رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الثالث عشر
الصمت الذي اعترى السيارة جعلني استوعب مدى سوء ما تفوهت به، كان ليوناردو يقود بهدوء و عيناه الدمويتان تفصح عن ما يكبته بداخله، كنت اجلس في المقاعد الخلفية متكئة على الزجاج، شاردة بانعكاس صورتي على النافذة الندية بفعل برودة الطقس
احسنت ماريا، لقد افسدت الوضع بطريقة مذهلة!
هنئت نفسي داخليا على الانجاز الذي قمت به ثم وجهت انظاري لزوجي الذي يبدو كمجنون على وشك ان يرتكب جريمة متوحشة، صحيح ان صراخ ليوناردو مرعب لدرجة كبيرة لكن صمته يفوق ذلك بدرجات...
هدوء ما قبل العاصفة المدمرة!
حاولت طيلة الطريق البحث عن الكلمات المناسبة التي على ان اقولها له، لكنني لم اجد شيئا احسن من الصمت، ماذا بامكاني ان اقول و انا التي اخبرته لتوها انه وحش قتل والدته...
حتى التفكير في ذلك يجعلني اود قتل نفسي حرفيا!
اوقف ليوناردو السيارة بجانب قصر عائلتي دون ان ينبس ببنت شفة و انا بدوري لم اتحرك من مكاني، من خلال انعكاسه على المرآة الصغيرة لمحت عينيه المقفلتين و ارتخاءه على مسند كرسي القيادة
و مرة اخرى رحت اصفق لنفسي داخليا على الكارثة التي احدثتها
اعتذر
همست و لشدة الصمت بدت هسهستي اشبه بالصراخ
او ربما هذا ما بدى لي فقط
لم اقصد حرفا مما قلته.
فتح عينيه و بوجه بارد مد لي منديلا
امسحي وجهك و يديك
امتثلت لامره و رحت انظف ما على من دماء ناتجة عن كدمات نيكولاس و تراب الحديقة الخاصة بالكنيسة، ما ان انتهيت حتى بلعت ريقي و نطقت بصوت متردد
هل انت غاضب مني ليوناردو.
لم يجب و اكتفى بالتحديق بعيني عبر زجاج المراة، هل كان الوقت بطيئا حقا ام اننا امضينا بالفعل دقائق عديدة في التحديق ببعضنا، هو بعينين غابت عنهما المشاعر و انا بعينين تودان الهرب من محجرهما
ما ان اكتفى من التطلع من وجهي حتى وجه انظاره للامام متلفظا بكلمة واحدة
اخرجي
كنت سافتح فمي كي اخبره انني غير قادرة على تركه يذهب دون ان افسر له سبب كذبي
ان اؤكد له ان ما قلته ليس الا هلعا من فتاة ارتعبت.
ان اجزم له انني احبه هو و انه بالنسبة لي حارس انقذني من ظلمات حياتي اليائسة
لكنني و بكل هدوء فتحت باب السيارة و اخترت ان اخرج من السيارة
ما ان صرت واقفة على الثلج الكثيف الذي غطى حديقة المنزل حتى انطلق ليوناردو بسيارته بعيدا و بسرعة جعلتني اتنهد بندم، انا لم اخطئ في شيء
ما الذي فعلته ليحدث كل هذا لي بحق السماء!
و ماذا تتوقعين ان يحدث لك و انت نذير شؤم ماريا!
سخرت من نفسي ابتسم باستهزاء قبل ان اسير بخطوات متخاذلة نحو المنزل الا ان صوت بوق سيارة جوليان اوقفني عن ذلك
ماريا!
نبس بابتسامة جميلة ينزل من سيارته، حاولت ان اخفي منكبي و بادلته الابتسامة بسعادة اركض اليه فاستقبلي في حضنه كعادته
اشتقت لك كثيرا جوليان
مسح على رأسي بحنان مجيبا
و انا اكثر اختي
فصلت الحضن ما ان شعرت بوجود شخص اخر و بالفعل صدق احساسي، لقد كانت خطيبة نيكولاس السابقة!
اهذه انت راسيل!
ابتسمت هذه الاخيرة بارتباك و لوحت لي بطريقة غبية بينما تورد خداها الاثنان ما جعل اخي يضحك بخفوت
اجل، كان جوليان يضحك على تصرفات فتاة!
ما الذي يحدث بحق السماء
سألتهما و انا اناظرهما باستغراب، ابتعد جوليان عني مقتربا من ذات الشعر الاحمر و في حركة جعلت فمي يفتح احتضنها بذراعه معلنا بصوت مبتهج
اعرفك على خطيبتي المستقبلية ماريا!
يستحيل ان اقبل بهذا ميرنا، لن اسمح لك بتدمير حياتك و الزواج منه!
صرخت السيدة ايلين اورسيني بغضب بالغ في وجه ابنتها متجاهلة تواجد العائلة باكملها هناك، لم يختلف الامر مع ميرنا التي نطقت بابتسامة مستفزة جاعلة من اعصاب والدتها تحترق اكثر
انا لا أسألك عن رأيك امي، انا اطلعك عن ما سيحدث معي و عن ما قررته!
صفر السيد اندريه باعجاب على ما قالته ابنة اخيه، لطالما رأى ميرنا نسخة مصغرة عنه و عن ولديه، لم تشبه امها ولا والدها في شيء، بل كانت تنتمي لأحد من التوأم خاصته و قد اتضح من هو!
و من غيره ذاك الذي ينظر لوالدة ميرنا بعينين مبتسمتين كعادته
ميرنا،
صرخت باسمها تنظر لها بعينين ملتهبتين.
كانت ايلين تنتظر زواج ابنتها منذ سنين كي تعيش حياة افضل من تلك التي عاشتها بسبب عائلة زوجها، الحياة السيئة التي حضيت بها بسبب خطئ ارتبكته زوجه اخيها في القانون فدفعت هي الثمن وحدها
عانت من قوانين عائلة مريضة و من جنون لم تكن تستحقه، هي لم تكن هكذا، هي ايضا طمحت في ان تكون اما رائعة و زوجة لطيفة محبة...
لكن هم من حولوها الى امراة مستغلة تتناسب مع عقولهم المختلة.
ايلين اورسيني، كفي عن الصراخ و اجلسي مكانك!
رغم انه كان يتحدث بنبرة عادية دون صراخ الا ان هذا كان كفيلا في جعل المكان صامتا اذ ان الجميع خضع لامره و التزموا الصمت
عادت ايلين للجلوس على كرسيها مقابلا لابنتها التي اكتسى البرود تعابيرها
ايدواردو و ميرنا
نعم جدي
نطق كلامها في الان ذاته و بنفس النبرة الخاصة به
نبرة هادئة تميزت بها عائلة اورسيني و عرفت بها في كل مكان.
فلتعلما ان خطوبتكما التي صارت خلف ظهورنا امر خاطئ و لولا ان ميرنا الفتاة الوحيدة في العائلة لكنت كسرت كل ضلع بك ايدواردو اورسيني
هذا كان تميزا حضت به ميرنا منذ ان فتحت جفنيها في هذه العائلة، كانت على عكس فتيات العائلات الايطالية المسيحية فتاة مدللة سعت العائلة لاسعادها و الحفاظ عليها كجوهرة براقة نادرة
و لربما كان هذا تعويضا لما حل بوالدتها!
و انت ايلين.
التفت الجد للمرأة التي كانت تناظر ابنتها بعينين تلمعان بشكل غريب بينما تهز قدمها بشكل متوال و سريع عسى و عل تفرج عن مدى سخطها
نعم عمي
تنهد الجد بهدوء يحاول ان يجعل نبرته اكثر سكونا
ايلين، عليك تقبل حقيقة ان ميرنا فتاة راشدة و تستطيع ان تختار الشاب الذي ستكمل معه حياتها
ابتسمت الاربعينية بحنق و بصوت جامد تحدثت
لن ارضى بأن ترتكب ابنتي نفس خطئي إلا ان يدي لا تطال حيلة لايقاف ما يحدث.
تنهد فريدريك بقلة حيلة، في كل لحظة يشعر بالندم يخنقه
كل هذا كان بسببه هو لا غير...
ايلين كفي عن هذا، تمني لهما السعادة فقط
حتى كلماته و هو يحدث زوجته خرجت اشبه بهمس جاعلا من والد التوأمين يبتسم بازدراء، لا احد استطاع مسامحة فريدريك على خطئه ذاك
نظرت ايلين ناحية زوجها و تلك اللمعة باتت دموعا احتجرتها عياناها الدمويتان و بصوت مرتعش غاضب نطقت واقفة
و كأنني ساستمع لك انت
نظرت ناحية ابنتها و واصلت حديثها.
اتمنى ان لا تندمي في يوم كما فعلت،
قضمت شفتها بحنق و بهدوء عادت ادراجها الى الاعلى رغبة في ان تختلي بنفسها، كانت ميرنا تراقب خطى والدتها بعينين هادئتين و ما ان شعرت بيد تحط على خاصتها و تمسح عليها حتى ابتسمت بارتياح
هي لم تعد قادرة على ان تكون فرصة اخرى لوالدتها بعد الان...
ستعيش ما تريده و فقط!
دخلت المنزل مغلقة الباب خلفها، لا تصدق ان كل هذا قد حدث معها اليوم، اخر ما كانت تتوقعه ان تلتقي بايريك الذي سعت ان تتوارى عنه
لا تصدق انها اعتذرت
لا تصدق انها ذرفت دموعا
و لا تصدق ان قصتهما قد انتهت قبل ان تبدا
ايليت اين كنت يا ابنتي لقد تأخرتي
سألتها والدتها و ما لبثت ان تحولت تعابيرها الى اخرى فزعة ما ان لمحت عيني ابنتها المحمرتين و شحوب وجهها الجميل
عزيزتي ما بك هل انت بخير!
عيناها عادتا تدمعان من جديد و كأنهما باتتا غير قادرتين على كبت جواهرهما، و كأنها احتبست امطارها على مدى السنين و اليوم فاض كاسها و سقطت جدران تحملها
امي، لقد، لقد تركني، لم يعد يحبني امي، لم يعد يحبني!
كانت تنطق من بين شهقاتها الهاربة من ثغرها، لم تشعر الا و بجسدها يحاط من قبل اذرع والدتها التي ربتت على ظهرها و قلبها تمزق اشلاء على حالة ابنتها
ايليت لم تكن يوما هكذا.
كانت فتاة تعاند الصخر في صلابته، تدافع عن نفسها و لا تسمح لاحد باذيتها، لم تري والديها يوما حاجة تنقصها و اكتفت بمساندتهما راضية بما اعطته الحياة لها ولم تظهر يوما ضعفها و ابت ان تفرج عن دمعها
مظهرها الباكي هذا جعل والدتها تعتصر الما على حالها
كل شيء سيكون بخير يا ابنتي، والدتك هنا معك و لن ترضى الا بسعادتك، فقط اهدئي ايليت، اهدئي صغيرتي.
اقتادت السيدة هانا ابنتها لغرفتها الصغيرة، جعلتها تجلس على سريرها و فعلت المثل بجوارها و راحت تمسح على يديها بحنان لم يكن غريبا عنها
ايليت تحدثي حبيبتي، اخبري امك عن ما يزعجك و يحزنك
نظرت صاحبة الخصلات الفحمية ناحية والدتها و دموعها لازالت تأبى التوقف، الكلمات لم تجد طريقا لها، ماذا تخبرها بالضبط، من اين تبدأ؟
امي انا،
شدت السيدة هانا على يدي ابنتها تحثها على المضي قدما و الافراج عن مكنونات صدرها.
لقد احببت شخصا لم يكن على ان احبه امي
ما ان نطقت جملتها حتى غدرت بها شهقة سببت موجعا لوالدتها التي ابتسمت باسف و بهدوء تحدثت و يداها تشد على خاصة ابنتها
من هو ايليت، من هو الشاب الذي سرق قلبك اخبريني
استنشقت ماء انفها و مسحت دمعة من عينها اليمنى و كما طلبت امها هي واصلت الحديث.
ايريك فيسكونتي امي، ايريك حفيد الكونت فيسكونتي الذي كنت اعمل كمجرد خادمة حقيرة عنده، اقسم انني لم ارد ان يحصل هذا، حاولت ان ابتعد عنه قدر الامكان لكنه من تشبث بي و عندما،
مرة اخرى كانت شهقاتها توقف الكلمات عن التدفق خارج ثغرها، كان الامر كما لو ان احد يشد على قلبها فيعتصره مسببا لها الما حادا يفتك بدواخلها.
كانت ايليت الفتاة التي حملت جبال الهموم على عاتقها طيلة سنوات تشعر بانها انهارت فجاة و استطاعت الهموم التغلب عليها
و عندما اردت ان انهي الامر برمته و نجحت في ذلك علمت انني قتلت نفسي بيدي امي، حرمت ذاتي من الشيء الوحيد الذي ارادته امي!
لم تجد صاحبة الخصلات الطويلة نفسها الا و هي بين ذراعي امها تبكي همها بحزن بالغ، و ثانية عادت تتحدث بصوت هاله التعب و الوهن.
امي انا، انا اريد ايريك، اريد ان احبه و يحبني لكن، لكنني لا استطيع و هذا يقتلني امي، كما لو ان الرب يكرهني لدرجة جعلني فيها اتذوق اشد انواع القهر و الحزن
استمرت السيدة هانا بالتربيت على شعر ابنتها و ما ان نفذت الكلمات منها حتى راحت هي تتحدث بهدوء و ابتسامة دافئة كنور الشمس لاحت على وجهها الذي ارقه العمل و كرب الحياة.
لا اصدق ان ايليت ابنتي الصغيرة التي كانت تتسلق الاشجار كالقردة صارت الان فتاة راشدة واقعة في الحب
كان كلامها ذاك كافيا لجعل ايليت تبتسم رغم جواهرها
من قال ان الخادمة لا تقع في حب شاب وسيم و غني، الم اتعب في قص حكاية سندريلا عليك و انت صغيرة ايها المشاغبة
استقامت ايليت و بنبرة جعلها البكاء غير متزنة نطقت.
الامر فقط انني، انني و بطريقة ما مقيدة اماه، ان تشبثت به كما فعل هو فقد اضحي بعملك و عمل والدي و بأسرتنا و هذا شيء لا يمكنني التفكير فيه حتى لكن الالم الذي يستمر في قتلي ببطئ منذ ان تركته هو، هو فقط لا يتوقف ابدا
اتسعت ابتسامة هانا اكثر على ما قالته ابنتها، لطالما كانت ايليت مراعية تفكر في غيرها قبل ان تفكر بنفسها لكنها لا تظهر ذلك مطلقا و ان فعلت يكون ذلك عن غير قصد منها
ايليت انظري إلى يا ابنتي.
و بالفعل صوبت الشابة حدقتيها اللتين كانتا شاردتين ناحية امها التي استمرت في الابتسام بحنان لها
ايليت انت فتاة كبيرة بالقدر الذي يجعلك تعرفين نفسك عزيزتي، ان تشعري بألم الحب ليس إلا دليلا على مدى صدق مشاعرك اتجاه ايريك، أن تحبي شخصا مختلفا عنك ليس ذنبا ايليت و لم ترتكبي أي خطئ بهذا، لا تجعلي امرا شكليا يجعلك في متاهة لم يكن واضعها الا انت، الامر بسيط و بقدر ذلك هو معقد بالنسبة لفتاة بريئة مثلك.
زفرت هانا و عيناها تناجيان روح ابنتها، و ايليت بحد ذاتها كانت مركزة مع كل كلمة تخرج من ثغر والدتها لعلها تجد بلسما لنفسها و لمن عشقه خافقها
ألم الحب ليس عقابا، و انما هو سراب لابعاد الكاذبين و الواهمين الذي صدقوا انهم محبون ذات يوم، ان كنت حقا تحبين ايريك عليك ان تتشبثي به و لتقبلي بما ستأخذه الحياة منك مقابل ذلك، و لتعلمي ان الحب لن يلبث ان يعيد لك ما سرقه منك القدر!
اقتربت السيدة هانا من ابنتها اكثر و احاطت وجنتها تعيد زرع ورود الامل في بساتين ابنتها الذابلة
لا تهتمي بشأننا انا و والدك فكل ما يهمنا هو انت ايليت، هل ايطاليا برمتها لن تقبل توظيف والدك الرجل الوسيم صاحب البطن الصغيرة!
كانت ضحكة ايليت المتعبة جراء كلام والدتها السخيف جميلة رغم قصرها، ذلك البريق الذي عاد يزين عينيها الحادتين جعل والدتها متيقنة ان ايليت ستعود لطبيعتها.
ايليت، انت عاشقة حبيبتي، و العشاق لا يتخلون عن من يحبون!
هل تعنين،
تشبثي بهذا الشاب لاخر رمق و اعيديه كما جعلته يبتعد! انا متأكدة انك ستنجحين في رسم نهاية حلوة لقصتكما، قصة سارويها لاحفادي الفيسكونتيين بعد سنوات قليلة بدل قصة سندريلا المبتذلة،
ابتسمت ايليت برقة لوالدتها و عادت تحضنها...
و في داخلها هي تأكدت أنها لن تقبل إلا بحياة سيكون فيها ايريك فيسكونتي صاحب الابتسامة الملائكية!
ابتسم، اتحدث، اتظاهر بأن كل شيء على ما يرام رغم ان دواخلي تموت في كل لحظة!
صحيح ان حقيقة خطوبة جوليان القريبة بعثت السعادة في قلبي للحظات، بل انني لبضعة دقائق نسيت كل ما حدث معي و عانقت جوليان و راسيل بسرور كبير، لكن ما لبث عقلي يذكرني في كل ثانية بكل ما جرى منذ نصف ساعة فقط
اين تكون الآن ليوناردو...
هل لا زلت غاضبا مني...
هل دخنت علبة من السجائر لتنفس عن ما يخالجك ام فضلت النبيذ كصديق لك الليلة...
هل تفكر في تركي لساعات فقط ام لأيام طويلة...
هل ستعود للاستماع لما سأقول أم أنك ستفضل تركي أموت بين امواج أفكاري الضارية...
آلاف الأسئلة كانت تراودني كلما شردت لجزء من الثانية فقط و رغم كل هذا كان على ان ابتسم و اتحدث و كأن شيئا لم يكن، ان كان ما حدث معي اليوم مرهقا حقا فما يحصل الآن اصعب بمئة مرة حتما!
هل انت بخير ماريا.
همست العمة ايزا في اذني، لابد ان شرودي المتواصل كان السبب في جعلها تشك في امري
اجل لكنني متعبة حقا عمتي
نبست بابتسامة لطيفة احاول ان اجعلها تطمئن و بالفعل اختارت ان تصدق ما قلته ثم عادت تصغي لوالدتي التي كانت تتحدث بحماس عن ما تخطط لفعله في باريس ما ان تذهب هي و العمة ايزابيلا، و بالحديث عن ذلك قررت المرآتان ان تؤجلا رحلتهما لبعد حفلة الخطوبة التي تققر ان تقام بعد اسبوع.
تمنيت لو انني حقا استطيع الشعور بنفس السعادة التي يشعر بها الجميع الان
تمنيت حقا ان ابتسم بصدق في وجه راسيل و جوليان بدلا من ابتسامتي الكاذبة و المتظاهرة هذه
تلك البرودة داخلي و ارتعاش انفاسي كلما تذكرت ان نيكولاس في المستشفى الآن و ليونادرو في مكان لا يعرفه إلا الرب وحده
ماريا بحق الجحيم منذ ساعة و انا احدثك كالابله اين عقلك
تذمر ماريوس جعلني استفيق مجددا من شرودي فنظرت اليه مدعية الانزعاج بدوري.
ما الذي تتوقعه مني انا متعبة، منذ ساعتين و انت تثرثر من دون توقف!
كان ذاك الثور على وشك اجابتي مجددا غير ان جوليان قاطعه موجها حديثه الي
يمكنك ان تذهبي لغرفتك و تنامي ماريا، انت متعبة حقا وجهك مرهق
ربت جدي على كتفي و اومئ لي معطيا بذلك اذنه كي اتوجه لغرفتي و صراحة لم اكن لارفض فرصة كهذه فانا حقا ارغب في ان اختلي بنفسي قليلا و الا ساصاب بجنون العظمة لكثرة التحامل على نفسي!
باركت لجوليان و راسيل مجددا و تمنيت للجميع ليلة سعيدة و خطوت بسرعة لغرفتي اين و اخيرا ساحظى بلحظات هادئة كي افكر بما يجب على فعله حيال الكارثة التي حدثت
شكرت الرب من اعماق قلبي لأن والدة نيكولاس لم تتصل أي لا أحد يعلم بما حدث بعد و هذا كان لصالحي فلا قدرة لي حقا لما سيحدث بعد ان يكتشف الجميع أنني في خصام مع زوجي و أنني ذهبت للقاء نيكولاس دون معرفة احد.
استلقيت على السرير و رحت أناظر السقف و كحل بعد تفكير طويل عاهدت نفسي على ان أبحث غدا عن ليوناردو و أن اشرح له كل شيء و أعتذر لأنني خبأت عنه حقيقة ما حدث...
لكنني لم أعلم حينها أن نهاية قصتنا التي كان من المفروض أننا وصلنا اليها تبعد عنا آلاف الخطوات و ستظهر امامنا عقبات أشد قسوة من سابقتها.
فتح عينيه بصعوبة لضوء الغرفة الذي اقتحم المكان، لم يكن يشعر بالألم و لربما أن ألمه لم يكن بقدر شعوره بتلك الخيبة الحارقة...
رغم أنه كان ثملا إلا أن ذاكرته خذلته متذكرة كل لحظة مؤلمة من لقائه
و هذا كان حارقا بشدة لفؤاده المفطور
نيكولاس، بني أأنت بخير؟! أتشعر بأي تحسن عزيزي؟!
كانت والدته تنتحب بأسى بالغ على حال ابنها التي زينت وجهه ألوان و علامات مختلفة
انا بخير،
نطق بخفوت يريح رأسه عل مسند السرير.
لقد أحضرك سائق عائلة اختي و قال أنك تشاجرت مع احد ما
ما الذي حدث أخبرني؟!
للحظة بدت الكلمات انها فارقت طريقها فلم يجد لسانه اي عذر او كذبة إلا انه استطاع نسج جملة قصيرة نافت الكذب و ابتعدت عن الحقيقة
كنت ثملا
تنهدت الأم بحسرة
لما على ابنها الوحيد ان يعاني من الكرب و الهموم، لطالما كان هدف حياتها الوحيد اسعاده و منحه حياة مثالية كمثالية وسامته و طباعه و اخلاقه
فلما يا ترى لا يتحقق مرادها!
نيكولاس حبيبي، اخبرني، ارح قلب من تكون والدتك و أطلعها عن هم قلبك، اني سأموت يوما من فرط حزني على حالك فأرحني اتوسلك يا ابني!
كلا...
كلماتها كانت عادية حقا لكن بالنسبة له هو لم يجد نفسه الا منتحبا باشد الطرق بؤسا
ماريا، امي كانت ماريا حب صغري و عشق مراهقتي و هيام شبابي
حرك مقلتيه فسرحتا عبر زجاج النافذة نحو السماء التي احتضنت النجوم اللامعة.
لكنها فقط تحولت لسراب كلما حاولت لمسه ابتعد عني ساخرا مني، احبها، اعشقها، لكنني
الدموع تمردت راسمة خطوطها على وجنتيه و لم تختلف حالة والدته عنه كثيرا
لكنني فقط استسلمت!
لا مزيد من ماريا فيسكونتي التي عشقها بعد الآن
هي ملك لشخص آخر غيره
هو من تخلى عنها
هو من فضل عائلته عنها
و هاهو سيدفع ثمن التخلي عن حبه ألما سيمضي معه الى آخر سنوات عمره المتبقية
و ليبكي طويلا
ليحزن كثيرا
ليحترق قلبه حتى يشعر بها.
حتى يحس بكم عانت و هي تنتظره
و هي تراه خطيب فتاة غيرها
اللعنة عليه و ليسخط الرب من عرش سماءه عليه...
أشرقت الشمس بوهجها ففتحت عيني بتثاقل، جالسة على الكرسي امام النافذة المفتوحة، كان النوم قد فارق جفني و لهذا جلست هنا اراقب سكون الحديقة تحت ظلام الليل و يبدو انني حينها غفوت...
فركت عيني عل النعاس يفارقها لكنني تجمدت حين لمحت تلك السيارة المركونة بعيدا عن أسوار القصر، صاحبها ينظر لي بهدوء، تسارعت دقات خافقي و بسرعة خرجت من الغرفة.
كانت الساعة تشير للخامسة صباحا، الجميع نائمون عدى بعض الخدم الذين لم يهتموا لامري كثيرا
ركضت بسرعة حافية القدمين، رغم برودة نسيم الصباح إلا أنني لم اشعر إلا بحرارة غريبة تلفح جسدي كلما اقتربت مع أن كل ما يحيط جسدي ثوب نوم أبيض هادئ التفاصيل
ليوناردو،
همست أقف أمامه، كان لا يزال على نفس وضعيته يتكئ على هيكل سيارته السوداء يناظرني بذات العمق و بنفس الوهج الغريب في كوكبيه الداكنين
انا، انا لم.
كانت الكلمات تفر مني و كأنها تود ان تتركني عالقة في الصمت بحضرته، زفرت بحنق ألعن لساني على خذلاني
اسفة،
تمتمت بنبرة كادت أن تغرق في اللاشيء من حولنا، مرت لحظة من الصمت كانت فيها حدقتي تزاولان الارض خشية رؤية الرفض في مقلتيه
لن أتحمل أن ينهرني
لن أتحمل أن يكرهني
لن أتقبل فكرة أنه سيدعني
اللعنة فقط.
سمعته يهمس بكلمته تلك قبل أن يمسك ذراعي يسحبني اليه فأغرق داخل احضانه، تجمدت للحظات أشعر بيديه اللتين تشدان على خصري و كأنه يحاول أن يحبسني داخله بادلته العناق ألف يدي حول عنقه أشده إلى بدوري و عيناي قد غطتهما طبقة من الدموع
الرحمة! منذ متى كنت فتاة تبكي بسرعة
انا آسفة ليو، أعتذر
كان يحشر رأسه في تجويف عنقي، كلما نفث انفاسه تسري رعشة محببة في جسدي
آسفة على ماذا كونتيستي.
استنشقت ماء انفي و رحت أعدد جل ما فعلت من أخطاء أمامه محاولة الحفاظ على نبرة صوتي التي كانت تهتز اثر بكائي الصامت
آسفة لكوني كذبت و اخفيت عنك الحقيقة، آسفة لأنني خذلت ثقتك، آسفة لأنني نعتك بلقب انت بعيد عنه، بقدر اشتياقي و حبي لك آسفة ليوناردو
شعرت بابتسامته الهادئة ترسم على شفتيه، فصل الحضن ناظرا لاعمق نقطة بعيني
اقسم لك ماريا، حتى لو نعتني باسوء صفات العالم سأظل لعنة تتملكك للممات صغيرتي.
امتدت يداه لتحيطا بوجنتي تمسحان الدمع المنساب عليهما بدفئ لم اعهده من شخص غير الواقف امامي
لا يهمني ما كنت او من تكون، المهم ان تبقى معي
نسبت بهدوء و ابتسامة واهنة قد رسمت على شفتي، رغم أن احساسي أكد لي أن هنالك شيئا ما على وشك الحدوث إلا انني دفنت شعوري داخلي و واصلت غرقي في عيني زوجي الوسيم...
تلك العينان اللتان تخفيان عني امرا مهما...
He says I love you
girl let me touch you
But mama told me
That Italian is a macho.
صدحت كلمات أغنيتها التي كان الجميع يصفق بتناغم مع ألحانها الجميلة، الأطفال يتابعون بيكورو بأعينهم و الذي كان ينتقل برشاقة من مكان إلى مكان يراقص النساء و الأطفال و كأنه بشري وسيم لعوب، أما عن الشباب فكانو يراقبون المسرحية الراقصة بوجوه مبتسمة يضحكون على اقتراب دانييل بحركاته اللطيفة نحو تلك التي تصده بعيدا لا تسمح له بلمسها، لأنه ايطالي!
He says Come love me
Don t listen to your mama.
And I just hope that
It s not gonna ending drama
اتسعت الابتسامات حالما عانق دانييل خصر ماري من الخلف يراقصها بمهارة رغم القيثارة التي تمسكها بين يديها تلاعب اوتارها مصدرة انغاما نشيطة جعلت من البعض يهزون اجسادهم بسعادة رفقة الثنائي المغني
He follows everywhere I go
He calls me baby
This little gigolo has got me going crazy
I just can t get him out of my mind
He s so amazing!
My heart says: Yes!
My mind says: No!
Just let him go، go، go!
يهمس بمسامعها تارة و تارة اخرى يرفع راسها بانامله لتقابل خاصته ثم يعود ليتركها كي تحادث الجمهور بكلمات اغنيتها الحماسية و طبعا استمر بيكورو باللعب في وسط الساحة التي امتلأت بالجموع يراقبون العرض الراقص الذي بات من أولويات صباحهم و احيانا لياليهم...
So shake that thing up there،
Baby girl play with your fancy hair
I love the way you lick your lipse.
we go and start to share.
I rock this club and you rock this dance،
Goonna think it s a bad romance
Gonna flip-flap that tail، yeah، crazy and you rock this trance.
So shake that thing،
baby I rak this club، baby
It s a bad romance،
maybe، yeah، yeah، yeah،.
كان صاحب هذه الكلمات السريعة دانييل الذي تولى امر العزف على القيثارة التي قذف بها بيكورو بعد ان سرقها من ماري التي ادعت الانزعاج و هذا ما جعل ضحكات الاطفال تمتزج مع الانغام التي عزفها صاحب الشعر الداكن
Oh، mamma mia!
He s Italiano!
He s gonna tell me a million lies
Oh mamma mia!
He s Italiano!
I know the way when I look in his eyes.
و مع اخر جملة تلفظت بها صاحبة الشعر المتموج تعالت التصفيقات تزامنا و انحناء الثلاثي، جميع الاوجه ضاحكة يبدو عليها الاستمتاع، جميع الأوجه عدى وجه واحد متجهم مغتاظ يكاد يكسر الهاتف الذي كانت مهمته الوحيدة الهاءه عن العرض السخيف
و قد فشل في هذا!
اللعنة علي، انا السبب في التصاق هذا التافه بها من البداية
تمتم يخبئ هاتفه محاولا رسم ابتسامة متكلفة على وجهه حينما لاحظ تقدمهم منه
ماريوس انت هنا.
نطق دانييل بابتسامة بدت للاخر حقيرة لدرجة ود فيها تحطيم وجهه
كلا انا هناك ساصل بعد قليل
كانت النظرات بين الشابين مشحونة لدرجة ملوحظة و طبعا لم تخفى عن تلك التي تمسكت بذراع ماريوس بعفوية هاتفة بسعادة
لم أعتقد أنك ستأتي اليوم أيضا، مسرورة لقدومك اشقري
ابتسم...
و إن صح القول كان قلبه من ابتسم صارخا من لطافة ملامح و كلمات تلك التي دق خافقه لها
لما كان عليها ان تكون قابلة للاكل هكذا.
طبعا سآتي، لم اكن لأفوت عرضا بصوتك، جميلتي
نطق اخر كلماته مبعثرا خصلات شعرها عله يخفي ملامحه التي قاربت على الاحمرار
لو رآه أحد من اخوته في هذا الوضع لأخذه موضوعا للسخرية لدهر طويل
اعتقد ان بيكو ايضا اشتاق اليك
كلماتها خرجت وسط قهقهاتها ما ان رأت القرد يقفز على كتف ماريوس سعيدا بقدومه لكن بعيدا عن هذا هو ركز مع شيء اخر
اتعني جملتها انها اشتاقت له.
وااه هذا القرد ماكر انه يأبى الاقتراب مني و هاهو الآن يقفز على كتفي ماريوس كقطة مسكينة
ليس ماكرا دانييل، هو فقط يعلم من يجب عليه ان يحبه
تلفظ ماريوس بكلماته و ابتسامة نصر قد علت وجهه، لقد صار يعشق بيكورو من اعماقه لهذه اللحظات التي يجعل دانييل يبدو فيها تافها، تماما كهذه اللحظة!
كيف بدى العرض، هل ابلينا حسنا!
عادت ماري لتخفف الاجواء التي احتدمت مجددا و كعادته هو سارع باجابتها جاعلا من الاخر يبلع كلماته
ممتازا، لولا بعض الطفيليات
ختم كلامه بتمتمة استطاع دانييل وحده سماعها وهذا كان هدف الاشقر من الاساس و مرة اخرى ما ان لاحظ ماريوس ان الواقف هناك على وشك النطق حتى سارع بفتح فمه يسكته ثانية
لقد جئت طمعا في سرقتك لبضع اللحظات من اجل تناول الفطور معا، ان اردت هذا طبعا
للأسف هي لن تستطيع فلدينا تدريبات اليوم.
قلب ماريوس عينيه منزعجا
لما على هذا الدانييل ان يقف في وجهه دائما كالشوكة في الحلق
ما دخلك انت احادثها هي و ثم ما هي هذه التدريبات التي عليكما القيام بها و لما لا اعلم عنها
ابتسم دانييل بسخرية و قبل ان تبرر ماري ما يحدث سارع هو بالاجابة بدلا عنها
و لما عليك ان تعلم بكل شيء يخص عملنا كونت فيكسونتي، هل و بالصدفة تكون رئيس اعمالنا.
اقترب ماريوس من المتحدث و اعنيه راحت تطلق شرر الغضب و الحقد، في بادئ الامر كان الواقف امامه يتقن دور الشاب المسكين الذي يريد العمل فحسب اما الآن، فهاهو يسعى لجعله قاتلا يشرب دماءه
قبضت انامله على ياقة دانييل في خشونة و بهسهسة مشحونة بحنقه تحدث
لا تعتقد انني شاب لطيف يتحمل ان يدعس احد على ذنبه، لا أحد قادر على سرقة ما املكه و ما اريده
شده اليه اكثر قبل أن يكمل كلامه بابتسامة مرعبة.
يمكنني دفنك في ارضك ان حاولت مس ممتلكاتي
ممتلكاتي...
اهو يعنيها بهذه الكلمة؟!
ام أنها فقط تسافر بأحلامها مجددا لمحطة يستحيل ان تصل لها؟!
هذه الأفكار شغلت بالها عن فك النزاع امامها لوهلة غير ان يدي دانييل التي امتدت تدفع عنه ماريوس ايقظتها من سهوتها
اريد ان أراك تحاول
نبس صاحب الخصلات السوداء ساخرا ما جعل ماريوس يبتسم بسخط
لا أحد يثير اعصابه ماريوس فيسكونتي
و ينفذ بريشه أبدا
لك هذا إذا.
كلمته الهادئة كانت منافية للكمة التي استقرت على وجنة دانييل جاعلا منه طريحا للأرض
شهقة فرت من فاه ماري
التي اسرعت لدانييل بعينين متوسعتين
الدماء التي بزقها الآخر جعلتها هلعة فراحت تسأله بقلق
دانييل، هل انت بخير؟
ماريوس بحق الرب ما الذي فعلته!
شعر أنها تدافع عن ذاك اللعين
شعر انها فضلته عنه، مرة أخرى
شعر أنه، الطرف الثالث؟!
اللعنة.
همس تحت انفاسه قبل أن يحث الخطى مبتعدا عن المكان، غير منتبه للقرد الذي كان متشبثا بكتفه
بيكورو كان أكثر حيوان واثق من ماريوس و سعيدا لما يفعله!
اجل ليوناردو انا بخير، توقف عن الاتصال كل خمس دقائق
تحدثت انهي الاتصال متنهدة
لكنني ما لبثت ان ابتسمت بسعادة لقلقه و اهتمامه بي
كانت التخطيطات لحفل خطوبة جوليان و راسيل قائمة، و الأمر لم يختلف بخصوص ميرنا و ايدواردو أيضا
و لهذا السبب كنت انا رفقة الفتاتين في السوق نتجول لابتياع بعض الاحتياجات التي تنقصهما
اكتشفت أن راسيل فتاة لطيفة بحق
ذات روح طفولية بامتياز و أفكار بريئة.
باختصار كانت أفضل فتاة تناسب جوليان الذي كان واقعا في غياهب حبها...
أعتقد انني سأشتري هذا الفستان يبدو جميلا ما رأيكما
كنت على وشك ان اجيبها إلا ان شعور دوار مفاجئ قد داهمني
أعتقدت في بادئ الامر أنه أمر طبيعي فقد راودني لعدة مرات في الآونة الأخيرة
لكنه اشتد كثيرا الآن ما جعلني اتهاوى على الأرض
ماريا!
هتاف راسيل المرتعب كان بعيدا عن مسمعي
حاولت ان أتحدث بأنني بخير إلا ان لساني عجز عن خياطة تلك الكلمات.
كنت على وشك ان اغمض عيني مستسلمة للارهاق الذي غزى جسمي و قبل أن أفعل ذلك لمحته...
بعيدا جدا يقف في الزاوية يبتسم بطريقة ارعبتني...
كان هو...
والدي!
فتحت عيني بصعوبة
فواجهني سقف أبيض غريب عني
كان الصمت في أرجاء الغرفة التي انا بها دليلا على عدم وجود أحد معي
انتصبت قامتي أحاول الجلوس باعتدال
لقد كنت في المشفى!
سيدة فيسكونتي
توجهت نظراتي للممرضة التي دخلت بابتسامة لغرفتي و لم أجد نفسي إلا و أنا أبادلها الابتسامة
كيف حالك؟ كيف تشعرين؟
سؤالها تزامن مع تفقدها للكيس الذي كان محتواه يتدفق عبر جسدي بسبب تلك الابرة المحقونة في ذراعي الايمن.
انا بخير لكن، أين صديقتاي
ابتسمت الممرضة مجددا تسجل بضعة ملاحظات على دفترها
انهما بمقهى المستشفى بالأسفل
اومأت بتفهم و شعور أن هنالك شيئا خاطئا يحدث يراودني
لم تكن ميرنا لتتركني بمفردي و انا مغمى على فما الذي جعلها تبتعد عني هكذا؟!
ما سبب اغمائي يا آنسة
اتسعت ابتسامة الممرضة أكثر و هذه المرة وجهت أنظارها إلى تتحدث بنفس الابتسامة التي أصبحت تبدو لي غريبة
حقيقة اغمائك تعود لكونك، حاملا.
ارتخت اطرافي بسبب ما سمعت
عيناي توسعتا بصدمة و أنا أنظر للممرضة و هي تخرج إبرة من جيب بدلتها تضع محتواها في الكيس
ح، حامل
قهقهة لطيفة قد اخترقت مسامعي لم تكن إلا من ثغرها
أجل في شهرك الأول
انا، انا حامل بطفل
انا سأصبح أما
أم طفل لن يكون والده إلا ليوناردو اورسيني شيطاني الحارس!
إنه ابنه،!
هل، هل بامكانك فقط مناداة صديقتاي
نطقت و الصدمة لا زالت تشل حركتي و تفكيري
انا سعيدة لكن، أشعر بشيء غريب
لست مرتاحة.
هناك شيء خاطئ
سأفعل لكن قبلها،
ابتسامة تلك الممرضة كانت غير مريحة
و فجأة ظهرت صورة طيف والدي في مخيلتي، اتجهت حدقتاي بسرعة فائقة لكيس السيروم و هذا تزامن مع ضحكة خافتة اطلقتها الممرضة
فات الأوان يا سيدة
تثاقل جفناي و الرغبة في اغلاق مقلتي ازدادت، هززت رأسي بالنفي بسرعة و انا أشعر بشلل غريب يكبل لساني و حتى اطرافي
حاولت مقاومة ذلك الشعور إلا أنه و مع مرور الثواني قد ازداد.
اتجهت عيناي للباب الذي فتح مدخلا عبره طبيبا خبئ وجهه بقناع طبي
بلعت ريقي بصعوبة
جفناي بالكاد يحافظان على مساحة تجعلني قادرة على رؤية ما حدث
هل اشتقت لوالدك ماريا؟