رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الثاني
شعر اسود فحمي يتجاوز نصف ظهرها، عيون فيروزية خضراء تميل للازرق بشدة، بشرة بيضاء لا تشوبها شائبة، ايزابيلا فيسكونتي كانت اجمل فتيات المدرسة الداخلية، جميع الطالبات علمن ان جمالها سيجعل منها اكثرهن حظا، طبعا، لا يوجد شاب سيقاوم ملامحها المشرقة و ابتسامتها التي عجز اي كاره لها على محوها من محياها الضاحك.
في حديقة المدرسة كانت تتجمع الفتيات لسماع صوت ايزابيلا الذهبي، كات تغني لهن لساعات تزامنا مع عزفها على كمانها و الذي كان هدية من استاذ الموسيقى العجوز الذي يعلم عن موهبة ايزابيلا فيسكونتي الفريدة من نوعها، لم يمانع اي الاساتذة او المشرفين على المدرسة عن هذا النشاط بل و بالعكس بدى لهم هذا مفيدا لفتيات محتجزات داخل ثانوية داخلية.
ما لم يكن يعلمه احد هو المعجب السري لايزابيلا، ذاك الشاب الذي كان يشعر بالنشوة لمجرد سماع عصفورته تغرد بكلماتها الملحنة من تناغيم الكمان الناعمة، يجلس فوق جذع احد الاشجار المطلة على ساحة المدرسة، يحفظ كل ما يخرج من ثغر ايزابيلا حتى يعيده في احلامه، كان مولعا بها، بتفاصيلها، بصوتها، بكل انش تحمله قلبا و قالبا.
في كل مرة يحاول الشاب فيها الاعتراف لسارقة كيانه يتراجع خوفا من الرفض، ليس بسبب اخيها الذي يعلم الجميع عن بطشه و تهوره، ولا من والدها الذي يقتل كل من خرج عن امره، بل بسبب كونه فقيرا اقل منها مكانة و شانا...
في احد الليالي، و حين كانت ايزابيلا تتدرب على الكمان بعد ان هربت من المهجع خفية شعرت بزوج من الاعين تراقبها، كان ماثيو قد اعتاد على جدولها، او بالاحرى صار مهووسا بها يعلم متى يغمض جفناها و متى تتحرك قدماها، و بطبيعة الحال كان على دراية انها اليوم و كما تجري العادة ستتسلل الى الحديقة الخلفية للمدرسة و تسمح لصوتها ان ينبعث في الارجاء، حاولت ايزا معرفة من يراقبها، بحثت ببلورتيها عنه في الارجاء و قد علم ماثيو من حركتها انها شعرت بوجوده الطفيلي عليها، بلع ريقه و جمع شتات نفسه، هذه فرصتي فكر داخله قبل ان ينده عليها بابتسامة لطيفة.
كونتيسة فيسكونتي!
توقفت ايزا عن الحركة و رفعت راسها للسماء و، اجل لقد كان هناك، يجلس على جذع شجرة السنديان الضخمة محياه منير رغم عتمة الظلمة و ابتسامته بعثت بداخلها نوعا من الانس و الارتياح لكن و رغم هذا شعرت بالارتباك، التواصل مع شاب في حدود سنها كان ممنوعا و هذا سبب جعل والدها يصر على ارتيادها مدرسة داخلية للفتيات.
هل تعرفني؟!
بخفة و رشاقة قفز ماث من الشجرة و اصبح واقفا امامها، ابتسامته الجميلة لم تختفي بل زادت لطفا و جمالا، انحنى بنبل امامها و عرف عن نفسه قائلا: ماثيو باردي، لا املك صفة اخرى للتباهي بها غير اني لا اخاف العتمة!
لم تشعر ايزابيلا الا و هي تفرج عن ضحكة حلوة من ثغرها جاعلة من الواقف امامها يرضخ لقضية حبها و حكمه عليه، مدت يدها امامه رغبة منها في مصافحته، رمش عدة مرات من غير استوعاب، هل ما يحدث حقيقي الان؟
سعيدة بلقائك، سيد ماث
مهما بلغت سعادتك لن تكون بقدري ايتها الكونتيسة الصغيرة
بادلها المصافحة و عيناه تلمعان من السرور و الغبطة، لا يصدق ان حلمه الخيالي قد تحقق اخيرا!
بالمناسبة احسدك على عدم خوفك من العتمة، هذه قدرة تستحق الاعجاب
ناظرا بعضهما بجدية بالغة قبل ان ينفجرا ضاحكين، لم تعلم ايزابيلا ان بدايتها الحلوة و الضاحكة هذه ستكون سببا في تدمير حياتها و طمس احلامها كانسان لا كفتاة و فقط...
استمرت لقاءات ماثيو بايزابيلا لمدة طويلة، وقعا في الحب معا و عاشا لحظات مخملية تزينها الابتسامات الصادقة و الكلمات النابعة من المشاعر الحقيقية، كانا عاشقين و الجميع علم عن امرهما، اعينهما التي تشع هياما اكدت لاي شخص ان نهايتهما ستكون اللقاء، لكن القدر لعب بالسطور فاخفى اكثر مما اظهر...
انا خائفة!
نطقت ايزابيلا مترددة و لكنها مع هذا لم تفلت يد ماثيو التي تمسكها بقوة، كان مصدر ثقتها و امانها، اللحظات التي عاشتها معه طيلة اربعة سنوات كانت الافضل بالنسبة لها، لم تبتسم لاحد كما ابتسمت له، و لم تثرثر كثيرا كما ثرثرت امامه، لم تفصح عما يجول بخاطرها كما افصحت بالقرب منه، و لم تسمح لاحد بسرقة قلبها باستثنائه هو، كان دائما مختلفا، متميزا، و لا يشبه غيره ابدا!
صاحب شعر بني غامق، و بشرة سمراء جميلة، نظراته لطيفة و محتشمة، يداه جميلتان رغم الضرر الذي لحق بهما بسبب العمل، صحيح انه مجرد ابن عامل بسيط لكنه فخور بذلك، لماذا تضحكون؟!
كانت تسال ما ان تصل الى مسامعها صوت ضحكات رفيقاتها بالمدرسة.
لا تحكموا عليه فانتم لا تعرفونه كما اعرفه انا، الدوار و الاجهاد الناتج عن عمله في تقطيع الاحجار، صدقنني انتن سعيدات بشكل مزيف بينما يكون هو سعادتي، بل عالمي باكمله و اكثر من ذلك، في الليالي المظلمة اصرخ باسمه فيقفز لي ولا يخيب ظني مطلقا، كل شيء ينهار من دون وجوده، يجعلني غيابه ادور في فراغ لا بداية له و لا نهاية، بينما قربه مني هو فردوس لا مخرج منه و له مدخل واحد، احضانه!
لطالما اعادت حديثها هذا امام صديقاتها و امام كل من سالها عنه، كان عالمها و كانت كونه، كانا يكملان بعضهما بعضا.
امام قصر عائلة فيسكونتي يقفان، مستعدان ليطلعا العائلة النبيلة عن تصميمهما على ان يتزوجا، الكونتيسة الصغيرة المدللة و ابن العامل الوسيم، كانا ثنائيا متكاملا لكن، هل سيرى آل فيسكونتي ذاك الجمال في ارتباطهما؟
دلفا القصر بعد تردد كبير فلا شجاعة ماثيو و لا ثقة ايزابيلا كانت قادرة على تخطي مدى هيبة القصر و وقاره، استقبلتهما خادمة احاطها البياض و السواد كباقي من يعمل في منزل عائلة فيسكونتي، انحنت لهما و اخذت معطف الانسة الصغيرة و من ثم معطف الاكبر.
اين والدي؟
رغم تاكد ايزا من ان عشق والدها لها لا يضاهيه حب اب لابنة الا ان ما ستفعله الان و ما ستقوله سيجعل قوة عائلة فيسكونتي التي عمل عليها غابرييل طوال سنين حياته تذهب في مهب الرياح...
السيد غابرييل غائب عن القصر، لم يكن يعلم انك ستكونين هنا في هذا اليوم و الا فكان قد استقبلك باحتفالات زاهية لتخرجك انسة ايزابيلا.
اومات الشابة بشبح ابتسامة عكس العادة كان القلق ينهش قلبها و كل خلية بها و ما ان شعر ماثيو بهذا شد على يديها الصغيرتين باعثا بعض الراحة الى اوصالها المشدودة بفعل التفكير.
مهما حدث ساكون معك، ساحميكي ايزابيل، ثقي بهذا حبيبتي!
ابتسمت، اجل ابتسمت و بصدق اومات له واثقة من كل كلمة خرجت من ثغره.
انستي هل اعلم الكونت سواريز انك قدمتي؟
كلا ساتولى الامر بمفردي.
سارا بهدوء مع بعض، مع كل خطوة يتقدمانها ترتفع نبضات خافقيهما، مصير علاقتهما سيحدد الان، و اول من سيعلم بامره هو الاخ المتسلط، هذا لا يبشر بالخير...
صفعة ادارت وجهها الى الجانب الاخر، اثار اصابع اخيها قد طبعت على بشرتها البيضاء تاركة الدماء تحتقن بوجنتها التي لطالما كانت مبتسمة.
ماثيو؟!
لم يستطع القيام بشيء غير مراقبة معشوقته بينما الدماء قد غطت ملامحه على اثر ما تلقاه من ضربات سواريز المؤلمة، حاول الدفاع عن نفسه وعن ايزابيلا، لكن لم يستطع، شعر بالذل عندما صارت رؤيته ضبابية.
بسبب الصفعة القوية التي تلقاتها حبيبته؟ ام بسبب الالم الذي لم يعد يسمح له باخذ انفاسه بطريقة صحيحة؟
اسف ايزا
همس بشبح ابتسامة قبل ان يفقد القدرة على الاستقامة، انهار ارضا مغما عليه، لم يتحرك رغم شهقات ايزابيلا و بكائها المرير، لم يسمع له صوت رغم صراخ من كان يناديها بصغيرتي و التي كانت الان تتذوق طعم قساوة ضربات اخيها و ركلاته المسددة ناحية بطنها.
عندما شعر سواريز بالاكتفاء من تعنيف شقيقته ابتعد عنها محاولا اخذ انفاسه، و ما ان فعل حتى صرخ بشراسة.
اين رجال القصر اللعين
اقتحم الغرفة حراس عائلة فيسكونتي ما ان وصلت هذه الكلمات الى مسامعهم، يرتعشون داخلهم فغضب الابن الطائش قد يرديهم جثثا هامدة في زمن قصير.
ارشقوا جسد الحثالة برصاص اسلحتكم و ارموه في الغابة كي تنهشه الذئاب، هذا ما يستحقه.
لم يناقش الامر و انما فعل الرجال ما طلب منهم دون عصيان، لم تشفع دموع ايزابيلا الحارقة لها عند اخيها، توسلته، قبلت قدميه ليغفر لماثيو لكن هذا لم يحصل، اخذ الحراس جسده المنهار و خرجوا من الغرفة و من ثم القصر تاركين خلفهم قلبا ابيض صغير محطم الى اشلاء.
كنت اعلم ان حنان والدتي المتوفاة و دلال والدي سيؤثرون سلبا على تربيتك و على مصير عائلتنا و قد صدق احساسي، لا تحلمي بان تري النور مجددا كونتيسة فيسكونتي
تحدث يقبض على ذقنها بقسوة تزامنا مع شده لها بقوة جاعلا منها تقف، و ما ان حاول ان يسحبها كي يخرجا من الغرفة حتى دفعته بعيدا عنها مسحت دموعها بخشونة، شعرها الاشقر قد صار مبعثرا و شريطته الوردية كانت قد سقطت ارضا.
انا و ماثيو صرنا جزء واحدا من هذا العالم، شخصا واحدا و روحا واحدة.
هل جننت ايزابيل، هل تريدنني ان اقتلك كما فعلت معه!
قاطع كلماتها صارخا بغضب اسود اخاف الشياطين، و رغم هذا ابتسمت بلطف تعاكس مع قطرات الدماء التي امتزجت مع دموع عينيها.
هو لا يخاف العتمة، عتمة الموت شيء لا يخشاه، و سافعل المثل!
وسع سواريز عينيه بصدمة عندما رمت ايزابيلا بجسدها من نافذة مكتبه، سقطت من ذاك الارتفاع و هي مبتسمة و ما يدور في بالها سوى شيء واحد.
انا قادمة اليك
الفرق الوحيد بينها و بين ملاك سقط من السماء انها كانت هاربة من الجحيم، معتقدة انها تضع حدا لحياتها التي ستصبح مظلمة دونه، دون ماثيو باردي.
توافق ارتطامها بالارض وصول الكونت غابرييل الى قصره، التقت عيناه بذاك المنظر الذي جعل من كيانه يهيج خوفا، ابنته، وصية زوجته التي كان يعشقها، لقد تحطمت!
ها قد عدت!
هتفت بابتسامة جميلة و جاءني الجواب بسرعة.
ماريا حبيبتي
افرجت عن ضحكة حلوة قبل ان اسرع ناحية عمتي و التي استقبلتني كالعادة في احضانها الدافئة...
اطلت الغياب ايتها الشقية
تحدثت و هي تمسح على خصلات شعري، كنت جالسة على السجادة الصوفية اضع راسي في حجرها سامحة لها بمداعبة خصلاتي الفحمية.
تعلمين ان الدراسة و التحضير للحفل يسرقان وقتي.
شعرت بتنهيدتها ما ان تحدثت عن الحفل، ابتسمت بدفئ لها، رغم كونها باردة مع الجميع كقطعة من الصقيع الا انني كنت استثناء بالنسبة لها و هذا ما جعلها مقربة بالنسبة لي، كوني الوحيدة في عالمها الذي نفت منه الجميع بسبب ما حدث لها جعلني اكرس لها معظم اوقاتي بالقصر.
تعلمين ما يسعى له والداكي ماريا
اومات و لا زالت تلك الابتسامة تشق محياي، اهتمامها لطيف حقا!
اجل اعلم عمتي، لكن الامر يعجبني على كل حال، لا تحصل كل فتاة يكرهها والداها على عيد ميلاد كخاصتي، اعتبر الامر رفعا للمعنويات من طرفي
سرحت العمة ايزا بملامحي و كانها ترى نفسها منذ سنوات بي و بتلك الابتسامة التي زينت ثغري، و ما هي الا ثوان حتى ابتسمت لي بحنان، ما ان لمحت لمعة الحزن في وجهها حتى نطقت بحماس.
اردت ان اريك ما سارتديه في الحفل يا انسة ايزابيلا.
ضحكت عمتي على ما قلته قبل ان تحرك راسها معلنة عن موافقتها، حملت الاكياس و توجهت ناحية غرفة الثياب الخاصة بها لاغير ملابسي و تركت عمتي تكمل حياكتها...
و هذا ما سارتديه لرقصة الختام!
تبدين خارقة الجمال ماريا لكن، الن يكون الجو باردا عزيزتي
توقفت عن الدوران بالفستان و استعراضه بينما ابتسم بوسع.
لا تقلقي عمتي، ساكون بخير تعلمين اننا بفصل الصيف.
اومات لي و لازال القلق ينهشها، لطالما كنت هذه التفاصيل الصغيرة تزعجها خوفا من اصابتي انا او احد اخوتي، صحيح انني الوحيدة التي تتعامل معها بلطف كوني اول من تجرات للحديث معها و التسلل الى غرفتها رغم لعقوبة التي ساحصل عليها ان شاهدني احد ما لكن و من سن صغير شدني سرغرفة العلية و لم استطع كبحه، و طبعا بدخولي للمكان كان على اخوتي حمايتي و البقاء بجانبي خوفا من ان اقوم بشيء خاطئ او اتعرض للاذى، و مع مرور الوقت احب الثلاثة عمتي و احبتهم لكن بطريقة بعيدة، اذ لم يتجرء اي طرف على اظهار حبه و مدى اهتمامه بالطرف الاخر، كنت الوحيدة التي خرقت الجدران الباردة التي بنتها عمتي حولها خلال تلك السنوات العشر الماضية...
مع من تودين ان ترقصي ماريا
سالت العمة ايزابيل باهتمام و هي ترفع بصرها من الشيء الذي تحيكه، وضعت دفتري الذي كنت ارسم به و بلعت ريقي احاول ان اجد ما يناسب سؤالها، اعتقد انها شعرت بارتباكي لهذا ضحكت على بخفة و مجددا نطقت بصوت بشوش
لا تقلقي ماريا، تعرفين انني صندوق اسرارك السوداء صغيرتي، لمن وقعتي ايتها الكونتيسة الصغيرة.
صراحة لم اكن خائفة من اخبارها، ايزابيلا تعلم كل شيء عني، لم اخفي امامها اي سر، صغير كان او مهم، و ما سبب ارتباكي الان لم يكن سوى خوفي من ان اذكرها بالماضي فتعود لذاك الصمت الرهيب و الكئيب...
ن، نيكولاس جيوفاني
تقصدين ابن خالتك الاشقر ذاك
اومات لها بتردد تلاشى فور ان شقت ابتسامتها وجهها، اقتربت مني بكرسيها المتحرك و عيناها تشع حماسا لمعرفة المزيد عن هذه العلاقة التي لم تبدا بعد.
هل انت واقعة له ايتها الصغيرة
احمرت وجنتاي اثر احتقان الدماء بهما، لم اجرء على الحديث عن هذا الامر مع شخص ما من قبل، حتى ميرنا لم تعلم عن مشاعري الا بطرق ملتوية و بعد تحليل مطول لتصرفاتي الغريبة عندما اكون معه، الحديث بالامر مع شخص بالغ يشعرني بالخجل لحد مريع!
لا اعلم عمتي لكن،
تحمحمت عندما ضاعت الكلمات مني و لم اجد ما افسر به رغبتي في اداء الرقصة الاخيرة مع نيكولاس بالتحديد.
حسنا ما رايك ان تخبريني بما تشعرين عندما ترينه ماريا، اخبريني!
رمشت عدة مرات قبل ان انظر للارض سارحة بالتفكير، استرجع حالتي ما ان يقع ناظري عليه، شعره الاشقر و عينيه الشبيهة بالمحيط المظلم، ابتسامته الهادئة و اخلاقه النبيلة، كل شيء به كان يجعل كل خلية بي تهتف باسمه!
كل ما اشعر به هو السعادة الفائقة
شرحت باختصار، اومات عمتي بتفهم قبل ان تبتسم لي بلطف.
اتمنى ان تتحقق رغبتك ماريا.
ابتسمت لها بينما اتمنى داخلي باصرار ان يحصل هذا، ان يتقدم نيكولاس لي من اجل اخر رقصة.
ما رايك ان تريني ما جهزتي لعرض حفلتك صغيرتي
طبعا سيكون هذا من دواعي سروري
اتجهت اين يقبع البيانو الخاصة بي كي اؤدي ما جهزته للحفل و عقلي مشغول بما سيحدث في ذاك اليوم، اليوم الذي اعتبره والداي نذير شؤم بالنسبة لهم...
2023 / 08 / 07 16: 32
لم يبقى سوى نصف ساعة على وصول الضيوف، ما عدا ميرنا لم يكن احد قد قدم بعد، التوتر بلغ الى حده عند والداي فاليوم مهم بالنسبة لهما، طبعا فرصة التخلص من ابنتهما المشؤومة و وضعها في مزاد للرجال سيجعلهما يشعران بالرضى...
في جناح الكونتيسة الصغيرة ماريا فيسكونتي و التي تكون انا كنت اجلس امام المراة الكبيرة لمنضدتي بينما تحيطني الخادمات المخصصات لتجهيزي من كل جانب اما عن صديقتي فقد اتخذت سريري مجلسا لها و راحت تعبث بهاتفها ريثما انتهي، و بالفعل بعد مضي عشرين دقيقة انتهت الخادمات من عملهن و انصرفن من الغرفة، وقفت انظر لانعكاسي على المراة و قد ظهرت ابتسامة عريضة على وجهي اكدت رضاي عن مظهري، حسنا ليس غرورا مني لكن كنت جميلة، جميلة جدا!
ماريا يا فتاة انا اقاوم جاهدة كي لا اعرض عليك الزواج، اقسم ان نيكو خاصتنا لن يصبر لنهاية الحفل!
ضحكت على ما خرج من ثغرها ما جعل غمازتي تظهران و هذا ما جعل مرينا تستلطف شكلي، زيادة عن اللزوم.
اااه طفلتي وقعت بغرام احدهم و سترقص معه اليوم كاميرات القصص، ابنتي الجميلة احبت احدهم!
كانت تصرخ بلطف و هي تقرص وجنتي بقوة جعلتهما يحمران، حاولت ايقافها لكنني لم افلح، لولا ذاك الطرق على الباب لكانت اقتلعت وجنتي من مكانهما.
عدلنا من مظهرنا بسرعة فائقة خوفا من ان يكون الطارق احد والدي او جدي، حسنا كان شكلنا مضحكا و نحن نتحرك كالدجاج المفجوع الذي سيذبح بعد دقائق.
ادخل.
نبست بهدوء بعد ان تحولت ملامحي لاخرى باردة، تنهدت براحة بعد ان اظهر الباب من خلفه اخوتي الثلاثة، كان ايريك يتوسط الثلاثي بابتسامة عريضة، على يمينه جوليان ينظر لي بهدوء لكن بلمعة فريدة بعينيه اما عن ماريوس الذي يقف يسارا ملامحه لا تزال مضحكة و مستفزة رغم فخامته...
صغيرتنا المدللة كبرت اخيرا!
كان هذا ما نطق به ايريك قبل ان يقتحم غرفتي برفقة الشابين الاخرين، ابتسمت له بوسع و لم اتردد في الارتماء باحضانه الدافئة ما ان فتح ذراعيه لي.
عيد ميلاد سعيد حلوتي! ستبقين اختي الصغيرة للابد
شدد على حضني يحاول ايصال بعض ما يشعر به لي، كنا سنستمر هكذا لو لم تقاطعنا ايادي ماريوس و ميرنا.
ما بكما التصقتما هكذا! نريد ان نهنئها ايضا يا صاحب المشاعر الجياشة!
تذمر ماريوس كعادته و ما ان رسم ابتسامته كي يحدثني شعرت باذرع اخرى تسحبني حاشرة جسدي بحضن لطيف، لم تكن هذه سوى فعلة جوليان...
ساكون معك في كل خطوة تخطينها، تعلمين انك لن تفعلي الا ما سيجعلك سعيدة!
كافحت رغبتي في البكاء، هم يعرفون ما يسعى له والداي في هذا الحفل و هذا سبب كلامهم المؤثر هذا. ابتعد عني جوليان ما ان انهى حديثه و منحني ابتسامة هادئة قبل ان تنتشلني ايادي ماريوس، طوق كتفي و انحنى كي تتصل عيناه بعيني، نظراته الحادة و ابتسامته اللعوبة شعره الاشقر الذي يغطي جزء بسيطا من جبينه، كل هذه التفاصيل كانت توحي بشخصية ماريوس فيسكونتي القوية و الفريدة.
لا تنسي انك ماريا، الفتاة القادرة على اطاحة الجميع ببرودها و لا مبالاتها، لا تسمحي لاحد بالاقتراب منك دون رغبة بداخلك
فلتنظري لاحدنا فقط
و سنكون بجانبك دائما
ولادتي حرمت اخوتي الثلاثة من المكانة التي كانت ستجعل حياتهم تتغير لكن، و بدل ان يحقدوا على كان ثلاثتهم مصدر قوة، سندا حقيقي عوض الفراغ الذي تركه والداي بداخلي، احبهم، ثلاثتهم، و ساظل هكذا ما حييت!
درجة بدرجة، انزل السلالم الطويلة ناحية الساحة الكبرى للقصر، اين تقام بالعادة حفلات عائلتنا، تسير خلفي كل من ميرنا بابتسامتها الواثقة و جاذبيتها اما عن يساري فتلحق بي مرافقتي بالقصر و التي اختارها ايريك لي، حسنا لا داعي للتفكير كثيرا كي تعلموا انه اختار ايليت كخادمة شخصية لي!
خلفنا نحن يسير اخوتي، احفاد غابرييل فيسكونتي الذين ينافسون عائلتي الدوق و الماركيز بشراسة من ناحية الوسامة و الذكاء و النبل، فمن من فتيات فلورانسا بل و ايطاليا باكملها لم تقع لسحر اخوتي!
التفتت جميع الانظار الي، بدات كميرات الصحافة باتقاط الصور و انطلقت الوشوشات عني، الوريثة الصغيرة لعائلة فيسكونتي باول ظهور لها في الساحة...
ابتسمت بهدوء و انا احيي كل من في القاعة، انتقل من مكان لمكان احيانا برفقة والدي و احيانا اخرى مع والدتي و نادرا رفقة جدي كان الاخير يعلم ما غاية هذا الحفل الضخم ، كل من حضر الى قصرنا اليوم كانت له علاقة بعائلة فيسكونتي، اما بسبب العلاقات الديبلوماسية التي تفرضها مكانة الكونت غابرييل او التعاونات التي تحدث في شركاتنا او حتى بسبب التحالفات ضد عائلات اخرى، باختصار كانت القاعة مكتضة بالناس لكن بطريقة منظمة و نبيلة، مما يعني انه سيقضى على و على ميرنا من الملل!
اسمعي اي خطئ الان سيكلفك الكثير ماريا، ستقابلين عائلة الدوق كل حركة تقومين بها ستحدد الكثير امفهوم ما قلته
نطق والدي بابتسامة مزيفة يبصق كلامته بصورة تهديدية امامي و بلطف امام الاخرين، اومات بهدوء بينما قلبي يدق بعنف، ساقابل عائلة ميرنا، العائلة التي تخاف منها جميع عائلات فلورانسا و يحترمها جميع قاطنيها...
اتجهنا الى طاولة قريبة من المنصة الكبيرة التي ساؤدي بها عرضي، يقف ثلاثة اشخاص حولها اضافة الى ميرنا التي ما ان لاحظتني حتى ركضت نحوي بابتسامة مرحة، لا اعلم كيف استطعت ان ابادلها الابتسام رغم كل ما يختلجني من توتر.
لا تقتلي من نظرات عائلتي، لن يقوم احد بايذائك!
همست باذني، لسبب ما علمت ان تلك النظرات التي تتحدث عنها لن تروقني، يبدون من بعيد كوحوش مستعدة لقتلي!
سير اورسيني
سيد سواريز.
تصافح ابي و جد العائلة الاخرى بهدوء، ابي يبتسم بتملق بينما كبير عائلة اورسيني بارد لا توحي معالمه بشيء.
ارى انك لبيت دعوتي مع افراد اسرتك، هذا سيجعلنا نغتر!
ما قاله والدي لم يزرع ولو ابتسامة لطيفة بوجه السير اورسيني، لا احد يقدر والدي فالجميع يعلم انه مجرد وغد مدلل عاش بسبب ما كان عليه الجد غابرييل و من اهم علامات هذا انه لم يسبق لاحد مناداته بلقب الكونت من قبل عكسي انا و اخوتي.
هذا من واجب عائلة الدوق
كان حديثهما سيطول و اقصد بحديثهما تملق والدي غير ان ميرنا قاطعته ممسكة بيدي تجرني للامام حتى ابرز اكثر.
جدي هذه هي صاحبة الحفل و صديقتي الوحيدة، ماريا الواقف امامك يكون جدي السير اورسيني فيليب
توجهت نظرات الجد نحوي و عكس ما توقعت ظهرت ابتسامة هادئة على وجهه.
سررت بلقائك ايتها الكونتيسة
الشرف لي سيدي المحترم.
نطقت انحني بجذعي بينما انامل يدي اليسرى تمسك جزء من ثوبي المخملي، ما ان رفعت انظاري حتى تابعت ميرنا الحديث مانعة والدي من فتح فاهه مرة اخرى.
ماريا هذه تكون والدتي السيدة الين اما عن ذاك فهو والدي السيد فريدريك.
اتجهت انظاري اين تبسط ذراعها فقابلني ثنائي متناقض، كانت المراة ذات ملامح حادة و باردة لا اقدر على ان افهم ما تشعر به اتجاهي هزت راسها لي كتحية فبادلتها باخرى اما عن زوجها فقد كان صاحب وجه بشوش ما ان نظرت اليه حتى مد يده لي بحركة لطيفة و بالمقابل ممدت يدي لتلقي بخاصته، قبل ظهرها بعفوية فابتسمت لذلك، لم اكن غافلة ان تقبيل ظهر يد النساء تكون بين الاعمار المتقاربة لاظهار اللباقة و الاحترام و فعله هذا يعني انه ودود لا اكثر...
تبدين فاتنة ايتها الكونتيسة الصغيرة
شكرا لك سيدي
خرجت تلك الكلمات بصعوبة من ثغري بسبب الخجل الذي لم استطع اخفائه، فوجنتي توردتا فور التقاء شفتيه بيدي التي يغطيها قفازان بينيان يتناسبان مع لون ما ارتديه...
اما عن هذا فيكون عمي الاكبر السيد اندريه.
ما ان نطقت ميرنا بتلك الكلمات اشارت ناحية رجل وسيم، صاحب ابتسامة واسعة اخافتني لحد ما، و رغم ان معلومة كونه العم الاكبر لم تفارقني غير انه بدى اصغر بكثير من كونه شخصا يكبر من قبل يدي منذ ثوان.
مسرور بمعرفتك ماريا فيسكونتي، و اعتذر بالنيابة عن ابني الاثنين لكونهما لم يقدرا على المجيئ!
نبس السيد اندريه بنفس الملامح، كانت ميرنا قد اطلعتني الكثير عن عائلتها، عن جنون عمها و صرامة قوانين قصرهم الغريبة، و طبعا بين الفينة و الاخرى كانت تحدثني عن التوام، ابناء عمها...
لم اكن اعلم الكثير عنهما، من غير انهما مجنونان كوالدهما و كونهما غريبي اطوار و غير هذا لم اعلم شيئا اخر او بقول اخر هذا ما كانت تعلمه هي الاخرى و اخبرتني به.
كنت على وشك ان اتحدث مجددا كرد على ما تحدث به السيد اندريه لولا صوت قوي اخترق مسامع الجميع و لم يكن سوى صوت ابواب القاعة الكبرى تفتح فجاة على مصارعها مظهرة خلفها شخصين كان كلاهما يبتسم، احدهما بمرح و غباء و الاخر ببرود و جنون.
مفاجاة!