رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الرابع عشر
قبل خمسة عشر سنة
كانت مجرد فتاة صغيرة
فتاة متهورة حلمها الوحيد التحليق بجناحين منفردين في هذا العالم الواسع و عيش تجربة خطيرة...
و لم يكن هناك اسم يناسب ما تريد ايلين دا?ين عيشه أكثر من اسم الحب!
و بالفعل شاء قدرها ان تقع في حب شاب لطيف
شاب مختلف عنها حد الجحيم
لكنه كان اقرب لها من الوتين
فريدريك اورسيني!
ابن دوق المدينة و الذي شاركها الجلوس في مقاعد الكنيسة التي كانت تردد عليها لتصلي للرب لربما استطاعت الوصول لمرادها
الوقوع في الحب؟
سألها فريدريك مستغربا حلمها
لا مستنقصا و انما متعجبا!
و لم يجدها إلا و هي تطرح انفاسها و عيناها تلاحقان لهيب الشمعة الموضوع حولهما في أرجاء الكنيسة الفارغة
اجل الوقوع في حب شاب...
شاب يحبني و أحبه
يكترث لأمري و يستعد لدفع العالم ثمنا لسعادتي!
هي و بكل براءة حادثته.
غير مدركة ان الواقف بجانبها يكون زوجها الذي سيدفع بها ثمنا من اجل راحته
و ماذا عن الوقوع في حبي؟!
هو استفسر منها بابتسامة هادئة
جعلت من قلب الأخرى يقرع طبوله احتفالا بتحقق مرادها...
الم تطلب الحب!
هاهو استجاب دعاءها و حقق الرب ارادتها
و لكن و كما يعلم الجميع
البدايات ليست إلا لمس قطن يخبئ خلفه امواجا ضارية من السموم
رفض الأب أن يزوج إبنته لابن الدوق
و رغم حزن ابنته كان شعور الحذر الغريب يساوره.
إحساس الأب لا يخطئ ايضا أوليس هذا صحيحا؟
تضاربت الأراء في منزل الصغيرة ايلين
منها من دعمت قراره و فائدته آملين
و منهم من رأى أن الخير ليس في أمثال فريدريك المتخاذلين
من ذا الذي كان قادرا على رؤية المستقبل
من ذا الذي كان قادرا على توقع الكرب
و ما كان سيحصل لايلين في ذلك البيت من حرب؟!
بعد شد و رد
أخيرا وافقت العائلة تزويج ابنتهم من فريدريك الإبن الثاني لدوق فلورنسا بكبرها
و الذين طلبوا تفادي اقامة أي حفلات.
و رغم شرطهم الذي جعل من مشاعر العائلة الفقيرة مغتاضة إلا أن الزفاف البسيط تم
كانت فيه ايلين فتاة أشرقت سعيدة
فهاهو حلمها تحقق و أضحت في غياهب الحب شهيدة
كان شقيق فريدريك متزوجا
قصة حبه لم تكن تختلف كثيرا عن باقي قصص الحب
أحب ابنة إحدى العائلات الفقيرة
و لم يستطع أحد ردعه عن اتخاذها زوجة له
إعتقد أندريه و ايلين أنهما عاشا حياة ختمت بالنهاية اللطيفة.
لم يدركا أن هنالك مياها سامة تجري تحتهما دون أن يعلما عن أمرها
بعد سنة من الزواج رزق أندريه و زوجته جيانا بتوأم
ليوناردو و ايدواردو اورسيني
التوأم الذي كان بالنسبة لأندريه رحمة من الرب
في حين كان بالنسبة لجيانا عذابا على ما اقترفته من خطأ
أما عن ايلين المسكينة
فكانت التعاسة قد استعمرت قلبها الدافئ
فريدريك الذي اعتادته شابا ضاحكا إستولى على نور روحها يدنسه بقوانين صارمة
لا تأكلي هذا
و اشربي ذاك.
لا تضحكي مع أي كان
و إياك و ارتداء ذلك الفستان
آلاف و آلاف من القواعد دون الأسباب
لم تستطع ايلين تجاوزها
فالقائل زوجها
و عائلتها عائلة محافظة متشددة
لا تفهم معنى أن تكون المرأة مطلقة او متحررة
عاشت ايلين مستاءة
و لم تجد أفضل من أندريه تشكوا له همها
و هذا الأخير لم يكن بحد ذاته يعلم عن العذاب الذي كان يعيشه أطفاله
زوجته تلك لم تكن إلا شيطانا دنس براءة صغاره
من ضرب و عقاب.
كان ايدواردو و ليوناردو طفلين لم يكشف أحد عن جراحهما
عن مدى احتياجهما لمن ينقذهما
و في أحد الأيام الممطرة
علمت ايلين عن حملها
و لم تسعها الدنيا من غبطتها
فرغم كل شيء الأمومة حلم لطيف و قد يصفح عنها فريدريك فلا يطبق عليها أفكاره المجنونة
جهزت حفلة لطيفة في غرفتهما و انتظرت طويلا المسمى بزوجها
ذاك الذي كان منشغلا بتقبيل زوجة اخيه مستمتعا بخطيئته
لا يعلم عن تلك العيون الصغيرة التي تراقبه بشرود.
ايدواردو صاحب الثلاث عشر سنة و الذي بخطئ منه أصدر صوتا جعل من والدته و عمه ينتبهان له
اظلمت عيون الأم سخطا
و طلبت من فريدريك المغادرة حالا
فعقاب ابنها الصغير قد حان آنيا!
لم تبالي لصراخه فلا أحد هنا لإنقاذه
و جناح اندريه عازل الصوت
بحزام جلدي راحت تزين جسده بعلامات جرحت روحه البريئة قبل جسده
كان ضربها شديدا
أكثر من ما اعتاده طفلها
الغضب أعماها
و الخوف تآكل داخلها
فماذا لو علم آندريه بخيانتها.
كان الطفل يصارع الموت
ايدواردو لم يعد قادرا على تحمل ما حاكته والدته له و لهذا أمسك بقدمها يسحبها علها تتوقف عن ايذائه
و بحركته تلك هو أدى لوقوعها هاربا من تلك الغرفة بسرعة
و لشدة سرعته لم ينتبه لاصطدامه بأخيه
الذي تجمد في صدمة لمنظر شقيقه المشوه
ليوناردو لم يكن بالطفل الطبيعي
فالعذاب الذي تلقاه في مختلف تطور عمره كان سببا في جعله يتأكد من وجود خطئ به
فقد قلبه
و تحجرت مشاعره.
و لم يكن السبب إلا من كان عليها ان تكون مصدر الحنان
جيانا؟
سأل أخاه ببرود يتحقق من هوية الفاعل و الصغير همس ببكاء
لق، لقد قبلت عمي، هي، هي تخ، تخون بابا
ركض للغرفة فوجد والدته تلعن بغضب تتفقد ظهرها إثر سقوطها
حمل المقص و خطى حتى وقف امامها
ناظرته بابتسامة متسعة
بدت للآخر مقرفة
ليوناردو، أسدي اللطيف، أنت لم تسمع شيئا مثل أخيك أليس كذلك
ابتسم لها بدوره
ابتسامة صغيرة
بالكاد ترى
أراد أن يرسلها للجحيم مبتسما.
و أن يكون آخر ما تراه عيناها وجهه هو
هو الذي سيسترجع حقه و حق أخيه
هو من سيسترد ثمن خيانة والده
هو وحده من سيفعل
أمي خائنة
رفعت حاجبها تنوي نهره بقوة
إلا أنها وسعت حدقتيها بقوة حينما اخترق ذلك المقص جنبها
ألم تفعل هي نفس الشيء
ألم تطعن حب و ثقة والدهم
ألم تخيب ظن اطفالها بها
بسببها ليوناردو لم يعد قادرا على الابتسام
و بسببها كان ايدواردو يخشى النوم فالكوابيس كانت تعني له الآلام.
طعنة و ثانية و ثالثة على التوال
و مع كل طعنة راح يذرف دموعه بصمت تام
هو انتقم لنفسه
انتقم لشقيقه
لوالده
لايلين
و لطفلتها الصغيرة التي لم ترى نور الحياة بعد!
صوت الرنين المزعج لم يتوقف أبدا، و ذلك ما جعل جفنيها ينقبضان بانزعاج، شيئا فشيئا بدى ألم رأسها احساسا لا يطاق مطلقا و هذا جعلها تتنهد بأسى
و لم يستغرق الأمر طويلا لتشعر بقساوة الأرض التي كانت تنام عليها، بحثت في ذكرياتها عن آخر ما حدث
كانت تحاول تذكر ما جرى و هي تدعك رأسها بأناملها مغمضة العينين علها تخفف من حدة الصداع.
كانت في السوق مع ماريا و راسيل، ماريا أغمى عليها و هي أسرعت بها رفقة راسيل للمشفى، و، دخلن معها رفقة الطبيبة الى غرفة العلاج، و من ثم، هنا هي لا تتذكر شيئا، فقط الظلام!
فتحت مقلتيها بسرعة، كانت ملقاة على أرضية باردة و لم تختلف الصهباء عن حالها، يبدو أنهما في مخزن و ذلك الرنين، إنه هاتف!
هاتف ماريا!
أسرعت بالبحث عنه في حقيبة صديقتها و نبضات قلبها تتسارع.
أين هي ماريا؟ و لما هي محتجزة هنا رفقة راسيل؟ و ما الذي حدث و لما لا تتذكر؟
آلاف من الأسئلة غزت ذهنها و هي تبحث عن الهاتف الذي توقف عن الاهتزاز معلنا نهاية الاتصال و ما إن طالته أناملها حتى عاود إصدار أصوات تعلن ورود اتصال جديد
شيطاني الحارس
رغم أن الوضع لا يسمح بذلك إلا أن ميرنا اظهرت شبح ابتسامة على وجهها قبل أن تجيب
ليوناردو
ما كانت لتنهي جملتها حتى سمعت صوت إبن عمها يهتف بعصبية.
ما الذي يحدث، أين انتن و لما لا تجيب ماريا، بحق الرب إنها المرة الخامسة و الخمسون التي أتصل بها
هو لم يبالغ بالفعل لقد كانت خمسا و خمسين مكالمة فائتة جعلت من نيران القلق تعصف داخله ما جعله يترك اجتماعه من أجل البحث في أرجاء المجمع التجاري دون جدوى
هو لم يجدها
و شعور سيء يداهمه حيال هذا الغياب
ليوناردو، انا،.
ميرنا التي لم تعلم ما تقوله جابت انظارها في انحاء المخزن المظلم، لم تجد من الكلمات ما يسعفها لاطلاعه عن خبر مفاده أنها اضاعت ماريا و هي محتجزة بمكان مظلم نوعا ما
ما الذي ترينه، أخبريني فقط ما الذي ترينه ميرنا
سألها بهدوء يحاول ضبط نفسه، هو أدرك أن الأمر كما توقعه تماما...
أمر سيء يجعل من قلبه يقرع بصخب!
نحن بمكان مظلم انا و راسيل، هي مغمى عليها و انا استيقظت منذ ثوان.
قبض على يديه حتى ابيضت أطراف أصابعه، و بنبرة هادئة حافظ عليها بصبر لم يعلم مصدره واصل كلامه معها
ماريا ليست معكن
بلعت ميرنا ريقها و هزت رأسها للجهتين و كأنه قادر على رؤيتها حقا، الدموع زينت عينيها العسليتين
ك، كلا، لقد أغمي عليها و نحن في السوق و احضرناها للمشفى و، عندما دخلنا رفقتها للغرفة، الممرضة، انا لا أذكر ما حدث.
وجهت ناظريها لراسيل التي أنت بألم تمسح على وجهها و لم يكن السبب سوى الصداع الذي قلت حدته بالنسبة لميرنا
حاولي النظر جيدا حولك، هل لازلت في المشفى؟
انصياعا لما طلبه منها هي وقفت تتفقد الأرجاء حولها، المكان كان متوسط الحجم رميت به بعض المخلفات التي راحت ميرنا تبحث فيها علها تدرك أين هي بالضبط
أعتقد اننا بمخزن ما للادوية و المحاليل، هناك ادوات تنظيف، كراس محطمة، يبدو كمكب ليوناردو.
تحدثت و هي تقلب في ما يحيط بها و قد كانت راسيل تنظر لها بقلق واقفة...
ما الذي عليها بالضبط ان تقوله او تفعله في موقف هي به
ميرنا سأرسل ايدواردو للبحث عنكما، لا تخافي صغيرتي حسنا
و مجددا عادت تومئ برأسها و كأنه معها
ح، حسنا لكن، ليوناردو هل، هل ماريا بخير؟
سؤالها جعل من فياضانات مرعبة تتحرك بداخله، هل حبيبته الصغيرة بخير؟ هل زوجته آمنة؟
لن يجرأ أحد على أن يمسها بسوء، سأسلب روح من يلمس شعرة من الكونتيسة.
كونتيسته بخير، و لن تكون إلا هكذا لأنه هنا، من أجلها!
هناك من يريد لقائك سيدي
بصوت هادئ انتشل المساعد ايريك من غفلته، رفع هذا الأخير رأسه قبل أن يعطي إجابة صامتة بالايماء، و بالفعل غادر مساعده يعطي الإذن لمن جاء في زيارة قصيرة...
مرحبا
صوتها الذي جعل من قلبه ينقبض و حدقتيه تتجهان لها ببطئ لم يكن مصدره سوى دهشته التي اخفاها بإتقان
آمل، أنني لم أقاطعك عن عملك
تجاوز صدمته من قدومها و بدل ذلك خرجت من بين شفاهه ضحكة ساخرة.
لقد قاطعت سابقا ما هو أهم من عملي الآن آنسة سان
مررت كلامه السام تتحكم بتعابير وجهها الهادئة
كنت أريد أن أتحدث معك بموضوع مهم، سيد فيسكونتي
صحيح أنها من أخطأت في حقه و هي التي يجب عليها الإعتذار لكنها، تبقى سان ايليت الفتاة التي يستحيل أن تقبل على نفسها أي نوع من الاهانات
جلعتي من فضولي يتقد حقا،
هو وقف عن كرسيه دافنا يديه في جيوب سرواله و بخطوات سمع صدى صوتها قاد نفسه إليه.
ما الذي قد يتحدث به شاب و شابة لا يمتان لبعضهما بصلة
رغم الألم الذي يجتاح خافقها من ما يقوله هي تحدثت بصوت واثق تدفع بأحد حاجبيها الى الأعلى
أخطأت و قد عهدتك على صواب، سيد فيسكونتي
عادت السخرية تزين مبسمه، ايريك و لأول مرة تجاهل شعوره، لم يكترث لألم قلبه و رغبته التي ترجوه أن يضمها له و كأن شيئا لم يكن، هو الآن ينقاد بما يقال عنه عقله، عقله الذي كان يقتل كل خلية به.
لا أعتقد أن الصواب هو من قادك لمكتبي لهذا أسرعي، ما الذي تريدينه
ابتسامتها تلك لم تزرع الا بذرة أخرى من بذور الهيام فيه لكنها و بقدر ذلك جعلته مستغربا
ما الذي يدفعها للابتسام بذلك الشكل؟
و كأنها قرأت أفكاره هي اجابت بثقة بالغة تنظر لعينيه بلمعة كانت قد أعتقدت أنها ستفقدها للأبد.
لكن ها هي تعود لها بعودة آسر قلبها، ها هي تبسم ثغرها بأجمل ابتسامة تنظر لعيني ايريك الجميلتين الداكنتين بالطريقة التي هي تعشقها و تهمس بكلماتها في ثقة تامة
اريد ان أخبرك أنني سأعود، سأكون أنانية و اتجاهل ما فعلته لأغزو داخلك من جديد ايريك، سأكون الفتاة التي تريدها بالطريقة التي اريدها أنا و اعالج الجرح الذي سببته بداخلك ايريك.
تزامنا و كلامها هي وضعت اصبعها على خافقه مكان الجرح الذي تقصده بالحديث الجميل الذي أعلنه ثغرها و ما إن أزال يدها مخافة أن تكتشف ما افتعلته كلماته بخافقه حتى أعطته بظهرها تهرب من ما تعلم ما هو قادم
هي لن تسمح له بهدم عزيمتها ببعض الكلمات السامة التي ستخرج منه نتيجة ألمه...
هي ستمحو الألم داخله و داخلها
فالزوبعة التي يعيشها قلبها
أكبر و اعنف بكثير من خاصة ايريك
مجنونة.
همس مظهرا شبح ابتسامة على وجهه، و ما لبثت أن تحولت الابتسامة الى ضحكة صغيرة، و الضحكة الصغيرة صارت صاخبة مع قفزات مضحكة و تحركات غريبة أعلنت عن سعادته المفرطة
لا يصدق أنها عادت...
هو طبعا لن يسامحها بسهولة لكن، هي حقا عادت و هذا كاف بالنسبة له!
سيدي، ما الذي تفعله؟
مساعده سأل بوجه مصدوم من حركاته تلك و هو فقط قفز يعانقه
هل أخبرتك انك وسيم جون.
عقد مساعده حاجبيه باستغراب، بحق الرب هو منذ بضعة ساعات كان شابا جادا يكاد يكسر الحجر من حدة نظراته و عصبيته التي كانت تشتعل لأسباب جد تافهة
لكن بعد كل شيء جون كان مستاء من فكرة ان مديره كان متعبا نفسيا
و رغم أنه سيعود للتهريج و اتعابه في الحديث و تذكيره باجتماعاته إلا أن النسخة الغبية أفضل بكثير من تلك الجامدة المخيفة!
انت أيضا سيدي تبدو وسيما
وضع ايريك يده على كتف مساعده و بصوت متحمس نطق.
ألغي جميع اجتماعاتي جون جون، و احجز لي في مطعم انا و انت، اريد ان ازوجك
ارتخت معالم المساعد في يأس و بصوت حانق هو نطق
حقا ايريك فيسكونتي.
إنه فقط مزعج و ملتصق، كدودة تشعر أنها تدغدغك بطريقة بشعة لكنك لا تستطيع ابعادها عنك، إنه أمر مقرف، أنت تفهمني أليس كذلك بيكورو؟!
كان القرد ينظر بصمت لماريوس الذي لم يتوقف عن الحديث حول دانييل و لم كلامه إلا خزعبلات غريبة لا معنى لها لكنه وجد راحته في الحديث مع ذلك الكائن الذي لم يتوقف عن إصدار أصوات غبية هو الآخر
أجل صحيح، أنا ايضا أعتقد هذا!
أومأ ماريوس للقرد الذي إستمر بإصدار أصوات غريبة.
انا ايضا أعتقد أنه يشبه العلكة بيكورو لكن أتعلم ما هو الأسوء؟
حرك القرد يديه في الهواء فاعتبرها ماريوس اشارة لمواصلة كلامه
أن ماري لا تمانع وجود هذا النوع المقرف من العلكة الملتصق بها
و بشكل غريب صاح بيكورو منفعلا و كأنه يفهم حقا ما يقوله الأشقر الجالس في سيارته
كان الوضع مضحكا حقا، و بالفعل لم يمنع المارة أنفسهم بالابتسام او الضحك على ذلك المنظر الظريف امامهم.
شاب أشقر يلوح بيديه في السماء و يتحدث بانفعال في سيارته البيضاء في حين أن هناك قردا يتحرك بغرابة على كتفه الأيسر
أجل كان الوضع يستحق الضحك دون ريب!
أنظر ها هما، لنختبئ بيكو
تزامنا و ما قاله هو أخفى نفسه رفقة القرد يناظر ذاك الثنائي الذي خرج من المطعم منذ قليل، لقد كانت الثالثة عصرا و وجد ماريوس نفسه يتساءل.
بحق خالق السماء و الجحيم ما هذا الأمر الذي سيجعل ماري تجلس مع ذلك الغبي لما يقارب الثلاث ساعات في مطعم جميل يطل على النهر هكذا؟
استطاع ملاحظة تلويح ماري لدانييل و لم يجد نفسه إلا يقلد تلك الابتسامات على وجوههم و التي بدت له غبية بحق بطريقة متهكمة و ساخرة جدا
و بفضول شاب غير معجب أبدا بها بل و غير عاشق البتة هو راح يتتبعها يريد معرفة كيف ستنهي يومها.
هي اتجهت لأحد المباني القديمة في حي شعبي قديم، كانت معظم بيوته بحاجة إلى اعادة طلائها و هيكلتها كونها كانت شبه متداعية
الدخول الى احدى تلك البيانات كانت وجهة ماري و لكون ماريوس حريصا على أن لا يتم كشفه هو اكتفى بانتظارها في الأسفل
لم تمر إلا بضعة لحظات حتى عادت للأسفل و بيدها سلة متوسطة الحجم كانت بها مجموعة من الاوراق المزينة و الأشرطة ذات الألوان المختلفة.
ما كان بين يديها لم يزد الأشقر إلا فضولا لمعرفة وجهتها التالية لهذا هو تتبعها بصمت بسيارته كانت قد اتجهت الى حديقة تبعد حوالي النصف ساعة عن المباني و قد شعر بشيء ما داخله، هي، لابد أنها حقا متعبة من هذا السير
كان يرى شيئا مختلفا بماري التي يتبعها الآن، شيئا يلاحظه لأول مرة منذ ان التقبة بها...
هو لحد هذه الساعة لم يسألها أين تعيش و مع من او كيف تكسب مدخول يومها الذي تقتات منه؟
فجأة صارت هناك آلاف الأسئلة بذهنه و لم يكن محورها إلا صاحبة البشرة الحنطية و الشعر المتموج البندقي، هل درست؟ من الواضح أنها ليست فقيرة جدا فثيابها تروي قصة أخرى لكن من الواضح أنها لا تحوي بين طياتها الثراء
دخلت الحديقة و سارت بعيدا و لهذا هو اضطر للحاق بها
نازلا من سيارته البيضاء الرياضية حريصا على إبقاء مسافة آمنة بينه و بينها و قد حمد الرب لفكرة أن بيكورو هادئ حقا.
هو كان يشك أن هذا القرد ذكي و الآن صار واثقا من أن بيكورو يفهمه بحق
راقبها و هي تجمع مختلف أنواع الزهور متجاهلة تلك الجروح التي كانت تنجم عن الأشواك التي تغرس في مختلف انحاء ذراعيها و أحيانا قدميها
هذا سبب له نوعا من الألم بدلا منها، هو يدرك أن ما يشعر به سيكون أي شيء إلا الشفقة.
الشفقة كلمة مبتذلة بالنسبة له في هذه المواقف، لربما يشفق على متشرد لا يعرفه او طفل يتيم سمع قصته لكن من يراها الآن تقطف الزهور بشكل منهمك تصب اهتمامها على كل وريقة من تلك النباتات تكون فتاته التي يريد ان، حسنا هو لا يشعر أنه مستعد لقول ذلك
قضاء باقي حياته كله معها؟!
هل حقا يستطيع فعل ذلك؟
ألن تمل منه؟ تشعر أنه ثور غبي يحب استفزاز من يحبهم؟
أهي تحبه أصلا؟!
تلك الأسئلة التي شغلت فكره لمدة من الوقت كانت كافية لجعل بيكورو يمل لدرجة إصدار صوت ما كهرب جسد ماريوس الذي أمسك بوجه القرد يختفي خلف مجموعة من الأشجار المتراصة
و بحمد الرب لم تنتبه ماري لوجودهما و انتهت من جمع زهورها بعد فترة من الزمن
أشعر أنني متعقب وسيم مخيف
همس ماريوس للقرد الذي كان يعاني من قبضة الأشقر على فمه.
بعد أن عادت ماري للمدينة بعد فترة من السير قضاها الآخر في اللحاق بها بسيارته متسببا بعدة أزمات سير لبطئه نظر لها و هي تضع تلك السلة على قارعة الطريق رفقة سيدة عجوز تبيع بضعة اكسسوارات لطيفة يدية و قطعا من الملابس المحاكة
هي تعمل، في بيع الزهور؟
نظر لبيكورو الذي اجابه بأصواته الغريبة ملوحا بيديه
لم يكن هذا متوقعا، أو أنني كنت غبيا!
إستمر في التحديق بها متناسيا هاتفه الذي كان مرميا في المقاعد الخلفية على الوضع الصامت...
هو يجزم أن تصرفه الكامن في تعقبه لماري غير منطقي و يضاهي الجنون و لربما يكون غير منطقيا أيضا لكن، الأهم أنه مستمتع!
و بيكورو موافق على ذلك أيضا!
آلاف من الأفكار المشوشة تغزو ذهني بشكل غريب، لست قادرة على معرفة ما أفكر به، لكن ما أوقنه أننني لست مرتاحة البتة في الطريقة التي أنام بها
لمدة من الزمن استمررت في إبقاء عيني مغمضتين مكتفية بذاك الازعاج الناجم من الطنين برأسي، إن الصدراع فضيع حقا!
كنت على وشك أن اعاود النوم او الغوص في افكاري، لا يهم، لا أعلم حتى ما كنت افعله، بدى الأمر كما لو انني غائبة عن الحركة لكن لا الوعي!
علي كل انهيال تلك الذكريات المرعبة للحظات الأخيرة قبل غرقي فيما أنا عليه جعلني أفتح عيني على مصرعهما...
جالسة على كرسي خشبي مهترئ، يداي مربوطتان خلف ظهري أشعر بمسمار حاد ينغز معصمي بطريقة مؤلمة، لم يختلف حال كاحلي كثيرا عن يداي لكن كانت شدة الربط مؤلمة أكثر
حاولت ان أهدئ من شدة نبضات قلبي لكن الذعر انتابني حينما تذكرت أنني حامل بابنه...
انا أحمل داخل بطني طفلا، ألم يكن هذا حلمي الوحيد، أن أكون أما، أيعقل أن يذهب حلمي الأول مع هبوب الرياح، رياح ليس سيدها إلا جنون والدي و طمعه؟
امتلأت عيناي بالدموع، حاولت النظر حولي، كنت في مكان أشبه بالمستودع، هناك نافذة في الأعلى و عدة صناديق متناثرة هنا و هناك...
حسنا، أعتقد أن فكرة هروبي كانت واضحة لكنني، لكن الخوف جمدني لعدة لحظات، التفكير فقط بكل هذا كان متعبا و مرهقا بحق...
بلعت ريقي أحاول ان احسن السمع جيدا لعلي أكتشف أن كنت وحيدة
هل يرى والدي انني ضعيفة لدرجة أنه احتجزني و ذهب فقط؟ دون أي حراسة؟ دون أن تتساور لذهنه فكرة أنني قد أحاول الهروب مثلا؟
هذه الأفكار غذت من عزيمتي القليل لهذا قربت الحبل من ذلك المسمار الحاد، و لأنه كان بالفعل داخل جلدي ينغزني فقد تسبب هذا في جرح كان الخوف قد غطى على أن أشعر بألمه.
كنت قد باشرت في تقطيع الحبل بطريقة بطيئة و لوهلة شعرت أنه من المستحيل ان انجح بهذا على الأقل لربما يكون والدي قد قطع أوردتي و أرسل روحي السماء حتى أستطيع تحرير معصمي
لكن كان من الواضح أنني احرز تقدما نتيجة لاحساسي بارتخاء الحبل من حول يدي ما جعل من ابتسامة خائفة ترسم على وجهي، سأنجو، سأنقذ ابني، من اجله و من أجلي و من أجل ليوناردو!
توقفت عن فعل ما كنت أفعله حين سمعت صوت قفل الباب يفتح، ارتعدت اطرافي و فجأة شعرت بدموعي
لقد كنت ابكي منذ زمن دون أن أشعر بهذا حتى...
كان من دخل تلك الممرضة من المشفى، ترتدي ثيابا سوداء تمثلت في سروال من الجينز الداكن و قميصا بنفس اللون
أرى أنك استيقظتي سيدة فيسكونتي.
كان من الغريب ان تناديني بالسيدة على أساس أنني متزوجة و كنية عائلتي لا زوجي، شعرت أنها تسخر مني بهذا، و كأنها تعلم أن ما يريده والدي يكمن خلف أنني لم أغير كنيتي، هي تعلم أنني أنقذت نفسي و وصية جدي!
و قبل أن تتبادر لذهني تلك الأفكار جبال لما أفعل هذا و ما الفائدة من الأمر الذي أعلق عليه حياتي هي اقتربت مني تضع الحقيبة التي بين يديها على الأرض تبحث فيها عن شيء ما.
لم أعلم من أين جئت بتلك الجرأة لأستطيع أن أتحدث بذلك الوجه البارد لكنني فعلت
أينوي قتلي؟
صحيح أن سؤالي المباشر هذا زاد من ارتعاش جسمي لكنني انتظرت الجواب بسكون
أعتقد أنه سيتخلص منك بعد عدة اجراءات محكمية لنقل الأملاك، ادعى سيلينا بالمناسبة
كانت سيلينا هذه، غريبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، و كأن والدي اختارها ليزيد عذابي و يخففه...
لم يكفيه أن يكون أبا مريعا لهذه الدرجة!
هل يمكنني أن اهرب؟
لا أعلم حقا لما أتحدث مع فتاة وكلها أبي لغرز إبرة ما في ذراعي الآن
أعتقد أنه بامكانك هذا ان واصلت حك الحبال بذلك المسمار سيدة فيسكونتي
بلعت ريقي بهدوء رأيتها تخرج قارورة من النبيذ و كأسا كي تعطيني القليل
لكن سيعيق المخدر حركتك نوعا ما و سيجعلك هذا النبيذ ثملة لدرجة لا بأس بها
هل سيؤثر ذلك على حملي؟
ابتسمت لي، ابتسامتها الغريبة تلك.
حرصت على أن أفعل ذلك، رغم أن والدك سيقتلك في كل الأحوال بعد أن يأخذ املاكك، آسفة إن كنت صريحة أكثر من اللازم
كلامها الذي جعلني مرتبكة و خائفة أكثر دفعني لمواصلة قطع الحبال و هي امامي، وثقت بها، او فقط استسلمت لما سيحصل...
اريد الخروج فقط...
انا خائفة، أين انت ليوناردو؟
هل ستشين بي؟
سألتها بعد ان تجرعت كأس النبيذ كاملا، كان لاذعا و، قويا!
لا، لكنني لن اساعدك أيضا! لدي من المشاكل ما يكفيني لهذا سأقوم بعملي فحسب،
كنت لا أزال احرك يدي الى فوق و تحت، ارتخاء الحبال أكثر و لم أكن أحتاج إلا لبضعة دقائق أخرى، خرجت سيلينا من المستودع و استطعت أن المح شخصا بهيئة تافهة مستندا عليه، هل تكليف والدي لشخص شبه ثمل لحراستي أمر جيد أم سيء؟
بعد عدة لحظات استطعت تخليص يدي من الحبال أخيرا ما جعلني اتنفس بسرعة، لم ابالي بتلك الجروح التي تزين ذراعي معطية مجالا لدمائي فاتحة اللون بالانسياب بخطوط عشوائية...
بدأت بفك حبال قدمي بسرعة و شعرت بأن أطرافي باشرت بالتراخي بسبب الثمالة و المخدر
ما الذي كان ينوي فعله؟ لما يخدرني بهذا الشكل؟
إلهي، يا خالق السماء و الأرض أنقذني من المصيبة التي انا بها!
كانت الدموع قد شقت طريقها مجددا عبر وجنتي، لكنني لم آبه بها، كانت دموع خوف، او ربما قلق، لا أعلم، فقط أنا استمررت بفك الحبال بسرعة و بارتعاش
بعد ان وقفت بحذر داهمني دوار غريب جعلني استند على الكرسي بوهن، أستطيع أن أشعر بمدى تعبي، اريد النوم، لكن، طفلي، يجب أن انقذه، ان انقذ نفسي!
اطلقت زفيرا مرتعشا و أسرعت بخطى غير ثابتة للصناديق، كان بعضها خفيفا و الآخر ثقيلا به عدة أشياء لم ينتابني الفضول لها.
بعد ان اسندت الصناديق فوق بعضها كان التعب قد نال مني، صرت أتحدث بهمس مع نفسي نتيجة الثمالة، لا أتذكر حقا ما قلته لكنه كان شتما لوالدي فقط و كلمات ألعن بها خوفي!
لم تكن النافذة بذاك الكبر لكنني لم أكن خائفة من ذاك الشيء بقدر خوفي من ارتفاعها...
آسفة، لا أريد أن أؤلمك، تحمل من أجل والدتك المنهكة يا صغيري.
همست و انا استعد للقفز، كنت أحمل معي قضيبا حديديا كبيرا ذا طول يشابه طولي لربما قد يساعدني في انقاذ نفسي ان حاول حيوانا ما او وحش بشري من الاقتراب مني، رغم أنني اشك في أنني قادرة على الاستمرار في جمله لمدة طويلة، وزنه لم يكن بالمزحة أبدا و انا فتاة مخدرة و ثملة تقريبا!
بلعت ريقي و دعوت الرب بداخلي ان يحفظ حياة ابني الصغير، ذلك المخلوق الذي يكاد لا يرى و الذي يقطن الآن داخلي...
قفزت، لم تحدث قفزتي ضجيجا كبيرا و أشك أن من يحرسني قد استمع لتلك الجلبة لكن الخوف جعلني أسرع راكضة نحو الأمام بعيدا عن ذاك المستودع و الذي مع كامل حظي كان بوسط مكان أشبه بالغابة الكبيرة
ركضت و انا أصلي بداخلي، ارجوك يا ليوناردو جدني، أنقذ ابنك، أنقذ من كانت لك كونتيستك المهووس بها.
حمدا للرب!
همست راسيل بكلماتها تلك ما إن فتح الباب أمامها، لم تتح الفرصة لها للوقوف إذ أن ايدواردو قد وثب نحوهن يحتضن ميرنا بقوة
اللعنة، انت بخير
تمتم، كان يتحدث مع نفسه أكثر منها لكن ميرنا لم تجد نفسها إلا و هي تحضنه بنفس القوة
ماريا، ماريا هل هي بخير ايدواردو
لم يجبها و إنما اتجهت انظاره ناحية راسيل التي كانت ملامحها تنذر بهلعها و قرب بكائها وضع يده على شعرها سائلا بهدوء.
انت بخير الآن آنسة سانتيرا
بلعت ريقها مومئة قبل أن ترفع هاتفها الذي تهشم، لابد أنهم رموا بحقائبهن في عشوائية ما أدى الى انكساره
هل يمكنني الاتصال بجوليان أم، على الأمر أن يبقى سرا
وقف ايدواردو مساعدا الفتاتين و في خضم فعله لهذا اجابها
ليوناردو يبحث عنها لكن،
تنهد قبل أن يواصل اجابته.
لكنه غاضب لدرجة قد تعمي بصيرته لذا من الأفضل أن تخبري جوليان، على عائلة فيسكونتي ان تساعدنا لايجاد ماريا قبل أن يقوم والدها،
صمت لثوان قليلة يبحث عن كلمات مناسبة لكنه لم يجد، ليست هناك كلمات قد تسعفه في هذه اللحظة خصوصا و أن الوضع خطير بما فيه الكفاية
قبل أن يرسل ذلك اللعين روحها للرب
حسنا لم يكن هذا أبدا التعبير المناسب إذ أن ميرنا و راسيل لم تجدا نفسيهما إلا و هما تبكيان بصمت...
فلتكوني بخير ماريا هذا ما كان يتردد في أذهان الفتاتين و هما تخرجان من المحلق الخاص بالمشفى لتدخلا له من جديد
كانت ميرنا شاردة، تحاول ترتيب كلماتها لاخبار ليوناردو بكل تفاصيل ما حدث في حين كانت راسيل تحمل هاتف ايدواردو للتتصل بخطبيها الذي لم يلبث أن ترك كل ما بين يديه راكضا للمستشفى بعد ان اطلع عائلته عن ما حدث مع شقيقته...
شقيقته التي كانت تركض في أرجاء الغابة بقلب مرتعب تبحث عن مخرج لها من ذاك الجحيم، جحيم والدها المخيف!
آيدن أرجوك طمئني إن كانت هناك أي أخبار!
تحدثت السيدة فيرناندا لذاك الشاب ذي الشعر الداكن و العينين الزرقاوتين، يرتدي بدلة رسمية و تمتد سماعة من أذنه الى فمه، كان من أحد رجال عائلة فيسكونتي الموثوقين و لا يغادر كنف الجد غابرييل الذي وظفه عنده كحارس شخصي منذ سنوات طويلة.
كان غابرييل داخل السيارة السوداء في انتظار أن يركب آيدن ليقود به الى موكلي الشرطة و الأمن بمدينة فلورنسا علهم يساعدونه في إيجاد حفيدته...
كان باستطاعة الجد أن يلحظ ايزابيلا الجالسة على كرسيها المتحرك بعينين خائفتين، رغم كل ما حدث لم تستطع ايزابيلا الخروج من القصر، بقدر ألمها الكامن في احتجازها بعيدا عن كل ما ينتظرها خارجا كانت لا تزال خائفة، خائفة من الذكريات، من أنها ستخرج، و لن تجده، لن تجد ذاك الشاب الذي لا يخاف عتمة الليل!
أطلق الجد زفيرا متعبا قبل أن يفتح النافذة و يتحدث بصرامة.
فيرناندا ادخلي المنزل و احرصي على عدم دخول أي شخص، أهذا واضح، لسنا متأكدين بعد من هوية الخاطف و لا ينقصنا مشاكل أخرى
تسمرت المعنية في مكانها تبكي بقلق على ابنتها الصغيرة، كانت واثقة في داخلها ان الفاعل لن يكون إلا سواريز، و من غيره، ذاك الذي أضاع طفولة ابنتها و شبابها،!
عكس فيرناندا التي كانت تثق باحساسها اتجه ليوناردو إلى مكان آخر كي يتأكد بعد ان ترك جوليان و ايدواردو يتحققان من كاميرات المراقبة و يتتبعان هاتف الممرضة التي استقبلت الفتيات سابقا، سيلينا مورجي، ذلك الاسم الذي قد تلقاه آيدن من طرف جوليان كي يتتبعه بطرقه الخاصة و لا بأس باعطائه لمكتب الأمن كي يتولى الجد غابرييل أيضا ايجاد صاحبته
هل اشتقت لي.
تحدث ليوناردو مبتسما و هو يقتحم تلك الغرفة في منزل عائلة جيوفاني، كانت الخادمة قد لحقت به لعلها تستطيع ردعه عن اقتحام غرفة السيد الصغير كونه لازال مصابا، لا تعلم أن سبب اصابته يقف امامه
نظر له نيكولاس بهدوء امتدت يده لتمسح وجهه بتعب قبل أن يرفع شعره الأشقر عن مرمى نظره، كانت حالته تؤكد ارهاقه، لكن ليوناردو لم يقتنع بعد، على الأقل ليس قبل أن يتحرى من الأمر بطريقته
ما الذي تريده اورسيني؟
سؤال نيكولاس جعل من ابتسامة ليوناردو تتسع، لقد كان ليوناردو في أشد مراحل سخطه، غضبه، قلقه، و لربما خوفه أيضا
لم يعلم حتى متى كان يمسك بياقته يشده بقوة لدرجة كاد فيها أن يختنق، ملامح مرعبة رسمت على وجه ليوناردو و هو يتحدث بنبرة منخفضة بين صفي أسنانة المتراصة
هل أنت من كان وراء ذلك أيها اللعين؟
كان نيكولاس في حالة استسلام تامة، عدم تناوله للطعام منذ أيام و ارهاقه الذي جعله غير قادرا على الحراك كان لهما دور في جعله لا يملك ذرة من الطاقة كي يقف في وجه المجنون أمامه
عن أي شيء تتحدث؟ ما الذي تريده؟
تحدث بصوت مكتوم بسبب قبضة ليوناردو و هذا الأخير لم يهتم مطلقا لاقتحام والدة الأشقر الغرفة
إلهي نيكولاس، استدعي الحرس بسرعة
صرخت والدة نيكولاس بالخادمة تحاول ابعاد ليوناردو عن ابنها.
اتركه، ابتعد عن ابني،
لم يأبه ليوناردو بأي شيء من ذاك و انما اكتفى بالتحديق في عيني نيكولاس بنظرات مشتعلة
ماريا، ماريا انت من اختطفها
لسبب ما كان ليوناردو متأكدا أن المحتجز بين يديه لا علاقة له بالأمر مطلقا لكنه سئم من الانتظار و مراقبة تلك الشاشات دون القيام بشيء يذكر
علي الأقل هو يملك الآن شخصا يفرغ فيه قليلا من غضبه!
كلماته جعلت من نيكولاس يعقد حاجبيه، ماريا، أيقصد ماريا فيسكونتي؟ هل حدث شيء لفتاته؟
وقف نيكولاس بسرعة ينظر لليوناردو بعينيه الزرقاوتين اللتين احتدتا لما سمعه
ما الذي تعنيه؟ ما الذي حدث لها؟
لحدة النقاش هما تناسيا وجود شقيقة فيرناندا التي صرخت في غضب تضرب ظهر ليوناردو لربما يفلت خناق ابنها
تلك المشؤومة اللعينة لا علاقة لها بابني أفهمت، افرقنا بريح طيب يا هذا.
من فزع السيدة فالنتينا تناست أن من يقف أمامها ليس إلا زوج من نعتتها بالمشؤومة، المهووس بتلك الفتاة يقف امامها، الذي يحارب رغبته في دفنها لأنها تجرأت على نسب صفة قبيحة لزوجته هو!
أمي توقفي
زمجر نيكولاس بغضب لما قالته والدته، يعلم أن ماريا لا تخصه لكن على الأقل، هو لا يزال يكن لها من المشاعر ما يكفيه ليتألم و لا يريد ان تزيدها أمه عليه.
احفظي لسانك أيتها الخالة، فجنوني الآن قادر على جعلي أدفع بك من سقف هذا المنزل اللعين رفقة ابنك
بلعت المرأة ريقها ما إن سمعت كلامه كان الحرس في تلك اللحظة قد دخلوا الغرفة محاولين الاقتراب من ليوناردو، لكن نيكولاس منعهم عبر دفعه لليوناردو كي يخلص ياقته و من ثم اقترب منه مجددا يسأله بنبرة هادئة قرأ ابن اورسيني فيها قلقا
أين هي ماريا؟ ما الذي حدث معها؟
عض ليوناردو باطن خده، كان يعلم أن نيكولاس لا شأن له لكنه، أحتاج لأن يقوم بأمر ما، حتى ولو كان سخيفا، لكن فكرة أن ماريا قد تكون في مكان ما، تتألم، بينما هو هنا لا يجد شيئا يفعله تجعل من الشياطين تهمس له بأفكار تحرق ايطاليا برمتها و بمن فيها من صالح و طالح.
كان نيكولاس على وشك أن يحثه مجددا على الحديث لولا أن هاتف ليوناردو رن معلنا ورود اتصال له، لم يضيع ثانية واحدة و اجاب بسرعة نافت كلمته اليتيمة الهادئة
نعم
صمت ينصت للطرف الآخر، كان يمكن للأم و ابنها ان يلاحظا احتداد نظرات ليوناردو و بروز فكه، كانت هذه علامات تدل على غضب جام لولا أن ابتسامة هادئة تجعل الاطراف ترتعش لها جعلت من قراءة مشاعره أصعب.
انتهت المكالمة دون أن ينطق ليوناردو بحرف اضافي بل ألقى نظرة أخيرة على نيكولاس قبل أن يخط طريقه الى الخارج راكبا بسيارته تاركا من الأشقر في حيرة و قلق كبيرين...
أين تكونين ماريا؟ و ماذا حصل لك؟
كان سؤال نيكولاس يطرح في الأرجاء و لم يكن استثناء البتة، ماريا اختطفت، هي ليست هنا، ما الذي قد يحل بها؟
نيكولاس أين تذهب بحق الرب.
صاحت فالنتينا بابنها الذي نزع قميصه يغيره الى آخر مناسب للخروج و الذي ألقى لها نظرة غاضبة بل و ملتهبة
انا ذاهب للاطمئنان على ابنة خالتي هذا بعيدا عن كوني اعشقها أمي
نظرت الأم في عيني ابنها برجاء تلحقه للحمام أين كان ينوي انهاء تغيير ثيابه
سيحدث لك شيء سيء هي،
و قبل أن تنتقل لفقرة لعن ماريا و التحدث عن كونها مشؤونة هو قاطعها بسرعة
ماريا و اللعنة ليست ملعونة ولا مشؤومة أمي بحقك توقفي عن هذا.
تغيرت نظراته لأخرى منكسرة قبل أن يواصل الحديث
ان كان هناك ملاعين في قصة ماريا فيسكونتي فسيكونون ثلاثة أمي، ثلاثة فقط
لمعت عينا الوالدة بالدموع على حالة نيكولاس المزرية و هو يرفع خصلاته الشقراء عن وجهه شادا عليها و كأنه لا يقوى على الاعتراف بهذا
سيكونون انا و انت و سواريز فيسكونتي، اننا، أقرب الناس إليها، لكننا أكثر من كسرها أمي.
أطلق زفيرا مثقلا بهمومه قبل أن يعاود التكلم بنبرة فاترة أثر كم المشاعر المتداخلة و التي عصفت امواجها داخله
غادري غرفتي، ارجوكي!
و بخطوات بطيئة شقت فالنتينا خطاها لخارج الغرفة جارة معها ذيول خيبتها...
و لم تكن سوى بضعة دقائق قبل أن يلحقها نيكولاس لخارجها ثم خارج المنزل بأكمله نحو منزل خالته...
علها تخبره أن ماريا، حبيبة أحلامه، سالمة و آمنة!
لا أعلم منذ متى و انا اركض، عقلي لا يستوعب أيا ما افعله، تعثرت مرات كثيرة، بكيت كثيرا فما عدت أشعر بدموعي، خائفة، أتحدث مع نفسي كمجنونة، أبحث عن سبيل ليخرجني من ورطتي، لكنني لا اجد إلا أشجارا تحيطني من كل جانب تؤكد ان المخرج صعب ايجاده!
ارتفعت نبضات قلبي حينما سمعت تلك الخطوات التي تلحق بي، و لربما نتيجة خدر جسدي لم يعد عقلي قادرا على فصل اوهامي المرعبة و حقيقتي المرة...
إلهي، هو قادم، سيقتلني،
كنت اهمس لنفسي دون شعور ازيد من هلعي و انا اسير بسرعة بعد ان فقدت القدرة على الركض...
لم يعد باستطاعتي التوقف عن البكاء و صار كان شهقاتي الفزعة أمرا محالا
لوهلة فكرت فقط بالانهيار على الأرض و الصراخ بقوة و البكاء دون توقف، و ليحصل ما يحصل فقد تعبت و أقسم بهذا
لما أدفع حياتي مقابل هذا المال اللعين، لما على أن ارهن حياتي مقابل شرف عائلة، عائلة لسيت إلا عائلتي...
سيأخذ والدي المال، يحتجزه لنفسه، يستعبد اخوتي، ينسى والدتي و لربما يتزوج سرا و يخونها دون ادنى شك، يقتل عمتي بعد ان يقتلني، لا يهتم بعلاج جدي...
هو سيدمرنا، سيحطم كل من حوله، و سيحصل كل هذا بسببي...
و ماذا عن ابني، عن ليوناردو، ماذا عني انا؟
صار تنفسي سريعا و صوت الخطوات التي تلحق بي صارت اقرب
سارعت بالاختباء خلف الاشجار المتفرعة محاولة التقاط انفاسي و مواصلة الهرب...
الشمس اختبئت في الأفق مستعدة لتركي في غياهب العتمة و هواجس الموت الذي يلاحقني...
انقذي نفسك ماريا، حبا بالرب اهربي
همست و انا ابكي بقوة واضعة يدي على فمي لربما حينها تقل حدة الشهقات التي جرحت حنجرتي
و ما كدت ان اواصل تشجيع نفسي حتى تجدمت مكاني اغطي وجهي بكفتي يدي مرتعبة حد الجنون لصوت تلك الرصاصات التي اطلقت في السماء.
كنت على وشك أن انتحب مجددا غير أنني توقفت حين سمعت صوت ذلك الهتاف الذي زعزع الغابة بأكملها...
ماريا،
كان صدى صوتي يتردد في انحاء الغابة بشكل بعث الرهبة، و بقدر هذا بعث بداخلي أملا، أمانا، مخرج نجاتي، إنه هو، ليوناردو، لقد جاء، إنه هنا، سينقذني، إنه هنا من أجلي...
أسرعت بخطى راكضة نحو مصدر الصوت، كانت عباراته تتردد في ذهني كلما اقتربت...
انا هنا ماريا ، صغيرتي انا قادم ، سأجدك ماريا ...
و كأنه كان يعلم أنني أبحث عنه فيقودني إليه بعبارات تبث الراحة لدواخلي المرتجفة
ل، ليو، ليوناردو، جدني، أنقذني، انا، انا خائفة، انا حامل ليوناردو، انا أحمل ابنك، انقذنا ليوناردو،
كنت أتحدث دون وعي و انا اركض نحوه، آخر ذرات قوتي استنفذت في تلك اللحظات عندما صرخت بأعلى صوتي مستسلمة لمن يجدني أولا
ليوناردو انا هنا، ارجوك أنقذني
صرخت، صرخت بعد ان وقعت على الارض للمرة التي لم تكن الاولى او الثانية...
صرخت باكية جل ألمي و خوفي و تعبي و خذلاتي
صرخت باكية قهري و قلقي و سعادتي بتواجده حولي
صرخت باكية ضعفي و استسلامي و رضوخي...
لم اعد أستطيع التحمل...
لا أريد أن أتحمل...
زهقت روحي و تعبت...
نفذت طاقتي، صار جانبي المشرق معتما، اريد ان ارتاح فقط، فقط ان ارتاح قليلا!
ضربت الارض و انا اذرف دموعي، لعل ضرباتي تجعل التراب الذي الطمه يشفق على فيقود زوجي الي...
اغمضت عيني، لم أعد قادرة على القيام بشيء، حتى صوتي بات و كأنه إختفى و تعب من مناجاة طيف لا وجود له إلا بمخيلتي...
فجأة راودتني فكرة، فكرة شلت اطرافي أكثر مما كانت عليه...
ماذا أن كنت اتوهم فحسب، ماذا إن كان هلعي قد صور لي صوت ليوناردو و هو يناديني...
حاولت ان اصغي لأية مناداة أخرى من حولي لكن الصمت كان خليلي...
هل كشفت مكاني لتابع والدي، هل سلمت نفسي للموت بيدي...
إلهي أنقذني،.
همست برعب و انا اسمع صوت الخطوات الراكضة نحوي...
سأموت...
سأتذوق طعم العذاب...
لوهلة عادت جميع ذكرياتي المؤلمة لمخيلتي، لحظات كان بطلها والدي...
الضرب الذي تذوقه جسدي بجميع أنواعه، العقابات التي جعلتني أخاف من استرجاعها في كوابيسي، الاحتجاز في ذلك القبو البارد لأيام و انا اتناول بقايا أكل كان جوليان يقدمها لي سرا، ربط جسدي بأقدام حصان يركض في ارجاء الساحة دون أن يستطيع أحد تخليصي، الماء الساخن الذي يحرق بشرتي في الصيف و المتجمد الذي يجعلني أبكي ألما في الشتاء...
ألم اكن طفلة صغيرة، الم أكن مجرد فتاة ارادت الاستمتاع بعائلة...
كل تلك الأفكار غرت ذهني و انا استمع للخطوات المقتربة مني...
و عندما ترامى صاحبها امام مرأى بصري حتى ارتعشت اطرافي و انهار جسدي باكيا بقوة...
أنها النهاية، نهاية ألمي...
ل، ليوناردو،
لم أشعر إلا به يركض ناحيتي جاثيا على الأرض امامي يتفقد حالتي المزرية...
لكنني فقط ارتميت داخل حضنه أبكي ملوثة قمصيه الأسود الذي امتص دموعي برحابة صدر.
سأجعلهم يدفعون الثمن، أقسم لك ماريا، أقسم لك حبيبتي، سيدفع ثمن كل دمعة، كل جرح، سيندم على اليوم الذي حاول فيه الاقتراب من امرأتي، لم يولد بعد شخص ينفذ بريشه ان لمس شعرة من ما يخصني،
كلماته التي كان عليها ان ترعبني بثت في داخلي نوعا من الراحة لا مثيل له، عبقه الذي تخلل دواخلي جعلني أشعر و كأنني أفقت من كابوس مرعب، كابوس تلاشى بوجود ليوناردو اورسيني، شيطاني الحارس بقربي...
لا تقلقي، انا هنا معك ماريا، صغيرتي اهدئي، سيكون كل شيء بخير، حسنا، انتهى كل شيء الآن، انا هنا كونتيستي، انا بجوارك يا امرأتي
كانت اصابعه تداعب خصلاتي ما خفف اترجاف اطرافي و زاد خدري أكثر...
كان ليوناردو حينها يفكر انه قد بقي رصاصة واحدة، رصاصة واحدة يتلقاها والدي فينتهي الأمر برمته، لم يعلم أن تلك الرصاصة التي يتحدث عنها، ستكون، على بعد أقدام منا، مصوبة نحونا...
ليوناردو انا،.
من بين شهقاتي انا أردت ان اخبره عن حملي، أردت ان يعلم أنني حملت بطفله، و انني حميته، هربت من هناك من أجله و من اجل طفلنا، من اجل اسرتنا
كنت على وشك أن امد يدي لبطني كي اواصل كلامي، إلا ان ارتفاع اناظره عني جعلني اتوقف...
مرت تلك اللحظة ببطئ، رغم سرعة حدوثها غير أن ثوانيها مضت بتأن، و كأن القدر أراد أن نتذوق جميع تفاصيل الألم...
اخبرتكم سابقا أن لكل لحظة رائحة، تلك اللحظة كانت تصفها كلمة واحدة، او ربما أكثر...
رصاصة، دماء، خوف، فقدان، نهاية، دموع...
بالنسبة لي كانت كل كلمة قادرة على وصف ما شعرت به و انا ادير رأسي ناحية المكان الذي صوبت به انظار ليوناردو...
ذلك الرجل، الحارس الذي كان يقف امام الباب، مسدسه...
ماريا!
لابد أن هذه هي من كانت الرصاصة الأخيرة، على الأقل لهذا اليوم.