رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الخامس

رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الخامس

رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الخامس

اهلا بعودتك، كونتيستي الصغيرة
اردف بابتسامة جانبية جعلتني ارتجف خوفا، توجعت نظراتي لايريك الراكع ارضا، الدماء جعلت وجهه الدافئ مشوها بالكامل، اكاد لا اعرف اخي بسبب الخدمات التي غطت على ملامحه.
ايريك
نبست بقلق و الدموع تجمعت بعيني، احطت الردهة الواسعة بعيني، كان رجال التوأم قد امسكوا بوالدي و اذاقوه من الضرب ما جعله غائبا عن الوعي اما عن أمي فقد ارتمت بالزاوية تبكي برعب خوفا على حياتها.

هل جننت يا هذا؟ ما الذي تفعله بأخي؟
صرخت بغضب تنافى مع تلك الدمعة الهاربة من عيني، أشعر بالاختناق و الغثيان قد جعل من الحموضة تلوث فمي، بحق السماء ليس وقت نوبات القلق!
ماريا! ابتعدي، اختي
رغم ان ما خرج من ثغر ايريك كان اشبه بأنين غير أنه اخترق مسمعي بوضوح احرق قلبي.
ايريك
همست ببكاء، جوليان و ماريوس بالشركة الآن و لا احد بجانبي، رجال المجنونين قد استعمروا المنزل بأكمله.
تشرح لها لم اتكفل انا بالامر؟

كان السائل ايدواردو، ما استفزني هو ابتسامته المرحة التي لم تتغير رغم وحشية ما يحدث...
ادعى ليوناردو التفكير للحظات قبل أن يجيبه بنفس ملامحه الهدائة و ضحكته الجانبية لم تفارق مبسمه.
ما رأيك ان اخبرها انا؟
انحنى ايدواردو بحركة استعراضية يطلب من شقيقه التقدم نحوي، و بالفعل اخذ ليوناردو يقترب من مكان وقوفي، في ذلك الحين و من دون مقدمات ركضت ايليت ناحية شقيقي الراكع على الارض و الذي يقف خلفه ايد.

لم يبالي احد بحركتها، كانت دموعها تلوث وجهها هي الاخرى، جثت لتقابل ملامحها الخائفة الباكية ملامح ايريك المتعبة المرهقة.
ايريك، هل انت بخير؟ اجبني حبا بالرب.

احاطت وجهه بيديها المرتعشتين ترفعه لتناظره بدقة، و ما زادها بفعلها ذاك الا الم فوق الم، شفتاه كانتا تدميان و في الجانب الايسر لشفته العلوية كان هناك جرح اخضر فخرج منه القيح بشدة تورمه، عينه اليمنى مغمضة و لا قدرة له على فتحها، شعره التصق بجبينه لشدة تعرقه، اما عن مصدر الدماء التي لا تتوقف عن التقاطر وصولا لذقنه فتلوث الارضية البيضاء.

اغمضت عيني بألم حالما سقط في حضنها يكافح لابقاء جفنيه مفتوحين عاجزا عن الحركة، بعد ثانيتين اخذت نفسا عميقا الطابع وجه ذاك البغيض الذي يراقبني بينما يميل برأسه قليلا.
لما فعلت به هذا؟
داعب باطن وجنته بلسانه، حركاته هذه تزيدني توترا.
شقيقك اللطيف هذا لعب معي، احرق معملي و بسبب هذا مات رجل من رجالي، و ها انا اعاقبه على مشاكسته هذه.

لم أصدق كلمة خرجت من ثغره، لو قام ماريوس بالامر لكنت قد استوعبت ما اخترق مسامعي لكن ايريك!
من سابع المستحيلات ان يقوم اخي المسالم بعمل كهذا...
انت كاذب!
همست بحقد و انا احدق بعينيه كان هو الآخر يبادلني النظرات، لم تختلف نظراته عن يوم الحفلة، كانت عميقة، تسلبني القدرة عن التفكير.
لم اسمع ما قلته كونتيستي!

نبس بنبرة أقل ما يقال عنها مستفزة، و رغم خوفي منه ضربت صدره بغل أحاول ان ارد له ولو جزء بسيطا من ما تذوق له شقيقي.
انت كاذب، ايريك لم يفعل شيئا كهذا، لست سوى حقير كاذب
امسك يدي و قيدهما خلف ظهري بحركة سريعة و بيده الاخرى رفع ذقني ليواجه عيني الدامعتين و اللتين تطلقان الشرر.
لست من سأكذب عليكي كونتيستي!
لكنني من سيجعل الكذب حقيقة لانقاذك.

لم احاول فهم ما يقوله، كنت ساعاود الصراخ بوجهه لولا ان ايليت قاطعتني.
ايريك لا يفعل اي شيء يؤذي به غيره!
كلماتها خرجت بهدوء مخيف...
جعلت من ايريك يستلقي على الارض الباردة، و استندت على المنضدة القريبة منها و التي كان يقبع فوقها مزهرية من عهد لويس السادس عشر، لم تكن اصلية لكنها غالية الثمن.

وقفت تناظر ليوناردو بعينين فارغتين من المشاعر، ليس و كأنها الفتاة اللطيفة التي تتلعثم بالكلام في كل حين من خجلها.
كيف طاوعك قلبك على اذية شاب مثل ايريك؟
وقف ليوناردو بجانبي و علامات البرود اكتست ملامحه، ليس و كأنه نفس من يحادثني بتلك الابتسامة.
راقب تحركات ايليت بعينين هادئتين، شعرت به يشد على احد يدي بطريقة غير مؤلمة، راقبت حديثه و انا اتنفس بوتيرة سريعة، الحموضة في حنجرتي تتزايد مع كل ثانية تمر...

توسعت عيناي بصدمة حالما اخذت ايليت المزهرية بين يديها لترميها بقوة ناحيتنا بنية إصابة ليوناردو و الذي سحبني خلفه مستديرا، اصابت المزهرية ظهره بقوة مؤلمة، اغمض جفنيه بهدوء غريب ليس و كأن مزهرية اثقل مني ارتطمت بظهره، تناثرت اشلاء القطعة الاثرية بكل مكان و قد أثار صوتها خوفي فاترعش كتفي بحركة سريعة.

عندما فتحت عيني وجدته يحدق بي بابتسامته تلك، ابتعدت عنه و ناظرت صديقتي و التي كان جميع رجاله يصوبون اسلحتهم صوبها و رغم هذا لم يرف لها جفن، كانت تطالع وجه ليوناردو بغضب و حقد.
اتركها، لا تقتلها
اردفت بنبرة مهزوزة استطاع هو وحده سماعها.
التفت إلى و فعلت المثل، على انهاء هذه المهزلة.
سأفعل كل ما تريده!
فقط اترك اخي و لا تلحق اي اذى بايليت...
ارجوك
حدق بي لبضع ثوان قبل أن يربت على شعري مبتسما.

اتعدينني بهذا كونتيستي الصغيرة؟
انك ستفعلين ما اريده؟
قبضت على يدي و من دون شعور رحت اعنف اصابعي و عكس ما يصيبني من اضطرابات همست بهدوء.
اعدك
استقام في وقفته و تزامنا مع هذا اختفت ابتسامته تلك، عادت ملامحه المخيفة الباردة، اقترب من والدي الذي كان يكافح للتنفس هو الآخر.
سواريز فيسكونتي
نطق ليوناردو بصوت مظلم و رغم ان فك المعني كان يرتجف اجابه بتذلل
نعم سيدي.

لا اعلم ان صدقت رؤيتي او ان صاحب الشعر الغرابي قد ابتسم باستهزاء حقا.
اترى تلك الفتاة هناك؟
سأل ليوناردو بهدوء و هو يرفع ذقن والدي بخشونة ليراني.
اجل سيدي
افلت ليوناردو ذقنه و مسح يده التي تلوثت من الدماء في ثياب من يكون والدي، و بخطوات رصينة عاد ادراجه لينتصب امامي بوقار...
ابتسم، فدب داخلي الذعر...
كانت ملامحه اشبه بملامح شيطان مخيف...
بلعت ريقي الذي لم اجده نتيجة جفاف ثغري انتظر ما سيقوله...

لم اتوقع ان ينطق ما نطق به...
لم اتوقع أنه سيدمر حياتي مجددا...
و هو الذي اخبرني ان ابدأ من جديد!
هذه الكونتيسة الصغيرة ستكون خطيبتي...
خطيبة ليوناردو اورسيني
شحب لون وجهي اكثر...
لم تعد الحموضة متحملة و اصبح الانقباض داخلي مؤلما لدرجة منع فيها الهواء من زيارة صدري.
انحنى و بصوت مرح همس بجانب اذني...
انت لي من اليوم كونتيستي الصغيرة
كانت تلك آخر الكلمات التي سمعتها قبل أن ادخل في نوبة بكاء شديدة...

شهقاتي تسارعت للخروج عبر ثغري...
كنت اصرخ بكلمات كثيرة و انا اضرب صدره بقوة كبيرة ادفعه للخلف.
لا اعلم ان كنت قوية لدرجة تجعله فيها يتراجع للخلف ام أنه فقط كان يلعب معي...
اكرهك، اكرهك ايها الحقير التافه الوغد، اكرهك!
نطقت كلمتي الاخيرة بضعف شديد ثم سقطت ارضا اكافح لاتنفس بشكل صحيح.
ما الذي حدث بعدها؟
لا اعلم كل ما تذكرته لحظتها هو ابتسامته التي لم المحها بشكل صحيح أثر رؤيتي المشوشة...

لقد بعت نفسي في سبيل انقاذ اخي...
عقدت صفقة مع الشيطان...
لا استطاعة لي لنقضها و لا قوة لي كي انفذها!

فتحت عيني فقابلني سقف غرفتي الابيض، التعب جعل من نهوضي امرا صعبا و لم احاول بدوري فعل هذا.
عادت ذكريات ما حصل تداعب ذهني، عيني التي تحرقانني لكثرة الدموع التي ذرفتها اكدت ان ما عشته واقع لا وهم فقط.
لقد اصبحت خطيبته...
ان حاولت نكران هذا سأفقد اعز انسان على قلبي...
و بقبولي اكون قد سلمت حياتي لشخص لا اعرف عنه سوى اسمه و أنه اخطر من الارواح.
ماريا!

ركض المتحدث لسريري و جثى امامي ممسكا بيدي، مسح عليها بهدوء عكس القلق الذي احلى في تعابيره.
اختي! هل انت بخير جميلتي،
شددت على يده و تلألأت الدموع بمحجري، و بصوت مهزوز ناجيته.
انا خطيبته! سيأخذني من هنا ماريوس!
اعلن اخي عن تنهيدة مهزوزة، أستطيع ملاحظة صدره الذي يعلو و ينخفض بسرعة فائقة دليلا على غضبه.
اسمعي، لن يحصل هذا ماريا!
يستحيل ان اجعله يقترب منك!
عليه ان يتخطاني قبل أن يفكر بلمسك دون رغبة منك.

استقمت امسح دموعي بسرعة، يستحيل ان اضع حياة اخوتي على المحك.
لا تفعل شيئا غبيا ماريوس، كل ما في الامر انني أشعر بالحزن لان الامر حدث بهذه الطريقة
ابتسم بسخرية لما قلته و لم يلبث ان استهزء
اوه نعم لانك تحبينه كثيرا كنت تنتظرين ان يعرض عليك الزواج تحت ضوء القمر!
اخذت نفسا عميقا ابعد به تلك الغصة في حنجرتي و نبست بهدوء
و من قال انني لست كذلك...
انا معجبة به منذ يوم الحفلة، لكن لم اتوقع ان يفعل هذا بايريك.

لم تكن كذبة تصدق حتى و طبعا لم يبتلعها ماريوس مطلقا.
ملامحه جعلتني راغبة في الموت...
لم اره يوما هكذا، هالاته السوداء، عيناه الذابلتان و التي ظهر فيهما بعض الاحمرار...
كان سيجادلني مرة أخرى غير انني سبقته و سألت مغيرة الموضوع بأكمله
منذ متى و انا نائمة؟
رفع رأسه للسقف يهدئ اعصابه قليلا ثم اجابني بانقباض
منذ البارحة
حسنا لم استغرب من الامر، التخدر بقدمي يؤكد انني كنت فاقدة للوعي لمدة لا بأس بها.

تذكرت امرا فارتشعت اوصالي رعبا امسكت ذراع ماريوس و سألته بخوف كبير
لم يأخذوا ايريك معهم؟
شد على يدي بأنامل ساعده الآخر يبث بعض الاطمئنان داخلي و نفى ما قلت.
لم يأخذوا معهم احدا لكنهم تركوا بعضا من رجالهم لحراسة القصر
اومأت بتنهد ثم اسندت ظهري على ظهر السرير الخشبي، أشعر بالارهاق ولا رغبة لي في فعل اي شيء.
كنت سأطلب من ماريوس المغادرة و تركي بمفردي غير ان اقتحام والدتي للغرفة منعني عن ذلك.

اااه لقد استيقظت أخيرا!
حبا بالرب اينام شخص يوما كاملا، لولا ان خطيبك قد طلب منا عدم ايقاظك لكان والدك قد ابرحك ضربا لخرقك قوانين القصر!
اشكري الاله ان حفيد عائلة اورسيني شخص طيب
قلبت عيني بضجر لحديثها، هذا الشخص الطيب هو من كان سيقتل زوجك و ابنك البارحة و يجعلك ارملة...
لا داعي للحديث بالهراء امي، ماذا تريدين منها؟
سأل ماريوس بصوت مشتعل، لو كنت مكان والدتي لبلعت لساني!
ما هذا المزاج المعكر ماريوس؟!

هل ازعجتك اختك بشكواها مجددا
اتعلمون لقد تجاوزت كلامها منذ زمن، و عكس هذا بات مضحكا سماعه!
امي!
خرجت تلك الكلمة من ثغره فحيحا مرعبا جعلت من أمي تخرس تماما...
ذاك الخطيب اللطيف الذي تتحدثين عنه كان سيقتل ايريك و ها هو الآن يشتري مقابل حياة اخي مستقبل اختي!
هل تفقهين الوضع؟!
صرخ ماريوس في وجه امي و التي لم تتوانى هي بنفسها عن الصراخ بوجهه ايضا.

و ماذا قد نفعل نحن ازاء الوضع، هل اضحي بحياة ابني و زوجي؟ كما ان الامر ليس بهذا السوء
سيتزوجها لا يأكلها!
شعرت بالصدمة...
لا لانها تفضل كل الأسرة على بل لان الوضع طبيعي بالنسبة لها...
بحق السماء من جعلها اما؟!
كان الجدال سيستمر بينهما لولا ان جوليان تدخل فجأة.
هل انتهيتما؟
صوته البارد جعل من ثلاثتنا يحدق به، لاحظت ان هنالك كدمة في الجانب الايسر من ذقنه.
والدي يحتاجك.

و انت ماريوس اخرج دع الفتاة تنال قسطا من الراحة
نظرت أمي ناحية ابنها الاصغر و نطقت بصوت منزعج
اتمنى فقط ان تعلم انك لست الوحيد الذي يحاول اصلاح الامور!
بعد كلماتها هذه غادرت الغرفة و تركتنا لوحدنا...
ليس و كأنها ستغضب من ماريوس طيلة حياتها!
لطالما تشاجرت معه على اتفه الامور و تعود للاهتمام به كما لو ان شيئا لم يحدث.
هل ستخرج ام ارميك من النافذة؟

استفسر جوليان يرفع احد حاجبيه و بالفعل رضخ ماريوس لما قاله الأخ الاكبر و هو يتمتم بعدة شتائم.
اقترب جوليان ليجلس على السرير بالقرب مني، مد يده حاطا إياها على جبيني كي يتفحص حرارتي، تنهديته اطلعتني انني بخير.
كيف تشعرين؟
و كيف ستشعر فتاة مرت بما مررت به؟
أعتقد انني بخير!
اجبت بابتسامة صغيرة، على تقبل الوضع...
مرت بضعة لحظات من الصمت، شردت بالنافذة احدق خارجا، كانت الشمس على وشك الغروب.

و قد افقت من شرودي على صوت اخي الذي كان بدوره سارحا بالارض...
اعتذر لانني عاجز على فعل شيء ينقذك...
اعلم انك بمتاهة صعب الخروج منها!
و اعلم ايضا انه لا سبيل لانقاذ الوضع لكن...
انا الى جانبك ماريا!
مهما حدث سأبقى معك.
ان تطلب الامر اخطفك من هنا و نبتعد و،
قاطعته اقفز في حضنه، كلامه دغدغ مشاعري، هذه كانت اول مرة يتحدث فيها جوليان بطريقة شاعرية معي.
شعرت بيديه تربت على ظهري بلطف و بصوت هادئ همس في اذني.

اعتذر عن كل ما يحدث معك ماريا
شكرا لانك معي
كانت هذه اعمق محادثة خضتها يوما مع جوليان...
لم ارى هذا الجانب منه من قبل...
و صراحة قد تأثرت به جدا!

يسير بخطى بطيئة، يشعر و كأن حملا كبير قد اثقل كاهله، لما كان على الامر ان يكون هكذا؟!
لما قد يحرق شقيقه معمل الدوق؟!
و لما لا يريد التحدث عن الامر؟!
و كيف سيساعد ماريا الآن؟
افرج عن تنهيدة ثقيلة لعلها تخفف قليلا من احزانه...
لما فجأة اصبحت فلورانسا بأكملها ضيقة تشعره بالاختناق؟
لم يكن منتبها لاين تقوده خطواته التي يرميها بثقل، و من دون ان يلحظ وجد نفسه امام آرنو...

ذاك النهر الذي تتدفق قطراته من جبل فالترونا، و يعد من أهم الانهار في ايطاليا بعد نهر التيبر...
كان هذا المكان ملجئا لمختلف الناس، يلجؤون اليه طلبا في نسمة الهواء النقية لعلها تزيل قطرة من بحر همومهم...
كما ان نهر آرنو ملجئ عشاق هذه المدينة!
و المقاعد التي كانت اغلبها محجوزة من طرفهم كانت دليلا على هذا.
بالطبع ستكون كذلك...
انهم في أواخر شهر ديسمبر و اقتراب السنة الجديدة موعد غرامي ليس له مثيل!

بحث ماريوس بعينيه في الارجاء لعله يجد مكانا له هو الآخر، و بالفعل إرتأت عيناه مقعدا خشبيا طويلا.
اتجه اليه يدفن يديه في جيوب سرواله، افكاره تتلاطم دون توقف و لحد الآن لم يستطع ايجاد شيء يهدئ ذلك البركان داخله.
جلس و راح ظهره على مسند الكرسي، الشمس غربت بالفعل و النجوم ترصعت بالسماء، بالكاد يستطيع ان يلمحها الشخص بسبب انوار المدينة الساطعة...
تنهد و اغمض جفنيه...
الا يوجد حل لما يحدث حقا؟

استذهب اخته لذاك القصر اللعين حقا؟
و هو الذي وعدها بأن يحميها مهما تطلب الامر؟
اللعنة
همس بانزعاج لما اخترق مسامعه، اتجهت انظاره للفتاة التي شاركته المقعد، و التي منحت نفسها حق الغناء بصوت مرتفع لتعكر صفو افكاره.
قلب عينيه بانزعاج و بين صفي أسنانه المتراصة اطلق عدة شتائم.
انحنى بجذعه امامها و نقر على كتفها عدة مرات و بالفعل نزعت الفتاة احدى سماعات اذنها و سألته بابتسامة.
نعم؟!

ابتسم الاشقر بتهكم و نطق بلطف متكلف و مصطنع اتضح من تعابيره التي تحمل البغض.
لو تخفضين صوتك قليلا فهو يخترق طبلة اذني و يعكر مزاجي اكثر مما هو معكر بالاصل...
هممم ما رأيك؟
ابتسمت صاحبة البشرة القمحية ابتسامة لم يرتح لها ماريوس و نبست بابتهاج.
طبعا سيدي لك هذا!
اومئ برأسه لها ثم عاد يستند مغمض العينين.
We re only getting older baby!
And I ve been thinking about you lately!

فتحت عينيها على مصرعهما حالما شعرت بيد تسحب سماعاتها بقوة غير سامحة لها بإنهاء اغنيتها.
ياا هذا!
اعد لي سماعاتي قبل أن افقدك منبع اولادك!
صرخت و هي تقفز تحاول اخذ سماعاتها من ذاك الذي استقام و هو يحدق بها منزعجا من صوتها المرتفع.
ان توقفتي عن الغناء كالغراب ستسترجعين سماعتك!
وضعت يديها على خصرها و علت ملامح الاستنكار وجهها.

اسمع ايها المغرور، نحن بمكان عام و يمكنني الغناء و الرقص ان أردت و لا يحق لك الاعتراض أبدا!
اوه حقا؟!
كرر وراءها يرفع احد حاجبيه و بدل ان تجيبه هي راحت تغني بصوت مرتفع بل و صارخ كي تغيضه
We re only gettin older، baby
And I ve been thinkin about it lately
Does it ever drive you crazy
Just how fast the night changes
تزامنا و آخر كلماتها هي فتحت عينيه تناظر ذاك الذي يحدق بها بمعالم فارغة.

أكان منزعجا من عنادها؟ نعم و كثيرا!
أكانت ترغب في صفعه لأنه متسلط؟! قطعا و دون شك!
هل انفجرا ضاحكين بعد جولة التحديق تلك؟
اجل و من اعماق قلبيهما...
ادعى ماري، ماذا عنك؟
نطقت بعد انتهاء نوبة الضحك تلك، كان كلاهما جالسين على المقعد يراقبان النهر.
ماريوس فيسكونتي حفيد غابرييل فيسكونتي صاحب مرتبة،
اقفل فمه بعد ان لاحظ نظراتها له...
ثم عاد يصيغ اجابته من جديد
ادعى ماريوس!

قلبت عينيها و هي تقهقه على هذا المعتوه الثرثار، استمر ذاك الصمت لعدة ثوان قبل أن يقطعه صوت ماريوس المتسائل.
من أين انت؟
لا تبدو ملامحك ايطالية
عينان عسليتان، شعر بني متموج وصل طوله الى خصرها، بشرة قمحية، تلك الشامة تحت شفاهها وردية اللون و المنتفخة...
هذه الملامح لم تكن من هنا، هذا ما جال بخاطر ذاك الذي ينتظر إجابة لسؤاله.
حقيقة انا،
ما إن ارادت الحديث حتى اصدر هاتفها بضعة نغمات...

حملته بين اناملها بملامح مبتسمة ما لبثت ان تحولت الى اخرى منصدمة ما إن حطت عيناها على الشاشة
يا إلهي! لقد تأخرت بحق الجحيم!
اخذت حقيبة ظهرها السوداء و استقامت، كانت ستركض بعيدا لولا انها تذكرت امر ذاك الذي يراقبها بملامح غبية.
لقد سررت بلقائك حقا، أراك غداا!
كيف ستراه؟
و اين ذهبت؟
لم يعلم ماريوس بشأن هذا شيئا لكنه اخذ يلوح لها كالأحمق مكررا وراءها.
أراك غدا!
ما ان لم تعد ماري في مجال نظره ابتسم ببلاهة.

واااه لابد انها اعجبت بي لتنتظر لقائي غدا!
حدث نفسه و هو يعاود الجلوس مرة أخرى، ما إن ارخى ظهره حتى شعر أنه جلس فوق شيء.
اوه لقد نسيت سماعاتها!

حميات غذائية، تمارين رياضية، دروس في العزف و الرقص و اللغات...
لم تترك امي شيئا الا و خططت له!
كما ان والدي و الذي تذوق اللكمات كان جد سعيد بالخطيب الغير متوقع.
و رغم كون جدي غير راضيا عن ما يحدث الا أنه يعلم خطورة الوضع ء و ان عائلة اورسيني قادرة على تحطيمنا في رمشة عين.
تخلصي من هذه الفساتين كاملة.

نطقت والدتي بتعجرف تخاطب الخادمة التي رضخت لمطلبها و بدأت تفرغ خزانتي من الملابس، تنهدت بملل رهيب، الن ينتهي هذا؟
أمي ما فائدة تعريتي الآن؟!
التفتت لي بضجر و انزعاج و كأنها شرحت لي الأمر مئات المرات.
طلب والدكي شراء مجموعة جديدة من الثياب لك، لن تقابلي دوق المدينة بفساتين كخاصة المتشردين!
اخذت نفسا عميقا، اود لو تحدث معجزة و تنقذني من هذا!

و كما لو ان السماء كانت مفتوحة جاءت المعجزة التي تمنيتها لتخلصني من والدتي.
سيدة فيرناندا الآنسة ميرنا خارجا و تريد مقابلة الآنسة الصغيرة
وسعت أمي عينيها و كأن سمعت خبرا مهما جدا...
و هل تجعلونها تنتظر هكذا؟!
ادخلوها بسرعة!
حسنا!
ألم تكن تكره ميرنا و تقول انها من تفسد أخلاقي!
ماهذا التغير المدهش الآن؟!

اسمعي ماريا، احرصي على ان تعاملي الآنسة ميرنا جيدا، لابد و ان السيد ليوناردو يريد التأكد من طباعك و من صدق وعدك!
اهذا واضح؟
دخول ميرنا منعني من الإجابة، استقبلتها امي بحضن رسمي باغتها و جعلها تصدم من تصرف امي.
ما اللعنة؟
سألتني ميرنا و هي تحرك شفاهها دون اخراج اي صوت، هززت رأسي بيأس لا أجد ما ابرر به تصرف امي.
عزيزتي ميرنا
ابتسمت صديقتي بتكلف تبلع ريقها.
كيف الحال معك؟ و كيف حال عائلتك.

رمشت ميرنا عدة مرات قبل أن تجيب بغباء
بخير، يرسلون تحياتهم!
ثرثرت والدتي مطولا بالهراء تحاول تملق رفيقتي قدر الامكان و كختام لحديثها اخبرتنا انها ستذهب لتطلب من الخدم احضار أفخم انواع العصائر.
والدتك لا تبدو بخير!
نطقت و هي تجلس بجانبي على السرير
ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟
كانت الساعة العاشرة ليلا، و لم يتبقى على وقت العشاء سوى نصف ساعة.
تنهدت ميرنا مطولا ثم حدقت بالارض، كانت تناظر كل شيء عدى وجهي.

آسفة لما حدث معك، لم استطع فعل اي شيء، حاولت مطولا لكن لا شيء نجح
كنت سأخبرها ان الامر ليس خطأها لكنها اوقفتني عندما امسكت كتفي و واجهتني بملامح جادة...
اااه عندما ارى هذه الملامح على وجه ميرنا أشعر بالخوف
هناك شيء غريب ماريا...
لا أعتقد أن ما يحدث بمحض الصدفة!
رفعت حاجبي باستغراب، لم افهم كلمة مما تقوله.
ماذا تقصدين ميرنا؟
أعتقد أن اخيك لم يقم بحرق اي معمل...
ان ما يحدث مزيف!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب