رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الثالث

رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الثالث

رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الثالث

صرخ احد التوامين ببهجة و هو يسير بثقة للامام يسبق اخيه ببضعة خطوات، كان الاثنان يبحثان باعينهما في القاعة بحثا عن من ينتمون اليهم، وقعت انظار الشاب المشرق على عائلته بينما اعين الشاب الهادئ علقت علي، كنت شاردة الذهن انظر اليهما باستغراب بينما ارمش بهدوء، ايعقل انهما التوام اورسيني!
رحبي بهما بسرعة، اسرعي قبل ان اكسر كل عضلة في جسمك.

همس والدي جانب اذني بخشونته المعتادة، لكنني لم اهتم، كنت اشعر بفضول غريب ناحية من دخل، ذاك الشاب، البارد المهيب، لقد رايته من قبل، صورته ضبابية لكنها موجودة في ثنايا ذاكرتي...

بسبب دفع والدي لي بالخفاء وجدت نفسي اتقدم ناحية التوامين، لسبب ما كانت القاعة صامتة و لم يسمع شيء سوى صوت خطواتي المتقدمة، لمحت ابتسامته الجانبية التي ارتسمت على ثغره كلما اقتربت منه، تقدم بدوره مني فاصبح يقف قبل اخيه، توقفت امامه و حدقت بملامحه لبرهة من الزمن...
وسيم؟! اجل هو كذلك
مخيف؟! كثيرا و لدرجة جعلت دواخلي ترتجف لهالته
و رغم هذا كان هناك شيء مختلف بشانه، شيء دفعني لفقدان برودي معه
من تكون؟

سالته بصوت هادئ فتغريت ملامحه لاخرى مبتسمة اكثر.
اقترب مني اكثر و انحنى ليصل لطولي و بصوت فيه بحة رجولية قشعرتني همس
يمكنك اعتباري احد اشباح الليل الضارية كونتيستي الصغيرة
استقام مجددا ثم مد يده لي ينتظر مني مد يدي، و نعم! فعلتها!
قبل ظاهر يدي ثم نظر لي مجددا باعينه الساحرة تلك
عيد ميلاد سعيد
لم تتغير ملامحي الهادئة و اكتفيت باجابة مختصرة
شكرا لك.

سمعت ضحكته الهادئة و التي خرجت منه دون ارادة منه و استمرت لثانية واحدة قبل ان تفارق الوجود ما ان تقدم ناحية طاولة عائلته تاركا خلفه الكيان الذي اكونه، لما قد اكون مشوشة بلقائه؟ و لما قد اعتقد انني رايته من قبل و انا متاكدة من ان التوام لم يخطوا خطوة في اي مناسبة بفلورانسا اكملها او بخارجها؟
ما ان حاولت نفض افكاري تلك حتى اقترب مني الشاب الثاني مبتسما باتساع امام الجميع عكس اخيه.

ادعى ايدواردو سررت بلقائك يا كونتيسته الصغيرة
م، ماذا!
عيد ميلاد سعيد، اراك بالجوار
نطق باشراق قبل ان يسير هو الثاني نحو عائلته و يداه مدفونتان بجيوبه، كان الامر كما لو كان هنالك عرض خاطف للانفاس شغل الجميع عن الكلام و ما ان انتهى حتى عاد ذاك الضجيج المعتاد و الوشوشات التي كانت موجودة قبل ان يقضي عليها الدخول المبهرج لذاك الثنائي المثير.

اتجهت اين يقف اخوتي و بادرت الحديث رغم انني لمحت ذاك الانتباه الذي وجهه الثلاثة لطاولة عائلة اورسيني.
هل هما وريثا الدوقية؟
همهم لي ايريك بهدوء و عيناه شاردتان بمكان ما، راودني فضول حول ما يفكر به الا انني كبحته.
ما الذي قالاه لك؟
سالني ماريوس باهتمام مترقبا اجابتي، في هذه اللحظة حتى لو كانا قد سخرا مني لم اكن لاخبر احدا من هؤلاء الثلاثة
لا شيء غير معايدتي.

حاول الثلاثة التدقيق بملامحي لعلهم يكشفون اية علامات كذب لكنهم اقتنعوا اخيرا، تنهدت ثم اعدت نظراتي ناحية طاولة عائلة اورسيني، كانت اعين الشاب الغريب على بينما ايدواردو توامه يتحدث معه بملامح متذمرة، لم يستغرق هذا الاخير وقتا ليلمح تلك النظرات بيني و بين شقيقه، ابتسم بوسع ليلوح لي بلطف بلعت ريقي ثم ابتسمت له شبه ابتسامة، لم اكن لابعد ناظري عن هذا الثنائي الغريب لولا دخول عائلة خالتي للحفل، فرجت ملامح وجهي بسرور و انا المح نيكولاس يدخل بهيبته اللامتناهة ببدلته المخملية بلون فضي جميل، اشعر ان دقات قلبي المتسارعة ستقتلني.

بدلته تتناسب مع اخر فستان لك، ستكونان الثنائي الاروع
التفت بفزع ما ان شعرت بتلك الهمسات خلف اذني، لم يكن الفاعل سوى ميرنا الغبية، ضربت كتفها بخفة قبل ان اجيبها بتوتر
هل اذهب للترحيب بهم؟
و هل تسالينني حقا!

اخذت نفسا عميقا ثم سرت متقدمة من اسرة خالتي الصغيرة، كانت هي و زوجها يرتديان ملابس متناسقة سوداء اللون تلائمت مع ما يرتديه نيك، لطالما كانت عائلة الماركيز مهتمة بهذه التفاصيل، و لطالما وقعت بحب ادق صفات ابن خالتي الوسيم!
خالة سيلينا سيد جورج، شكرا لتلبية الدعوة!
تحدثت بابتسامة لطيفة و للاسف جاءتني الاجابة مجافية لاية مشاعر من طرف من تكون شقيقة والدتي
اهلا بك انسة فيسكونتي.

من دون شعور مني بدات اعنف اناملي انها عادة اكتسبتها منذ طفولتي عندما اكون في مواقف صعبة او محرجة ، وجهت انظاري ناحية نيكولاس و ابتسمت بوجهه ايضا
اقدر تواجدك ايضا نيكولاس
لن اكون سعيدا بقدر ما انا الان و انا اراك تكبرين ماريا، كل سنة و انت بخير
سرب من الفراشات حلق داخلي مسببا دغدغة لطيفة ببطني، انحنيت امامهم مجددا ثم سرت مبتعدة عنهم ناحية اخوتي و ميرنا التي كانت تنتظرني على نار حامية.
ما الذي حدث؟

سالتني بسرعة و بصوت وصل الى مسامع اخوتي ايضا، ااااه تلك اللعينة!
و ما الذي قد يحدث مثلا؟
سالني ايريك باستغراب و ناظرني الاخران بشك نوعا ما
لقد قمنا برهان انا و ماريا على انها ستتحدث بالهراء دون شك ان ذهبت بمفردها لتحية الحضور و كنت اسالها عن ما حدث
نطقت ميرنا بثبات و ابتسامتها لم تفارق وجهها صديقتي هذه الة كذب متحركة و هذا امر مفيد لي كوني اكثر شخص سيء فيه، لدرجة مريعة!
و هل حدث شيء ما معك.

كان ماريوس متحمسا لفكرة انني ساقوم بكارثة، لكن ما حدث لم يكن سوى المعتاد
لا شيء غير انني تاكدت من ان خالتي تكرهني هي الاخرى
تحدثت بابتسامة و انا اتجرع من كاس العصير الذي وجدته امامي، الحفلة مملة جدا، بحق السماء متى يحين موعد الرقصة؟

ماريا
اخترق صوت ما مجال سمعنا فالتفتنا نحوه، تنهدت بملل، انها والدتي
نعم
اجبتها ما ان صارت تقف امامي
اسرعي للمنصة من اجل ان تنطقي بكلمة الترحيب، احرصي على ان تبتسمي، لا تنسي ان تختمي كلامك بالانحاء كي يبرز قوامك فهذ،
امي
زمجر ماريوس بغضب بالغ و هو يحدق بوالدتي و لم يلبث ايريك ان نطق هو الاخر
لسنا بسوق كي تعرضيها امام من يشتريها!

بلعت غصتي و نظرت للثلاثة بابتسامة بينما تركت ميرنا تحدق بالسيدة فيرناندا في حقد و غضب شديدين.
ساذهب لالقاء كلمتي، راقبوني جيدا!
سيكون الامر رائعا، انا واثق من هذا
اردف جوليان بصوت هادئ و لمحت شبح ابتسامته و التي بعثت بداخلي شعورا لطيفا، حسنا، كيف استطعت العيش مع اخوتي الثلاثة دون الوقوع بحبهم!

اتجهت للمنصة دون ان الفت نظر احدهم، رغم ان الحفلة بشرفي الا ان هذا لا يجعل اي شخص مهتم بي، و هذا امر جيد حقا بالنسبة لي، لا اريد ان احضى باهتمام احد غير نيك، هو و فقط!
عندما التفت صوب الحضور لاحظت اعين توام ايدواردو باتجاهي، كان يحدق بي دون ان يرمش حتى، شعرت بالارتباك لحد ارتجفت فيه اوصالي لكنني تمالكت نفسي، فلتذهب للجحيم ايها الدوق اللعين!
ايها السادة الكرام، ارجو لحظة من انتباهكم لو سمحتم.

ذاك الصمت الذي عم القاعة اخافني، اراهن ان وجهي تصبغ باللون الاحمر الان، للحظة فكرت بالهرب بعيدا، لا يهم ساتحمل ضرب والدي و اهانات امي و حتى عتاب جدي الذي لن يظهر الا في عينيه كوني خيبت امله في ان اكون حفيدته القوية التي تشبه زوجته.

اخذت نفسا عميقا و ما ان كنت على وشك فتح فمي اتصلت عيني بعيناه، عيناه السوداوتان كسواد الليل كانتا تتفحصان معالم وجهي الى ان التقت عينانا، انا واثقة انني رايت هاتين العينين من قبل لكن متى؟
تحمحمت بسرعة مبعدة وجهي عنه ثم شرعت بالحديث كما طلب مني.

لن تكون سعادتي عامرة كما هي الان لتلبيتكم دعوتي المتواضعة في قصر عائلتنا المحترم، اتمنى ان ترفهوا عن انفسكم و تستمتعوا بحفلة ميلادي انا ماريا فيسكونتي، شكرا لاستماعكم
انحنيت بخفة ثم نزلت من المنصة بسرعة، لم اصدق انني انتهيت، اشعر و كان عبئا ثقيلا انزاح عن كاهلي!

اغير ملابسي للمرة الثانية، لكن هذه المرة مع توتر اكبر، لا اصدق انني ساؤدي عرضا امام كل اولائك الناس، هذا مرعب بالقدر الذي يجعلني ارتجف خوفا!
لا تقلقي لقد تدربت بالقدر الكافي ماريا
اخذت نفسا عميقا و اومات لميرنا، لا طاقة لي كي اعبر عن ما يجول بخاطري من افكار سيئة، يراودني شعور مقلق، ستحدث مشكلة ما انا واثقة!

ما يجعلني قلقة اكثر هو تواجد طاولة عائلة اورسيني و جيوفاني امام المنصة التي ساكون بها ما يعني انه و بمجرد تلاقي اعيني مع اعين شخص ما من العائلتين هناك احتمال كبير انني ساخفق اخفاقا كارثيا!
انستي السيد سواريز يامرك بالاسراع.

نطقت الخادمة التي سمحت لها بالدخول بعد طرقها للباب، طبعا والدي يامرني بالاسراع، ليس و كانه قد جرب فعل ما سافعله الان، ما يحدث معي الان شبيه بكوني سلعة تعرض في السوق تحديدا بواجهة المحل كي تجذب الانظار و عرضي الحالي هو ما سيجذب الانظار الي، يسعى والداي لتزويجي باسرع وقت لعلهما يتخلصان مني فبهذه الطريقة تتغير كنيتي و بالتالي لا يمكن ان ارث ما هو لملك عائلة لا احمل اسمها.

تنهدت امسح وجهي برفق، التفكير الان غير مفيد، لا اريد تشويش تفكيري و انا على وشك الظهور امام الكثير من الناس الذين لا يهتمون الا بالثرثرة في الارجاء عن العائلات الثرية.
هياا بنا!

صرخت ميرنا بحماس تحثني على الاسراع و النزول الى القاغة اين ينتظرني الجميع، للمرة الالف هذا اليوم راودتني رغبة في الهرب بعيدا و عدم الاكتراث لشيء، تشنجات بطني كافية لجعلي موقنة ان خوفي زاد عن حده لكن ما باليد حيلة، لدي رهاب من التجمعات، خاصة مع اشخاص غرباء عني يبحثون عن ثغرة لاشعال فتيل غضب والدي.

فتح الرجلان المكلفان بالوقوف امام القاعة الباب لي على مصارعه، لا اعلم ان كان صرير البوابة مرتفعا ام ان بي شيئا غريبا لكن الجميع التفت إلى و تخيلت لوهلة ان عيونهم جميعا حمراء يخرج منها شرر الكره، ااااه لما على الامر ان يكون بهذه الصعوبة!
انستي جدك يود الحديث معك
همست ايليت في اذني فاومات لها بابتسامة، ذكروني لاحقا بالتقرب من هذه الفتاة تحدثت داخلي موجهة كلامي لخلاي مخي التي على وشط الاحتراق.

كان جدي يقف بالقرب من الدرجات الثلاث المؤدية للمسرح الذي ساعزف عليه بعكازه الذي يساوي الكثير و بدلته الفخمة الهادئة ينتظرني بشموخ اخاف الجميع عداي، انا التي شعرت بالانس عندما وقع ناظري عليه.
اقتربت منه بخطوات حثيثة خشية الوقوع، فالثوب طويل يحتاج الى كعب عال، و هذا بحد ذاته مشكلة، لدي عداء حاد مع الاحذية ذات الكعوب العالية.
جدي.

ما ان همست بخفوت ابتسم لي بلطف يفتح ذراعيه لي كالعادة، احاط جسدي بذراعيه المرتعشتين اثر عمره، مسح على شعري بلطف يخبرني بحركته هذه ان اطمئن و اهدئ من روعي المضطرب.
ان عزفك تطرب له اذان الطيور من بعيد، و تهدئ له نباتات الربيع، فلا تخشي شيئا و ابدعي امام الجميع، و من حاول الاستهزاء بك فسالحقه بالجحيم!

همس باذني و يده لم تتوقف عن الحركة بوتيرة بطيئة بين خصلات شعري السوداء، شددت عناقه قبل ان اجيب بنبرة مرتعشة ما كانت الا بسبب ما قاله لي من كلام.
لا تقلق جدي، لن اخيب ظنك
هنا شعرت انني قوية، ذلك الارتباك و الخوف تلاشى في تلك اللحظة التي سمعت فيها كلمات جدي ابتعدت عنه و واصلت الكلام بمشاكسة
لا تنسى ان تصفق لي بحرارة ما ان انتهي سيدي الكونت
ايتها المشاغبة الا تخشين ان تتفتت عظامي الهشة ان صفقت بقوة.

لن يحدث لك شيء ايها العجوز
نبست و انا اصعد الدرجات بهدوء و قد سمعت ضحكات جدي التي اخذت تبعتد لكونه عائدا الى طاولته اين يقف ابنه و زوجته.
اخذت نفسا عميقا و لم اعطي لنفسي المجال لاتفحص الحضور و ابعثر كياني مجددا و انما حاولت التركيز على نيكولاس اثناء حديثي لعلي افسر معنى نظراته فاجد قليلا من الاعجاب و الحب الموجه الي.

اعزائي الحضور، اعلم انني اقاطعكم مرة اخرى بالحديث الذي لا مغزى له لكن اود ان اعرض امامكم شيئا ما لعلي بهذا اكسب ودكم و بعض التقدير في حياتي
ختمت كلامي بضحكة بسيطة فضحك الناس معتقدين انني كنت القي على مسامعهم نكتة ما، صراحة كنت اوجه كلامي لوالدي الذين يبتسمان بتملق للحضور محاولين ايجاد نصفي الثاني كما يتحججان.

منذ ان كنت صغيرة احببت سماع الموسيقى، خاصة تلك التي تنضخ بالمشاعر الدفينة في قلوب الاشخاص الذين لا تعابير لهم، و لربما انني انتمي لهذا الصنف قليلا و لهذا صرت عازفة بيانو هاوية، لم ادع احدا يسمع ما تنسجه اناملي الا اسرتي الصغيرة و استاذ الموسيقى الخاص بي السيد جوناس.

لمحت تعكر ملامح والدي لاني تحدثت عن استاذي المفضل، كان السيد جوناس اسباني الاصل انتقل لايطاليا منذ اربع سنوات و التحق بالثانوية التي ارتادها و بعد الحاحي المتواصل عينه جدي كاستاذ خاص لي يتقاضى اجرا جيدا مقابل مراقبة تطور مهاراتي الابداعية، اما عن سبب كره ابي له فهو بسبب كونه شخصا عاديا لا يملك من السلطة و الجاه ما نملكه، نعم امر مبتذل!

و اليوم اردت ان اعزف امامكم لعلي ارى في اعينكم تقييما لما اجيده من موهبة هاوية و محدودة، و دون ان اطيل عليكم ارجو منكم حسن الاستماع و شكرا مسبقا على وقتكم الثمين
الذي كان سيهدر في تفاهة الحديث عن مدى ثراء جدي و كبر القصر و وسامة الاحفاد و غرابة الوريثة.

واصلت داخلي و انا انحني ممسكة طرفي فستاني المخملي الجميل، جلست على البيانو الذي وضع امام الجمهور خلفه الكرسي الذي ساجلس عليه بينما اداعب اصابع الالة المحببة لروحي، ما ان صرت في مكاني المحدد حتى تنهدت بهدوء، ان حدث شيء و فشلت بما انا مقدمة عليه فسينال جسدي ضربا مبرحا!
هيا يا فتاة، انت ماريا فيسكونتي، اسطورة لن يكررها التاريخ، تشجعي!
همست لنفسي ثم بدات، دون ان اناظر احدا غير حركة اصابعي السريعة.

لحن هادئ، يخفي خلفه قصة ما، اهي قصة حزينة؟ ام رواية مرت عيناها عليها، هل هناك ما تخفيه داخلها، اهناك شيء يعكر صفو حياتها، يتغير اللحن فتظهر تكملة للقصة التي بدات، مزيج مشاعر متناقضة، اهي حلوة ام مرة؟ ان ما اسمعه هادئ يبعث في نفسي شيئا غريبا، هل هناك ما تريد اميرتي شرحه عبر الحانها؟ ما الذي قد اعلمه عنكي لارضي كياني الذي لا يشبع منك؟ تنهدت اشرب من كاسي ثم عدت لاشرد بها، كيف لها ان لا تعلم عن حبي طوال هذه المدة، طوال سنوات حياتنا التي انقضت رفقة بعض في الظلام، كيف لها ان لا تكتشف ما اكن لها، كيف؟

فجاة و قبل ان تنتهي الاغنية انقطع الصوت في منتصف المقطوعة، رفعت حدقتي بسرعة من محتوى الكاس الى وجهها الذي كان منصدما و بشدة، لمحت اصابعها التي تحاول الضغط على البيانو لعله يحدث صوتا ما لكن ما من فائدة، تعطل البيانو فجاة في منتصف المقطوعة الموسيقية.
اللعنة!

حاولت جاهدة ان اكمل ما بدات، لكن لا شيء، توقفت الالة عن العمل، ما الذي على فعله! رفعت راسي اين تحدق بي اعين الجمع كلها نيكولاس ينظر لي بقلق عارم و اخوتي يحدقون بي يطلبون مني التماسك، كان ايريك على وشك التوجه إلى كي يساعدني على الخروج، عينا والداي حانقتان تكنان لي كرها شديدا و توعدا بالعقاب الجامح لهذه الورطة التي انا بها الان و التي لم يكن لي دخل بها، حملت نفسي و ركضت احمل فستاني نحو الدرجات الثلاثة للمنصة، في تلك اللحظة نسيت انني ارتدي كعبا عاليا و لتسرعي تعثرت اثناء نزولي الدرج و وقعت امام الجميع، كنت على مرء من عائلتي الدوق و المركيز، عيناي صارتا تلمعان بدموعي، دموع تعبر عن خجلي، ما ان ارتفعت تلك الوشوشات لتصل الى مسامعي تكورت على نفسي اشعر بالغضب و الخذلان من نفسي، خيبت امل الجميع، تدربت كثيرا لهذه اللحظة و ها انا الان في حال يرثى لها، اكره نفسي، اكره حياتي، اكره حظي، اكره الجميع لاشفاقهم علي.

شعرت بظل شخص فوقي، لكنني لم اجرء على رفع وجهي، الالم الذي اشعر به اثر سقوطي ينبض في كل انحاء جسدي فلا يسمح لي بمعرفة اين جرحت، شهقت بفزع عندما رفعت فجاة عن الارض، كانت عيناي حمراوتين كالدم، و دموعي تجعل من ذاك اللون مخمليا براقا بشكل جميل، كان هو، ذاك الذي لم اجد له مكانا في ذاكرتي رغم كيانه الذي يحاول اخباري انني شاهدته من قبل، حاوطت عنقه و غرست وجهي في صدره، لا حبا به و لا شكرا له، بل من خجلي الذي لم اجد مهربا منه، ما الذي سيقوله الجميع عني، كيف سيتحدثون ما ان اخرج من القاعة، هذا ما شغل تفكيري.

عندما صرنا من القرب من الباب الذي سيجعلنا خارج هذا الجحيم توقف الشاب الغريب و اومئ ناحية شخص ما بابتسامة غريبة، و فجاة باشر ايدواردو بالتصفيق و الصفير الذي يعبر عن الاعجاب تبعه اخوتي و نيكولاس و ميرنا ايضا، و هكذا صار جميع الحضور يصفق بحرارة و يتهامسون بابتسامات لطيفة عكس ما كانت عليه قبل قليل...

بحركة من راسه غير تلك الاعين اللاهبة الى اخرى لطيفة، بابتسامة جانبية جعل الجميع منبهرين بما قدمته يدي التي توقفتا في المنتصف، و بانحناءة استعراضية تحت التصفيقات الحارة جعلني ابتسم وسط دموعي المنهمرة...

الا يجب ان يلحق بهما احد منا؟
سال ماريوس شقيقيه و هو يحدق بالباب الذي خرج منه ذاك الثنائي منذ ثوان
ساذهب انا
نطق جوليان بنبرته الاعتيادية غير ان صاحب الغرابي قاطعه قائلا
فلتبقيا هنا و حاولا فهم ما سيفعله السيد و السيدة فيسكونتي بابنتهما، حاولا جعل الامر جيدا و ممتازا لصالحهما
ماذا عنك
ساحلق باختي و الدوق
نبس ايريك ثم غادر القاعة هو الاخر تاركا خلفه اخويه بمعالم وجهيهما الضائعة.
انه يخفي شيئا ما!

صرخ ماريوس بفزع بينما تجمد جوليان لدقائق، التفت كلاهما لمصدر الصوت.
منذ متى و انت تتجسسين علينا يا دودة القز
عقدت ميرنا ساعديها متجاهلة ما هتف به ماريوس لاغاضتها.
ايريك يخطط لشيء ما و ابن عمي ايضا يبدو غريبا
و كيف ذلك؟
هذه المرة كان جوليان من سال صاحبة الشعر الاحمر
لا ادري لكنني متاكدة ان هناك ما يحدث في الخفاء و سيكشف قريبا
لم تشعر ميرنا الا و هي تدفع بعيدا من قبل ذاك الثور كما اطلقت عليه.

كفي عن تقمص دور شارلوك هولمز و عودي لعائلتك لدينا عمل لانجازه
لم تتحرك المعنية من مكانها بل ابتسمت بجانبية و رفعت راسها بثقة
ما بك، لما هذه الابتسامة الشيطانية
لقد انجزت عملك كونت ماريوس، انت مدين لي
ماذا!

يصعد الدرج بخطوات هادئة نحو غرفتي، لم اجرء على الحديث معه و لم ينطق هو بحرف واحد، لم اعلم ان كان ذاك الهدوء مبعثا للراحة ام للارتباك، فتح باب غرفتي و دخل حريصا على ان يلامس جسدي اطار الباب، جعلني اجلس على سريري المرتب و المزين بوسائد صغيرة اخاطتها عمتي في وقت ما.
غرفتك جميلة!
ش، شكرا
اجبته بتلعثم متفاجئة من حديثه الذي جاء على غفلة مني، ااااه اعتقد انني سافقد قدرتي على التنفس.

انها تشبه غرفة اميرات
و انا اميرة
اكره تلك الجراة التي تاتيني في اوقات خاطئة، بحق الجحيم كيف خطر لي هذا الجواب. سمعت ضحكته الخافتة التي رنت بنغمة هادئة.
اين تضعين علبة الاسعافات
لم ينتظر اجابتي بل ذهب للحمام و لم تكن سوى دقائق بسيطة حتى عاد الي، عقدت حاجبي باستغراب
كيف علمت
امر بديهي.

حسنا، هذا منطقي! شعرت بالارتباك عندما نزع فردتي الحذاء من قدمي، سحقا دوق فلورنسا راكع امامي و ينزع حذائي لتفقد ما ان اصبت، هذا كاف لجعل جميع القوم يثرثرون لسنوات.
كانت رجلي اليمنى ملطخة بقطرات دماء خفيفة تسلسلت من ركبتي التي جردت، بينما كاحلي الايسر ينبض بالم، لم اعلم ان كان بسبب سقوطي ام بسبب الكعب الذي ارتديته.

رفع الفستان لما فوق ركبتي و لم اجد ما افعله او اقوم به بل اكتفيت بمراقبة ما يفعله بهدوء، الوضع غريب بما فيه الكفاية و كان يجب ان التزم الصمت لولا ان لساني يخونني دائما.
لما الجميع يخاف منك سيد اورسيني
كان يعقم جرح ركبتي بحاجبين معقودين بسبب تركيزه لكنه اجابني بهدوء
لا يوجد سبب
ضحكت بسخرية و لم اتوانى عن تكذيبه
و هل يخشاك الجميع من دون سبب.

وضع ملصقا على جرحي، لم اشعر الا و خداي يحمران لما على ان املك ملصقات خاصة بالاطفال!
ربما بسبب قصة من القدم او ربما لعدم وجود اي شيء عني
اومات بتفهم ليس و كانني فهمت ما قصده لكنني اكتفيت من الحديث، انشغل السيد اورسيني بلف كاحلي بشاش ابيض اللون بعد ان مسح قطرات الدماء من قدمي اليمنى
هل انت خائفة
ايقظني من شرودي بكلامه
ماذا
الخروج امام الملئ بعد ما حدث، هل يخيفك.

بلعت ريقي، ان كنت خائفة قليلا قبل ان يسالني فانا الان ارتعد بعد ان نطق
اجل، كثيرا
اعترفت بمذلة، ضحكت داخلي بصخب، اسخر من نفسي، نيكولاس الان يراني فتاة فاشلة، غبية سببت مشكلة ستتحدث عنها فلورنسا لوقت طويل.
استقام بعد ان انتهى من تضميد جرحي و جلس بجانبي يطالع السقف المزخرف من الجوانب، بعد مدة من الصمت نظر لعيني بحدة، و بادلته بنظرات مرتعشة، خائفة من مصيرها.

اقسم لك بالرب، لو تجرا احد على الحديث معك او عنك، لن يسلم من رصاصة تخترق قلبه كما سيجرح قلبك و لا من سكين يقطع لسانه الذي جاء بسيرتك، ثقي بي
من انت، لما انت هنا، لما ساعدتني رغم انك مخيف، و لما اجد انني اعرفك...
شكرا لك، على كل شيء
ابتسم لي، كانت ابتسامة صغيرة لكنها حقيقية، وقف و اتجه للباب بنية الخروج، و قبل ان يحقق رغبته تبادر لذهني سؤال ما
سيدي،!

توقف و استدار ناحيتي بفضول، ابتسمت بغباء لانني انفعلت حككت مؤخرة شعري و سالته
نسيت ان اسالك عن اسمك
التفت الى الباب و فتحه، عندما استدار ليعيد اغلاقه اجابني بغموض
انه اسمك و انت صغيرة جدا
اغلق الباب مختفيا خلفه، تركني لوحدي مع ذاك الصمت المريح.
ما الذي عناه يا ترى
همست لنفسي مستلقية بجذعي على الفراش بينما رجلاي تتدليان، كان اسمي ماريا دائما حسنا يستحيل ان يكون اسمه ماريا ايضا اليس كذلك!

لحظة! لما قال و انت صغيرة جدا هل كان يعني عندما كنت رضيعة
كلا لو كان يعني هذا لحدد كلمته و قال انني كنت رضيعة
بدل ذلك اشار الى حجمي
صغيرة جدا يعني قبل ان اكون رضيعة حتى
ابتسمت بسعادة كوني وجدت الحل، لدي مهارات تحليلية خارقة و هذا الشيء الوحيد الذي احبه بي!
صوت دقات هادئة على الباب تلاها دخول اخي المبتسم بهدوء
ماريا حبيبتي
استقمت بسرعة و اردت الوقوف و الركض ناحيته الا انه سبقني بتقدمه مني بخطوات حثيثة.

هل انت بخير
همهمت داخل احضانه الدافئة كجواب بسيط
هل اذاك الدوق الوسيم
كلا اخي
اجبته بضحك قبل ان اصحح فكرته
لقد ساعدني حقا
سمعت تنهيدة ايريك المثقلة فواصلت الحديث عن شعوري
كان الامر صعبا جدا ايريك، شعرت انني وحيدة و ان الجميع بعيد عني، لا اصدق انني افسدت العرض الذي حضرت له كثيرا
اعتذر ماريا، كنت قادما اليك اقسم لك
بل كلنا اردنا احتضانك و ابعادك عن اعينهم.

رفعنا راسينا ناحية ماريوس و جوليان و طبعا ميرنا التي لحقت بهم.
ابتسمت بلطف لهم و اردفت بامتنان
اعلم هذا، شكرا لكم جميعا!
هيا الان لنطوي هذه الصفحة اللعينة و لنجهزك كي تعودي للاسفل ان الخدم يجهزون العشاء و عليك الجلوس امامهم و حشر الطعام بفمك و لا تظهري لاحد ان ما حدث قد ازعجك كي لا ينطقوا بالهراء
ضحكت على ما قالته بينما رمقها اشقائي بفراغ.

كفي عن اللعن امام اختي الصغيرة يا دودة القز السوداء ستلوثين براءتها
قهقهت ميرنا بسخرية، علمت انها ستفضني الان
هل تمزح معي يا قرد الادغال، اختك هذه قادرة على اللعن بسبع لغات عن اي براءة تتحدث
نظر الثلاثة لي بصدمة بينما ثبت نظري على ميرنا
اوبس!

كل لحظة بحياتنا لها رائحة، و رائحة اللحظة التي انا بها الان حلوة و بطيئة، حلوة لكوني اجلس مع اخوتي و ميرنا نتناول الطعام بينما نتبادل اطراف الحديث بلطف و بطئية كالموسيقى التي تعزفها الفرقة الشهيرة الايطالة دي كابريسا و التي طلب والدي حضورها باصرار و بعد جهد كبير، بعض الازواج تقدموا للرقص في المساحة القريبة من الفرقة اما عن الاخرين فاكتفوا بمراقبة ما يحدث بافواه هامسة و اعين مبتسمة، لم يتحدث شخص معي بل و لم يرمني احد بنظرة خاطفة و لسبب ما كان والدي يبتسم بوجهي و ينظر لي و كانني قمت بانجاز عظيم لا السقوط اثناء هروبي من عرضي الفاشل، حسنا هذا غريب لكن لا يهم!

اثناء تغير كل مقطوعة غنائية كان احد الشبان يتقدم لفتاة ما في عرض للرقص، كنت سارحة بما يحدث، كلما نهض شخص ما اتبعه بعيني، اناظره يقترب بابتسامة نبيلة و يقف امام فتاته المقصودة ينحني امامها مادا يده بطريقة استعراضية جميلة، ينتظر لبضعة لحظات فتمد يدها هي الاخرى و تعانق اناملها يده الممدودة، يقفان و يسيران بايديهما المترابطة الى ذاك المكان، اين يرقص الازواج الاخرون، تضع يدها الرقيقة على كتفه و يحتضن هو خصرها و بتناسق كبير يختلف من ثنائي الى اخر يراقصان بعضهما و عيناهما تلمعان بمختلف المشاعر...

اين سرحتي ماريا
سرقني صوت ميرنا من احلامي الوردية فنظرت لها بارتباك، كانت تعلم بما افكر به و لهذا ملامحها كانت توحي بالمكر.
و ما دخلك ايتها الشيطانة
دافع عني ماريوس، لا من اجل الحب الاخوي و لكن فقط لانه اراد ان يغيض صاحبة الشعر الاحمر
اااه لما صرت تشبه الغراء ماريوس، ما شانك بي و بريفقتي
لا، لا شيء غير ان رفيقتك تكون اختي الصغيرة.

كنت انظر لهما بينما اضحك على نقاشهما السخيف، فجاة وقعت انظاري على ابن خالتي الوسيم، ااه يا ترى كيف يفكر بي بعد ما حدث اليوم، هل يراني غبية!
احمر وجهي فجاة ما ان التقت عينانا، اللعنة لقد امسك بي متلبسة!
هل انت مريضة
همس جوليان باذني و لكنته المرعبة لم تفارقه، بلعت ريقي ثم اومات له بالنفي
وجهك محمر للغاية
اوه حقا! اعتقد ان الجو حار فقط، ساخرج للحديقة لبعض الوقت.

وقفت و خرجت مسرعة من قاعة الطعام، لا اعلم لما اردت الخروج فجاة لكنني كنت واثقة ان الجلوس بالخارج سيكون رائعا.

ازهار القرفنل المبهجة و التي تظهر الجمال و الكبرياء، ازهار التوليب التي ترمز للحب و اسراره الغريبة، ازهاء الاوركيد البنفسي و التي توحي بالعشق البعيد...
هذه الحديقة قد غرستها جدتي في ريعان شبابها و بعد موتها تولت عمتي ايزابيلا مهمة العناية بها و اضافت بضعة لمسات منها، بعد حدوث الكارثة مع عمتي صرت انا و جدي مهتمين بالحديقة، نتناوب على خدمتها و غرس مختلف الازهار ذات المعاني العميقة فيها.

كنت استمتع بذاك النسيم العليل لمدة من الزمن الى ان شعرت بشخص يقف خلفي، اعتقدت ان الفاعل ايريك الا انني تجمدت ما ان سمعت صوته
ماريا
استدرت ببطئ فقابلتني هيئته، نيكولاس لا غيره من يقف خلفي الان...
اريد الحديث معك بعد اذنك يا صغيرة!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب