رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الخامس عشر
و بعد غياب لا بأس به
ها انا اعود في فصل جديد ملأته مختلف الأحداث التي قد تروقكم، و لربما تحرق اعصابكم؟!
لا تنسوا دعمي يا رفاق، فهذه هي الفصول الأخيرة من الرواية، و أريد من تعليقاتكم و تفاعلكم ان تظهر قلبي حماسا فلا أبطئ عليكم بفصل جديد من روايتنا
و في الفصل القادم ستودعون رواية أسطورة ماريا فيسكونتي!
هل انت مستعدون لبدأ الشوط الأول من النهاية؟
اربطوا الأحزمة جيدا سيداتي و سادتي...
و تجهزوا لرحلة جديدة في عالم يدعى خيالي!
قراءة ممتعة و سفرا هنيئا...
تنويه: يمكنكم الاستماع للاغاني الروسية المبطئة من اجل سفر ممتاز.
الفصل الخامس عشر: غياهب الشؤم،
انا ماريا فيسكونتي...
أعتقد أنني طيلة الصفحات الماضية من هذا الكتاب قد شرحت كل ما كنت أشعر به، كل ما حدث معي، كل ما اجتزته من لحظات حلوة و سيئة، و أعتقد أن النهاية قد حانت...
أو أنها اقتربت!
لا أعلم ما الشعور الذي قد يراود شخصا يعلم عن حياتي كل هذا...
أو ما ستكون ردة فعل شخص غريب عن ما خالجني من شعور و ما مررت به من مصائب...
هل الوضع سيتحسن، هل من يكتب كلمات كتابي سيشفق على حالي...
كيف ستكون نهايتي، نهاية فتاة قد أرهقت من الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؟!
قرأ كل حرف ببطئ، ذهنه عاد لتلك الأيام، لم يعلم ما هو التعبير الذي عليه ان يرسمه بالتحديد، ان يضحك، يبكي، يغضب، يقلق، او فقط ينظر لما يحيطه في هذه اللحظة و يتنهد طويلا فحسب!
يشعر أنه الآن قد فقد الاحساس، الاحساس بالماضي فحسب، داعب خصلات شعر تلك الصغيرة النائمة و سافر عبر ذكرياته، إلى ذلك اليوم، تحديدا تلك الصرخة، ذلك الصوت، و ذلك الشعور.
م، ماريا
همس ليوناردو بشرود و هو يمسك بيد فتاته...
السيارة تسرع و اصواتها التي تعلن انها من طرف المستشفى تجعل الجميع يبتعد عن طريقها تفسح المجال للحالة الطارئة التي تحملها آنسة ذات شعر أسود، عينين واسعتين نوعا ما و مغمضتين كملاك بريئ، أنف و فم صغير ذو شفاه مفتوحة تصارع لتسحب بعض الأنفاس التي خطفتها رصاصة استقرت بجانب صدرها...
صراخ المسعفين لم يجعل ليوناردو يستفق من شروده...
كانت معه، هو وعدها أن كل شيء سيكون بخير، كيف، كيف سرقتها رصاصة؟
ماريا، أفيقي،
همس مجددا و بدى له أن همهسه قد كان رياحا خافتة عصفت بها امواج من كلمات المسعفين بجانبه و الذين كانو يتواصلون مع فريق طبي من المستشفى لاحالة الفتاة الراقدة لغرفة العمليات حالا...
بارد الملامح، مقتول الروح، نار اشتعلت بصدره تكاد أن تحرق فلورنسا بأكملها بعد ثوان، فقط فليصل لذلك المشفى، فقط فليخرج ذاك الطبيب و يخبره عن حالة زوجته و حينها هو يقسم أنه سينتقم لكل دمعة، لكل قطرة دماء، بل لكل شعور سيء داهمها...
فقط لتفتح كونتيسته عينيها!
الظلام قد حل أخيرا بعد يوم طويل بدى لصاحب الخصلات الشقراء سريعا مثقلا بأفكار توديه شرقا تارة و تعصف به غربا تارة أخرى.
فتاته التي كان هو غارقا في حبها محترقا من غيرته عليها، هي كانت تعاني طيلة الفترة التي عرفها فيها، ماريوس لاحظ هذا الآن فقط، أي نوع من العاشقين هو بحق الرب؟
تنهد قبل أن يصب تركيزه مجددا على الفتاة التي أوقفت سيارة الأجرة أمام نفس البناية السابقة بوجه مبتسم لا يعكس مدى التعب الذي تكبدته طيلة هذا اليوم، و بهدوء صعدت الى منزلها و ما يشغل تفكيرها سوى مكان ماريوس الذي أخذ أنيس وحدتها بيكورو...
لا تعلم أنهما يترصدانها، و لو علمت لتجمدت الدماء في عروقها خوفا من أن ينكشف سرها الصغير الذي ارادت ان تدفنه معها لحين تراه هي مناسبا!
صعدت الدرج بهدوء ما جعلها بعيدة عن أنظار الأشقر الذي اسند جذعه على مسند الكرسي ينظر أمامه بشرود
ماذا على أن أفعل الآن،
همس و قد ابتلعت عتمة الليل كلماته المرهفة، كان يعتقد أنه سيكون رائعا كعاشق، لكن اتضح أنه لا يعلم شيئا عن اهتمام العاشقين...
كيف نسي أنها يتيمة، هذا كان أول ما علمه عنها فكيف راح عن ذهنه أنها و ربما تعاني من أوضاع سيئة...
من انت ماري، بحق الرب ما الذي يحدث معك.
كلماته لم تكن موجهة للقرد الذي يجلس على الكرسي المجاور يصدر اصواتا خافتة و كأنه يفهم أن ماريوس الآن تائه داخل مجرة من الأفكار الغير جيدة لقلبه المغرم...
يبدو أن وقت عودتك لحضن صاحبتك قد آن بيكو
اختصر الأشقر اسم القرد الذي أسرع لكتفه، لم يعد ماريوس يستغرب او يندهش من نظرية أن القرد يفهم ما يقول، اعتاد على الأمر حقا...
وجد هاتفه الملقى تحت المقاعد الخلفية بعد بحث قصير و هاهو الآن يصعد الدرج نحو منزل صاحبة الشعر المموج، درجة بعد درجة يتفقد الأسماء المنقوشة على الأبواب عله يجد اسم ماري بينها لكن عبس، أين تقطن هذه الفتاة؟
قاطع الصمت المغدق صوت خطوات غريبة تقترب منه، كان رجلا ذو بنية ضخمة تتوسط شفاهه سيجارة ينفث سمومها بتركيز غير شديد و بيد اخرى كان يحمل قارورة نبيذ فاخر، نبيذ من مخزن عائلة فيسكونتي، يالا سخرية القدر...
كان على وشك أن يوقفه و يسأل عن منزل فتاته غير أن اهتزاز هاتفته قد قاطعه، لعق شفته العلوية بغيض و هو يخرج الهاتف من جيبه غير منتبه لتصرفات القرد الغريبة على كتفه، كان ينظر لذاك الرجل بعدائية و يختبئ و كأنه لا يود رؤية هيئة ذاك الغريب الذي ابتعد مكملا صعوده نحو الطابق العلوي...
ماذا هناك جوليان؟
سأل الأشقر متنهدا بينما يشد على خصلاته يرفعها عن ناظريه و ما إن ترامت كلمات شقيقه على مسمعيه حتى ارتخت اطرافه بصدمة شلت جسده كاملا...
اللعنة،.
كانت الردهة و رغم اكتضاضها بمختلف البشر تبدو فارغة و باردة جدا للفتاتين اللتين جلستا بصمت قرب بعضهما تنظران للأمام بصمت، عدة حجرات منها الممتلئة بالمرضى و الفارغة تستعد لاستقبال من اصابهم سقم قد توزعت هنا و هناك على طول الممر الذي انبثقت منه رائحة المعقمات المميزة بالمستشفيات و في آخر الرواق كانت غرفة المراقبة التي تعرض شاشات برزت عليها مشاهد لمختلف القاعات و الأماكن بالمشفى الخاص الكبير بفلورنسا، هناك أين كان كل من جوليان و ايدواردو يحاولون التفتيش بالضبط عن لحظة اختفاء الكونتيسة...
هل ستكون بخير في رأيك
همست راسيل مبقية ناظريها صوب الأمام محدثة ميرنا التي كانت بالكاد تحافظ على رباطة جأشها
عليها ان تكون كذلك
اجابت بصوت مهزوز، كثير من الذكريات داهمت مخيلتها، تلك اللحظات التي قضتها مع ماريا منذ نعومة اظافرها، ألم يكن كافيا ما قاسته ماريا طيلة حياتها من مشقة، أعليها دائما أن تبحث عن مأمن لروحها المنهكة؟
انقبض خافقها عندما وجدت ايدواردو يتقدم ناحيتها بوجه منقبض و فك بارز و عينين دمويتين، هي تدرك و بطريقة جيدة ما تعنيه هذه الملامح، الوضع خطير، خطير جدا
حبا بالرب، ايدواردو ارجوك
لم تدرك حتى أنها بدأت تذرف دموعها و تتمتم بتلك الكلمات و هي تلحظ اقتراب خطيبها منهما، حالتها تلك لم تزد راسيل سوى هلعا
م، ماذا حدث.
ما إن وقف امامهما سألت الصهباء بوجه رسم الخوف أبهى حلله عليه بلع الأكبر ريقه و تنهد في الخفاء يحاول ضبط اعصابه جيدا
ماريا اصيبت، بطلقة نارية ليوناردو معها
شهقة خافتة خرجت من فاه صاحبة الشعر الأحمر بينما كانت ميرنا لا تزال في عداد الفارغين، كلا هي لن تصدق أن صديقة عمرها عادت لتطل على الموت، يستحيل أن يحصل هذا لها، كلا، لا يجب، كلا...
ماريا، هو، ماتت، لقد، قتلها، سواريز، والدها، ايد، ايدواردو،.
الهمسات التي كانت بالكاد تسمع صارت صراخا، و يداها اللتان كانتا بالكاد تتحركان اصبحتا تلطمان المكان حولها بهستيريا أفزعت راسيل و زادت الوضع سوء
ميرنا، بحق الرب اهدئي
هسهس ايدواردو بحدة و هو يزجرها له مقيدا إياها بذراعيه
تماسكي ما بالك، ليوناردو في أسوء حالاته فلا تزيدي الوضع سوءا ارجوك ميرنا، هممم حبيبتي.
كانت كلماته هذه همسا في اذنها بعد ان ضمها له يحاول ان يبث لقلبها المرتعش بعض السلام و هي لم تجد أفضل من احضان نصفها الآخر لتكمل بكاءها هناك...
تبكي ذعرها و خوفها و ندمها، تبكي على صديقتها المسكينة التي تكافح الآن للبقاء على قيد الحياة...
ميرنا، م، ماذا حدث، أين هي، أين هي ماريا
كلمات ماريوس سبقت حضوره و هذا ما جعل أنظار الثلاثة تتجه نحوه، عيناه حمراوتان تحبسان خلفهما هلعا، خوفا، قلقا جما.
ماريا اصيبت بطلق ناري ليوناردو في طريقه الى هنا رفقتها
لخص ايدواردو الوضع بهدوء متغاضيا عن فكرة ان الأشقر اللعين نادى حبيبته أولا لكن الوضع لا يسمح الآن بما يدعى الغيرة، أوليس؟
مرت الدقائق بين مراقبة كاميرات المراقبة و استرجاع ما حذف منها و بكاء الفتيات تارة و استجماع شتاتهن تارة أخرى...
بدت الثواني التي تمر كأنها ساعات يصعب الركود فيها، الجميع ينتظر وصول سيارة الاسعاف و التي كانت تحوي داخلها رجلا هدت جبال صبره نظرا لرقود امرأته ساكنة و كأنها تخبره أن اللحظة التي يصعب قولها قد حانت
ان تركت الموت يأخذك ماريا فسألحقك هناك، و ألحق سبب ذهابك بنا ليحترق في الجحيم
يتمتم دون ان يعلم السبب و هو يمسح على يدها البيضاء ذات الاصابع الرقيقة و التي لطخ الدماء طولها.
لا تفعلي، حبا بالرب لا تذهبي، لا تكسري ظهر زوجك الذي يعشق نبضك،
همس مقبلا باطن يدها ينفث انفاسه هناك، غير مبال لأيدي الاسعافيين التي راحت تحاول الحفاظ على حياة ماريا...
ماريا التي عادت ترى الموت يطل عليها فيجمعها بمن فقدت يوما...
و خلف سيارة الاسعاف ببعض الكيلومترات كانت هناك سيارة أخرى بيضاء اللون تسرع خلفها و لم تكن تحوي بداخلها سوى شقيق ماريا الأكبر و مساعده الذي تولى القيادة رفقة ايليت التي اختارت الصمت رفيقها تراقب حالة الشاب الذي تحب، لا يدرك احد منهم ان الفتاة التي يسرعون من اجلها للمستشفى ترقد قبلهم نائمة تصارع عتمة ظلام بمفردها...
لوهلة شعرت ايليت ان نفس ما حدث معهم قبل شهور يكرر، حين ضرب السيد سواريز تلك الفتاة مرسلا إياها لمفترق طرق اختارت فيه ماريا مواصلة الحياة لكن، ها هي الآن مجددا في نفس المحطة، أيعقل انها ستختار الابتعاد؟ أن تنجو بما تبقى من شضايا الأمل و تنفذ بجلدها؟
هل، ان ماتت ماريا سيأخذ والدكم، مسعاه؟
لم تعلم الفتاة انها نطقت بتلك الكلمات بصوت مرتفع لكنها فعلت فقط، و رغم قساوة ما نبست به على قلب ذلك الشاب لم يجد نفسه إلا و هو يجيب مناظرا الأشجار خلف زجاج نافذته
كانت الوصية تشمل شرطين، ان لم تتغير كنية ماريا و ان لم توافها المنية فسيكون الارث لها و هي من ستتصرف به مع الحفاظ على حقوق الاحفاد الآخرين بعيدا عن سواريز.
هو لم يكلل ذلك الشخص بلقب والده، هذا ما لاحظته الصغرى متأكدة ان فعلة سواريز فيسكونتي هذه المرة لن تغفر البتة
أما ان اختل أحد الشرطين،
عاد يتحدث و هو يقبض على فكه بخشونة غير معهودة
فستحول الأملاك حسب العرف و التقليد العائلي أي أن ذلك اللعين سيحضى بالمال و يفر
همهمت الصغرى بتفهم لكن تبقت علامة استفهام أبت أن تزال من ذهنها و لم تتوانى عن طرح سؤالها بما أن الآخر موافق على اجابتها رغم برود حروفه.
لكن الكونت فيسكونتي لا زال على قيد الحياة اذا، ما الفائدة ان قتلها الآن؟
تنهد ايريك مطولا قبل أن يفتح فمه ثانية يشفي فضول صاحبة العيون الداكنة.
بما أن ماريا تزوجت فيحق لها المطالبة بالارث الآن لكنها لا تفعل لأنها لا تهتم ببساطة، لكن في حين توفيت الوريثة و بامكانها أخذ ما ترك لها يجب على الأموال ان تفرق عاجلا حسب الأصول اللعينة الأخرى لاستمرار عمل الشركات، فخلف عائلتنا عدة أشخاص يطمحون للاستيلاء على لقب الكونت لكن مداولة الأموال و استمرار الحكم بيد وريث واحد سيجعل الحكم يستمر لعائلة فيسكونتي و بموت الوريثة التي يختارها المورث تنتقل التريكة حسب الهرم العائلي بعض النظر عن الوفاة و سببها.
أومأت الأخرى بتفهم و بداخلها هي شعرت أن ماريا قد ظلمت حقا، منذ ان ولدت كان عليها تحمل فكرة كونها فتاة عكس امنية والدها المجنون و دون رغبة منها وجدت نفسها وريثة لأموال جدها و خطر اغتيالها من اجل الارث كان عائقا لا يزاح امامها...
طال التفكير ما جعل الطريق أقصر بالنسبة لايليت و التي حالما توقفت السيارة حتى ترجلت رفقة الشابين الآخرين
سيد فيسكونتي، هل تحتاج ان أفعل شيئا آخر من أجلك.
سأل المساعد مديره الذي علق ابصاره على سيارة الاسعاف امامه و التي فتحت ابوابها تعلن عن جسد صاحب المنكبين العريضين، ايريك لم يدرك ان ريقه قد جف و هو يناظر ليوناردو ينزل من تلك السيارة و الدماء تلطخ قميص بدلته الابيض، خياله هو الاخر لم يرحمه بل بات يرسم اسوء المشاهد لاخته التي لا بد ان جسدها هو المنسدح على السرير المتنقل و الذي يتم اخراجه على عجالة من اجل نقل المريضة لداخل المستشفى
ماريا، اختي ماريا.
ركض لها، ركض و هو يشعر بحرارة غريبة تعتري جسده، ماريا مصابة، هي ميتة، لقد نجح سواريز في قتلها، لقد ماتت و رحلت، هو فشل في حمايتها،!
لم تتوقف افكاره عن لطم ذهنه و هو يساعد المسعفين في دفع السرير الى اروقة المشفى، يقودون جسد اخته الدامي لغرفة العمليات من اجل اجراء جراحة عاجلة...
لون دمائها انعكس على مقلتيه كما فعلت مع ليوناردو، ليوناردو الذي فقد احساسه بمن حوله، شاردا في جسد ملاكه الراقد دون حراك، شاردا في اثار دموعها التي لم تفشل في رسم خطوط على طول وجنتيها الباردتين...
هو حتى لم يدرك ان جميع من يعرفهم احاطوا جسده يمنعونه من مواصلة التقدم فاقدام المسعفين وصلت للغرفة المنشودة
م، ماريا،.
نطق جاثيا على ركبتيه امام باب غرفة العمليات الذي صار احمر اللون يعلن ان معركة الموت قد باشرت خلفه، صوت بكاء الفتيات قد ارتفع، راسيل لم تجد سوى حضن جوليان، و هو الاخير كان يحدق في الباب دون تصديق، محال ان تكون الفتاة المصابة هي اخته
يستحيل ان يفقد ماريا شقيقته الوحيدة، هذا محال
ساقتله، و اللعنة ساجعله يدفع ثمن هذا اقسم بكل ما املك.
هتف الاشقر بين صفي اسنانه و رغم هذا بدت كلماته صراخا مفزعا لدرجة ان القرد الذي على اكتافه نزل مسرعا يختبئ تحت كراسي الانتظار، كان على وشك ان يغادر لولا كلمات ايدواردو الباردة التي اخترقت مسمعيه
كف عن التبجح و اثبت مكانك، يتم تعقب مكان ذاك المخنث الان فلا تفسد الامر بتهور غير مجد.
رغم ان قبضتي ماريوس اشتدتا في غضب جم الا انه زفر انفاسه ببطئ، شقيقته الان بين الحياة و الموت، هو لن يزعجها بالشجار كي لا تركل مؤخرته حين تنهض، تنهض، اجل، هي ستنهض
مرت ثوان، و الثوان سحبت دقائق، و الدقائق تشابكت فاصبحت ساعات، هي ثلاث ساعات كاملة، ثلاث ساعات من الانتظار المزعج الذي جرح دواخلهم
ثلاث ساعات وصلت فيها السيدة فيرناندا رفقة العمة ايزابيلا فزادت حدة حزنهما ذاك الرواق كآبة.
ثلاث ساعات ظل فيها ليوناردو يراقب باب غرفة العمليات و هو يتذكر شكل عيون فتاته التي ظنت انها نجت حين عانقها
ثلاث ساعات استرجع فيها كل واحد من المتواجدين ذكرى جمعته مع تلك التي ترقد في الداخل
ثلاث ساعات اقتحم فيها نيكولاس المكان بهدوء و اختار مقعدا بعيدا للجلوس و المراقبة من هناك بقلب جريح ينزف الدماء
ليوناردو،!
همست ميرنا تجثو بجانب ابن عمها واضعة يدها على كتفه، لم يبعد انظاره عن الباب بل و ظل صامتا لا يجيب تلك التي احاطت الدموع مقلتيها من جديد
لم تجد ميرنا ما عليها قوله، كيف تخفف عن رجل يرى ان هوسه و شغف حياته على حافة الهاوية...
ليوناردو لم يحب سوى مرة في حياته، بل و حبا بالرب هو لا يعيش سوى من اجلها...
هو لم يعش معها بعد
هو لم يحقق احلامه معها...
لم يجرب بعد ان يطبخا سويا...
لم يجرب ان يتخاصما فيراضيها بما يجعلها تبتسم سعيدة و تخبره انها تحبه...
لم يجرب بعد ان يرقص معها وسط الشارع و الثلج يتساقط...
هو لم يحقق احلامه و التي شملتها هي فقط دون غيرها فاي ظلم هذا!
ستكون بخير!
همست ابنة عمه بصوت مهتز فابتسم ساخرا، بخير، اي بخير هذه التي تتحدث عنها
انت لم تري تلك النظرة يا ميرنا.
همس ولم يعلم ان كان همسه قد خرج فسمعته ام ان الظلام داخله ابتلع ما قاله لكنه واصل ما كان يفعل و عيناه تحرقانه دون هوادة
انت لم تري كيف نظرت لي عندما اخترقت تلك الرصاصة ظهرها، و كانها تخبرني، انني لم احمها، و انني لن اراها ثانية
اكانت دموعه باردة لدرجة تجعل فيها ذقنه يرتجف فيجعل كلامه مهتزا، ام ان الكلام كان ثقيلا فارتعشت الحروف و تلاشت مخارجها.
انا لم ارد شيئا غير ماريا، كنت اعلم انني لست كغيري، مسخ، وحش، قاتل، عديم مشاعر
كنت اعلم انني لم اكن طفلا طبيعيا فمن الطفل الذي قد يقتص من امه و هو يبتسم بسعادة، و اعلم انني مراهق مجنون فمن ذا الذي يعذب و هو يضحك، و لم اكن شابا عاديا ايضا فانا لم اضحك الا نادرا
ميرنا،.
همس كما كان يفعل و هذه المرة وجه نظره لها، وجه نظره لتلك التي تشعر ان قلبها قد تقطع لما تسمعه من الشاب الذي اعتقدت يوما انه جدار منيع لا يسقط فتتكئ هي عليه دون خوف...
لكن اتضح ان الجدار كله يستند على نبضات خافق لربما ما عاد نبضه موجودا
انا لم اشعر انني انسان الا معها، لم اكن طبيعيا الا و انا حولها، لم يخفق قلبي كالبشر الا و هي معي.
هي لما تشعر ان كلماته سكين تطعن قلبها، هي لما تريد ان تدخل لتلك الغرفة و توقظ ماريا فتعيد الروح لمن يكون باشبه للشقيق بل و اقرب من ذلك لها
لم تجد نفسها الا وهي تحضنه بقوة لها، تدعو الله ان ينقل المه لها و لا يستمر عذابه هو...
و هو دون طاقة استمر بذرف دموعه ينظر لباب غرفة العمليات بعينين منطفئتين
لقد اكتشف شيئا مهما.
ان اختارت ماريا الذهاب دونه لعالم يدعى الموت فهو لن يتردد لحظة واحدة في اللحاق بها، بل هو يقسم انه سيفعل هذا!
سنحقق مع الشخص الذي اطلق العيار الناري و اعدك سيدي الدوق سنجد سواريز و نقدمه لجنابك كما طلبت
تحدث المفوض العام بنبرة منضبطة للدوق اورسيني الذي نظر للكونت فيسكونتي يستطلع ملامحه الباهتة، منذ تلقيه لخبر اصابة حفيدته وهو بوجه يصعب تفسيره...
لم يكن من الصعب على الدوق ان يعلم ان غابرييل الان يشعر بالندم، و كانه اكتشف ان تسليمه الارث لحفيدته الصغيرة كان اكبر جريمة اقترفها بحق تلك الطفلة المسكينة.
تنهد الدوق قبل ان يقف معلنا نهاية حوارهم مع المفوض و بالفعل وقف الرجلان الاخران
لا تقلقا جنابكما، ستسري الامور كما تشاءان
اومئ الدوق بهدوء في حين ان الكونت قد شق طريقه بخطى هادئة نحو الخارج، و امام سيارته هو حدق بمساعده الشاب الذي انهى مكالمته الهاتفية
سيدي، لقد وجد جوليان من المشفى رقم الممرضة المسؤولة عن نقل ماريا خارج المستشفى، هل تسمح لي بتعقبها سيدي الكونت.
لم يجد السبعيني نفسه الا و هو يومئ لآيدن يسمح له بتقصي اثر الممرضة المدعوة سيلينا، دخل سيارته و جلس في المقاعد الخلفية في حين ان الشاب قد امر بقدوم رجل اخر كي يقل الكونت بدلا عنه...
لوهلة احس غابرييل فيسكونتي انه نذر حياته للشيء الخطئ، و ان اعداء الدين الذين سبق و اقتص هو بنفسه منهم ليسو الا اشباهه، و الا فلما ابنه عبارة عن وحش قاتل و لما ابنته و انيسة قلبه معاقة و لما حفيدته الصغيرة راقدة الان في المستشفى...
اتجهت انظاره للساعة التي ظهرت ارقامها على محرك السيارة التي شغلها احد رجاله، انها الرابعة فجرا، لم يبقى على الشروق سوى عدة لحظات، لم يصل اي خبر حتى الان من المشفى ما يعني ان العملية لازالت مستمرة
هو يشعر ان قلبه لا ينبض بطريقة صحيحة و فكرة الذهاب و البقاء في المستشفى الذي يرعبه تجعل من تجاعيده التي اكتسبها مع مرور الوقت و المحن تذبل اكثر و اكثر
خذني الى المقبرة.
تحدث يضرب الكرسي امامه بخفة بواسطة عكازه المزخرف، هذه عادة اكتسبها دون ان يعلم متى...
ربما من والده و ربما من احد احفاده في صغرهم عندما كانو في حضنه يلعبون بعصاه و يلوحون بها، هو لم يعد يستطيع ان يتذكر تماما!
نتاليا، انظري لحال زوجك يا حبيبتي
بصوته المتعب ناجى جثمان زوجته الراقد تحت التراب، يمسح على ذلك الثرى كما لو انه يداعب خصلاتها التي احبها منذ ان تزوجها قبل ما يقارب الخمسين سنة.
حفيدتنا تموت يا نتاليا، ابنك، ذلك الابن الذي كان عليه ان يرث خصالي قبل ثروتي قتل ابنته بسبب طمعه
امتلأت عيناه بالدموع و بات جفناه ثقيلان حقا و ظهره الذي اعتاد الانتصاب قد تقوس و كأن مصابه هذه المرة كان اعظم مما قد يستطيع تحمله
انه بسببي يا نتاليا، حفيدتي التي تشبهك تطل على الموت بسببي، انا من كلفتها ما لا تستطيع تحمله و ما لا دخل لها به، انه بسببي يا نتاليا، بسببي.
صارت مشقة اخذ انفاسه تؤلم صدره ما جعله يتوقف عن الكلام لفترة ينظم وتيرة تنفسه لكنه ما لبث يواصل ما بدأه و طيف زوجته المبتسم يتجسد امام عينيه
هو كان يرى نتاليا ابنة عمه امام ناظريه، لم يبالي بحقيقة انه واثق من انه امام قبرها، و لم يكترث انه كان الشخص الذي دفنها بيديه قبل سنوات طويلة
هو ابتسم فقط رغم دموعه لزوجته التي فقدها، و امسك يدها يداعب اصابعها التي يحب...
اشتقت لك، اشتقت لك يا امرأتي، اشتقت لك يا سند ظهري، زوجك تحطم من دونك فأي قلب هذا الذي لك
ابتسامة نتاليا اتسعت في وجه غابرييل الذي شعر بها تحضنه و تمسح على ظهره في حنان كبير قبل ان تهمس
و انا اشتقت لك كثيرا، افتقدتك حقا، و ساكون انانية هذه المرة، انت هنا معي
اغمض عينيه و تنهد براحة كبيرة، ضم زوجته له، و كل ما فكر به هو ان حفيدته بخير، لسبب ما صار متاكدا ان ماريا بخير
نتاليا اكتفت به وحده...
ستاخذه معها و ستبقى ماريا هنا مع الجميع...
هي تستحق ذلك...
خرج الطبيب من قاعة العمليات
، لقد ماتت،.
ما حدث طوال الاربعة ايام لم يكن سهلا البتة على عائلة فيسكونتي
جنازة الكونت فيسكونتي و موته المفاجئ على قبر زوجته كانت جرحا داميا اخر في قلوبهم التي لم تشفى بعد من حادثة ماريا، مراسم الدفن كانت قاسية على جميع افرادها
شيعت جنازة الكونت غابرييل في انحاء فلورانسا باكملها مع حضور شخصيات مهمة اخرى من مختلف مدن ايطاليا منها عائلات الدوقية...
موت الجد غابرييل كان صعبا حقا لاحفاده، بل و كان صدمة جعلت من اخر ذرات الصبر تنفذ معهم، الدموع لم تعد وسيلة تفلح لافراغ ما يهلك قواهم، حتى الكلمات، لم تكن لتسعفهم للتعبير عما يشعرون به
لما وقع كل ما يحدث صعب تقبله لهذه الدرجة!
هذا السؤال من احد الاسئلة التي لم يستطع احد تقبل اجابتها بل لم يحاول احد فعل هذا
ع. عمتي.
التفت المعنية ناحية ذاك الذي هتف باسمها في تردد، ادارت كرسيها المتحرك بطريقة مناسبة لتواجهه، ملامحها ذابلة و فستانها الاسود ذاك لم يعكس ولو قطرة من سواد ما تشعر به داخلها
ايريك
لطالما كانت العلاقة بين ايزابيلا و ابناء اخيها الذكور سطحية، هم عكس ماريا لم يحادثوها كثيرا، صحيح انهم تبادلوا الهدايا في عيد رأس السنة، و انهم تبادلوا نظرات دافئة في بعض الاحيان.
لكن علاقتهم لم تكن ابدا من تلك العلاقات ذات البعد الاسري اطلاقا
تقدم صاحب الخصلات الفحمية من عمته و جلس امامها على الارض ينظر لها بهدوء
هل، تمانعين ان سالتك عن شيء ما عمة ايزابيل
نظرت مطولا في عيني الغزال خاصته قبل ان تبتسم بخفة له تومئ بلطف في انتظار ما سيليه قوله
هل، كان والدي. اقصد سواريز،
تبعثرت حروفه، دعك ملامح وجهه بتعب لا يعلم لما لا يسايره ثغره في نطق ما يريد
هل كان ذلك الشخص سيئا، دائما.
بدى لها الجالس امامها طفلا صغيرا، و كم لعنت داخلها سواريز لما فعله بهم، كيف حرمهم من ما يدعى بالعائلة، من الدفئ، لامته جدا على تلك السنين التي ضاعت من حياتها و هي بين جدران العلية، لامته على اشتياقها لرائحة والدها، لامته على كل لحظة حرمها فيها من لم شملها مع من تحب، لامته على كل دمعة. على كل كابوس بشع، على كل حلم مندثر توارى تحت التراب
سواريز، جلعني مؤمنة ان الانسان يولد شريرا احيانا،.
هتفت بشرود و هي تنظرلابن اخيها الذي بادلها النظرات باخرى تائهة، كاهله لم يعد يحتمل المصائب بعد الآن...
مرت لحظات من الصمت غاص فيها الاثنان في التفكير، لم يكن اي ما يشغل ذهنهما امرا يجعلهما يرغبان في الاستمرار في حالة الركود تلك لهذا هي سألت ايريك بعد ان اطلقت تنهيدة مثقلة
هل دفنت الصغيرة
اومأ بهدوء، و قلبه يتقطع على من دفنها بقلب محطم، لوهلة شعر انه سينهار مجددا و يبكي طويلا لكنه تماسك يزفر بارتعاش.
هي لم تستيقظ بعد، اخشى ان يحصل ذلك الانسان على ما يريده
لا يريد ان ينسب ما لا يليق بمن يكون والده، لا قدرة له فالخجل من انه ابن صاحب من جمع اسوء صفات الخلق يردعه، امن الطبيعي ان يتمنى الموت لابيه، هل من المعقول ان يحلم بنهاية تشفي غليله بحق هذا الشيطان الذي كان سبب شقاء عائلته
لن يحدث هذا لا تقلق، انا واثقة ان كل شيء سيتحسن عما قريب،
ربتت على كتفه بلطف قبل ان تواصل.
انها الحادية عشر ليلا، اذهب للنوم قليلا،
انصاع لها واقفا قبل ان يخرج و بدل الذهاب لغرفته هو استند على باب غرفة عمته يستمع لصوت بكائها و عيناه تحرقانه ايضا، يشتاقان للجد كما يفعل الجميع، يشعران ان الألم يرفض ان يقل حتى مرور ما يقارب الاربعة ايام...
و في غرفة ماريا كانت السيدة فيرناندا تجلس على السرير، بثوب حالك كما هي العادات الموحشة حين يكون هناك عزاء لفقيد.
لقد ذهبت يا ماريا، قبل ان تريها يا صغيرتي هي ذهبت، دفنت تحت التراب بينما الروح لم تنفخ فيها بعد،
تحدثت الاربعينية بين دموعها و هي تمسح على وسائد ابنتها بحزن شديد
نشتاق وجودك يا ابنتي فارحمي امك و اخوتك، اشفقي على عائلتك يا بهجة منزلنا انت
استمرت في ذرف دموعها و هدوء المنزل يزيد جرحها عمقا.
لما الحياة تبدو الآن عديمة الطعم، لا لون فيها و لا روح، اهذا ما كان يريده زوجها، اهذا ما كان يبحث عنه سواريز فيسكونتي...
املاك جامدة تشعره بوحدة قاتلة كما تشعر هي الآن!
فليأخذ ما يريد حبا بالرب، فلينل ما يشاء و يبتعد عنها و عن اطفالها، فليعد ماريا كسابق عهدها و يعد الجد غابرييل و فيرناندا مستعدة لتنام في العراء دون معيل هي تقسم، لا تريد شيئا، بحق خالق الارض و السماء هي لا عزا و لا جاها تريد بل تحتاج عائلتها
عائلة دافئة فقط
زوجا محبا يهتم باولاده و يحملهم بدفئ، جدين يداعبان احفادهما و لا يكلفان احدا من اطفالها بما لا تتحمله ارواحهم، و منزلا صغيرا يكفيهم جميعا.
هذا كل ما تريد و كل ما تحتاج
كيف سانظر لوجهك و اخبرك بما حدث، كيف ساسرد لك ما سينهك قلبك اكثر مما هو منهك، اخبريني كيف ساعتذر منك يا صغيرتي عن أذى العالم اجمع لك، همم اخبري امك المسكينة يا ماريا، اخبريني يا وحيدة امك
و كالعادة استمر بكائها الى ان سرقها النوم...
كما كان يحدث مع جميع من في قصر عائلة فيسكونتي...
البكاء، ثم النوم...
ارتفع جفناه ببطئ يعلن انه استفاق، استقام بجذعه بعد بضعة لحظات من الاستلقاء و التحديق بالسقف الابيض للجناح الفاره بالمستشفى يراقب شقيقه الذي لا زال يهمس بكلمات ذاك الدفتر للتي تتوسط السرير نائمة بعمق في غيبوبة يجهل متى قد تستيقظ منها
تنهد بعمق و اتجه نحوه مربتا على كتفه
ساخرج للكفتيريا و امر على الممرضة كي تتفقدها ثانية،.
رفع ليوناردو عينيه لاخيه قبل ان يهز رأسه يعلن موافقته، كان ايد على وشك الخروج لكنه توقف و استدار يرسم ابتسامة خفيفة تكفي لمناكفة توأمه
توقف عن القراءة للفتاة لابد انها تلعنك في احلامها
ابتسم ليوناردو هو الآخر مغلقا الدفتر المزخرف بطريقة فاخرة باهتة بشكل يجذبه
اريد ازعاجها الى ان تفقد اعصابها و تستيقظ، اليست طريقة مجدية بنظرك
ضحك المعني بخفة قبل ان يجيب ببحة ناتجة عن نومه لعدة لحظات.
واصل على هذا المنوال و ستسفيق كونتيستك الصغيرة و ترسلك مكانها لعالم الاحلام، على كل لن أتأخر كثيرا
عاد الهدوء للغرفة ما ان صار ايدواردو خارجها، اغلق صاحب الخصلات الداكنة الدفتر يعيده لداخل المنضدة
و اللعنة ماريا، حسبك الم تتعبي، افيقي من نومك و انظري لي بعينيك، انسيني همي، اجعلي من مجرتيك تنسيانني انني فقدت طفلتي، فقدنا طفلتنا يا امرأتي،
نفث انفاسه بتثاقل قبل ان يطبع قبلة دافئة على وجنتها الدافئة.
لو تعلمين انت ما يخوضه قلبي و انا اراك نائمة هكذا، هممم لو تعلمين
وقف متجها ناحية النافذة كي يفتحها، ناظر القمر المكتمل في السماء، انه منتصف الليل، اليوم الخامس عشر من شهر ابريل، هذا هو يومه، اليوم الذي وجد فيه...
لم يدرك متى بدأت عيناه تذرف الدموع لكن، هو يشعر ان كل شيء بات اصعب، بات يشعر ان لا شيء قد يعود كما كان الا في حالة واحدة...
عندما تلطخ يداه ثانية بذاك اللون الاحمر الدموي.
كان شاردا في السماء، يناظر النجوم، و ان صح القول ينظر لتلك النجمة اللامعة في السماء، نجمة ماريا فيسكونتي...
هل، سرقت نجمة مضيئة اهتمامك بدلا عن زوجتك
ذلك الهمس جعله يلتفت بسرعة لسريرها بقلب نابض، هو، هو متاكد لقد سمع صوتها، كانت هذه كلماتها
اقترب بسرعة من السرير لكن خطواته تثاقلت حينما وقعت عيناه على جسدها الهادئ في مكانه و عينيها المغمضتين
مسح على وجهه بخشونة
فقدت صوابي اخيرا، اللعنة.
تنهد يعود ادراجه للنافذة لكنه تجمد حينما عاد نفس الصوت يصدح بوتيرة منخفضة لكنها بدت صاخبة بما فيه الكفاية لتجعل قلبه يدق بسرعة جنونية
هاي. ايها الوسيم
عيناه اتسعتا قبل ان يلتفت لها مجددا، هذه المرة كانت تنظر له بابتسامة، كانت تنظر له، عيناها، هي فتحت عيناها اخيرا!
من جعل زوجي حزينا هكذا
همست مجددا بصوت مبحوح تنظر له بعينين لامعتين، تلك اللمعة، لمعة الحياة...
اقترب منها يجلس على الكرسي امام سريرها ممسكا بيدها و كأنه بحركته هذه هو يتمسك بها، يؤكد لنفسه ان هذا ليس مجرد حلم لعين
و من غيرك قد يجعلني هكذا، من غيرك قادر على جعلي احني قلبي و ذهني و روحي، من غيرك يا وحيدتي
اتسعت ابتسامتها قليلا و احنت رأسها حينما احاطت يد زوجها وجنتها بدفئ كبير
انا لا اجعل وسيما مثلك حزينا،
ابتسم لها و دون شعور منه هو انحنى يطبع قبلة على ارنبة انفها.
الا تستحين انت من اخافة قلبي العاشق عليك، كنت على وشك ان اجن بسببك
احمر وجهها بخفة خاصة حينما وضع اناملها على قلبه الذي يخفق بسرعة دون هوادة
انظري له، خلق هذا النبض لك، فما لك تفزعينه بغيابك،
وضعت كفها على وجنته في حين ان اعينها عانقت خاصته تنظر لاعمق نقطة بهما
هل اخبرتك انني احبك من قبل ليوناردو
ابتسم بدفئ لها و بكل حب هو امسك رسغها يطبع قبلة بباطن كفها.
و هل اخبرتك انني لا استطيع العيش من دونك من قبل يا روح ليوناردو
ضحكت، و رغم قصر ضحكتها هو شعر ان نغمات مبسمها قد أسرته
لو لم اكن في المستشفى لما سمعت كلمات حلوة كهذه من ثغرك
امتدت اصابعه لتلاعب خصلاتها و عيناه أبتا الابتعاد عن خاصتها
انت فقط كونتي سالمة جوهرتي هممم، و انا ساسمعك ما ترغبين به
رفعت احد حاجبيها و بمشاغبة هي ناكفت زوجها الذي شعر ان الروح ردت اليه أخيرا.
انا لا اريد ان اسمع ما ارغب به، اريد ان اسمع ما هو حقيقي ليوناردو
شرد بملامحها طويلا و بصوت جعل من بطن ماريا تنقبض هو اجاب
انت حقيقة ليوناردو الوحيدة ماريا، انت ما يجعلني موجودا وحيدتي
غرقت بتفاصيله كما فعل هو، لم يخبرها احد ان كلماته جذابة لهذا الحد، او ان غيبوبتها القصيرة جعلتها تنسى هذا على الاغلب!
لم يكن قد اكتفى بعد من التحديق بزوجته حين اقتحم ايدواردو الجناح مجددا.
الممرضة قالت أنها ستكون، ك، كونتسيته الصغيرة، انت استيقظت اخيرا!
هتف ايدواردو بابتسامة واسعة يحمل ذلك الكعك الصغير و كأسي القهوة التي كانت من اجله و اجل شقيقه
مرحبا ايد،
هي نطقت تنظر له بغباء، بحق الرب هي لا تعرف ماذا يقال لشخص ما عندما تستفيق من غيبوبة و طبعا هو لن يعلق، اليس كذلك؟
تلك الابتسامة التافهة التي يرسمها ليست لاغاضتها
اهلا بك زوجة اخي،.
قلبت عينيها بملل تنظر ناحية زوجها الذي لازال يراقب تعابيرها بتركيز و هيام، يثبت لقلبه الخائف انها بخير، زوجته بخير، هوسه الذي يعشق بخير، امرأته على ما يرام
ايدواردو، اخبر كبير الاطباء ان يزرع امامي كي يفحصها،
لا تغرنكم ثقته هذه، هو سيخرج عن صوابه حين يأتي الطبيب و يطلب من الممرضة ان ترفع قميصها كي يكشف عمق جرحها و يحدد الاضرار.
و كي اختصر لكم انتهى الامر بالمستشفى لاحضار امهر طبيبة في قسم الجراحة كي تقف على اجراءات تفقد جسد المريضة الخاصة
كيف تشعرين الآن سيدة فيسكونتي،
كانت المعنية على وشك ان تجيبها انها بخير لولا انها تذكرت شيئا مهما، هي، هي كانت حاملا، طفلها...
ل، ليوناردو، طفلنا، طفلي،
لم تنظر للطبيبة، هي لم توجه انظارها لها اذ تعلم ان اجابتها لن ترحمها عكس ذاك الذي اقترب منها و عيناه تخفيان من الحطام الكثير.
جلس على السرير بجانبها و مسح على خصلاتها، تارة يتابع حركات انامله و تارة اخرى يناظر عينيها
انت طفلتي الوحيدة التي اريدها الآن ماريا، لدينا من العمر ما يكفي، ابنتنا الاولى لم ترد الحياة مع الآسف
عيناها امتلأتا بالدموع و لم تجد نفسها الا وهي في حضن زوجها تبكي حسرتها هناك، هي هربت من هناك من اجل طفلها الذي لم تكمل فرحتها به
كم، كان عمره.
سألت و توسط حديثها شهقة بالكاد سمعت لكنها كانت كافية لاهتزاز مخارج حروفها تتخيل ماذا كان سيحصل لو انها فقط اسرعت لو انها وجدت ليوناردو دون ان تصرخ فتلفت انظار ذاك الذي اطلق النار عليها يحرمها من ابنها الذي لم تهنئ حتى بفرحتها به، هي لا تصدق انها فقدت طفلها في اليوم الذي عرفت بوجوده، اي شؤم هذا الذي بها حتى يسبب في موت روح بريئة صغيرة لم تواجه نور الحياة بعد، برفق كان ليوناردو يمسح على ظهرها يبعد يده عن مكان اصابتها.
كانت فتاة، في شهرها الثالث.
اشدت حدة بكاءها اكثر و قلبها يختزن من الحزن اكواما، و في حين هذا ما كان يشغل هذا بالها كان لصاحب الخصلات الداكنة شيء آخر ليفكر به، و هو كيف سيخبرها بما تبقى من مكارب، موت جدها و افلات والدها من قبضته، و ما يخطط له!
احتاج لانهاء الفحص سيد اورسيني
اومئ المعني بهدوء يفصل الحضن، حمل نفسه يجلس على الكرسي بدل السرير محتجزا يد زوجته الصغيرة بين يديه يمسح عليها برفق.
سيدة فيسكونتي، كيف تشعرين
كان جميع سكان فلورانسا يعلمون عن قصة الكنية التي لم تغير رغم الزواج، اخبارا كهذه تنتشر كالنار في الهشيم
بخير لكن، هناك ثقل غريب في قدمي و الم، لا، لا استطيع تحريكهما جيدا
هي منذ استيقاظها تشعر بذلك الشعور البغيض و بالفعل فكرة الشلل طرقت بالها تزيدها هلعا و كآبة وهذا ما جعلها تشد اكثر على قبضة زوجها و شهقاتها بالكاد كانت تسيطر عليها.
و رغم ان كلامها جعل من قلبه يفلت نبضة مؤلمة هو ابتسم لها بدفئ يمسح على طول اصابعها بحنان لا يعهده سواها منه
حسنا، سنقوم باختبار بسيط و لعلمك سيدة فيسكونتي،
اورسيني
قاطعها ليوناردو ببرود يصحح ما نبست به تحت دهشة الصغرى
سيدة اورسيني
تلقى ايماءة بسيطة من الطبيبة التي عدلت نظاراتها الطبية مواصلة الحديث.
سيدة اورسيني انت لا زلت في مرحلة التخدير الموضعي، تستطيعين تحريك جذعك حاليا نتيجة ذلك و الا فان الالم قد يعجزك عن تحريك منطقتك العلوية لفترة من الزمن
تزامنا مع حديثها كانت الطبيبة تخرج من طاولة معداتها دبوسا طبيا معقما
ماذا عن قدميها
كان ايدواردو هو من طرح السؤال حين لاحظ ان الاخران عاجزان عن فعل ذلك، رفعت الطبيبة رداء ماريا تكشف عن ساقيها لحد ركبتيها.
الطلقة النارية كانت صوب الجزء العلوي من الظهر و هناك احتمال كبير ان الرصاصة قد لامست النخاع الشوكي، لكن بما ان السيدة فيسك، اورسيني، تشعر ببعض الام هذا يعني انها لم تفقد الاحساس بهما
اختارت منطقة ما في قدميها و وخزتها بالدبوس ما جعل الفتاة تئن ببعض الألم تهز قدمها ببطئ كحركة لا ارادية منها و هذا جعل الطبيبة تتنهد قبل ان تبسم ثغرها قليلا
السيدة اورسيني لا تعاني من الشلل الكامل لكن، المؤقت.
صمتت تبحث بسرعة عن كلمات تريح قلوب من يصغون لكلامها بدقة
هي تحتاج لعدة جلسات تأهيلية و بعد ذلك ستستطيع السير مجددا، اطمئنكم ان هذا امر طبيعي نتيجة لمكان اصابتها و هذا اقل الاضرار
قلب المعنية ارتعش لما ينهال على مسمعها، هي، بدأت تصدق حقا اسطورتها، هي لا بد انها مصابة بالشؤم و الا من ذا الذي تنكب عليه المشكلات من كل حدب و صوب بهذا الشكل عداها
اختطفت، فقدت طفلتها، و ها هي الان تعلم انها مصابة بشلل مؤقت.
اليس هذا كثيرا على قلبها حبا بالرب!
متى، متى يمكنني ان اقف مجددا
ماريا استفسرت وسط دموعها شاردة بمنظر قدميها الهامدتين، حالتها هذه جعلت من مشاعر الطبيبة ترأف بها فابتسمت لها تحاول تشجيعها قدر مستطاعها.
هذا يعتمد على حالتك النفسية سيدة ماريا، لا تنسي انك محاطة بالعديد من الاشخاص الذين يحبونك، منذ ما يقارب الاسبوع و المستشفى مقلوب راسا على عقب بسبب اصابتك و الرجال الذين يحاوطون غرفتك لحمايتك و نساء يبكين بحزن لما حل بك، اعتقد انه عليك التحلي بقليل من الشجاعة فما تمرين انت به الان ربما اهون ممن يمر به غيرك في غرف اخرى من هذا المستشفى، صدقيني بعد بضعة حصص من المعالجة الفيزيائية ستعاودين السير لكن،.
وجهت الطبيبة ناظريها لليوناردو الذي يراقب ملامح زوجته بشرود كبير، بحب، بشغف، بهيام، بتعب، بقلق، بخوف
هو جمع جل المشاعر لها، فكانت مشاعره و حياته و سر وجوده.
انصح بتأجيل حصص اعادة التأهيل لشهر و نصف على الاكثر، لا يجب تناسي حقيقة ان السيدة اورسيني قد فقدت طفلا و هذا سيؤثر ايضا على حالتها الصحية كما النفسية، لحين تشافي جرحها و التئامه يمكنكم التواصل معي مجددا و ساتكفل بذات نفسي على مرافقتها و الاشراف على فترة تداويها
حدقت ماريا بالطبيبة و اجبرت نفسها على الابتسام تومئ لها لطيب خاطرها و كلماتها
بالشفاء العاجل سيدة اورسيني.
بعد كلماتها هذه كانت على وشك أن تشق طريقها عاجلا غير أن ايدواردو الذي وقف في طريقها منعها عن ذلك
أحتاج محداثتك للحظة، حضرة الطبيبة
خرجا من الجناح الخاص نحو الردهة هناك أين التفت ايدواردو لها بابتسامته الواسعة، تلك الابتسامة التي تعني أن ما سيقدم عليه هو بداية ما كان ينتظره منذ زمن لا بأس به
آنسة آناتوليا، صحيح؟
أومأت الطبيبة ترفع نظاراتها الطبية لتوضح الرؤية بطريقة أفضل.
لا يجب أن يعلم أحد أن ماريا حية، سينشر خبر وفاتها اليوم قبل الغد، اعتبري هذا الأمر هدية عيد ميلادي أنا و توأمي آنستي المحترمة.
ماذا حصل
سألها بقلق فابتسمت له بهدوء
هي بخير لا تقلق، زوجها بجانبها لكن، لا يجب ان يعلم احد بهذا.
كان رأسي يتوسط صدره، أستمع لنبض قلبه بشرود و شعور بالفراغ يحيط بي، و كأن جسدي يشعر أن روحا صغيرة قد فارقته فحل به ثقل غريب.
أنها الثالة صباحا كونتيستي، ألن تغفى عيناكي قليلا
سألني ليوناردو بعمق نبرته التي افاقتني من بحار أفكاري، رفعت رأسي له اعتزم عدم مغادرة حضنه، كان ينام معي على السرير بطلب مني بينما يحتضن جسدي برفق خشية ايذائي رغم أن الطبيبة أخبرته أن آثار المخدر لن تزول إلا بعد يوم غالبا.
لا أستطيع النوم، عقلي يرهقني من التفكير
داعب خط فكي برفق و عيناه سرحتا بخاصتي
و بما تفكر زوجتي، أطلعيني بما يجوب ذهنك الصغير ذاك
أرحت رأسي على صدره و لم أتردد في مشاركته علامات الاستفهام التي تدور في رأسي
لما، طلبت منها ان تناديني بكنيتك
ابتسم ليوناردو بجانبية قبل أن يجيب بتلاعب
ألا يعجبك أن يكون اسمي جانب اسمك، هل يزعجك أن أتملك اسمك كونتيستي الصغيرة
ضربت ذراعه التي تحيط بجسدي في ذلك الحضن بخفة.
تعلم أنني لا أقصد هذا، لكن، كان هناك اتفاق أن تبقى كنيتي كما هي بسبب حكايتي
تنهد ليوناردو بعمق طابعا قبلة عميقة على فروة رأسي
حكايتك هذه انتهت صغيرتي، باتت أسطورة ستروينها لأطفالنا
عقلي أعطى مئات التفسيرات كلامه لكن ما كان أكثرها منطقية تسبب في قشعريرة مخيفة لي، رفعت نفسي اواجهه بقلب متروع
م، ماذا تقصد
حاوط وجهي بكفيه يمسح عليهما برفق شديد
سنتجاوز كل شيء معا، أعدك
لقد حصل ما كنت اخشاه
هو، رحل!
صباح اليوم التالي...
تأكد من أن كل حرف ستقوله امامهم قد دخل عقولهم، حياة زوجتي تحت التهديد و لن اسمح لأحد باللعب بها الآن مهما كان
لم استطع سماع مكالمة ليوناردو التي كان يجريها خارج الجناح الذي كنت به، كنت جالسة على سريري بثياب غير خاصة المستشفى ساعدتني احدى الممرضات في ارتدائها، عيناي منتفختان اسفلهما محمر نتيجة عدم نومي و بكائي الشديد.
جدي، لما فعلت هذا بي الآن، لما رحلت دون ان تحادثني للمرة الاخيرة، دون ان تحضنني للمرة الاخيرة...
بينما كنت انتظر ليوناردو ليدخل و يساعدني على الجلوس في كرسيي المتحرك راح ذهني دون اذن مني يسترد ذكريات جمعتني بجدي العزيز...
و لوهلة باتت كل حركة قام بها لاجلي تعني الكثير
ضربه للطاولة بغضب عندما يصرخ احد والدي بي، نظراته المبتسمة ناحيتي و انا اعتني بحديقة جدتي، احضانه لي في كل زمان، في قرحي و فرحي.
كلماته المشجعة التي لطالما رسمت في وجهي ابتسامة عريضة...
انت حفيدة غابرييل فيسكونتي، قفي و رأسك مرفوع دائما
هذه الجملة بالذات جعلت من صخب بكائي يزداد و من ألم قلبي ينهش دواخلي اكثر
من يا جدي من بعدك يمسح على شعري و يخبرني انه عائلتي، من تراه يعطف لي و ينظر لي بتلك الطريقة
اخبرني من
كونتيستي.
رفعت رأسي ناحية ليوناردو الذي دخل يجر الكرسي المتحرك فقابله وجهي الباكي، افلت الكرسي و اتجه ناحيتي يجلس بجانبي يحضنني بقوة
لقد ذهب، هو لم يودعني و ذهب، لم اكن اعلم انها المرة الاخيرة ليوناردو، و الا ما كنت لابتعد عن حضنه اقسم
وسط شهقاتي الحادة تحدثت و لم اتلقى منه سوى حضنا اعمق و قبلة طبعها على جبهتي
سيمر كل شيء، سيمضي كل ما يؤرق ذهن زوجتي، كفي عن البكاء و ارحمي اعينك و قلبي.
اشتاقك يا جدي، فحبا بخالق السماء فارق خيالي و ارح كياني.
كان ايدواردو يقف امام جميع افراد عائلة فيسكونتي اضافة لراسيل التي كانت واقفة خلف الكرسي الذي يحمل جسد جوليان تضع يدها على كتفه...
يجلسون حسب الطريقة التي اعتادوا عليها، الكرسي الذي يترأس الطاولة فارغ فصاحبه يرقد خلف التراب في حين ان ايزابيلا احتلت بكرسيها المتحرك مكان اخيها، ذاك المكان خاصتها، هي احق به من ذلك الشيطان
احدث شيء لماريا.
تلك الكلمات نطقت بها السيدة فيرناندا و التي كانت الظلال السوداء قد رسمت طريقها لاسفل عينيها المحمرتين بطريقة مدمية و مخيفة، اولادها الثلاثة كانو قد لاحظوا الامر و خشي ثلاثتهم ان السبب عائد لارتفاع الضغط حاد لكنها ابت الانصياع و الكشف عن صحتها، كل ما تريده الآن هو البقاء تحت سقف منزلها و المسح على سرير ابنتها و تشبع من حزنها ما دامها ممنوعة من التواجد في المستشفى قربها.
لا تقلقي سيدة فيسكونتي، ماريا بخير و قد استفاقت، هي تعاني الآن من شلل مؤقت لكن ببضعة علاجات فيزيائية ستعود للمشي بطريقة عادية.
اختلفت ردات فعل المصغين، فمنهم من ابتسم بعدم تصديق يحدق بوجه افراد عائلته مثل ماريوس، و منهم من تنهد مطولا كحال ايريك و جوليان و كأنهما لا يعلمان ان كان سعيدين بانزياح احد الهموم عن كاهلهما او ان خبر الشلل هذا قد ضاعف من ما عليهما تحمله، و طبعا هناك ايزابيلا التي قبضت على كفيها تتحامل للتماسك فهي ترى قصتها تعاد لكن، بطريقة ابشع و مع شخص اقرب لها من الوتين لقلبها.
عدى ذلك كانت كل من راسيل و فيرناندا تبكيان لاختلاط تلك المشاعر عليهما
لا يجب على احد ان يعلم بهذا، على سواريز ان يعتقد ان ماريا ماتت كي نستطيع الايقاع به و،
صمت ايدواردو يوسع ابتسامته و سلط نظراته ناحية ايريك الذي كان ينظر له بهدوء هو الآخر
قلته!
حل صمت رهيب على القاعة التي تجتمع بها عائلة فيسكونتي و ما لبث ان كسره جوليان يسأل بنبرته الثلجية
و من سيفعل ذلك.
اختفت ابتسامة ايدواردو و حل بدلها عبوس لطيف نافى الموضوع الذي يتحدثون عنه
كنت اريد ان افعل هذا لكن ليوناردو بارع في اللعبة اكثر مني، اللعين حطم مقصي بالحجرة
بدى مجنونا و هو يتحدث بتعابير مغتاضة بكلام لم يتناسب قط مع الاجواء و قد كانت راسيل اول من استفسر
ماذا تعنيه بكلامك
ابتسم بجانبية و وقف يعتزم الرحيل.
سيتم تشييع الجنازة المزيفة لماريا بعد ظهر اليوم و على هذا الاساس سيباشر سواريز خطته لنقل الاملاك له، هناك احتمال كبير ان يزرع اشخاصا لمراقبتكم ما يعني انه لن تكون هناك فرص للقاء ماريا قبل سفرها
اشتدت عقدة حاجبي ايريك في حين ان ماريوس هو من انتفض بانفعال غير قادر على مواكبة كلمات الأخر
تحدث بوضوح معنا يا شبيه الافاعي، ماذا تعنيه بكلامك هذا.
مسح ايدواردو على طول انفه لبضعة لحظات يفكر بالوقت المناسب للكم ماريوس، اولا بسبب غيرته التي تراكمت على مدة ليست بقصيرة و ثانيا على انفعالاته الغبية هذه
ما سيحصل سيكون سريعا و لا اضمن انكم ستسوعبونه حقا لكن،
عاد يبتسم بطريقته الغريبة تلك مواصلا حديثه
فتاتكم بين اياد مستعدة لتلطيخ نفسها بالدماء ثانية من اجلها لذا لا داعي للقلق.
استدار يغادر القاعة فواجهته هيئة ميرنا التي كانت تركض كي تدخل لكنها توقفت ما ان وقعت انظارها على خطيبها
ايد، ماذا يحدث
ابتسم لها بلطف و قبل جبينها قبل ان يحيط عنقها بذراعه يجتذبها برفقته
ساشرح لك كل شيء ميري
تنهدت المعنية تسير معه غير عالمة ما هي وجهتهما، المهم انها معه، هذا كاف ليشعرها ان كل شيء على ما يرام.
جدي
همست بابتسامة منكسرة امسح على رخامة قبره، تلك الرخامة التي زخرف عليها اسمه و غرست بجانب رأسه، مررت اناملي صعودا و نزولا عليها و انا ابتسم بطريقة مهزوزة
لقد فارقتني مبكرا يا جدي، فارقتني و انا لم اشبع من حضورك بعد يا حبيب قلبي.
من ساسرق عكازه الآن و اقلد حركاته المهيبة ها، من سابتسم له و انا اعزف الحاني، من سيقبل جبيني عندما تتقاطع طرقنا اخبرني يا جدي، الم تفكر بحفيدتك و انا تسلم نفسك للموت اخبرني
من دون شعور صارت تهطل دموعي كغيث غفير لكنني لم اهتم بها بل واصلت المسح على رخامته و انا اتحدث.
انا لن اشعر بموتك الآن يا جدي، لن اشعر بغيابك الآن لكنني ساشعر به عندما ادخل غرفتك فاجدها فارغة، ساشعر عندما اسمع اسمك في الطريق صدفة فالتفت لابحث عنك عساي اجدك يا جدي
ساشعر بغيابك عندما ادخل المنزل و اشتم رائحتك فابحث عنك بلهفة طفلة رغم انني اعلم انني لن اجدك
سابكي كثيرا ايضا حينما امسك احد كتبك فيقع ناظري على جملة كتبتها او سطر لونته لانه نال اهتمامك
ساقهر في كل مرة اتحدث او يتحدث احد فيجلب سيرتك.
لقد ذهبت باكرا يا جدي، اقسم بالرب انك ذهبت باكرا يا اعز الخلق الي، انت مسندي فمن من بعدك يحتوي حفيدتك هذه، قل لي يا جدي،
من سيحدثني عن جدتي و يفشي لي اسرار الحب، من سيقول انني اشبه الازهار في رقتي و من سيشفي قلبي من جروحه من بعدك
انت الوحيد الذي كنت اشعر بالآمان حوله، كنت اختبئ من الظلام اليك، ظلام حياتي كله كان ينقشع في حضورك انت.
مسحت دمعة واحدة من ذلك السيل المنهمر على وجهي و بابتسامة مهتزة كمخارج حروفي تحدثت خاتمة مناحتي بقبلة على ذلك الرخام
في كل لحظة، ستعيش في قلب حفيدتك جدي الحبيب، انت ستحيى في قلبي الى ان التحق بك يا سند ظهري.
التفت ناحية ليوناردو الذي كان ينظر لي بعمق و عيناه مصوبتان نحوي في هدوء يتابع حركاتي بينما يتكئ على هيكل سيارته السوداء، حاولت تحريك الكرسي المتحرك ناحيته غير انني عجزت عن ذلك فانفجرت باكية انظر له بقهر و انكسار جارح قد رسم داخلي فتجلى في لمعة عيني التي كان هو وحده من يستطيع قراءتها
اسرع ناحيتي و جثى على الارض يحتضن جسدي دون ملل او كلل.
انا، م، مرهقة ليوناردو، اشعر انني، اشعر انني اموت في، في، كل لحظة مئة، موتة
بين شهقاتي تحدثت احاكيه عن الخراب داخلي احشر نفسي اكثر في احضانه فوجدته يمسح على ظهري بحنان
سيمضي ماريا، زوجك هنا خلفك و معك، احيطك من كل جانب و مستعد لهدم العالم لارى ابتسامتك، سيمضي يا كل كلي، سيمضي اقسم لك، انت بخير الآن
اغمضت عيناي و ارخيت اطرافي استمع لكلماته التي جعلت من نبضات قلبي المؤلمة تركد.
لا تتركني ليوناردو، لا تتركني
كلماتي جعلت من ليوناردو يغرق في عالمه غير انه همهم باقتضاب لجملتي يواصل شد جسدي الضعيف نحو خاصته المنتصب استمع لصوت ضربات خافقه الهادئة و التي طمأنت روحي قبل نابضي
ارتح يا جدي في قبرك
و ابتسم من السماء لحفيدتك
فكما انت الآن تحلق مع زوجتك التي تعشق
ها انا الآن في احضان زوجي الذي يهوى قلبي.
ايدواردو هل تسمع ما تقوله، هذا سيحطمها، سيكسر ما تبقى منها حبا بالرب
هتفت ميرنا بعينين مهتزتين تراقب الشاب امامها و الذي وضع يديه على كتفيها ينحني لمستواها في حين ان اعينه عانقت خاصتها
لكنه من اجلها، بعد عدة اشهر ستعود و ستواصل حياتها كأي فتاة بعيدا عن ذاك الوحش.
نفت برأسها تراقب جسد صديقتها النائم في الغرفة، منذ ان جاءت من المقبرة رفقة زوجها هي غابت في نوم عميق اثر تعبها خصوصا و انها عادت لمنزلها بعد غياب طالت مدته
كان اربعتهم في البيت الخشبي في الغابة، ليوناردو في الاسفل يحتسي من الكحول ما يخمد زوابع افكاره و هما في الردهة بجانب غرفة نوم ماريا و ليو.
الا ترى حالة صديقتي ايدواردو، انا لم اشهد على لحظة انكسرت فيها ماريا لهذا الحد، هي محطمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى و الشخص الوحيد القادر على الوقوف بجانبها ليس اي احد بل هو ذاك الغبي الذي قرر امرا حقيرا كهذا
تنهد بعمق و ابعد ذراعيه عنها و مجددا حاول اقناعها
ميرنا استوعبي الوضع، قد يقتلها والدها ان ظلت بالجوار و ليوناردو هو الوحيد القادر على وضع نهاية له.
طرحت انفاسها و مسحت على وجهها بتشتت و بنبرة مهتزة بالكاد التقطتها مسامع الواقف امامها نبست
و هل عليه ان ينفيها في المقابل، يهدم ما تبقى منها
في سبيل النهاية السعيدة أجل سأفعل
صوته الهادئ اخترق اذنيها فالتفتت وراءها تنظر لابن عمها الذي يحمل بين يديه كأسا من النبيذ ذي اللون الداكن يتلاعب به بخفة و ملامحه راكنة لا تظهر من ما يجول في ذهنه شيئا.
رفعت رأسها تواجه السقف عسى ان تختفي رغبتها في البكاء و من ثم اعادت حدقتيها لليوناردو
هذا جبن منك، ان تبعد الفتاة التي تعتمد عليك عن مصدر امانها و أين، في مكان لا تعرفه و في حالة لا تسمح لها حتى على السير بمفردها، هل تستوعب حتى ما تخطط له جنابك
ظلت حدقتاه عليها في حين تولى ايدواردو الاجابة عليها بهدوء لربما يخفف حدة انفعالها
بقاءها هنا يشكل خطرا اكبر.
عضت ميرنا شفاهها بقسوة تشعر ان ما سيحل برفيقتها امر يصعب تقبله خصوصا و ان المنتصبين على جانبيها لا يشرحان حتى ما هما ناويان على فعله
ان كانت هي ستذهب، فانا ايضا سارافقها
التفتت برأسها لايدواردو الذي اعتصر قبضته في حين ان معالم وجهه ارتخت بهدوء
كان يعلم انها ستفعل هذا و لكن لما يا ترى يعتصر قلبه في ألم لفكرة انها ستغيب عن ناظريه لعدة شهور بدت له فترة طويلة حقا.
و ما شغل تفكيره هو وجه ناظريه صوبه، صوب اخيه
يا ترى كيف يشعر و هو يرسل حبيبته و زوجته لمكان يبعد عنه الكثير، لا بل و هو على وشك الاقدام على خطوة مجنونة قد تتسبب في ضياع سنين طويلة من حياته التي لا معنى لها ببعد كونتيسته عنه
ما لفت انتباه ثلاثتهم كان صوت تلك الشهقة الخافتة التي زاورت مسامعهم، نظروا ناحية ليوناردو الذي شد على الكأس و عيناه قد اتسعتا قليلا
اللعنة.
شتم تحت انفاسه قبل ان يسرع لغرفة زوجته يفتحها فيجدها واقعة على الارض و من وضعيتها بدى و كأنها حاولت النهوض لكن قدميها خذلتاها فتولت الارض مهمة احتضان جسمها تعطيها سببا اخر للانفجار بكاء
سارع رفقة ميرنا لمساعدتها للنهوض و اجلاسها على السرير و قلبه يؤلمه لحالتها
جلست ميرنا بجانبها و برقة عانقتها و عيناها هي الاخرى غطتهما طبقة شفافة تنذر ببكائها القريب
حمدا لله على سلامتك ماريا.
وجهت ماريا نظرة مطولة لزوجها، نظرة قرأ فيها ليوناردو سطورا طويلة من اللوم و العتاب، هو رأى داخل مجرتيها انكسارا لم يكن سببه هذه المرة سواه
انا، لا اريد البقاء هنا ميرنا
همست ماريا بصوت مهتز لرفيقتها غير ان همسها وصل مسامع الشابين امامها فاحدث بقلب من يعشقها صدعا ارسل الألم له.
كان على وشك ان يتحدث غير ان هاتفه رن يعلن ورود مكالمة له و لم تكن الا من احد رجاله المكلفين بتعقب المخنث الذي ينوي الاقتصاص منه
تنهد و شق طريقه لخارج الغرفة و يشعر بخطوات ايدواردو الذي لحق به يتكئ على الجدار يراقب معالمه و هو يجيب على المكالمة
تحدث
امر باختصار يصغي للكلمات التي جعلت من غضبه و جنونه بعظمته يرسم بابتسامة على خلقته، تلك الابتسامة ليوناردو يعرفها جيدا.
لقد كانت نفسها الابتسامة التي رسمها قبل سنوات طويلة و هو يخطط لقتل والدتهما
سواريز فيسكونتي سيدي، هو سلم نفسه لمركز الشرطة
حسنا
لقد كان هذا متوقعا!