
هاه!
ستغادرين رفقة ميرنا لفرنسا، باريس تحديدا سجلت اسمك في معهد الفنون هناك ستدرسين الموسيقى كما اردت و،
تحدث بهدوء بدى لي باردا عكس الحريق الذي ينشبه داخلي
ما اللعنة التي تقولها انت
همست اقاطعه بعدم تصديق و عيناي لا تفارقان هيئته، انتظر شرحا، كلمات تطلعني على ما يخطط له الا انه ابى فعل هذا
ستذهبين غدا.
عاد ينطق كلماته و هو ينظر للارض متافديا ملاقاة عينيه بخاصتي في حين ان خاصتي كانتا محتقنتين بالدموع، عضضت شفتي بقوة لعلي اكبح صراخي و بصوت مهتز ناجيته
انت تتخلى عني الآن ليوناردو، بعد ان وعدت انك ستقف بجانبي
تنهد مطولا قبل ان يرفع رأسه كي يواجهني و بهدوء مستفز اجابني.
انا بجانبك بالفعل ماريا و لهذا السبب انا ابعدك عن هنا، لا يمكنك البقاء و والدك حر يلعب بذيله، سابعده عنك و اضمن حياتك و بعدها بامكانك العودة
شعرت انني في متاهة، لست بخير انا اشعر بالألم، وخز صدري بات مزعجا و بالكاد استطيع الجلوس باعتدال
م، ماذا ستفعله انت، كن معي، تعال معي، لا تتركني بمفردي، اقسم لك انني مرهقة من الحزن، ارحمني ارجوك.
لم انتبه انني كنت اشهق و ابكي بقوة، بدى الامر و كأنني كتمت حقا الكثير، كأن ارساله لي بعيدا هو امر لست قادرة على تحمله
ماريا انا،
حاول الاقتراب مني و التحدث لكنني زجرته عن فعل ذلك اضرب صدره بينما بكائي صدح في انحاء الغرفة التي غادرها ايدواردو و ميرنا منذ برهة
لا تقترب مني، انت تكرهني ايضا، انت تراني مشؤومة ايضا، لا احبك، لا اريدك، ابتعد، ابتعد عني.
كنت اصرخ بهستيرية و انا اضرب صدره في حين انه احتواني بدفئ داخل حضنه يثبت حركتي التي قد تسببت في بداية فتح جرح صدري و هذا جعل الألم يتضاعف
ارتفعت حرارة جسدي ما جعل اطرافي ترتعش من احساسي بالبرد و خفتت اصوات شهقاتي شيئا فشيئا مستسلمة للظلام الذي ابتلعني شيئا فشيئا
لا تتركني، لا اريد، ال، الذهاب.
سينتهي كل شيء كونتيستي، سانهي كل شيء و نعيش كزوجين عاديين هممم، سانتقم لكل دمعة نزلت من عينيك طيلة حياتك، و حينها ستكون نهايتنا السعيدة
كلماته كانت آخر شيء سمعته قبل ان يغمى على و بقعة من الدماء زينت ظهري بسبب فتح الجرح
الى اللقاء ماريا، احبك بل و اعشقك كونتيستي الصغيرة، ساكون بجانبك دائما، في احلامك، سيتبعك طيفي حتى لو كنت في اخر انحاء العالم
عندما فتحت عيني بعد ذلك كنت في الطائرة.
مبتعدة عن بلدي، احبتي، و زوجي، و بقلب محطم جريح
ما الذي تفعله فتاتنا الجميلة على قارعة الطريق و هي شاردة بهذه الطريقة
افاقني من تلك الذكرى صوت شاب اخذ يجر بكرسيي المتحرك نحو الامام في طريقنا للمعهد، استغللت كونه خلفي كي امسح دمعة فارة من عيني قبل ان اجيب بابتسامة كاذبة اخرى، اعتقد ان مخزون الابتسامات الزائفة لدي بدأ ينفذ
لم يرق لآرثر الصمت الذي حل فعاد يتكلم.
هل انت مستعدة للعزف باناملك المبدعة هذه امام الجميع
لم ارد ان ابدو مثيرة للشفقة و اؤكد له ثقتي بأنني ساحدث كارثة اخرى لذا سايرته اتحدث بحماس
اجل طبعا، متحمسة كثيرا، لم استطع النوم الليلة الماضية لفرط حماسي
انا بالفعل لم انم، فقد شغل احد ما تفكيري كما كان يفعل دائما، تنهدت بهدوء اطالع المعهد الذي بات امام ناظري، لقد اهتم ليوناردو بابتياع منزل قريب من معهد كما مختلف مراكز الخدمات.
يبدو انه كان متحمسا جدا لارسالي!
سواريز فيسكونتي ابن الكونت السابق غابرييل فيسكونتي سيمنح اليوم اللقب الذي حرم منه طيلة سنوات حياته فيصبح رسميا الكونت سواريز المتكلم الرسمي لعائلة فيسكونتي العريقة كما و انه سيستلم الارث بعد مرور اسبوعين على خروجه من السجن اثر تبرئته من الجميع الاتهامات الموجهة نحوه، ستحضر الامسية جميع العائلات الحاكمة في فلورنسا كما اخرى من مختلف انحاء ايطاليا.
قبضتا الشاب اشتدت مما ادى الى بروز عروق يده و عيناه تقرأ سطور المقال المعروضة على حاسوبه، هو لا يصدق حتى انه و منذ اسبوعين يعيش تحت سقف واحد مع المختل والده و الاسوء من هذا انه كان عليه التمثيل بسعادته الفائقة بوجود سواريز هناك بسبب تعليمات اورسيني الصارمة حيال جعل سواريز مطمئنا.
هذا الاخير كان متيقنا من وجود خطئ ما جعله متشددا في حراسة نفسه و حراسة المنزل بل و زرع عدة جواسيس داخل قصر عائلة فيسكونتي ليتأكد من ان كل شيء تحت السيطرة
لقد وصل به لدرجة انه قد طلب من اتباعه محاولة فتح قبر والده و ابنته كي ينفي كل شك لولا ان اتباعه قد قتلوا مباشرة من قبل ليوناردو الذي تأكد من ارسالهم للطرف الأخر من الحياة
صوت الطرقات على باب مكتبه جعل من ايريك يستفق من سرحانه و قد اعرب بصوت هادئ.
ادخل
فتح الباب مظهرا خلفه مساعده جون الذي تقدم و عيناه على مديره الذي تكبدت معالم وجهه في اظهار مدى تعبه، فمنذ وفاة جده كان عليه هو اخوته عقد العديد من الاجتماعات كما و محاولة الحفاظ على جميع علاقات الشركات خاصتهم فالجالية التي تدعمهم تخاف على مصالحها خصوصا و ان فكرة سواريز هو من سيتولى ادارة الشركات تعني تدمير مصالحهم و مصالح غيرهم.
سواريز كارثة متحركة و ان قام بأي خطئ قد يقومون هم بقتله قبل ان يفعل ليوناردو حتى
سيدي الغت شركة سونارين اجتماع اليوم و طلبت تأجيله لبعد يومين
اومئ ايريك بهدوء يضغط على صدغيه بقوة قليلة لعل زوبعة افكاره تهدئ قليلا، كان هذا اخر ما توجب عليه فعله اليوم في هذه الشركة التي كانت من نصيبه ليهتم بشؤونها مثلما تولى جوليان و ماريوس شركات اخرى
للحظة اراد ان يخبر جده انه مجنون لافتتاح مجموعات مختلفة من الشركات.
بحق الرب من المجنون الذي يدير شركة لبيع النبيذ و في نفس الوقت شركة ادوية شعارها الاول محاربة الكحول
جون، اتصل بليوناردو اورسيني بهاتفك الشخصي و اخبره انني اود مقابلته شخصيا في مكان دعه يختره هو
نبس كلماته لمساعده الذي امتثل لامر سيده يخرج من المكتب لاجراء تلك المكالمة، عليه ان يستفسر عن ما سيحدث حالا و الا فان والده سيكتشف كل شيء.
فالدوق فيليب سيرفض تسليم الارث ما دامه المسؤول عن ذلك بحكم ان الدوقية بيده و هو من سيتخذ القرار و بما أنه يعلم ان الوريثة الحقيقية لا زالت على قيد الحياة فهو سيرفض تسليم سواريز لقب الكونت
و سواريز حينها سينفث شره في الارجاء و لا بد ان شكوكه حول ما يحدث بسلاسة جعله يفكر بخطة ما و هذا كان اخر ما علمه من ايدواردو في اخر لقاء معه منذ ما يقارب العشرة الايام.
استند برأسه على الطاولة امامه يريح نفسه لحين يعود جون و يخبره بما حدث معه، غاص في عالمه المظلم ذاك يشعر كما لو انه فقد نفسه هناك، منذ عدة شهور و الامور السيئة مستمرة في الحدوث و لا يعلم كيف تنهال عليهم من كل حدب و صوب
عقد حاجبيه باستغراب حالما شعر بشيء يوضع امامه ما جعله يستقيم بجذعه يناظر كأس القهوة امام وجهه وجه ناظريه للتي استندت على المكتب تنظر له بهدوء.
سيمر كل شيء على ما يرام، اعلم ان هنالك ما تخطط له، اعلم انك ما كنت لتبتسم بوجه والدك كما فعلت ذلك اليوم، مهما صرخت في وجهي انت لن تستطيع تغيير فكرتي حيالك، لن اسقط في نفس الخطئ مرتين مهما حدث،.
كانت تتحدث و هي تراقب معالمه، تتذكر ما حدث قبل اسبوع حينما كانت ملتصقة به كما حدث خلال هذه الاشهر تحاول مناكفته اخراجه عن طوره و عدم تركه لاحزانه، لكن منذ ان خرج سواريز هو تصرف بغرابة جديدة جعل قلب تلك الصغيرة ينقبض من بشاعة الافكار التي راودتها و لهذا هي ابتعدت بعد ان اخبرته بكل هدوء ان ما يحدث ليس طبيعيا.
ذكرته بمن يكونه سواريز و افعاله وبعد ان صرخ بوجهها يخبرها انه لا يجب عليها التدخل به و خصوصا بمواضيع تخص عائلته و لفعلته هي تركته لوحده يتصارع مع جدران الحسرة للحال الذي هو عليه لكن ها هي هنا مجددا، لتزهر ذلك الجزء المظلم من تفكيره
وجودها كان يبعث بداخله اطمئنانا كبيرا، و كأنها بحضورها تخربه ان كل شيء سيكون بخير عما قريب.
حمل كأس القهوة و ارتشف منه واقف ليقابلها قبل ان يعيد وضعه على المكتب منتصبا بطوله امامها
الم اكن الشرير في مخيلتك الصغيرة هذه قبل اسبوع
رفعت اكتافها بعدم اهتمام و بغير مبالاة تحدثت تنظر لعينيه الداكنتين اللتان تراقبان هيئتها في شرود
هرمونات فتيات و غيرت رأيي الديك مانع.
زم شفتيه يحاول تمالك نفسه وان لا ينفجر ضحكا في وجهها، بعد كل شيء و بعيدا عن الوضع المزري الذي جعل تعامله باردا معها دون شعور الا انه لا يزال غاضبا من تركها له و بطريقة بشعة كتلك، لكن لتوه لاحظ ان ايليت الفتاة التي كان يراها خجولة تملك لسانا اطول منها بكثير
بما انك معي، هنا بمكتبي و تريدين اللحاق بي كسنجاب تائه
تحدث بصوت منخفض قبل ان يفرد ذراعيه يتكئ بهما على المكتب ما جعل جسدها محاصرا امامه.
فطبعا لدي مانع
رفعت حاجبيها الى الاعلى في دهشة، هي تجاهلت كل شيء و سددت ضربة خفيفة لكتفه منزعجة من كلمة واحدة
سنجاب!
كررت من خلفه توسع عيناها قليلا ما جعل ابتسامة جانبية تظهر على طرف شفتيه و قد تراءت امام عيناه صورة ايليت قبل سنوات عدة، كانت اسنانه الصغيرة ذات تنظيم يجعلها كسنجاب صغير بالنسبة له، و لربما ان شكلها اللطيف هذا كان اول شيء يلفت انتباهه اليها، تلك الفتاة الصغيرة التي تلعب بالمياه في الحديقة الخلفية بينما تنتظر والدتها التي ستأتي من معمل الخياطة، عيناه تقع عليها من نافذة غرفته...
هذا المنظر قد شده بالقدر الذي جعلت هائما بالنظر لها كما يفعل الآن و هو يناظر ملامحها التي ابدع الله في رسمها
هممم سنجاب، و سنجاب مزعج ايضا
ختم كلامه بنقر جبهتها بخفة ثم هم منتصبا بجذعه حالما طالت مسامعه صوت طرقات الباب
سيدي سيكون اللقاء بعد منتصف ساعة في مخزن النبيذ لشركتكم.
لم تتبقى سوى عدة ساعات على تتويج سواريز فيسكونتي ككونت و هذا ما جعل الاشقر يشعر بانكتام انفاسه لدرجة جعلته يفر من القصر و الشركة لقضاء بعض الوقت و الاصغاء لبحار افكاره الهائجة
هو بالمعنى الحرفي يعيش حالة الغرق في اللاشيء، كل ما يفعله هو التفكير لكنه يرى نفسه عاجزا عن القيام باي حركة، لا بخصوص والده ولا بخصوص ماري، هذه الاخيرة كانت قد مرت ايام طويلة قد تطال الشهر و النصف منذ اخر لقاء بينهما.
هو لا يفهم لما انقطع عن ملاحقتها لكنه شعر انه بعيد حقا، و ما يحدث معه في الاونة الاخيرة اكد له حقا ان الوقت ليس مناسبا لان يعيش ما يريد فهو ببساطة، ليس نفسه!
قبل انقاطعه هو باشر بمساعدتها عن بعد، دون ان تعلم انه هو، يجمع الازهار لها و يضعها في السلة فتجدها هي امام منزلها، صارت تجد ايضا ناسا كثرا يحضرون حفلاتها الصغيرة بل و ايضا يشترون زهورها بلهفة كبير لدرجة ان سلة واحدة لم تعد كافية.
و في الوقت الذي اعتقدت فيه ان الحظ ازهر في وجهها كان ماريوس فيسكونتي هو من يقف خلفها، يحميها و يساعدها دون ان تعلم حتى
و فشيئا فشيئا صار يكلف اشخاصا اخرين بالاعتناء بها فهو لم يعد قادرا على الاهتمام بشؤونها بمفرده نظرا لما حل من مشاكل لم تلبث ان تتفاقم دون رحمة لتهطل فوقه هو شقيقاه.
اوقف السيارة امام نهر ارنو متنهدا، حمل هاتفه و فتح درج السيارة عله يجد احد سماعاته و قد وقعت حدقتاه بالفعل على مراده، او بالاحرى على شيء يشبه ما اراده
انها، سماعتها.
همس لنفسه و هو يحمل السماعات يستند بجذعه على مسند الكرسي يحدق بشرود في تلك السماعات السلكية ذات الطراز القديم و دون شعور منه ابتسم لذكرى لقائه الاول بها، و بعد جلسة تحديق سرقت منه بعض الدقائق اخذ يشق طريقه خارج السيارة، اختار احد المقاعد الفارغة و جلس عليها يقلب في قوائم الموسيقى لديه لعله يجد ما يناسب ذوقه
و على حين غفلة ضغط على احدالاغاني بالخطئ
كان تسجيلا صوتيا، كان صوتها، صوت ماري.
لا اصدق انني سافعل هذا لكن، اهدي لك هذه الاغنية ايها الاشقر خاصتي، لقد نسيت هاتفك هنا و لهذا،
ضحكت بخفة مواصلة حديثها و قد تخيلها ماريوس تحك عنقها بخجلها اللطيف ذاك، كان صوتها يصل من جهة واحدة فقط بسبب جودة السماعات القديمة لكنها كافية لتنقل له صدى صوتها المحبب لخافقه
اود ان اشكرك باغنية ما، اغنية احبها من اعماقي.
انسابت نغمات القيثار السلسة لمرمى مسمعيه، كانت هادئة تبث الراحة التي يحتاجها، و لم تكن سوى ثواني قليلة حيث بدأت تغني بهدوء راقه لابعد الحدود
Come here
A little closer
Will you carry me away
Stay forever and a day
تعال الى هنا، اقرب بقليل، هل بوسعك ان تأخذني بعيدا، و تمكث معي للابد و تضيف يوما
Come here
A little closer
And I will never run away
No، I will never run away from you.
تعال الى هنا، اقرب بقليل، و انا لن اهرب للبعيد اطلاقا، كلا ان الوذ بالفرار بعيدا عنك ابدا
Tell me I m the one
Every time I fell in love it went all wrong
You re my only one
Moon and sun، we ve just begun to belong
اخبرني انني حبك الوحيد، ففي كل مرة اقع في الحب يسري الامر بشكل خاطئ، انت وحيدي، كما القمر و الشمس نحن بدأنا للتو في الانتماء لبعضنا.
كان يشعر انها تناجيه، تتحدث عنه فتحثه على التقدم و اخذها له، بدى الامر له و كأنها تعلم انه سيفتح التسجيل الصوتي و هو مبتعد عنها لايام طويلة، و كأنها تعلمه ان حان وقت معرفة سرها قد اقترب لانها و ببساطة، واقعة له كما يفعل
Heartbeat
Tell me what you need
Hold me
I know what you need now
Don t want to turn it off
Don t want to be alone.
يا نبض قلبي، اعلمني بما تحتاجه، عانقني، اعلم ما تحتاجه الآن، انا لا اريد ان اكون وحيدة...
وحيدة، هل تركها وحيدة، هل هذا ما تشعر به بعد ان تجاهل قلبه عله يحل ما يؤرق راحته
All night so lonely
Everytime، when you re not here with me
All night، so lonely
Everytime، when you re not here with me
طيلة الليل اغرق في وحدتي، في كل مرة لا تكون هنا بجواري...
راحت تكرر تلك الجملة و كأنها تود ان تطبعا داخل ذهن الاشقر الذي غرق بكلماتها يحدق امامه بشرود ثم عادت الالحان الصامتة تداعب مسمعيه لوهلة من الزمن
هل تعني كلماتها حقا
هل تقصد ما تقوله
هل اختارت الاغنية لتصف نفسها ام ان الامر كان عشوائيا فقط
Come here
And whisper in my ear
That you will never run away
No، you will never run away، promise.
تعال الى هنا، و اهمس في مسمعي، بانك لن تهجرني للبعيد ابدا، كلا لن تهجرني للبعيد ابدا عدني
رغم غرقه هو شعر بتلك الالحان تصبح واقعية اكثر بل و حتى اجمل، هذا ما جعله يوجه ناظريه لجانبه يراها حقا تغني رفقة المسجل الصوتي مغمضة العينين
Tell me I m the one
Every time I fell in love
it went all wrong
You re my only one
Moon and sun
we ve just begun to belong.
اخبرني انني حبك الوحيد، ففي كل مرة اقع فيها بالحب يسير الامر بشكل خاطئ، انت وحيدي، كما القمر و الشمس نحن بدأنا للتو في الانتماء لبعضنا
كان شاردا بهيئتها المنسجمة مع كلمات الاغنية التي واشكت على الانتهاء و مع اخر مقطع فتحت عينيها تصوبها ناحيته بابتسامة لطيفة
Heartbeat
Tell me what you need
Hold me
I know what you need now
Don t want to turn it off
Don t want to be alone.
يا نبض قلبي، اعلمني بما تحتاجه، عانقني، اعلم ما تحتاجه الآن، لا اود انهاء الامرهنا، لا اريد ان اكون وحيدة
اشتقت لك اشقري
همست له في حين ان الجملة الاخيرة من اغنيتها صدحت من جهة سماعات اذنها التي تحيط باذنه اليمنى
All night، so lonelyEverytime، when you re not here with me
في كل ليلة اكون وحيدة، في اي وقت لست فيه معي.
ابعد السماعة عنه و لازالت حدقتاه مصوبة نحوها ينظر لها بعمق وترها و لهذا هي حاولت ان تنطق باي شيء يخطر لها كي تخفف من حدة الصمت الذي اكتسح المكان
اذا هل، اعجبتك
ابتسم لها بجانبية و همس قبل ان يجذبها ليحتجزها بين ذراعيه
انت كلك تعجبينني.
لم تصدق انها تقبع بين احضانه حقا يعانقها قوة عله يشفي جرح شوقه الدفين، يستنشق عبير شعرها المموج الذي يحب، يضمها اليه لاول مرة و قلبه يعلن احتفالا فيسرع في خفقه ليجعل صاحبه يدرك الحقيقة، حقيقة انه واقع لها، و بشدة
انينها الخافت المتالم افاقه من عالمه و احلامه فابعدها منقبض الملامح خائف ان كان سبب المها هو
ماذا بك
ابتسمت بهدوء تنفي له
لا شيء، فقط، ضغطت على رسغي قليلا.
امسك يدها يرفعها قليلا غير انها منعته تبعدها عن متناوله
اخبرتك انني بخير حقا، كف عن ازعاجي ايها الاشقر
ناكفته عساها تنسيه ما يتحدث عنه لكنه بالفعل شك بوجود شيء ما، هي، لما ترتدي قميصا باكمام طويلة و نحن في شهر يوليو
ماري ارفعي اكمام قميصك
لكن
حالا
امرها بحدة ينظر لها بحاجب مرفوع، كان هناك شيء خاطئ دون ريب، هي نظرت له بانزعاج قبل ان تقف امامه
لا تأمرني هذا اولا.
رفع كلا حاجبيه و كأنه يتحداها قبل ان يقف ايضا ينتصب بطوله امامها
و ثانيا
ثانيا، لا يوجد بذراعي شيء لذا توقف عن كونك حشورا جدا كونت فيسكونتي
نبست ترفع ذراعيها الى الاعلى كي تؤكد له انها لا تتألم ابتسم بجانبية و بهمس وصل مسمعيها هو نطق تحت انفاسه
تكذبين على الشخص الخطئ.
و بسرعة خاطفة هو سحبها من خصرها اليها بيد واحدة في حين ان الاخرى و بنفس سرعة شقيقتها رفعت كم قميصها عن ذراعها الايسر، من خفة حركته ماري لم تدرك ما حدث حقا بل تجمدت مكانها تحاول ان تستوعب انه الآن ينظر لذراعها التي رسمت انواع الخدوش و الكدمات على طولها.
بلعت ريقها بصعوبة و قد كان ذلك كتنبيه لعقلها كي تبتعد عنه و هذا ما فعلته، اسرعت بدفعه عنها تعود لتغطية ما كشفه بسرعة و التوتر جعل من اطرافها ترتعش امام ذاك الذي تسمر من مكانه لا يصدق ان هذه العلامات كانت، علامات ضرب
ما هذا
استفسر بسكون مريب، بل هي اقسمت ان صوته تغير فاضحت نبرته كامواج البحر العاتية القادرة على ابتلاع ما عليها
انه، البارحة.
بحثت في عقلها عن اي سبب قد يفسر حالتها و بالفعل هي فتحت فمها تتلو اول كذبة خطرت لها
البارحة قد تعرضت للسرقة و انا اصعد لمنزلي و هذا ما جعلني اسقط و قد تعرضت لهذه الكدمات بسبب حواف السلالم الحادة لقدمها.
لم تكن بارعة في كذبتها لكن هي حاولت بكل جهدها ان تبدو صادقة، حتى انها كافحت ارتعاش صوتها كي لا تكشف سرها، ليس على سرها ان يكشف، على الاقل ليس الآن، هي لا تعلم ان كان يحبها، لا تريد ان يشفق عليها، هي حتى لا تريد ان يساعدها
ما فعله طيلة فترة صداقتهما كان كثيرا حقا و هي، لا تريد ان تشعر انها عبئ عليه بعد الآن
اترينني طفلا يصدق كل ما يسمعه ماري، أيا تراك تخالينني حقا غبيا لأصدق ما تقولينه.
ختم حديثه بهمهمة متسائلة يحدق بتفاصيل وجهها بينما كانت هي قضمت شفتها السفلية بخفة تعنفها بهدوء لعلها تبعد شعور الجفاف الذي جافلها فجأة
هذا ما حدث حقا ماريوس، و لا تتحدث كأنك عبقري مجنون، لما قد أكذب عليك مثلا ها؟
نبست ترجع شعرها لخلف ظهرها ثم كتفت يديها تبادله النظرات بشجاعة لم تعرف أنها تمتلكها، صدقا هي شعرت للوهلة الأولى أنها كشفت تماما و سيعلم ما حاربت هي لتخفيه عن الجميع...
منذ ما يقارب العشر سنوات تقريبا
استرخت عضلاتها المتشنجة حالما لمحت ابتسامته تعود لوجهه
صدقتك
ساورها الشك بل، الاستغراب
من كان يراه قبل دقائق يجزم أنه على وشك الصراخ في وجهها بل وجه الجميع
لكن هاهو الآن يبتسم، و بلطف
هذا مريب، و مخيف أيضا
حسنا، اذا، ما هذا
استفسرته و هي تشير لهاتفه الملقى على العشب و حوله كانت السماعة ذات الطراز القديم و الجودة المهترئة
ما هذا.
كرر خلفها يدعي الغباء و عيناه صوبتا ايضا نحو المكان المنشود اليه، هي ابتسمت بخبث مستعدة لاغاضته
بالطبع لن تفوت عليها فرصة مجاكرته
انها سماعاتي، من ذلك اليوم، يوم لقائنا
لعن داخله و شتم ذاكرتها اللعينة تلك، لما عليها بالضبط التركيز على السماعات بدلا من التركيز بوسامته مثلا و وضعه في موقف غبي كهذا
كلا، انها فقط تشبهها.
اتسعت ابتسامتها الخبيثة و اتجهت للسماعات الملقاة على الارض تحملها و بصوت جعلته يبدو متسائلا هي عادت تناكفه
اوه يا للمصادفة هذه السماعات بها قليل من طلاء الاظافر في الجهة اليسرى التي لا تعمل مثل خاصتي التي اعطيتها لك، واو ان بها ايضا عقدة في المنتصف
قلب عينيه بملل من مضايقاتها تلك و اتجه نحوها يحاول استرجاع السماعات منها
اعطني هذه السماعات ماري
لكنها خاصتي.
اجابته تهرب منه بخفة بينما تبتسم بوسع، بعد لحظات لم يجد نفسه الا و هو يطاردها بينما كانت هي تهرب برشاقة غزال، استمر الامر لوهلة ليست بالقليلة شعر خلالها الاشقر بالراحة، الراحة التي حرم منها منذ عدة اشهر
كانت ضحكاتهما، او بالاحرى ضحكاتها هي بلسما حط برقة على جروح روحه تعالجها برفق غريب عنه، كانت هذه اللحظات القليلة التي قضاها معها الآن كافية لينسيه ان والده على وشك استلام منصب ليس من حقه...
بل ان والده سيكتشف ايضا الملعوب الذي يحاك خلف ظهره
تعالي هنا
هتف بابتسامة ينتشل رسغها بلطف يقربها له، صارت اجسادهما قريبة، كما كانت قلوبهما
ينظر لعينيها بعمق، يفرد كل عين باهتمامه يمنحها القدر الكافي من الانتباه، تلك الاعين البندقية التي قرأ فيها مشاعر حلوة داعبت دواخله بطريقة جميلة.
لم تكن ماري تختلف عنه بالشيء الكبير، اعينه المزرقة كانت محيطا استحبت الغرق فيه برحابة صدر، كانت تحبه، لا بل هائمة في حبه، هي اعترفت لذاتها، عليها ان، عليها ان تخبره، ان...
ماري هاتفك
همس لها و كانت انفاسه قد هبت كريح عاتية على شفاهها القريبة من خاصته
هاه.
لم تكن قد فهمت ما قيل لها فهي كانت في عالم اخر، عالم جعل من الفراشات تحلق دون هوادة في بطنها و تجعل من قلبها المرهف ذاك يعلن خضوعه لصاحب الخصلات الشقراء
ابتسم بجانبية مستمتعا بتاثيره عليها، افلتها ساحبا السماعات من يديها قبل ان يكرر يوجه انظاره لجيبها
هاتفك ايتها الجميلة، يرن.
احمرت من الخجل و بسرعة انتشلت هاتفها الذي اعلن ورود مكالمة لها، لابد ان الاسم الذي ظهر على الهاتف لم يكن مستحبا لها نتيجة لانقباض ملامحها بطريقة لم تغفى عن ماريوس
هو لم يعلم ان الخوف لا الكره من جعل من ملامحها ممتقعة بذاك الشكل
من المتصل
تحدث يحاول الاقتراب لرؤية الاسم لكنها اخفت هاتفها في جيبها كاتمة الصوت.
انه دانييل، تركت بيكورو عنده بينما استنشق قليلا من الهواء لحين اداء العرض الليلي لكن، اعتقد انني استنفذت طاقتي
هي استنفذت طاقتها اجل، لكن طاقتها في الكذب!
اتريدين ان اوصلك
هزت رأسها تنفي له بابتسامة
لا داعي لهذا، اريد فقط ان تهتم بنفسك ماريوس، لا اعلم ما السبب الذي يجعلك بعيدا هكذا لكن حقا اودك ان تكون بخير، سيكون كل شيء بخير حسنا
ان كانت ضحاتها بلسما لجروح روحه، فكلماتها اذا روح جديدة تضخ داخله.
ابتسم لها بهدوء قبل ان يبعثر شعرها لعله يخفي نظرات الحب داخل عينيه
لا تقلقي ماري، ساعود مجددا لالتصاق بك ما ان انتهي من اعمالي، كوني بخير ايضا
كان اخر ما قامت به هو الابتسام له، ابتسمت له بصدق و من اعماقها، هي تبتسم بهذا الشكل معه فقط، معه وحده
راقبها و هي تسير مبتعدة بينما هو كان يعود للكرسي يحمل هاتفه الملقى على الارض
هل تعرض اي شخص للأنسة ماري يوم امس.
كلا سيدي كنا خلفها و تمت مرافقتها حتى وقت دخولها للمنزل
همهم ماريوس مطولا و هو يلاحظ رجله الذي يحادثه يلحق بماري من بعيد كما امر هو
هذا اليوم ابقى منتصبا امام الباب الى الصباح، اريد تقريرا مفصلا حول كل من يدخل ذاك المنزل.
استقالة!
قراءة اول كلمة من الورقة التي مدها صاحب الشعر الاسود له كانت كافية، وجه سواريز نظره للواقف امامه و الذي كان فارغ الملامح كعادته يداه خلف ظهره بانضباط لم يكن له مثيل بين رجال عائلة فيسكونتي، هو كان مخيفا، صارما و الاهم انه كان وفيا
لكن خصاله هذه كانت دائما لشخص واحد، شخص ما عاد له وجود منذ قرابة الثلاث شهور بالفعل.
لقد خدمت الكونت غابرييل فيسكونتي منذ طفولتي و بما ان التراب تولى مهمتي في حفظه بعد الرب و باستلامك اليوم لمنصبه فلا يجب ان اكون هنا بعد الآن
وقف سواريز و بقوة ضرب المكتب بيديه، هو يرى في هذه اللحظات ان القوة و السلطة له، بعيدا عن اعين الدوق فيليب و بشراء صمت زوج فالنتينا الذي يكون الماركيز هو بالفعل قادر على تحقيق السعادة المطلقة له.
الى ما يوحي كلامك ايها الحارس الوضيع، الا تريد خدمتي، هل جننت لتتجرأ بالكلام هكذا.
باشر كلامه بهسهسة تسببت في رسم شبح ابتسامة على وجه آيدن الذي حاول ان يهدئ من اضطراب اعصابه في حين ان سواريز ختم كلامه بصراخ صرع طبلة اذني المنتصب امامه بطوله الفاره يرمي بمزهرية كانت قد وضعت على مكتبه بقوة لا بآس بها نحو آيدن الذي تفاداها بسهولة و هذا ما اثار حنق الاكبر اكثر فاتجه نحوه بخطوات تركت صوتا موقرا ينافي مجلسه.
اتريد الموت ايها الشقي السارق، اتريد ان اعيدك لاصلك الحقيقي ام انك نسيت اصلك و فصلك من اين التقطناك
هسهس سواريز يمسك آيدن من ياقته و هذا فقط جعل من ابتسامته تتسع اكثر، بقوة غير شديدة ازاح عنه قبضتا سواريز و تحدث بهدوء شديد البرود لم ينافي طبيعته
لا تنسى من تكون سواريز، ايها الكونت، لا تنسى اين كنت قبل اسبوعين فقط و كيف خرجت بالاعيب قذرة هممم.
ختم حديثه بطبطبة لطيفة على كتف الاكبر، كان قد تقدم عدة خطوات للامام بنية المغادرة غير انه ما لبث ان عاد ادراجه كي يقابل سواريز ثانية و بلمح البصر كان قد سدد لكمة توسطت منتصف خلقته
هذه من اجل سيلينا.
اناملي عزفت بمهارة على اصابع البيانو المتراصة تزامنا و انامل ارثر التي كانت تكمل الالحان عني، تلك المقطوعة و رغم انها كانت من المقطوعات الشهيرة التي سمعتها في مختلف الاماكن بل و منذ صغري
chopin، spring waltz.
من لم تدغدغ مسماعه الحان هذه المقطوعة الفنية من قبل، اذا، انا لما اتذكر ليوناردو، لما هو بالذات من يمسك بخصري في خيالي و يراقصني كما فعل في عيد ميلادي، لما هو بالضبط من يجعل رؤيتي مشوشة بفعل الدموع التي داهمت حدقتي لا ترحم قلبي الجريح، انا شتقتك ليوناردو، اعتذر لنفسي لكنني حقا اتوق لاراك، لاضربك بقوة اثر تركي وحيدة ثم عناقك بنفس القوة لتتداوى آلام خافقي المزعجة...
اعين الهيئة تراقب بهدوء و ابتسامة راضية على شفاههم، يعتقدون ان العزف الذي ينبض مني نابع عن قلب مغرم بالجالس جانبي و الذي لم اغفل عن نظراته لي، تعال يا ليوناردو، تعال و انظر كيف يضمون اسمي باسم شاب غيرك، لكنك من اردت، انت من ارسلتني بعيدة عنك، اليس هذا صحيحا!
قبلاتك، ابتساماتك، لمساتك الدافئة وسط الثلوج، نظراتك العاشقة التي تقدس ملامحي، كلماتك التي تداعب قلبي فتكون له دواء لكل داء، اشتاق لك، اشتاق لك ليوناردو...
باتت الدموع جريئة فخطت بسرعة تنزلق عبر وجنتي و رغم ذلك واصلت العزف، اننا في النهاية، نهاية المقطوعة التي بدت حزينة لا سعيدة كما نهايتي
لابد ان لا نهاية سعيدة لي، الشؤم هو قدري الذي لن اتخلص منه ما دمت اتنفس، اجل، هذه هي الحقيقة
ماريا.
همس ارثر افاقني من شرودي كان يقف بينما يجر كرسي ليقابل الجمهور الذي كان يصفق منذ عدة ثوان، لا بد انه لاحظ دموعي و هذا ما جعله يقلق، اكتفيت بمسح دموعي و الابتسام له بينما انحني امام من يراقبنا.
تأثرت بالمقطوعة
كان هذا عذري الوحيد و هو يدفع بكرسيي المتحرك نحو احد الحدائق العامة، طلب ان يرافقني للتدرب على المشي فمنذ ما يقارب الشهر قد باشرت التدريبات بمفردي
لم ارد الاعتماد على طبيب و اكتفيت باستشارة الطبيبة الايطالية آناتوليا، كانت هذه الاخير سندا لي و منذ ان بدأت التدريب لم تنقطع عن مواصلتي و الاطمئنان علي
بطريقة مريبة لكنها مريحة
يبدو انك بفترة حساسة لتبكي و قد اعتدتك باسمة الثغر.
تحدث ارثر و هو يوقف الكرسي المتحرك كي يقف امامي و يساعدني على الوقوف، ابتسمت بمجاملة و اجبته امسك بيديه التي امتدتا نحوي كي استند عليها
احيانا يحدث هذا معي لا تشغل بالك كثيرا
ابتسم لي مومئا ببساطة، لو كنت انت يا ليوناردو ما كنت لتحل عني حتى تعرف ما خطبي
ما بالي حقا، لما صرت اشبك كل شيء بليوناردو
ماريا.
هتف باسمي في حين كنت انا شاردة بقدمي اراقب خطواتهما المهتزة نحو الامام، كنت اعلم انني لن استمر طويلا قبل ان اتهاوى، لم يكن هذا شيئا يصعب توقعه البتة
رفعت حدقتي نحو ارثر احدق بملامحه، كان اشقرا بعينين بنيتين نوعا ما، ذو ملامح وسيمة ومشرقة، لكنه كان متسرعا و احيانا كان تسرعه ينتصب بغروره البسيط ذاك.
لكن و رغم كل هذا كان صديقا جيدا، على الاقل هو تحمل كل مصائبي و لم يرسلني لبلد اخر، ليس كشخص يبدأ اسمه بليوناردو مثلا
نعم
توقف عن قيادتي ما جعلني استند عليه تماما خشية ان اقع، قدماي كانتا عاجزتين عن الوقوف دون ان يكون هناك شخص يتمسك بي او شيء انا اتمسك به
غدا سيقام حفل كبير بالمعهد لنهاية الدورة لهذه السنة، ستأتين اليس كذلك.
كنت قد تناسيت تماما ان يوم غد سيكون حفل ختام هذه السنة، بل اعتقد انني لم اكن اعلم و لابد انني كنت شاردة مجددا بشاب ذي مناكب عريضة و شعر اسود غربي و عينين حادتين و طول فاره ينتمي لعائلة اورسيني
لم افكر بعد بالامر
لم يكن صعبا على ان الاحظ حماسه الكبير و الذي كان سببه بعيدا كل البعد عن ما كان يخطر لي، لم اكن اعلم ان فكرته التي يطبخها في الخفاء كانت حدثا سيقلب حياتي مجددا...
عليك ان تحضري حسنا، اجهز لمفاجأة و اريد ان تكوني هناك، ارجوك ماريا
قلبت الفكرة في رأسي قليلا، سيكون المكوث مع ميرنا التي سيكون التعامل معها غريبا بعد ما حدث صباحا لذا الحفلة تبدو حجة مقنعة للهروب من نقاش حاد اخر...
تنهدت بعمق وقد شعرت ان قدماي ما عادتا قادرتين على الوقوف اكثر
حسنا لا مشكلة لدي
من حماس ارثر شد على قبضتيه سعيدا ما جعل من توازني يختل و، كما كان متوقعا استقبلت الارض جسدي برحابة صدر.
اعراض جانبية للشؤم.
اوقف السيارة امام المخزن كما اخبره ليوناردو حسب اتفاق لقائهم، نزل منها عازما على الدخول غير ان توقف سيارة ايريك منعه عن ذلك، رفع حاجبه باستغراب، ما الذي قد يفعله اخوه هنا
جوليان!
نده ايريك باسم الواقف امام باب المخزن بدهشة، هو اعتقد ان اللقاء سيكون بينه و بين ابن اورسيني ذاك فحسب
و ما ان اراد ان يتحدث حتى توقفت سيارة ثالثة بجانب خاصتهما...
بحقكما هل لحقتما بي الى هنا ايضا.
قلب المعنيان اعينهما بملل لتذمر ماريوس الذي ارتجل من سيارته السوداء، و قد جاءه الجواب من الاعلى، تحديدا نافذة المخزن المفتوحة
لم يلحق بك احد ايها المتعجرف اللعين، لقد تم جمعنا كي نباشر الخطة
خطة.
كرر كل من ايريك و ماريوس الذي تجاهل اللقب الموجه له من قبل ايدواردو الذي كان يبتسم بوسع يطل برأسه من النافذة، كان من السهل على الاخوة فيسكونتي ان يلمحو شبح ليوناردو بالداخل، يقف خلف اخيه و حماس غريب يجعل من طيف ابتسامة يرسم ايضا على اطراف شفتيه
هيا.
هتف جوليان تحت انفاسه يحث شقيقيه على الدخول و بالفعل جر الثلاثة انفسهم لداخل المخزن الذي كان يحوي العديد من براميل النبيذ في انتظار تعتقها كما يراد لاعادة تعبئتها في قارورة بعلامات شركة فيسكونتي
لحظة هم، كيف دخلوا هنا من دون مفتاح
استفسر ماريوس يصعد مع اخوته الدرج الذي سيؤدي الى الغرفة التي يقبع فيها التوأم اورسيني
سؤال وجيه لكن، دعك منه في حالتنا هذه.
كان هذا اخر ما قاله ايريك قبل ان يفتح الباب دون استئذان، حبا بالرب المخزن مخزنهم
اهلا و سهلا
تحدث ايدواردو يلوح بمرح للاخوة الثلاثة، كان يجلس على اطار النافذة المفتوحة براحة ليس و كأن حركة خاطئة واحدة ستجعل جسده مهشما الى الخارج
في حين ان ايدواردو كان يجلس على احد الكراسي منشغلا بقارورة نبيذ وجدها جاهزة للشرب
عليك دفع ثمنها لاحقا.
لم يهتم احد بما قاله ماريوس، و هذا الاخير تنهد باحباط يجلس كما فعل البقية على اريكة كان الغبار قد غطى جوانبها، لم يكن المخزن مهجورا لكنه كان مخفيا، و مغلقا بطريقة تمنع اي سارق من الدخول غير ان الحراسة التي عليه كافية للحفاظ على ما بداخله، الحفاظ عليه من كل شخص عدى الشبحين اللذين اقتحماه بطريقة ما
اذا، ما هي الخطة.
سؤال ايريك تزامن و فتح ليوناردو لزجاجة النبيذ هذا ما جعل اهتمامه اخيرا يوجه ناحية آل فيسكونتي
الخطة ستكون ببساطة، قتل سواريز اليوم
بعد اذنكم طبعا
تحدث بكلمات بطيئة جعلتهم يستوعبون كل حرف ينبس به في حين ان ايدواردو واصل بلهجة مرحة مبتهجة، ارتشف بضعة قطرات من الزجاجة يبلل بها ريقه يستمع لسؤال جوليان الذي جاء بلهجة تتحداه صقيعا بل و بطئا
لما قررت ان تفعل هذا اليوم فقط.
كان قد مضى ثلاث اشهر بالفعل و الجميع كان يعلم ان ليوناردو كان قادرا على قتل سواريز فيها لكن تآجيله المستمر لهذا كان قد جعل جوليان يصمم على وجود العديد من الاسباب و بالفعل باشر ابن اورسيني بشرح ما يريده.
ان تم قتل سواريز قبل اليوم كانت عودة ماريا مستحيلة فالجميع سيوجه اصابع الاتهام نحوها خصوصا و ان قصة اختطافها قد نشرت في جميع المحطات الاعلامية، لن يكون ربط الامور ببعضها صعبا البتة كما ان قتل سواريز سيكون غير ممتع عندما يتوقع ذلك، كما ان قتله في السجن مستحيل، اولا لانه كان محميا هناك و يعلم ان اي حركة ستقام ستكون تحت انظار من هم في صفه و ثانيا لانني لست هنا كما يظن الجميع.
كان جميع سكان ايطاليا قد صدقوا اشاعة ان التوأم اورسيني في رحلة طويلة المدى خارج ايطاليا، في حين ان الكل صدق الامر لعدم معرفتهم بكون زوجته التي لم تغير كنيتها هي نفسها وريثة عائلة فيسكونتي و قد توجهت توقعاتهم لكون الرحلة تقتصر على صفقة ما او ما يشابه ذلك.
بينما ظن سواريز ذهب لكون ليوناردو شعر بالاكتئاب و فقد نفسه جراء وفاة فتاته و ان عائلة اورسيني لا علم لها بانه المتسبب في قتل ابنته وهذا جعل الاطمئنان يساوره لابعد درجة، لا احد سيشك، لا احد سيعلم، وهو قد نجى من العقاب ببضعة الاعيب في السجن
و ماذا عن اليوم
ابتسم ليوناردو ما ان داهم سؤال ماريوس مسامعه، وقف يضع الزجاجة التي بيده قرب كرسيه، و بهدوء جميل راح يشرح ما سيحصل بعد ساعات قليلة.
حين يرفض الدوق فيليب تسليم اسم الكونت لسواريز نتيجة لدخوله السجن بتهمة غير مصرحة و خروجه دون مصداقية يغضب سواريز كثيرا، غضبه هذا سيجعل من اولاده الثلاثة غاضبين ايضا بل و يطردون الصحافة من قاعة الاحتفال، فجأة يغادر جميع الحضور و يسلط الضوء حول سواريز
كانت الاعين تراقب حركة ليوناردو في حين ان كلماته اكتست خيالهم تجعلهم يتصورون ما قد يحدث بعد عدة ساعات.
ساعات قليلة فقط لينتهي كل شيء، و تطوى الصفحة السوداء للابد.
ااه يا فيرناندا ماذا ينتظرك
انتحبت بهمس تنظر لهيئتها المجهزة على انعكاس المرآة، هي بالفعل لا تصدق انها تحملت ما يحدث بل و قد ازداد حملها اضعافا ما ان صارت تحت سقف واحد مع سواريز، هي كانت تعتقد انها تخلصت منه منذ ان طرده غابرييل والده لكن هاهي معه، تنام بجانبه، و ايزابيلا تحتجز نفسها في العلية رافضة الخروج او حتى فتح الباب الا في حالة نادرة.
اطفالها، هي ترى اولادها الثلاثة يعانون بصمت و لا حق لها بالسؤال حتى فرجال زوجها احتلوا القصر
كل كلمة مسموعة بل كل نفس يؤخذ صار محروسا بطريقة خانقة
ماريا، كيف حالك يا ابنتي
عادت تهمس لنفسها، لا تعلم كيف وصل بها الحال لتسأل عن طفلتها، وهي خير العارفين ان الخطر المحدق بابنتها اكبر مما يمكن تصوره.
كيف لأم، بل كيف لقلب أم ان يتحمل كل هذا، هي تشعر انها تعبت، وصل بها الامر للحد الذي تريد فيه ان تحمل السكين وتطعن زوجها حتى تفقده القدرة على اخذ انفاسه
ان كان دخول السجن هو الثمن الوحيد الذي ستدفعه مقابل ان تعود الحياة لهذا القصر هي مستعدة لقضاء ما تبقى من عمرها خلف القضبان
ما زلت تتأملين صورتك هناك منذ نصف ساعة، الهذه الدرجة يعجبك اغضابي فيرناندا.
سماع صوته فحسب بث من الرعشة الكريهة تهز بدنها، و تأججت بداخلها فكرة طعنه حقا لكنها تعلم، هي تعرف نفسها، لن تقدر على فعل ذلك، هي اضعف بكثير من ذلك
كلا سواريز، لكنني كنت اعتقد ان فستاني هذا غير مريح و غير مناسب فما رأيك
تحدثت بهدوء تحاول ان تشعره بقليل من الراحة، من يعلم ربما تواتيها الشجاعة فتطعن ظهره حينما يوقع الاوراق التي تجعله يحقق نصره و انتصاره.
انت كما انت فيرناندا، اسرعي فقط قبل ان اجعلك تنزلين بكدمة على وجهك حبا بالرب
نبس بهسهسة عصبية و هو يسحبها من رسغها للخروج من الغرفة و هي امتثلت له تلحق به بهدوء، هي اتحملت بما فيه الكفاية حقا، تزوجت منه قبل اربع و عشرين سنة، مررت له الكثير و الكثير، هي ضحت بنفسها و بشغفها و حياتها، ضحت بابنتها ايضا في سبيل ان تعيش حياة طبيعية
لوهلة اعتقدت ان الرب انتقم لها بالفعل و جعل سواريز بعيدا عنها كل البعد.
لكن كلا، هو هنا معها، تنام بجانبه كل ليلة، تتناول طعامه معها و الاسوء انه استعمر مكان الجد سواريز بكل حقارة...
دخلا القاعة فعم الصمت، الجميع ينظر للكونت المستقبلي بنظرة ازدراء لم يرها الاخر و لربما انه تجاهلها فقط و بكل بساطة، في حين ان فيرناندا كانت شاردة مجددا ببحر بعيدا عن ما يحدث هنا.
تتذكر ان اخر مناسبة كانت هنا هي حفلة زواج ماريا الصغيرة، تلك الحفلة شملت اول لقاء بين الام و ابنتها، اول مشاعر حقيقية ظاهرة امام الجميع
اول حضن
اول كلمة تشجيعية
كانت المرة الاولى تشعر فيها ماريا بحب امها لها
حولت بصرها في انحاء القاعة، ماذا لو كان هذا حفل زفاف ماريا، حفل ضخم تظهر فيه ماريا ككنة جديدة لعائلة اورسيني و زوجة للدوق المستقبلي ليوناردو اورسيني.
حفل جميل كما كانت تريده طفلتها و كما تمنت هي في صغرها و لم تحصل عليه
حفل بمشاعر صادقة
لما يا ترى لا يحدث شيء جيد، لا بد و ان لعنة الشؤم كانت مصوبة على عائلة جيوفاني، لا بل على فيرناندا و ابنتها فقط و ايضا عمتها الكبرى ماريا جيوفاني
اجل لابد ان هذا ما حدث.
توجه سواريز نحو المنصة يعانق خصر زوجته الساهية باللامكان و هو صراحة لم يلقي بالا لها فما يهمه الآن هو الدوق الجالس على رأس الطاولة في حين ان كاتب العدل يجلس على الجانب الايمن بجانبه كرسي شاغر يستعد لاستقبال الكونت سواريز فيسكونتي.
ابناءه الثلاثة يقفون خلفه اين انضمت زوجته لهم تقف خلف الكرسيين يراقبون الحضور، هي استغربت ابتسامات اطفالها لدرجة اعتقدت فيها انهم احتسوا ما خدر عقولهم و جعلهم يعتقدون انها مراسم دفن والدهم الوغد لا تتويجه لكنها لم تجد نفسها الا تلتزم الصمت لا حيلة لها سوى مشاهدة ما سيحدث.
حاولت رسم بعض الملامح المبتسمة امام كاميرات المصورين الموجهة نحوها لعلها تتفادى هجوم زوجها عليها لاحقا ان كانت الصور غير جيدة في نظره عندما تطبع في الجرائد بل و في كل مكان
اعتذر عن التأخير يا سادة، تعلمون عادة النساء
تحدث يشير بكلامه لزوجته الواقفة خلف مقعده غير انه تشنج ما ان سمع تمتمة الدوق فيليب التي رن صداها بمختلف انحاء القاعة نتيجة الصمت الغريب المحيط بالمكان
بالضبط، نساء.
كان يعنيه، يهينه امام الملأ لكنه الدوق، الدوق فيليب و اكبر شخص و شخصية في الحضور كلهم لدرجة ان كلمة واحدة منه قد تمنع كل شيء لذا بدل ان تتزعزع ولو دقة من كرامته هو ابتسم بمجاملة يوجه نظره للامام محدثا كاتب العدل
ابدأ المراسم
وقعت عيناه على اندريه والد التوأم اورسيني كان هذا الاخير يبتسم كابنه ايدواردو، ابتسامة واسعة، غريبة، مستمتعة بل و منتشية
هنالك شيء غريب
هنالك شيء خاطئ.
الخوف نهش قلبه لكنه ادعى انه مجرد حماس لا اكثر
سيتحقق مراده و حينها سيقتل، سيعذب، سيجن كما يريد و ينتقم كما يشاء، اوليس هذا صحيحا
باشر كاتب العدل تلاوة كلامه بصوت وصل لجميع من حضر، سكن الجميع و لولا صوت كاميرات الصحافة المحتشدة هنا و هناك لكان الصمت المحدق قد ابتلع كلماته منذ ان نطقها.
و بهذا و بعد اذن السيد اورسيني فيليب دوق مدينة فلورانسا سيتم تسليم اوراق ملكية الارث لتوقيعها من قبل فيسكونتي سواريز من سيصبح كونت فلورانسا بعد وفاة الكونت السابق غابرييل فيسكونتي و الوريثة ماريا فيسكونتي
حل الصمت في انتظار موافقة الدوق فيليب الذي نظر لسواريز مطولا، بنظراته الحادة الثاقبة رغم كبر سنه، كان وقار عائلة اورسيني شيئا لم يحكى فيه مرتين
كلا.
تلك الكلمة بالضبط سمع صداها بكامل ارجاء القصر لا القاعة وحدها
كلا، ماذا تعني بكلا سيدي الدوق
من بين ضحكات متملقة كسر سواريز الصمت ينظر بارتباك لكبير عائلة اورسيني، احساسه صدق، هناك ما يحاك خلفه
لقد وقع في الفخ، لابد انه كالنعجة التي تنتظر وقت ذبحها، سيموت، كان يعلم بل و شعر ان هنالك ما هو اكبر ليخيفه من الموت
ما الذي تهذون به، ماذا يحدث دوق فيليب، لم يكن هذا هو الاتفاق و اللعنة.
صرخ ماريوس بغضب يضرب كرسي كاتب العدل ما جعل هذا الاخير يفزع منتفضا و ما لبث ان شارك ايريك الهسهسة الغاضبة
ايمكنك شرح المهزلة التي تحدث
انطلقت ضحكة من بين الحضور، من غيره اندريه القادر على الاستمتاع بمواقف كهذه يراقب الاجواء التي بدت محمسة له لدرجة تجرعه من كأس نبيذه ببطئ قاتل
وقف الدوق فيليب و بهدوء شق طريقه لاسفل المنصة
قلت ما عندي، لن يحصل سواريز على شيء، انتهى الحدث.
وجه جوليان نظره لرجال العائلة الذين يحيطون المكان و اشار ناحية لرجاله و بالفعل خلال لحظات قليلة لم يتبقى صحفي واحد في القاعة الواسعة، لم يتبقى من الحضور سوى العائلات التي عليها ان تعلم ما هو مصير سواريز فيسكونتي
ماذا يحدث
استفسر سواريز يحاول الوقوف غير ان يدي ايريك امسكتا بكتفيه تقيدانه على الكرسي
ما يحدث بسيط، أبي.
همس بجانب اذنه يلاحظ الاضواء التي خفتت شدتها، ربت على كتفيه و استقام منتصبا بجذعه و بصوت وصل لمسامع جل من في القاعة واصل
اليوم فقط ستنتهي اللعبة التي بدأتها انت.
فتحت ابواب القاعة تزامنا و اخر كلماته التي نطقها، كل من ماريوس و جوليان يقفان بجانب كرسي سواريز في حين كان ايريك خلفه يستمع لصوت خطوات الدخيلين، يسيران و وقع خطواتهما يصل للجميع، عينا سواريز تراقب صاحب العينين السواداوتين، و الذي كان يبتسم بجانبية سعيدا بكونه انتصر ثانية في لعبته مع اخيه، اخيه الذي راح يشتم اختياره للحجرة بدل المقص
انهض من هنا و غادر بسرعة ان كنت تريد ان تعيش.
همس ماريوس لكاتب العدل الذي شعر ان اطرافه ترتعش دون توقف يكاد لا يصدق ما يحدث، و دون ان يفكر مرتين هرع يقفز من المنصة يود الفرار بنفسه من المجزرة التي ستحصل بعد قليل
وقف ايدواردو بجانب ابيه و اخذ كأس نبيذ من الطاولة امامه، في حين ان ليوناردو قد واصل التقدم للأمام يحدق بسواريز بنفس الابتسامة التي جعلت الاكبر يفقد انفاسه عاجزا عن استردادها.
ل، لا، ايريك، ابعده، ماريوس. انا آمرك، ابني، انا، جوليان، والدك، ت، توقف
عض ليوناردو خده و كان على وشك ان ينفث احدى الكلمات التي يحتجزها داخله لولا ان ايريك و بقبضة جمعت مشاعره التي احتبسها داخله امسك بخصلات شعره يلصق وجهه بالطاولة
اصمت ارجوك، بالكاد احتمل فكرة انك والدي لذا اصمت ولا تفتح فمك
و من دون ان يضيف كلمة هز سواريز رأسه يعلن موافقته
احسنت، هذا هو.
من بين صمت القاعة خرج صوت فتاة تهتف بسعادة همسا وصل للجميع من بينهم ايريك الذي وجه بصره ناحية الركن اين يقف الخدم، ايليت كانت هناك، بزي الخادمات تنظر له بابتسامة سعيدة و بطريقة ارستعراضية هو ابتسم بجانبية لها.
إستمر ليوناردو بالتقدم للأمام و عيناه مصوبتان نحو سواريز الذي يرتعد خوفا و آلاف الأفكار السوداء تراقصت داخل ذهنه، و في المقابل كانت ذكريات عديدة قد مرت امام حدقتي عريض المنكبين، تلك الليالي التي تسلسل فيها لغرفة ماريا و هي نائمة بخدين محمرين، بشرتها التي ما إن يلمسها حتى يشعر بها مرتوية بدموع ذرفتها قبل أن تغلق جفنيها
و السبب الوحيد لذرف تلك الدموع كان واحدا، سواريز فيسكونتي!
و هذا السبب سيحترق اليوم بفعل النار المتأججة في خافق العاشق المهووس بزوجته البعيدة عن ناظريه منذ زمن...
سيداتي و سادتي.
تلفظ الغرابي يجلس على المنصة بجانب رأس سواريز الذي لا يزال ابنه منقضها على خصلاته
اليوم، سأروي لكم قصة صغيرة جدا، و بعد هذه القصة و وضع نهاية سعيدة لها يمكنكم جميعا العودة لمنازلكم و أخذ قسط من الراحة بعد ليلة طويلة كهذه.
التفت صوب سواريز الذي كان ينظر نحوه برعب يراقب موته الذي اضحى قريبا منه
خسارة، ستكون أول من يرتاح بيننا اليوم!
ابتلع الأكبر ريقه الذي لم يجده، فجأة صار يشعر بالجفاف يحيط به و قطرات من العرق قد رسمت بمهارة على ثنايا وجهه الذي ظهرت عليه تجاعيد كثيرة و قد جزمت فيرناندا ان هنالك الجديدة منها...
قصتنا تبدأ من فتاة صغيرة، فتاة تخصني انا...
هذه الفتاة يا سادة كانت الابنة الرابعة لعائلة هذا القصر، و قد كان من نصيبها استلام كل ارث جدها
وجه نظرة باردة نحو ذاك الذي كان يرتعد و بصوت اشبه بنظرته نطق
لم يكن شيئا اختارته بل اختارها، لكن في كل قصة، هنالك شرير، وحش على هيئة انسان،.
اعاد بنظره نحو الجمع الذي كان يستمع لكلماته بتعابير مختلفة، اغربها كانت الابتسامة السعيدة على وجه آندريه و ايدواردو. كانا متحمسين، و لربما قد زاد حماسهما في بعض اللحظات لدرجة سماع قهقهات تردد صداها في انحاء القاعة الباردة
الشرير في قصتنا كان كثقب اسود لعين يريد استنزاف ما حوله له. لم يتردد لحظة في بيع كل ما حوله من أجل تحقيق رغباته التي لا معنى لها...
لم يتردد لحظة في جعل ابنته تعيش الجحيم، ولا في ارهاق قلب عائلته و تحطيم كل علاقة جمعته بمن حوله،
شد ليوناردو على قبضته في غضب جم يتذكر آخر أفعال سواريز مع امرأته...
تذكر كيف وجدها في تلك الغابة وحيدة مكسروة الجناح، كيف كان عليه اخبارها بأنهما فقدا ابنتهما الاولى التي لم يعلما بوجودها أصلا...
كيف كان عليه ابعادها عنه في الوقت الذي احتاجته به!
كل هذا كان بسببه، بسبب سواريز و فقط سواريز!
لن ادخل في تفاصيل ما فعله الشرير في قصتي، لأنه لا دخل لكم هنا ولا يجب ان يعلم احد بما عانته كونتيستي فهي،
توسعت ابتسامته بطريقة أعتقد فيها البعض انه مريض لكنه واصل بهسهسة ترددت على مسامع الجميع
فهي تخصني انا و لا شأن للعين بها
عادت ملامحه لتكون هادئة كموج بحر يستعد للعصف و تدمير ما حوله!
و إلا ستكون نهايته كنهاية الوغد الذي يرقص خوفا بجانبي.
انتهت كلماته و ختمها بايمائة صوب اخيه الذي وضع كأس نبيذه على الطاولة يتقدم نحو توأمه ليمده بذلك الهاتف تحت انظار سواريز المترقبة باستسلام لمصيره القريب
هذه ليست فرصة للنجاة سواريز لا ترفع سقف امالك لانش حتى، هذه فرصة لتكفر عن ذنبك قبل أن تنهش الذئاب جثمانك، أبي في القانون
ردد ليوناردو كلماته و هو يعبث على شاشة الهاتف قبل أن يمده ناحية الرجل الذي اهتدت اوصاله من الخوف.
ستعتذر سواريز، ستترك اعتذارا لطيفا قبل أن رحيلك عن هذا العالم، ستكون هذه هي هدية كونتيستي الصغيرة من والدها العاهر
كانت أطراف سواريز المرتعشة قد وهنت لدرجة لم يعد فيها قادرا على الحركة
الهروب، النجاة...
لم تكن أية من الكلمتين قد داهمت خاطره
كان يعلم أن نهايته قد حانت
و الفكرة وحدها قد جعلت الشيب يحرق رأسه و الاصفرار يداهم وجهه
فيرناندا من ذلك البعد كانت و لأول مرة ترى زوجها في ذلك الحال الضعيف.
شاحب و جسده كاسفنجة تعصرها هيبة ليوناردو و احفاد العائلة المحيطين به
و كما كانت تشعر بالراحة كانت ايزابيلا من فوق كرسيها المتحرك تبتسم بهدوء تنتظر اللحظة التي ستفارق فيها روح سواريز جسده كما فارقت روح ماثيو قبل سنوات جثته!
بعد لحظات من الصمت كانت فيها اعين عريض المنكبين مصوبة نحو سواريز ينتظر منه انهاء شهقاته و بكاءه، باشر ينطق بآخر كلماته
كلمات كاذبة يعتذر فيها بل و يطلب الرحمة من ماريا البعيدة عنه.
مع كل كلمة قالها كان يرى شريط حياته رفقة عائلته، كان يرى في كل تصرف قام به قسوة لم يكن عنوانها سوى الجشع والرغبة الخاطئة
لم تكن الا دقائق معدودة و قد نفذت الكلمات منه، و ان صح القول كان ليوناردو كباقي الحضور يعلمون أن الكلمات التي خرجت من ثغره لم يكن سببها سوى خوفا عارما...
خوفا من الموت
الموت القادم له
ماذا كان سيحصل لو انك قلت هذا الكلام لها قبل الآن،.
ماريوس من همس بهذه الكلمات بينه و بين نفسه، لكن اخويه على حد سواء كانا قد سمعاه
و لم ينبسا ببنت شفة
لم يكن هناك فائدة
دقيقة، اثنتان، ثلاثة
هل لديك أية كلمات اخرى كونت سواريز فيسكونيتي
نطق ليوناردو و هو يخفي الهاتف في جيب معطفه الاسود الطويل
انا،
صوت رصاصة
ثم اخرى، ثم ثالثة و اخيرة!
لا نحتاج سماعها
تمتم ليوناردو بصوت صاقع لم يكرر خلفه شخص.
لم تكن هنالك أية كلمات تستحق ان تقال من طرفه، كان هذا رأيا قد اتفق عليه الجميع
دموع فرح غريبة قد اكتنزت اعين فيرناندا كما اعين ايزابيلا، و صمت مريح لم يعلم احد إن كان سعيدا أم تعيسا قد انتشر في انحاء القاعة الباردة لكنه كان مهيبا لدرجة لم يشأ فيها احد ان يفسده
لقد انتهى كل شيء...
لقد انتهى الكابوس!
انتهى الحفل!
نطق ايريك منبها كبار مدينة فلورانسا و ايطاليا و الذين لم يحتاجوا اشارة اخرى ليشقوا طريقهم خارجا بوجوه هادئة
لم يكن حدثا جديدا بالنسبة لهم
موت نذل سياسي هو أمر متعارف عليه بمجتمعهم لكن بالنسبة لعائلة فيسكونيتي و اورسيني
كانت هذه نهاية فصل طويل و اشراق بداية فصل جديد، فصل عنوانه العائلة!
ليوناردو الى أين.
كان ماريوس قد صرخ بالشاب الذي شق طريقه خارج القاعة ما إن باشرت عمليات نقل جثمان سواريز لكنه اكتفى بمنحه شبح ابتسامة مكملا طريقه
اتريد ان تعرف؟
همس ايد بعبث للاشقر الذي رفع حاجبا مستغربا لكنه اومئ له
عند اختك
حسنا كانت هذه اهانة رائعة لبدئ شجار لطيف، نوعا ما!
هدوء البيت و بروده جعلا من ميرنا تتنهد مرة أخرى بأسى
لم تكن تذكر آخر مرة تشاجرت فيها مع ماريا بهذا الشكل
بالعادة لم تكن المشاكل تجعلهما باردتين مع بعضهما لكن هذه المرة، كان قلبها يؤلمها بطريقة شديدة على صديقة عمرها
لم تتناول أي منهما العشاء بل اتجهت كل واحدة نحو غرفتها بصمت غير طبيعي و معتاد، لم تتحدثا بل ان النظرات كانت مختصرة بطريقة لم تحبها ميرنا يوما.
وضعت رأسها على وسادتها و عيونها احمرت بطريقة كافية لتعلم من يراها انها على وشك البكاء، فكها ارتجف عدة مرات معلنا عن غصة كبتتها منذ الصباح
و ما إن أرادت ان تباشر النحيب حتى قاطعها لحن هادئ كان مصدره هاتفها...
هاتفها يرن، الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بحق الرب
من ذا الذي قد يتصل بها في وقت متأخر من الليل؟
توعدت للمتصل بسلسلة من الشتائم بل وابل منها خاصة ان كان عابثا و بوجه غاضب حملت هاتفها رغبة منها في الإجابة لكن ملامحها انقلبت رأسا على عقب ما إن قرأ ناظراها اسم ابن عمها...
أنه، ليوناردو...
ليو!
هي اجابت بلهفة و دموع عينيها باتت اوضح حتى ان الرعشة قد صارت ظاهرة على صوتها و هي تنطق باسم ابن عمها
ميرنا، ماذا حصل؟
هتف ما إن لاحظ علامات الكرب من ندائها و هي قد وضعت يدها على فهمت تكتم صوت شهاقتها و انفجار دموعها فالبيت الهادئ الذي هي به قادر على نقل صوتها لغرفة صديقتها الحزينة
لقد، تشاجرنا ليوناردو، انا، انا لن اعد اتحمل أقسم لك، هي حزينة، هي تموت أقسم بالرب...
هي ليست بخير، لا تأكل شيئا و تبتسم كثيرا، لا تلبث بعد ان تنفجر ضاحكة بالصمت، كثيرة الشرود ليوناردو...
تضحك كثيرا، بل بشكل هستيري كي لا الحظ موتها، هي لا تعلم ان الروح قد فارقتها و عيناها، عيناها فقدتا بريقهما بشكل يقتلني معها،
لم تكن تتنفس بين كل كلمة و أخرى بل كانت تشهق بأقل قدر من الضجيح، بات هواء الغرفة غير قادر على مساعدتها فوقفت تفتح زجاج النافذة فالتقت عيناها بالقمر المكتمل وسط السماء...
و بدموع منهمرة و صوت هامس ختمت كلامها للذي يصغي لحروفها بقلب متؤلم و قبضة معتصرة.
دقات قلبها موجعة بطريقة لا تتصورها ليو، و انا صرخت بها فقط للتوقف و ترحم نفسها، فتشاجرنا، انا و هي
مرت بضعة لحظات من الصمت، كان كلاهما خلاله يحاولان منح روحهما قليلا من الطاقة
ميرنا، لقد انتهى كل شيء عزيزتي،
رمشت الفتاة عدة مرات لا تفقه مما يقوله شيئا
انتهى. ماذا؟
ما الذي تعنيه
رغم عينيه المحمرتين هو ابتسم يتخيل ملامح ابنة عمه البلهاء و كما ظهر له طيف ماريا في السماء المتعمة يبتسم له بارهاق شديد.
سأشرح لك كل شيء لكن قبلها اود منك شيئا واحدا،
ما هو ليوناردو
الآن هو سيعيد ما يخصه لجواره.
أول ما قابلني عند فتح عيني هو تلك الصورة، لم استطع أن لا اخرجها البارحة من درج المنضدة، كنت بحاجة لأن أتذكر أن لي لحظات جميلة، و حفل زفافي الصغير في قاعة الحفلات بمنزلي عائلتي كان أفضلها...
أفضل ذكرى قد أحضى بها يوما على الاطلاق
لم يكن بالحفل الذي رسمته بخيالي لكنه كان دافئا و حقيقيا بالقدر الذي يجعلني أكتفي به
الصورة كانت تشمل حضن ليوناردو لي، يضع يديه حول خصري و عائلتي محيطة بنا...
الجميع كان هناك...
جدي أيضا كان هناك...
و أنا. أنا التي تريد أن تعود لهناك!
أخذت نفسا عميقا و استقمت، كنت أشعر بتلك الرجفة بقدمي، لم أكن اريد حتى التفكير بما قد يعنيه هذا الأمر
لقد تعبت، حقا تعبت، الأخبار السيئة و الأحداث المقيتة سلبت عيني الحياة بما فيه الكفاية
ألا يكفيني ما قد حدث معي طوال سنين حياتي، ألم آخذ كفايتي من كل ضائقة حطت على منذ صغري
ألم يحن موعد النهاية السعيدة بعد؟
ماريا توقفي عن هذا.
همست لنفسي امسح على وجهي بتململ، الغرق في هذا النوع من التفكير مرهق بطريقة لا يتصورها عقل انسان و لا أريد مزيدا من الارهاق بحق!
كان الكرسي المتحرك امامي، لقد تعودت بالفعل على الانتقال من السرير اليه خلال الاشهر الماضية دون مساعدة من ميرنا
كنت قد شعرت حقا أنني أثقلت عليها خصوصا انها كانت تنهض باكرا فقط كي لا تشعرني بأنني عبئ عليها.
أخذت نفسا و طرحته بتثاقل ما إن تذكرت شجاري معها، على أن أحل الأمر اليوم، لا أقوى على شجار ميرنا، لا قدرة لي على البقاء صامتة و هي بالجوار
وضعت يدي على مسند الكرسي و بسرعة ارتكزت على ذراعي انقل جسدي ذي الرجلين المعطلتين عليه، حركتي هذه جعلت من بعض الخصلات تتدلى على وجهي و بحركة عفوية اخذت بأنامل يدي اليسرى أبعدها و هناك، في تلك اللحظة شعرت بفراغ اصبعي...
خ، خاتمي، أين خاتمي.
تمتمت و قد اتسعت عيناي ما إن لاحظت ان خاتم زواجي غير موجود...
لم أشعر إلا و دقات قلبي تتزايد بطريقة مروعة و انا أبحث هنا و هناك عنه، على المنضدة و في درجها تحت وسادتي او بين ثنايا الغطاء الخفيف الذي كان علي، لم افكر مرتين و انا احني بجسدي للأمام علني ألمحه تحت السرير و طبعا...
فتاة مصابة بالشؤم. ملعونة مثلي، ما الذي قد يحصل لها ان لم تقع على الارض محدثة جلبة حولها.
شعرت بالألم لكن فكرة ان خاتم زواجي غير موجود كانت كافية لجعلي اتناسى و انظر في الأرجاء بتمعن
ماريا ما الذي يحدث بحق الرب
اقتحت ميرنا غرفتي تنطق سؤالها بقلق، لابد أن صوت سقوطي قد لفتها
لم أهتم بملابسها التي دلت على أنها على وشك الخروج، او التي دلت أيضا على أنها كانت خارج المنزل
لكنني فقط نظرت لها و بعينين طفحتا كيلا من انزال الدموع هتفت مرتعشة.
خاتمي ميرنا، خاتم زواجي انا لا أجده، خاتمي الذي حافظ عليه ليوناردو لسنوات ميرنا، لقد ضاع
الخاتم، بدى لي الشيء الوحيد الذي جمعني حقا بليوناردو، و كأنه كان الدليل الوحيد الذي يؤكد أنني كنت زوجة هذا الشاب في ذات يوم
و هذا الدليل، لقد ضاع مني...
كأي شيء آخر أحببته
لقد تدمرت، مجددا!
اليوم و بإشراق الشمس و توجه أشعتها على نوافذ قصر فيسكونتي، كان بالامكان اعتباره يوما من النهاية السعيدة، في هذا اليوم استطاع كل فرد من هذه العائلة أن يتنفس بحرية و ينام بعمق دون التفكير بالغد...
منذ أن دفن سواريز شعر الجميع أن كل شيء انتهى، بكل ما تحمله كلمة الراحة من معنى، هم شعروا بذلك!
فيرناندا النائمة بجوار ايزابيلا كانت أول من استيقظ، و قد أشرفت بحد ذاتها على الافطار الذي جعلته وليمة عيد لا موت زوجها، قرأت عنواين الصحف بابتسامة تشق وجهها الذي أنار
إنتحار سواريز فيسكونتي بعد أن تم رفضه من مجلس هيئة مدينة فلورانسا ككونت
ذلك العنوان جعلها تبتسم من أعماقها براحة، و كأنها طائر فتحت أبواب قفصه الذي أغلق منذ سنوات ففرد أجنحته محلقا بحرية لم يذق طعمها منذ أزل بعيد.
سيدتي، الآنسة راسيل سانتيرا و صديقها يطلبان الدخول
نبست إحدى الخادمات منحنية باحترام لسيدتها و التي لم تلبث أن أجابت بسرور
أدخليهما، لابد أنهما هنا من أجل جوليان
أومأت الخادمة التي انتقلت لها عدوى السعادة و سارعت بإدخال كل من راسيل و كايل
صباح الخير خالتي.
صوت راسيل المبتهج أكد لفيرناندا أنها كانت هناك البارحة و حضرت ما حدث و حسنا، لابد أن كايل بطريقة أو بأخرى كان يعلم ما جرى حيث أنه امسك بيد فيرناندا يقبل ظاهرها
مبارك ما حدث لكم سيدتي الكونتيسة فيسكونتي فيرناندا
كان هذا غبيا و لربما مبتذلا أيضا و تافها على الأغلب لكن كان كافيا لجعل فيرناندا تنفجر ضاحكة، ما جعل ابتسامة الشابين تتسع.
خالة فيرناندا هل يمكننا أن نزور غرفة جوليان بعد إذنك، نريد أن نصطحبه معنا
تحدثت راسيل بابتسامة تقاطع قهقهات السيدة فيرناندا التي اجابتها تحافظ على سيل منهمر من الضحكات
طبعا تفضلا ستقودكما الخادمة لغرفته، لكن لن تغادروا إلا بعد أن تتناولوا الإفطار معنا
أعرب الشابان على موافقتهما و سارا سريعا خلف تلك التي قادتهما الى غرفة ذي الشعر الأشقر الداكن رغبة في ايقاضه من نومه.
شكرا لك آنستي اللطيفة سنتكفل بالأمر من هنا
بطريقة لطيفة طرد كايل الخادمة التي أومأت بابتسامة تغادر الرواق لتعود لعملها
بما تفكر كايل؟
فتح المعني الباب بأعين تتوهج حماسا و قد وجه نظراته نحو الصهباء التي تعقد يديها تنظر له ضاحكة الثغر
أخطط لجعل جولياننا يضحك كما لم يفعل من قبل،
اقتحم الثنائي الغرفة بصمت، واجههما ظلام يحاول فرض وجوده رغم أشعة الشمس التي تحارب الستائر قاتمة اللون!
كان جوليان مستلقيا على بطنه، يعانق وسادته بطريقة طولية بينما يفتح شفتيه بخفة و صوت شخير خفيف يصدر منه ليصل لمسامع الصهباء و رفيقها، عيناه مغمضتان تماما، كان شكله يوحي بأنه حقا، مرتاح!
يااا لا أستطيع التفريط به
همست راسيل تحاول كبت صوتها الصارخ نتيجة استلطاف خطيبها، زجرت كايل بنظراتها الحادة عن الاقتراب منه بينما تأخذ هاتفها و، أجل كانت أقرب بخمسين صورة و مقطع فيديو لجوليان و هو نائم!
تستطيع فعل ما تريده الآن
تحدثت ببهجة و هي تخبئ الهاتف الذي احتوى على كثير الصور مما زرع بسمتها
شاهدي كيف يجب أن يستيقظ صديقنا سعيدا
هذا كان آخر ما قاله قبل أن يقف فوق سرير جوليان و يباشر القفز بطريقة، قردية؟
علي كل كانت طريقة قادرة على جعل جوليان ينتفض فزعا بعينين متسعتين يراقب الشاب الذي كان يقفز صارخا فوق السرير تحت قهقهات راسيل التي كانت تحاول ايقافه بكلمات غير مفهومة إثر ضحكها.
جوليان تجاهل كل شيء و ركز، لا ليس على ضحكات خطيبته الحلوة بل.
حذاءك أيها اللعين!
صرخ جوليان ساحبا قدم كايل ما أدى الى سقوطه و نعم، ارتطم رأسه بحاشية السرير، بطريقة،!
مؤلمة،
تمتم يمسح على مؤخرة رأسه بينما يحدق بالأطباق أمامه، كانت قد رسمت ابتسامة شامتة على وجه جوليان الذي يجلس بجانبه في حين كانت راسيل تحاول أن لا تنفجر بوقاحة أمام الجميع
أريد أن أفهم فقط كيف قد يرتطم رأسك بالنافذة هكذا؟
كان ماريوس الذي يتناول من المربى الطازج الذي حضر صباحا فقط هو صاحب السؤال الذي جعل كايل يوجه أنظاره نحو جوليان و ينطق بنبرة متهكمة متألمة.
هذه النافذة قاسية نوعا ما، أنصحك بإعادة تهيئتها خالة فيرناندا
و في حين كان جوليان يتناول طعامه متجاهلا ايحاءات كايل القادمة، همست راسيل مبتسمة بطريقة وصلت مسامع خطيبها
رغم قسوتها لكنني أراها ألطف خلق الرب
نظر لها بجانبية و قد ارتفع طرف شفته يزرع ابتسامة جانبية على ثغره
ما هي؟
خلطت السكر بكوب قهوتها السوداء و بهمسها أجابته
النافذة،.
و من بين همسهما العاشق كانت ايزابيلا قد لاحظت غياب ايريك و لم تلبث أن سألت تستفسر عدم وجوده لم تتلقى جوابا واضحا و بدل ذلك هي رفعت حاجبها إزاء كلمات فيرناندا التي كانت تحتسي شايها
هو غارق في حفرة ما و ذهب ليخرج نفسه، سيعود لاحقا و يخبرنا
حسنا ما الذي قد يعنيه هذا،؟!
إليك بعض الشاي بني
تحدثت السيدة هانا بلطف تقدم الكأس من ايريك الذي تولى إمساكه بابتسامة
شكرا خالتي
هتف يحتسي من كأسه يشعر بنظرات حادة العينين موجهة صوبه في دهشة، هو لما جاء لهنا، ما الذي يفعله؟
حللت أهلا يا بني، لطالما أحببت هذا الفتى هانا، هو أفضل أحفاد فيسكونتي حقا.
كلمات السيدة آرون جعلت من ابتسامة ايريك تتسع مستمتعا بنظرات ايليت التي حدقت بجميع من في الغرفة الصغيرة يتناولون طعام الإفطار بطريقة عادية
لما هي الوحيدة التي تشعر بالدهشة إزاء زيارة ايريك منذ الصباح لهم
سلمت يا عم آرون، كلامك هذا يخجلني حقا
نبس الأصغر يحني برأسه احتراما لوالد ايليت الذي ابتسم مربتا على كتفه.
كان الجميع يجلسون على الأرض، على لحاف احيكت بالأيادي كما اعتادت السيدة هانا أن تفعل منذ صغرها تتوسطهم طاولة صغيرة الحجم كافية لما عليها من أطباق صنعت من أياد الأم و ابنتها
كل ما أمامك بني ايريك، و انت ايليت، لم تتناولي شيئا يا ابنتي.
ختمت السيدة هانا حديثها تربت على ظهر ابنتها تحثها على تناول طعامها و بالفعل ايليت حملت كأس شايها تحتسي منه و عيناها لا تزالان ترميان بسهام الاهتمام ناحية ايريك فيسكونتي، الكونت الجديد لعائلة فيسكونتي بعد الكونتيسة ماريا فيسكونتي الوريثة الرسمية لعائلة فيسكونتي...
عمي آرون خالتي هانا، أود مفاتحتكما بموضوع مهم و هذا سبب قدومي.
توقف الزوجان عن تناول الطعام و بدل ذلك هما وجها اهتمامهما كما نظرهما ناحية ابن فيسكونتي ذاك
تكلم يا بني ، تفضل ايريك نحن نسمعك
عكس آرون الذي اجتاحه قليل من القلق كانت هانا تنتظر كلمات ايريك بشوق لمعرفة ما يجوب بذهن من أحبه قلب ابنتها
أنا و بكامل احترامي و تقديري لكما و بكل حب و مشاعر تفيض اتجاه فتاتكما المحروسة ايليت،.
صمت لعدة لحظات يناظر أوجه من يتابعون كلماته بفضول و دهشة، استقرت أعينه على صاحبة الخصلات الداكنة و التي كانت وجنتاها منتفختين تختزن بهما ما شربت من شاي، ذلك الشاي الذي غصت به ما إن واصل حديثه يطلعهم على سبب زيارته المفاجئة هذه
أود أن أتقدم لها و أطلبها منكما لتصبح زوجة لي و كنة لعائلة فيسكونتي إن كنتما تريانني مناسبا لها
و قد كان كذلك بالفعل،!
المساء، الساعة السابعة و أربعة و عشرون دقيقة...
كل شيء يبدو مظلما و سوداويا بالنسبة لي، التفكير فقط بأنني على وشك رسم ابتسامة أخرى رغم الدمار بداخلي تجعلني أشعر بألم لا يضاهى بمثيل له، لست بخير، هذه كانت المرة الأولى التي لا أستطيع فيها أن أكذب حتى حيال شعوري، أنا أموت، قلبي تصدع بأسوء شكل من أشكال الموت!
هل أنت جاهزة ماريا.
سألتني ميرنا بعد أن اقتحمت الغرفة بهدوء و ابتسامة لطيفة على وجهها، هذه المرة لم أهتم بإلقاء نظرة على المرآة بل هززت رأسي أعلن عن أنني جاهزة الذهاب...
آرثر هنا، قال أنه سيوصلنا
رفعت حاجبي الأيسر أدلي باستغرابي، كان هذا التعبير أول ما رسم على وجهي منذ الصباح بعد اكتشافي لإختفاء خاتمي، خاتم زواجي...
ماذا تقصدين بيوصلنا؟
اتسعت ابتسامة ميرنا التي تقدمت ترتب غرة شعري المتناثرة على جبيني.
جاءتني دعوة من المعهد، لا تنسي أنني التحقت برفقتك أيضا هناك لكن،
صارت ابتسامتها حمقاء و هي تواصل حديثها بينما تسحب الكرسي المتحرك
لكنني كنت أكسل من أن أحضر جميع الحصص.
أومأت بتفهم أمسح على أطراف فستاني، لقد أشرفت ميرنا على تجهيز كل ما يخصني للحفلة بطريقة غريبة لكنني لم أبالي، لا أعتقد أن التفكير بكيف أن ميرنا تريد تجهيزي لحفلة ختام دورة المعهد العاشرة أمر مهم حقا في حين أن هناك حرب أفكار أخرى بداخلي تتصارع لقتلي!
عدم الاكتراث نعمة لم أحصل عليها مع الأسف و لربما أن السبب، لعنة شؤمي!
اختارت ميرنا لي فستانا أزرق سماويا ذي أكمام طويلة منفوخة تميزت بلون شفاف يبرز ذراعي، كان الفستان ضيقا من ناحية الصدر لكنه يصبح واسعا بعد ان يبرز الحزام السماوي تفاصيل خصري الضيق، اختارت عقدا رمليا تناسب مع الحذاء ذي الكعب العالي، حذاء لأقدام لا تستطيع السير.
أما عن ميرنا فقد وقع اختيارها على فستان أسود اللون يمتد لما أسفل ركبتيها، يزينه شق طولي يظهر طبقة ضيقة سفلى من الثوب، أظهر ما اختارته تفاصيل جسدها المنحوت بعناية، زينت رسغها ساعة سوداء فخمة و خاتم بنفس اللون، خاتم ذو جوهرة سوداء، مثل خاتمي الذي ضاع مني و لن يعود!
ماريا ابسمي ثغرك قليلا، تفاءلي أخبرتك أننا سنجد خاتمك، صدقيني.
ميرنا التي تفوهت بهذه الكلمات كان بصدد اغلاق باب المنزل، في حين أنني كنت بالقرب منها شاردة باللاشيء
آمل هذا
لا أعلم ان كنت قد تحدثت بصوت مرتفع ام كان هامسا فلم يصل لمسامعها ما جعلها تصمت دون اجابة، سحبت كرسيي المتحرك شاقة الطريق لخارج اسوار المنزل الصغير، كانت سيارة آرثر واضحة من هنا، سيارة حمراء اللون دون سقف، كانت شيئا آخر يسعد آرثر كثيرا و تجعله يغتر أكثر بنفسه
آنستي الجميلة،.
ترجل من مكانه حالما وقعت أنظاره علينا، اقترب مني ممسكا بيدي و طبع قبلة على ظاهرها، تنهدت بتعب، لطالما منعته عن الاقتراب مني بهذه الطريقة غير أنه أبى أن يفهم هذا و حاليا لا أشعر برغبة في معاندته او الخوض في نقاش مفاده أنه لا يستطيع الاقتراب مني او لمسي كما يحلو له.
لم اخبر آرثر أنني متزوجة، لم أرد أن اطلع أحدا على أنني قد تركت وحيدة في بلد كهذا دون رجل يحميني، أولا لأن هذا قد يعرضنا للخطر و ثانيا لأن هذا لا يعنيه ببساطة...
ركبنا السيارة، انا بجانب آرثر في الأمام و خلفنا ميرنا التي راحت تناظر الشاب جانبي بابتسامة جانبية شامتة، ابتسامتها تلك جعلت من عقلي يقف مستغربا، لما، لما تتصرف ميرنا بهذه الطريقة؟
بعد قليل من الزمن لم يقدر حتى بالربع الساعة توقفت السيارة أمام أبواب المعهد المفتوحة، ركنها آرثر و تولى مهمة مساعدتي للجلوس على الكرسي المتحرك خاصتي و من ثم تقدمنا ثلاثتنا للحفل، الحفل الذي كان يضم مفاجأة لم أكن بانتظارها البتة،!
طاولات وزعت هنا و هناك عليها أغطية مخملية بلون النبيذ الموضوع على بعضها، أضواء فاخرة سلطت على الحديقة التي كانت مقر الحفل الاختمامي، أجساد الثنائيات تراقصت برقي معتاد في الساحة في حين اجتمع كبار المجلس حول الطاولات يتحدثون بابتسامات سعيدة و مجاملة، كان آرثر منشغلا مع أحد أصدقائه في حين اختفت ميرنا فجأة ما جعلني وحيدة أمام طاولتي أحتسي كأس من العصير، كنت ثملة دون الحاجة لأي نبيذ!
ثملة بأفكاري فحسب...
تضاربت الأفكار بداخلي، تارة تجعلني أفكر بنهاية أسطورة ماريا جيوفاني، و تارة أخرى تذكرني بكل ما حدث معي، منذ صغري وصولا لما أنا عليه الآن، كل ما عانيته و كل شعور سيء مررت به، ألم تعاني ماريا جيوفاني ايضا من هذا، و لربما أسوء...
لكنها أنهت معاناتها، لربما بطريقة خيالية، و لربما هي خيال في حد ذاتها لكن، ألم أؤمن بها؟ الا يعني هذا أن على أن احضى بنفس مصيرها؟
ولدت في نفس يوم ميلادها، في مثل هذه الليلة، الساعة الثامنة و النصف في اليوم السابع من شهر أغسطس، هذه أنا، ولدت اليوم، اليوم عيد ميلادي...
هل هذا مهم؟ هل هذه إشارة، هل على إنهاء حياتي كما فعلت؟
انشغلت بالتفكير، و بتعبير أدق تخيلت نفسي و انا أنحر معبر أنفاسي أقطع الحياة عني و أرسل روحي لبارئها، هل سيكون الأمر مؤلما، لكنني ملعونة، و اللعنة تكسر بالموت، أوليست كذلك؟
لم ألحظ أن الأنوار خفتت و سلط ذاك الضوء الأبيض على إلا حينما تطاولت وشوشات من حولي الى مسامعي، رفعت أنظاري أصوب اهتمامي لما حولي...
كان الجميع يحيط بي من الجانب الأيمن و الأيسر يتركون المكان أمامي فارغا، يفسحون المجال لخروج من يختبئ داخل أسوار المعهد...
داهمني التوتر كما لم يفعل من قبل و هذا ما جعلني أبدأ بتعنيف أصابعي دون شعور، نظرت أمامي تحديدا للسجادة الحمراء التي فرشها بضعة خادمين بسرعة، بلعت ريقي بقلق، لابد أنه آرثر، سيعترف لي، سيقوم بشيء ما و يوقعني شؤمي في موقف أسوء من رفضه فقط، سيكون الأمر كارثيا، لابد أنه سيكون كذلك، إلهي، أنقذني من هذا، أتوسل إليك!
كنت أشعر بتلك الغصة، كما لو أنني لم أكتفي من مصائبي كلها ليزيدها على الآن صديق قابلته دون أن اريد، لا و أن يقع في حبي و يريد أن يعترف لي أمام الجميع، ماذا سأفعل، أرفضه؟ أخبره أنني سأفكر، أجل، أجل سيكون عذرا مناسبا، أتمنى!
أخذت نفسا مرتعشا، أحاول أن أضبط نفسي، ميرنا ليست موجودة، و الجميع يحدق بي، إلهي ما العمل!
أخذت نفسا آخر، هذه المرة و بكامل جهدي رسمت ملامح هادئة لكنها ما لبثت ان تبددت حين طرق مسامعي ما جعل الوشوشات ترتفع أكثر، لم أكترث بها بل ركزت على ذاك الصوت، صوته، الصوت، صوت ليوناردو، هو صوته
قيل لي ذات يوم أن الحب لعنة حلوة لكنني لم أؤمن بل و أنكرت ساخرا من كل من استسلم لتلك الأسطورة حتى وجدتني أسيرا لسحر عينيك.
اتسعت عيناي ببطئ و شفتاي افترقتا تهمسان باسمه، و كأن كياني كله اتفق على أن لا يؤمن بما يجري حوله
في كل مرة قلت أنني اكتفيت من الوقوع لكن ما بالي غارق بدل ذلك في غياهب عشقك؟
حاولت بلع ريقي لكنني لم أجده، كل ما بداخلي كان مركزا على كلماته و صوته، لم استطع حتى معرفة ماهية الملامح التي ارسمها الآن على وجهي...
كان على أن أكون غاضبة منه، انا بالفعل كذلك، لا أريد أن اسامحه البتة لكن ما بالي الآن، لما أرتعش و انا ارى انعكاس ظله على السجادة الحمراء، لما قلبي أطلق العنان لدقاته تخبرني أن آسرها قد عاد ليأخذني، ما بالي؟
من بين خلق الرب أجمع، كنت أنت من جعل قلبي يخضع، أي لعنة و تعويذة ألقيتها على خافقي ليريدك بهذا الشكل، أخبريني كونتيستي.
صوته كان ثخينا، منخفضا تردد عبر الحديقة بأكملها بسبب الصمت و استخدامه لمكبر الصوت، صوته ذاك جعل من روحي ترقص بداخل جسدي دون اذن مني
ماريا، جوهرتي الثمينة، أنت كنت القطعة التي لم أعلم أنني كنت بحاجتها حتى اليوم الذي وقعت عيناي بعيناك فأدركت أن لا حياة لي بدونك، إن كنت تعتقدين أن هناك لعنة قد أحاطت بك فإني اليوم كاسرها.
عيناي امتلأتا بالدموع ما إن التقت حدقتاي بخاصته و هو يسير على تلك السجادة يلقي بكلماته تلك دون اكتراث للعواصف التي تقام بي أثناء ذلك، قميص أبيض مزرر أظهر شدة عضلاته، و سترة سوداء تماشت مع لون سرواله، بذلته عكست مقدار وسامته، كما عكست عيناه كلمات العشق الذي كان يبوح بها ثغره
أبعدك عني القدر فجمعني بك هوسي، و من اليوم لا مهرب لك مني، أنت لي و انا لك.
شعرت أن دقات قلبي ما عادت في صدري بل صارت بحلقي تجعل من غصة الشوق و اللوم تبعث بدموعها نحو زمرديتي، كان أمامي تماما، ينظر لي بحب و ابتسامة لم تظهر لأحد من قبل سواي أنا،!
ركع على قدم أمامي، أمسك بيدي ما جعل قشعريرة بأكملها تهز بدني، لم أبالي بأحد، لم أشعر بأحد، هو فقط، شيطاني و لا أحد سواه البتة.
عيناي تحاكت مع خاصته، قصت عليه أنواع العذاب و الألم الذي عشته في غيابه، و سوداويتاه أطلعتاني عن شوقه الذي أحرق به سبب فراقنا، بدى كما لو أنه يخبرني بنظراته أنه آسف لكنه عاد!
ماريا فيسكونتي
وجهت بصري ناحية ذلك الشيء الذي وضعه بباطن كفي، كان خاتمه، خاتم زواجه الذي كان برقبتي تحديدا في قلادتي، خاتم الزواج الذي أضعت شقيقه!
تهاوت دموعي و لم أعلم ما عدت أشعر به الآن، لكن، ماذا يهم في هذا، ليوناردو هنا، هو سيفهمني، دون الحاجة لأن افهم أنا نفسي...
ابتسم، هو ابتسم لي و بأنامله مسح دمعة فرت من عيني اليسرى، تتبعت ملامحه التي اتجهت ناحية خصلة من شعري تهاوت، أمسكها يعيدها لخلف أذني و بعدها و بنفس تلك الأنامل صار يمسك خاتمي الضائع
ماذا
همست بملامح مندهشة و الدموع التي باتت تفر من عيني أضحت من دون شعور او إذن...
ماريا فيسكونتي، هل تقبلين أن تتزوجي بي للمرة الثانية، و تكوني امرأتي، رغم أنك كذلك
بدت جملته الأخيرة الساخرة موجهة للحضور، تحديدا لآرثر الذي لم يظهر ظله في الأرجاء منذ زمن
هذه المرة كوني السيدة اورسيني، و بدل أن كونتيستي الصغيرة كوني دوقتي الصغيرة، رغم أنني تعودت على اللقب الأول.
مع كل كلمة يتلفظ بها كانت حدة بكائي تزداد و شدة شهقاتي ترتفع، كنت أهتف بكلمة نعم لكن في الآن ذاته أشتمه و أشتم نفسي و أخبره عن كل ألم مر بي
أجل، أيها اللعين، أقبل، تركتني، كنت أبكي، و أبتسم، ليوناردو، لا، لا أريد.
انفجرت، أفسم أنني لم أشعر بنفسي و لم أعد أعلم ما كنت أقوله بالضبط، كنت أتحدث بكلمات عشوائية بينما انظر لعينيه دونا عن أي شيء آخر، وضع ليوناردو الخاتم باصبعي، و بيده تحكم بخاصتي يلبس نفسه خاتمه، وقف بجانبي، امتدت ذراعه اليسرى لتحط تحت ركبتي و الأخرى وضعها حول كتفي يحملني في وضعية العروس، طوقت عنقه و أخفيت وجهي عن الجميع داخل صدره اواصل بكائي هناك، اواصل افراغ الحمل الكامن داخلي لكن هذه المرة معه، مع الشخص الذي يعشقه أيسري.
لم احاول رفع رأسي و بدل ذلك تركت له امر السير بجسدي الذي يحمله اينما اراد، بارادة مستسلمة، لم تعد بداخلي طاقة كافية للمجادلة، كل ما اريده هو ان اتأكد من انه موجود حقا، من انني حقا مستيقظة لا مغما عليها في الحفل.
لكنني حقا اتنفس عطره، و اشعر ببشرة عنقه على اين احشر وجهي مخافة لقاء عينيه و البكاء ثانية، من دون شعور كانت قبضتا يدي تشدان على بدلته الزرقاء الليلية، اتشبث به كطفل يشبتث بدميته ما ان يستفق من كابوس مهول...
انا استيقظت من كابوسي حقا
كونتستي الباكية، هل توقفت شلالات دموعك اخيرا حلوتي.
همس مبتسما في اذني و لم اجد نفسي الا و انا اضرب كتفه بخفة احاول ان اكبت تلك البسمة التي تحاول مراوغتي و الظهور على محياي
لازلت غاضبة منك، بل و محترقة ايضا من غضبي
افلت قهقهة جعلت من سرب فراشات يحلق داخل بطني، و بخطى هادئة قاد نفسه نحو احد مقاعد الحديقة التي دخلها منذ برهة لا بأس بها
استقمت بجلستي الاقي عيني بخاصتيه الحادتين، حدقتاه الليليتان اللتان اغرقتاني في عالم لا يوجد فيه سواي انا و هو.
لديك العمر بأكمله لتغضبي مني و لدي العمر كله لاراضيكي، من اليوم لن يكون هناك ما يقف في وجهي لاغرقك بحبي
مع كل كلمة نطقها كان نبض خافقي يزداد يطلعني انني ما كنت مجرد حالمة بعودته
ليوناردو هنا، بعد غياب قتلني هو هنا ثانية معي
كونتيستي
بعد صمت مطول نطق ينوي ابقاء عيني اسيرتي خاصته
ماذا
امتدت انامله لتعانق يدي الباردة فانتشر الدفئ بها و بدى كأنها انتظرت احتواءه لها منذ زمن طويل.
اشتقت لك ماريا، اشتقت لك كما لم افعل من قبل يا امرأتي
امتلأت حدقتاي بالدموع مجددا و دون تردد عدت اغوص داخل حضنه اعانقه بقوة مخافة بعده الذي اهلك داخلي
انا ايضا. لا بل انا اكثر، اشتقت لك كثيرا ليوناردو، تعبت كثيرا في غيابك، بكيت كثيرا و مثلت انني بخير حتى شعرت انني فقدت الشعور بذاتي، لم اكن بخير من دونك، و لن اكون كذلك ان ابتعدت عني.
مسح على خصلات شعري يهدئ من روعي المضطرب، كان من السهل على ملاحظة ابتسامته الدافئة تلك على شفتيه، و بصوت جعل من بطني ينقبض بطريقة اعتدتها في وجوده هو تحدث
لن يحدث هذا مرة ثانية ماريتي، مهما حدث، من اليوم لن يكون هناك سواي انا و انت و لحظاتنا السعيدة كونتيستي
ابتعدت عنه قليلا القي بنظراتي صوب وجهه و بنبرة متفاجئة همست بعينين دامعتين له
حقا!
ارتفعت شفاهه يرسم ابتسامة محبة لي و بيده لاطف ذقني مهمهما.
نعم حقا
نظر للساعة التي تزين رسغ ساعده الايسر و بصوته الاجش تحدث ينظر لي بعمق
انظري، انها الساعة الثامنة، حان وقت هديتك
ارتفع حاجباي باستغراب و كررت من خلفه احاول تدارك مقصده
هديتي
اومئ يحشر يده في جيبه يخرج منه هاتفه و راح ينبش به مجيبا عن تساؤلي
هدية عيد ميلادك، اليس اليوم.
استفسر كأنه لا يدرك ان الساعة تشير للثامنة، انها الساعة التي ولدت بها قبل تسعة عشرة سنة بالضبط، و هاهو الآن يعيد انظاره إلى يناجي روحي التائهة بدلا من حدقتي وحدهما
لا اريد ان ارى دموعك، لن تنزل تلك الجواهر الثمينة لسبب كهذا، امفهوم كونتيستي
لم يتوصل عقلي اوخيالي لأي احتمال، فأي هدية هذه التي ستكون في هاتفه؟
أومأت له اراقبه يضغط باصابعه مرة أخيرة على الشاشة و لم اكد اطرف بعيني حتى انبثق ذلك الصوت لمسمعي
ماريا ابنتي، انا آسف يا ابنتي، أعتذر منك ماريا
صوته كان مرتعشا، خائفا و فاقدا لأي ذرة من الأمل، و بقدر ما كانت كل كلمة منه غير متوقعة كنت انا قد تجمدت و حدقتاي قد اتسعتا بكثير من الصدمة.
لقد كنت والدا سيئا لك يا ابنتي، لم افعل أي شيء يجعلك تبتسمين عندما تتذكرينني، انا آسف ماريا ارجوك سامحي والدك، سامحيني ماريا.
كل كلمة سمعتها الآن جعلت احدى الذكريات تلمع داخل مخيلتي بشكل مؤذ و للغاية و دون شعور كانت يدي قد اتجهت نحو بطني
لتلك الروح التي تواجدت ذات يوم و قتلت برصاصة، رصاصة من شخص كان عليه ان يحميني لكنه لم يقم بشيء سوى تدميري.
اغفري لي ذنوبي انا على وشك ان أموت ماريا، اغفري لوالدك ربما سأكون افضل في الحياة القادمة
كان يبكي، لكنه لم يبكي ندما بل خوفا، كان على وشك ان يموت، هو ميت
لم يعد لدي والد، لكن لم يكن لي واحد أصلا...
اذا لماذا أشعر بألم قاتل في حنجرتي، لما الدموع تحرق عيني بطريقة تجعلني اود الصراخ...
لما يحضنني ليوناردو الآن
لما انا سعيدة و روحي هادئة
لما لن اغفر لك أبدا يا والدي...
لما...
لأنك كالأسطورة، أسطورة تدعى ماريا فيسكونيتي.
بالمناسبة أين هو آرثر
لقد تولى كل من ميرنا و ايدواردو مهمة اعادته لمكانه
و نعم كان هذا كافيا لتصور ما يحدث له.
شكرا لك سيدي
أومئ جوليان بهدوء يراقب خروج الموظف و ما إن أراد أن يجلس حتى اقتحم الغرفة شقيقاه دون استئذان ما جعله يتنهد بملل قالبا عينيه
اخبرتك أنني الاكبر لذا أنا من سيتزوج أولا ايها المعتوه
كان ايريك يخاطب ماريوس الذي بدت عليه معالم مسترخية، معالم شخص قد استفز أخاه الاكبر بطريقة جميلة و ناجحة!
ما الذي جاء بكما الآن
نطق صاحب الملامح الهادئة ينظر لهما، كان سعيدا، كان الجميع سعيدا.
حتى الجو كان بهيجا
كنت على وشك الذهاب للمنزل و اخبار والدتنا ان ايريك يريد الزواج من حبيبته أخيرا لكنني أردت المرور عليك أولا اخي الاكبر الثاني لربما تود ان تعلن موعد زواجك أولا لان ايريك يريد أن يسبقك
تحدث ماريوس بابتسامة عابثة يضرب كتف ايريك العابس
مزعج
تمتم الاكبر و هو يسحب هاتفته تحت ابتسامات شقيقيه الصغيرين
اوه انها أمي
تحدث قبل أن يجيب بسرعة مكبرا الصوت ليصل مسامع الآخرين
نعم ا،.
لم تسمح له فيرناندا بمواصلة ما يقول بل قاطعته صارخة بسعادة
أحضر شقيقيك و تعالا بسرعة، ماريا على وشك الوصول رفقة زوجها و ميرنا
نظر الثلاثة لبعضهم و بطريقة جميلة اسرع ثلاثتهم خارجين من المكتب نحو السيارة...
أجل
لقد عادت ماريا
و اضحت الحياة جميل لتعاش!
و هنا قد انتهت الرواية...
اغلقت الدفتر و نظرت لميلي النائمة، ابتسامة دافئة رسمت على وجهي و انا ارى عيناها الشبه مفتوحتين
حرصت على تغطيتها جيدا و طبعت قبلة على جبينها خارجة من الغرفة
و نعم
كما هو متوقع كان يتكئ على الحائط امام الغرفة شاردا بمنظري رفقة ابنتنا ذات الخمسة سنوات
ألن تمل من استراق السمع كالثعلب هكذا ليوناردو
نطقت اعقد ذراعي بينما ارفع حاجبا و ابتسامة طفولية قد رسمت على وجهي و انعكست على وجهه يبادلني بأخرى عابثة.
تقدم نحوي و بخفة احاط خصري بذراعه يقربني منه قدر الامكان
ألن تكفي انت عن سرقة اهتمامي و نظري و سمعي
رفعت حاجبي و ابتسامتي قد اتسعت اكثر
و ما الذي فعلته انا، أم بريئة تروي قصة لطفلتها الصغيرة و فقط
ضحك و طبع قبلة على وجنتي بالقرب من شفتي
هذه القصة، هي من تجعلني غارقا بهذه الأم البريئة و طفلتها
حمل الدفتر من بين يدي و شرد باوراقه التي كانت باهتة نوعا ما، لقد بدأ الزمن ينال منه بالفعل!
سأطبع نسخة منه،.
ضحكت بلطف على ملامحه الجادة...
هذا الدفتر هو أكثر شيئ يحبه ليوناردو من بعدي انا و ميلي
الدفتر الذي كتبته ميرنا من اجلي و اهدته لي في حفل زفافي انا و ليوناردو
كانت بداية هذه الرواية منه
و أعتقد ان الخاتمة، عليها ان تكون منه ايضا
أوليس هذا صحيحا؟
ماريا جيوفاني.
قبل الكثير و الكثير من السنوات...
الكنيسة.
فتاة صغيرة، في مكان بارد، وسط ثلوج ديسمبر الباردة و صقيع كاف بجعلها تبكي دون توقف
صوت بكائها الناعم قد شده
طفل لم يكن يبلغ من العمر سوى القليل، كان يجمع الحطب من اجل مدفئة الكوخ له و لجدته قد شده صوت البكاء الضعيف
و بهدوء تسلل لهناك
فوجد الرضيعة هناك دون أي معيل
كان سر اسطورة القديسة ماريا جيوفاني يكمن هنا
من صدفة كسرت لعنة خاف منها الجميع!
طفل انقذ رضيعة.
بقي معها في الكنيسة و اعتنى بها خفية عن عين كل بشري، قريب كان أو غريب
و مع مرور الزمن، اصبحت الرضيعة طفلة و الطفل مراهقا
و من ثم اصبحت هي صبية و هو شابا
و اصبح الفضول الذي قاد بالطفل للكنيسة حبا
و اضحت الرحمة التي بينهما اهتماما و هياما
و لم يعد المكان سجنا بل جنة احتضنت زوجا عاشقا.
و بعد سنين، اصبحت الكنيسة التي هربت منها ماريا جيوفاني مع عاشقها لمكان بعيد عن اعين كل متطفل لعين مكانا خلدت فيه فتاة مشؤومة لم يعلم احد عن قصتها مع رجلها ذاك
كانت هذه اسطورة القديسة ماريا جيوفاني
و هذه كانت انا
ماريا فيسكونيتي، التي كانت لها اسطورتها الخاصة ايضا مع عاشقها المهيب...