رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الرابع

رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الرابع

رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الرابع

لم يكن حبي لنيكولاس نابعا عن لاشيء، طبعا لم اكن أهتم بمظهره الذي كان وسيما بحق، و لا بمدى نبل عائلته او لأنه قريب لي.
احببت نيكولاس من اجل الاهتمام الذي كان يمنحه لي تحت قناع اسود.
خوفه، قلقه، غيرته، كلها ظهرت في أفعال لم يصرح بأنها من صنيعه...
اكان يخشى ان ارفضه؟
الم يرى ذلك الاعجاب و الحب المتلألئين داخل حدقتي؟!
كنت مغرمة به لأبعد الحدود...
لا ارى سواه في احلامي.

و في الايام التي اسرق فيها النبيذ من مخزن والدي اتخيله نائما بجانبي على الفراش يحتضنني، ملاح وجهه كانت باهتة بسبب كونه حلما لكنني اعلم أنه هو...
نيكولاس ابن خالتي الذي هواه قلبي منذ الصغر
و الذي اعتقدت أنه يراني كأخت له منذ الازل
هاهو يقف امامي الآن، يعترف لي بأنه يحبني!
ماريا اود ان اعترف لك بشيء
ابتسمت له بهدوء بينما دواخلي تبعثرت لما سمعت، بماذا سيعترف، باعجابه؟ بخطئ قام به؟
ماريا أنا،.

توقفت الكلمات عنده فعقدت حاجبي باستغراب
انت ماذا نيكولاس؟
اخذ نفسا عميقا و قبل أن يجيب اغمض عينيه باحكام، حسنا لما يبدو لطيفا لدرجة تجعل فيها حواسي مخدرة؟!
ماريا انا احبك
تجمدت الدماء بعروقي، اختفت تلك الابتسامة التي كنت ازين بها ثغري كما فتح هو الآخر عينيه يرمقني بتوتر، توتر اخفى تحته خبرا آخر.
حقا!
اجل اعلم، انا تافهة، لكن هذا ما استطعت نطقه تحت تأثير الصدمة.
ابتسم بحزن غريب و أكد ما نطق به.

انا عاشق لك ماريا، لطالما احببتك و لطالما كنت الفتاة الوحيدة التي تسكن كياني
كلماته اخترقت قلبي فحرقت كل جزء به، حريقا جعل من دواخلي دافئة بشكل لطيف.
ابتسمت برقة رغم احمرار وجهي، عيناي تلمعان ببريق حب طفولي كنت ادفنه داخلي منذ الطفولة و ها انا سأطلق سراحه أخيرا.
احبك ايضا نيكولاس، بل و اعشقك بكل مجارحي
كنت أتحدث و انا غير مصدقة، كافحت خجلي و احمرار وجنتي، لم آبه بقلبي الذي يدق بسرعة جنونية.

كل ما فكرت به ان اللحظة حانت اخيرا، ساعيش احلامي التي كانت بعيدة عن متناول يدي، ساحقق ما لم اكن قادرة على مواجهته.

لكن،
انتظرت انتهاء كلماته لولا ذلك الصوت الذي اخترق مسامعنا، و بينما كنت التفت ناحية مصدره كان نيكولاس يحدق بالارض و هو يشد على قبضتيه.
نيكولاس لقد بحثت عنك طويلا
شعر أحمر انسدل على كتفي المتحدثة، عينان محيطيتان، و ابتسامة ملائكية
ان صاحبة هذه المفاتن هي سبب قطع اهم لحظات حياتي!
توقف قلبي عن النبض و اختفى احمرار وجهي الى
درجة بدوت فيه شاحبة...

بحق الجحيم لما ذهبت له و شابكت يديهما و كأنهما عشيقان؟!
بالمناسبة آنستي الكونيتسة عيد مولد سعيد، لتعيشي حياة سعيدة مع من تحبين
من أحب هو من تعانقينه الآن و يبادلك بابتسامة مرهقة، من أحب هو من اعترف لتوه لي لكنني اكتشف الان اننا لن نكون لبعضنا...
شكرا لك آنسة،
راسيل، راسيل سانتيرا حبيبة نيكولاس
بلعت ريقي بصعوبة و حاولت ان ابتسم، ماذا يحدث، ما الذي تتحدث عنه هذه الفتاة؟!
سررت بلقائك حقا!

همست بنبرة مهزوزة أثر كتم غصتي، أشعر بانهيار عصبي حاد.
شعرت صاحبة الشعر الاحمر بوجود خطب معي و نظرا لعلاقتنا الجديدة لم تشأ ان تتدخل فيما لا يعنيها.
والدتك تناديك نيك
اومئ الشاب و هو يبتسم لها قبل أن ينظر لي...
بشفقة!
أراك بالجوار ماريا
و بهذا سحب حبيبته و تركني هناك، محطمة بعد ان اعتقدت ان قلبي ترمم، راكدة بعد اعتقادي انني صرت احلق...
ليته لم يقل لي شيئا!
ليتني علمت أنه مرتبط و فقط!

اما الان فها انا سأجرح نفسي آلاف المرات بالتفكير، اتخيل أنه احبني و اننا ثنائي عاشق...
اكرهك
همست و الدموع غلفت عيني، لا زلت لا أصدق ان كل هذا حدث منذ ثوان فقط
اكرهك نيكولاس، لا اطيقك!
صرخت حتى شعرت بحبالي الصوتية تتقرح، لحسن الحظ ان قاعة الحفل بعيدة عن الحديقة بأميال و الا لكنت الآن بمثابة كيس ملاكمة لوالدي.
انهرت ارضا اعتصر العشب الاخضر بأناملي، ابكي خيبتي و انا اناظر النجوم...
اهذه نهاية احلامي؟

اهذا هو سد واقعي و خيالي؟
هل نسيت انني اعيش بوهم و لهذا صدقته؟
تشربين؟
تجمدت مكاني أثر الصوت الذي اخترق مسامعي، رفعت جفني بهدوء فقابلت وجهه، الشاب الغريب
سيدي الدوق؟!
مسحت دموعي و حاولت الوقوف غير ان جلوسه بجانبي منعني عن ذلك، كان يحمل كأسا واحدة من النبيذ المعتق و يرتشف منها بين الفينة و الاخرى.
اتساءل عم ماذا كان سيفعل لو اخبرته انني اريد أن اشرب.
هل تريدين الشرب؟
كلا.

اجبت باختصار و حاولت مسح دموعي الحارقة و لم يوقفني عن ذلك سوى صوته الهادئ و هو يحدق بكأس شرابه.
ماذا فعل كي يغرق كتلة ثلج في دموع مالحة تقتلها؟
لم اجب، يستحيل ان أقول له بأن ابن خالتي اعترف لي بحبه و اكتشفت في نفس اللحظة ان له خطيبة.
عندما أتحدث عن الامر بيني و بين نفسي اشعر بالقشعريرة فماذا عن البوح به لشاب لم التقه سوى اليوم.
لست كتلة ثلج ايها الدوق.

كان هذا اول ما خطر ببالي كي اغير الموضوع و أعتقدت انني نجحت حينما واصل مناقشتي
من لا تذرف دمعة طوال فترة تعذيب والديها لها تكون كتلة ثلج كونتيستي الصغيرة
للحظة تناسيت تلك الخيبة التي أشعر بها و اقشعرت اوصال جسدي، لا أحد يعرف عن كره والدي لي
من أين تعرفني؟
ابتسم بخفة، لا اعلم لما بدت لي ابتسامة مجنونة نوعا ما!
فلنقل انها الصدفة
اكتفيت باجابته هذه، لا اود ان اكتشف شيئا آخر في الوقت الحالي.

كانت دموعي قد جفت في لحظة صمتنا تلك، حلمي الذي بنيته منذ سنوات طفولتي تلاشى منذ دقائق فقط، لا أصدق انني سأتزوج بعد سنتين من رجل لا أعرفه هذا ان لم يكن بعد شهر فقط...
سيريد والدي أن اتخلى عن اسم العائلة كي لا ارث شيئا، سيجبرانني على التزوج من اول شخص يتقدم لي و ترك منزلي و اخوتي و كل شيء.
التفكير بالامر لوحده يجعلني ارتعش بخوف.
اكنت تحبينه لهذه الدرجة؟
لا اعلم ان كنت اتوهم فقط ام نبرته كانت مظلمة.

اخترت الصمت جوابا فلا كلام أستطيع ان اعبر فيه عن ما يجول بخاطري، خصوصا امام الدوق المستقبلي للمدينة!
لقد تركك لوحدك رغم أنه يحبك، اختار ارضاء عائلته على جعلك ملكا له، الا زلت ترينه رجلا رغم كل هذا؟!
كرهت نفسي لانني غضبت، لم تعجبني الطريقة التي تحدث بها عن نيكولاس رغم ان ما قاله صحيح.
الامر ليس كذلك
نطقت بصوت هادئ بدى فيه بعض البرود و قد رد على بنفس نبرتي
كلانا يعلم أنه كذلك كونتيستي.

بلعت ريقي أحاول كتم مشاعري قدر الامكان، أشعر بحرقة في معدتي.
ما الذي تريده مني؟
نظر لي بعمق يقرأ ما افكر به، لا اعلم لما يبدو محيطا بكل ما هو متعلق بي.
اريد مساعدتك، فلتنتقمي منه لجعلك حزينة، انت لست لعبة كي يفعل بك ما فعله.

بعيدا عن أنه علم عن قصتي انا و نيكولاس معه حق فيما يقول، لقد لعب بي، اخبرني أنه يحبني ثم ظهرت فجأة تقول انها حبيبته، تلاعب بمشاعري لكن، مع هذا لازلت أحبه و هذا يجعلني احتقر كل خلية بي.
و ماذا أستطيع ان افعل
خرج حديثي تذمرا اكثر منه سؤالا لكن ابتسامة الجالس بجانبي جعلتني ادرك أن هناك ما يجول بباله.
سأساعدك حلوتي،
حسنا لما أعتقد أن المساعدة التي يتحدث عنها ستنتهي نهاية مفجعة؟

ارتديت فستاني الاخير بكسل شديد، أشعر بخمول سببه بكائي و كآبتي و لولا اصرار الشاب على الانتقام لكنت الآن نائمة و ليفعل والدي ما يشاءان بي لاحقا.
تنهدت قبل أن أفتح الباب متجهة بخطى هادئة الى العلية كما طلبت مني عمتي قائلة انها تعود مشاركتي شيئا ما.
دققت الباب و لم تكن الا ثانية حتى نطقت بصوت مبتهج
ادخلي عزيزتي!
نفذت طلبها و انا اكابر على نفسي لرسم ابتسامة صغيرة على وجهي.
جميلتي قد كبرت سنة أخرى!

نطقت عمتي بتأثر كبير فاقتربت منها احضنها بلطف، و بينما كانت تربت على ظهري بسعادة كنت اشد على عناقها استمد بعض الحنان المفقود.
فلتعيشي حياة حلوة ماريا
لا أعتقد أن هذا سيحدث لكن...
شكرا لك عمتي
ابتعدت عني العمة ايزابيل قليلا قبل أن تستدير لتلقط صندوقا من المنضدة قرب كرسيها المتحرك و تزامنا مع مدها لي ما تحمل تحدثت بإشراق
هذا لك، اتمنى ان يعجبك!

فتحت الصندوق فقابلتني سترة بيضاء اللون من الواضح انها حاكتها بيديها...
انظري لقد جرحت اصابعي كثيرا كي تكون بهذا الجمال عليك ارتداءها مع فستانك الاحمر كي لا تصابي بالبرد!
اهتمامها هذا جعل من دواخلي ترتعش، ارتديتها فوق الثوب كما طلبت مني و عيناي محمرتان أثر الدموع التي تحجرت داخلها.

كانت بالكاد تصل الى خصري، كنزة صوفية جميلة تماشت بشكل رائع مع الفستان النبيذي، خالجتني مشاعر كثيرة، و لم تدفعني سوى لذرف مزيد من الجواهر.
شكرا لك عمتي، أنه رائع
شكرتها من قلبي و عدت احضنها لعل حضنها يخفف عني بعض الألم.
تعرفين ماريا
همهمت لها انتظر ما ستقوله
أشعر انك ستلتقين بنصفك الثاني اليوم
وسعت انظاري و ابتعدت عنها ارمقها بصدمة، لما فجأة صارت تتحدث عن نصفي الثاني؟
ماذا؟

ابتسمت لي بمكر تنقر كتفي بكتفها.
هياا انت من اخبرتني انك سترقصين مع من تحبين
شعرت بنغزة في قلبي أثر حديثها و مجددا اصطنعت ابتسامتي
لا أريد أن ان اخبرها بما حدث الآن
ربما، من يعلم!
لابد و ان العمة ايزا استشعرت وجود خطب ما إلا أنها لم تفصح عن الامر
ودعتها بقبلة على وجنتها ثم عدت ادراجي متجهة الى القاعة الرئيسية.

في عيد الميلاد الذي تفصح عنه العائلة المعنية بوجود فتاة في عائلتهم تختفي المحتفل بها بعد العشاء و عند قرع الاجراس تفتح البوابة الكبيرة و تنزل الفتاة الدرج و تبدأ الفرقة الموسيقية بالعزف و تزامنا و وصول الفتاة الى آخر الدرج يتقدم منها شاب من المدعوين ليعرض عليها الرقص و بهذا تكون اول خطوات استعراضي كدمية للزواج قد تمت حسب تفكير والدي.

عندما وصلت الى البوابة ازدادت حرقة معدتي اكثر و روادني غثيان غريب، نعم انها اعراض نوبات القلق عندي.
صحيح انني كتلة ثلج كما وصفني الدوق الا انني عانيت من نوبات قلق مضبوطة الشدة، هذا انني كنت محاطة بإخوتي على الدوام و ميرنا و عمتي و ايضا، لكن الآن لا أحد يعلم عن ما يعتصر قلبي سوى شاب مخيف و مجنون.
و بينما كنت شاردة اخترق مسمعي صوت رنين الاجراس الوقور معلنا ان الوقت حان أخيرا.

فتح الخدم البوابة و بأناملي رفعت أطراف الفستان اسير بخطا متزنة عبر الدرج، القاعة مظلمة تزينها انوار خافتة الشدة، لقد افرغها الخدم من كل الطاولات الا واحدة وضعت بها مختلف المقبلات و كعكة ضخمة الحجم لتقسيمها بعد الرقصة.
جميع الاعين حدقت بي، منها من استحسن حسني و رقته و منهم من يتمنى ان يدفعني من الدرج و يتخلص من وجودي، كوالدي!

خطوة بعد خطوة، اراقب جميع الوجوه فلا اجد منها ما يجعلني أشعر بالأمان، اهذه ستكون نهايتي؟
ان تتزوج شخصيا يطمع بأملاك جدي و هو لا يعلم انني و بتغيير كنيتي لن يحلم بفلس واحد؟
كنت قد اقتربت من الدرجة الاخيرة عندما تلاقت عياناي بعيني نيكولاس، كان ينظر لي بابتسامة حزينة و كأنه يشفق على حالي، شعرت بآلاف السكاكين تطعنني ما إن لاحظت راسيل التي التصقت به، تهمس له بابتسامة رقيقة و هي تنظر لي بلطف.

أشعر بتأنيب الضمير لانني اكرهها رغم انها تبدو حسنة القالب.
استفزتني رؤيته هناك، يبتسم لها و يكذب عليها و يحطمني انا بكذبه، استفزتني رؤية الشفقة في عينيه و كأنني انا من اعترفت له فرفضني هو...
استفزتني رؤية خالتي تهمس لامي بكلمات تنتقد فيها كل شيء يخصني...
استفزتني ابتسامة والدي و هو يتحدث مع رجال العائلات عني و كأنه يعرض دمية في سوق شعبي...

حتى جدي، شعرت بالسوء لأنه وقف ساكنا هناك يناظرني بهدوء و كأنه لا يعلم ما يجري.
و شعرت بالسوء لانني لا اقدر على فعل شيء و حالي من حال اخوتي.
شعرت بفقدان الشغف و ان حياتي اضحت من دون معنى...
لا هدف لي بالحياة...
لا حلم...
لا شيء...

وصلت لآخر الدرجات و بدل انتظار احد الشباب الذين ينظرون لي بخبث واصلت الطريق لمنتصف الساحة، لا اعلم لما لكنني فقط لم اتحمل ان اقف هناك و انتظر هناك كعديمة الكرامة شخصا يلتقطني...
انا ماريا فيسكونتي...
لن يجرأ احد على اهانتي مهما كانت نتيجة افعالي.
وقفت في منتصف القاعة و لم تكن الا ثانية حتى انحنى امامي...

يرمقني بابتسامة جانبية جعلتني ابادله، ليس لاعجابي به بل لانني رأيت اعجابه بي، عيناه التي لمع فيهما شيء غريب يطلعني انني قمت بشيء
جيد يستحق التصفيق.
انحنى امامي يمد لي يده و بهدوء عكس اضطراب دواخلي شابكت اناملي بخاصته و بهذا تغير ايقاع الموسيقى لآخر.
حركة رائعة
همس لي و هو ينحني امامي كما تقوم الرقصة، كنت اقف امامه بانتصاب اشابك يدي خلف ظهري.
لست الفتاة التي تنتظر شخصا ليحويها.

اجبته بهدوء و انا انحني ممسكة أطراف ثوبي، كنا قد احطنا بمجموعة من الثنائيات و قد شعرت بالغثيان حالما لاحظت ان ابن خالتي و حبيبته قد انضموا الرقصة...
حزينة؟
ابعدت ناظري عن نيكولاس و ركزت بمقلتيه هو، يدي اليمنى عانقت خاصته و ها نحن نخطو على شكل دائرة كما يفعل باقي الازواج.
بل غاضبة، أشعر أنني تعرضت للاهانة
بما أنه يعرف ما حدث فما الداعي للكذب؟
الغريب في الامر انني وثقت به.
و تريدين الانتقام.

كان هذا استنتاجا اكثر من ان يكون سؤالا، فتحت عيني بوسعهما عندما عانق خصري بقوة و وضع ذقنه فوق فروة شعري، شعرت بتوتر بالغ و انا احيط عنقه بيدي، لابد و انا وجهي كحبة طماطم الآن.
ما الذي تفعله؟
همست بصوت مرتبك، كان يراقصني بمهارة، ليس و كأنني غافلة عن الرقص لكن يستحيل ان آخذ راحتي مع شاب غريب عني.
انتقم لك منه
و كيف هذا؟
لست غبية، اعلم أنه يحاول إثارة غيرته لكن فقط أردت سماع وجهة نظره.

هو لا يستحق نظرة منك، انت لست ملكا له و لا يحق له أن ينظر لك حتى، فلتبتسمي لي و كأن لاشيء قد حدث و ان تجرأ و تحدث معك فسيجد نفسه في عداد الموتى كونتيستي الصغيرة
رفعت رأسي عن صدره و نظرت له باستغراب كبير
لما تهتم بي هكذا؟ من أين تعرفني و انا لم ارك مرة واحدة في حياتي؟ و بأي اسم تقف الى جانبي الآن و تهدد ابن خالتي بالموت؟
ارتعشت اوصالي من ابتسامته المجنونة و هو يجيبني.

اعلم عنك ما لا يعلمه احد، احفظ تفاصيلك كما لم يفعل اي انسان من قبل، حتى ما تهمسين به لنفسك في الليالي أحيط به علما كونتيستي الصغيرة
بلعت ريقي و اومأت له انهي هذا النقاش، لست مستعدة بعد لخوض هذا النقاش معه.

تركنا الحديث جانبا و ركزنا برقصتنا، كنت انظر له بملامح ضائعة و هو يناجي روحي بنظارته العميقة و ابتسامته الجانبية، اشعر بدقات قلبي تتسارع كلما اقتربنا من بعضنا و هذا ما كان يحصل اغلب الوقت، لم يكن يضيع فرصة ليحشرني داخله.
كلما وجدت نفسي احدق بنيكولاس و راسيل اجده يسحبني لاحضانه بقوة.
كانت ميرنا تراقص ابن عمها الآخر، توأم من يرقص معي، ملامح وجهها غاضبة عكس ايدواردو الذي يبتسم بمرح...

لابد و أنه يستفزها!
جوليان و ماريوس يقفان امام طاولتنا يراقبانني باعين مشتعلة من الغيرة بينما ايريك يحاول قدر المستطاع امساكهما و الا لكانا هشما كل خلية براس من يتشبث بي.
حسنا لدى اخوتي الثلاثة متلازمة الغيرة الاخوية الزائدة.
ابتسمت بلطف أحاول اخبارهم انني بخير لكن هذا لم يحسن شيئا، تنتظرني ليلة طويلة من التحقيق.
عند آخر مقطع من الموسيقى افلت سراحي و لم يعد يمسك الا باحدي يدي.

حسنا لا أريد أن أكون درامية لكن هل تعمد امساك يدي السليمة كي لا يؤلمني؟
بعد ثانية من افلاتي عاد يسحبني اليه، و هذه المرة احاط خصري بيد و ظهري باليد الاخرى، و شددت انا على ذراعيه.
توقفت الموسيقى و توقف الجميع عن الرقص و بقينا نحن على وضعيتنا تلك، شعرت بالصدمة تشل اطرافي حالما سمعت صوت التصفيق الحار.

استقمنا بهدوء، و اقصد انه هو من استقام بهدوء اما عني فقد فاق خجلي ارتفاع السماء ابتسم لي و بين على شعري بكل جرأة مردفا.
كنت رائعة كونتيسة ماريا
رفعت حدقتي له و نبست بهدوء خلفه ارتباك كبير
و انت ايضا دوق ليوناردو
رفع حاجبيه و ابتسامته تلك لم تختفي.
ذكية!
ابتسمت له بهدوء، انحنينا لبعض مجددا ثم اتجه كل منا الى طاولته، لاحظت ان والدة ميرنا تناظرني بشيء من العداء لكنني لم أهتم، ليس و كأنني سأعيش معها!

يا فتاة ما الذي حصل بحق اللعنة؟ لما رقصتي مع ليوناردو بدل نيكولاس! و لما هذا الاخير يرقص مع تلك الحمراء؟
ابتسمت ما إن تأكدت انني اصبت التخمين، اسمه ليوناردو، الاسم الذي كان سيمنحه والدي للطفل الرابع و بدله جئت انا.
انها قصة طويلة ميرنا سأرويها لك لاحقا
اصبحت معالم وجه صديقتي فارغا ما إن سمعت ما قلته و لم تتوانى عن اجابتي بعصبية.

يااا ماريا بسبب ما حدث خسرت الرهان و رقصت مع زير النساء ذاك اذا فسري حالا ما حدث
تنهدت بيأس، هذه الفتاة في عالم آخر تماما!
ماريا، حان وقت تقطيع الكعكة اسرعي!
كان هذا والدي الذي شفت ابتسامة السعادة وجهه، لابد و ان رقصتي مع الدوق المستقبلي راقته!
اخذت مناداة والدي لي حجة للتهرب من ميرنا و سرت الطاولة الضخمة متمنية ان تنتهي هذه الليلة بسرعة.

اجلس في غرفتي التي يسودها الظلام، امسك بين يدي تلك القلادة، القلادة التي كانت هدية من نيكولاس، اناظرها بشرود، لطالما كنت فضولية عن ما يوجد داخل القلب، لطالما تسللت لغرفة نيكولاس بحثا عن مفتاح القفل لكنني لم اجده...
أعتقد أن هذه القلادة ستظل رمزا على قصة حبي الفاشلة...
لن اجد لها حلا كما لم اجد نهاية لقصتي...

تنهدت و حملت القلادة اشد عليها بقوة، سأتخلص منها كما سأتخلص من أصغر ذرة حب احملها داخلي اتجاه نيكولاس...
فتحت النافذة مغمضة العينين، انا لا ابالغ حين أقول ان هذه القلادة عنت لي مستقبلا بأكمله.
رفعت يدي أستعد لالقائها بعيدا، نافذة غرفتي تطل على الغابة الكبيرة لمدينة فلورانسا، و ما إن عزمت على رميها فتحت عيني و...
تجمدت في مكاني بدهشة لما كان موضوعا فوق رخام النافذة.

صندوق صغير دموي اللون، مزين بشريط اسود اللون بطريقة فخمة و قد علقت عليها بطاقة ذهبية.
فتحت البطاقة اولا اقرأ كلماتها بهمس و كأن كاتبها بجانبي.
لكل قصة شخصية...
و لكل قفل مفتاح...
و لكل سؤال جواب...
و لكل عقدة حل...
و لكل داء دواء...
و لي انا انت...
انت شخصيتي، مفتاحي، جوابي، حلي، دوائي...
انت لي
peque?a condesa
كانت آخر الكلمات باللغة الاسبانية، لم يبدو انها اسم المرسل لكن لما فكرت به هو...

لا أعتقد أن نيكولاس سيهديني شيئا ما بعد نظراتي السامة له.
فتحت العلبة بعد ان جلست على سريري فتجمدت اوصالي و خفق نابضي بشدة...
أنه مفتاح القلادة.
مهلا لحظة!
الم يكن نيكولاس هو صاحب القلادة التي بين يدي الآن؟!

مااارياااا لا أصدق لا أصدق لا أصدق!
سيتحقق حلمك يا فتاة!
صرخت ايليت بحماس ما إن اخبرتها عن ما حدث اليوم في المدرسة، لقد صرنا صديقتين مقربيتن، انها لطيفة و من النوع الخجول و البريء، انها مناسبة لايريك!

مرت خمسة أشهر على عيد ميلادي و من يومها لم التقي مطلقا بليوناردو، علمت عن الطريق الصدقة ان راسيل ابنة رئيس مقر الشرطة، و تنحدر من عائلة مترفة النبالة و الثراء من مدينة نابولي و حاليا يستعدون لطلب يدها من اجل نيكولاس.
تتساءلون عن ما وجدته داخل قلادتي صحيح؟
حسنا ساخبركم!
وجدت خاتما، خاتم زواج خاصا بالرجال.
من المجنون الذي اهداني خاتم زواج في عمر السابعة؟!

دخلنا متجرا آخر لكي نبتاع بعض الخضر، لقد ارسلني ايريك معها لنشتري الاغراض اللازمة للمطبخ، ايليت لا تحب الخروج معه خوفا من ان يكتشف احد أن ايريك يحبها و لا ترضى بالخروج رفقة حارس، مثلي!
و لهذا وجد اخي أنه من المناسب ان يرسلنا مع بعضنا التسوق.
اعلم ان هذا رائع لكن والدي! يستحيل ان يقبل بالامر.

تنهدت و انا اصرح بالامر، تركت ايليت حبتي الطماطم التي كانت تحملهما بين يديها و نظرت لي بابتسامة جميلة مشعة بالأمل.

تستطيعين اقناعه، اخبري اخوتك أولا و متأكدة من انهم سيقفون بصفك! سنجد حلا لا تقلقي، كما ان العزف على البيانو موهبة لا يحصل عليها الكثيرون لا يجب عليك أن تضيعي فرصة كهذه، حسب علمي معهد الفنون بمدينتنا مشهور جدا و يزوره اشخاص من مختلف دول العالم، قد تصادفين احد الفنانين هناك و تذهبين لمكان آخر!
باريس ربما؟!
ابتسمت لها و اومأت بسعادة، لن أكذب لقد اقنعتني!

فلننهي شراء الاغراض و لنعد، هناك حديث شيق لاخوضه مع السيد و السيدة فيسكونتي!
هتفت بحماس و انا اصفق بسعادة.
معهد الفنون...
انا قادمة...

نتحدث بابتسامات واسعة، عائدتين للمنزل بعد تسوق دام لازيد من نصف ساعة، تحمل كل واحدة منا مجموعة من الاكياس السوداء التي تحتوي ما ابتعناه من اغراض.
ماريا!
نطقت ايليت بصوت متفاجئ ما جعلني التفت الى الامام ناحية قصرنا، رفعت احد حاجبي باستغراب ما إن لاحظت تلك السيارات السوداء عند المدخل الكبير، ماذا يحصل؟

اقتربنا اكثر و مبتغانا ان نسأل الحارس عن هذا الزائر الذي جاء بخمس سيارات لكننا تجمدنا عند رؤيتنا له مرميا على الارض بينما قد احترقت رصاصة كي كتفه.
سيدي!
انحنت ايليت له محاولة ان تساعده بينما كنت انا اكافح كي لا اتقيء بسبب منظر الدماء.
هذا مرعب!
آنستي، ال، المنزل، اي، ايريك، آنس،.

لم يستطع الرجل ان يتحدث بطريقة صحيحة أثر الألم الذي شله، لكن ما فهمته انه على الاسراع الداخل، لحقت بي ايليت و هي تركض كما افعل، سماع اسم ايريك جعلها تخرج عن طورها.
فتحت الباب و ركضت اتتبع الدماء التي امتزجت بخطوات الاقدام المرسومة بالطين...
وقعت الاكياس التي كنت احملها عندما وصلت للردهة الواسعة أين التقت عينانا مجددا...
كان هو...
بنفس الابتسامة...
و نفس الملامح المجنونة...

اهلا بك مجددا، كونتيستي الصغيرة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب