رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل التاسع
توقف هنا لو سمحت
أمرت السائق، قلبها ينبض بقلق، يخبرها ان صديقتها ليسا بخير، لا تستطيع ان تعتبر نظرات سواريز طبيعية، كانت مخيفة فارغة من المشاعر و هذا جعلها تخاف...
لوهلة تذكرت أنه كان يريد قتلها من اجل المال، الرجل مجنون ولا أحد يعلم ما هو قادر على فعله في سبيل الحصول على الأموال.
حملت هاتفخا و اتصلت بالشخص الذي سينقذها دون ريب من براثن ذاك المريض النفسي.
ليوناردو، أسرع الى قصر آل فيسكونتي، أعتقد ان ماريا في مشكلة
لم يحبها بكلمة بل فصل الخط، اخذت نفسا مرتعشا و بينما هي تعيد هاتفها الى الحقيبة نبست بسرعة.
أعدني الى القصر، بسرعة!
كنت أسمع صوت طرقات الباب العالية تزامنا و صوت صرخات امي و ايريك الذي يحاول فتح الباب.
لم أعد أستطيع طلب المساعدة، أشعر أن حبال صوتي قد انقطعت فمهما حاولت لا أستطيع إصدار أي صوت...
تريدين خداعي أيتها الحشرة!
لا تعلمين مع من تلعبين أقسم بهذا.
بين كل كلمة و أخرى يلفضها كان يحاول التقاط انفاسه المسلوبة إثر المجهود الذي يقوم به و هو يركل بطني، جثى على ركبيته و سحب خصلاتي بقوة فيها فصرخت بألم، كانت الدماء تنزل من رأسي بسبب ارتطامي بحافة المنضدة...
بالكاد أفتح جفني.
سأحرص على ان لا تفكري كالشيطان ثانية،
همس بفحيح مرعب غير مبال لأنيني، لا أستطيع تحريك عضلة واحدة و الدماء تكاثفت على عيني اليسرى جاعلة أمر فتحها صعبا...
أستطيع سماع صوت الباب الذي يدفع و صراخ أخي الجنوني...
حتى ترجيات والدتي بأن يصفح عني...
افلت خصلاتي التي كان على وشك أن يقتلعها، وقف فتمسكت بحذائه أسعل الدماء، عيناي تدمعان و بالكاد أستطيع ان ارى، لست بخير، سأموت لا محالة...
أ، أرج، وك
كانت كلمة يتيمة ما تلفظت بها، أريد أن انجو...
لا أريد أن أموت الآن...
لا تزال لدي أحلام احققها...
لا أزال راغبة في الجلوس مع إخوتي...
ان اتكلم مع ايريك عن أيامي...
ان اشكو لجوليان ما يزعجني...
ان اتشاجر و ألعب كرة السلة خفية مع ماريوس...
أثرثر مع ايليت و ميرنا...
أبتسم لعمتي و جدي...
و حتى اسمع توبيخات أمي...
و...
أن أقضي لحظات أكثر مع ليوناردو!
و كأنني ألقيت نكتة على مسامعه إنفجر ضاحكا، أبعد قدمه فتهاوت يدي على الارض...
داس على اناملي بحذائه فأطلقت انينا و شعرت بدمعة ساخنة زينت خدي...
لم تري شيئا بعد أيتها، الكونتيسة!
ما قاله كان بداية عذاب آخر، صرخت بألم لدرجة شعرت فيها بخروج مقلتي من محجرهما، بدى و كأن احشائي ستخرج من مكانها...
أبى ان يبعد قدمه عن بطني بل و مع كل لحظة كان يضغط بقوة أكبر...
سأموت...
أقسم انني سأموت!
بكيت بقوة رغم ان حنجرتي تؤلمني، صرخت باسم ايريك و الذي صار يدفع الباب بوحشية لكنه لا يفتح...
اصرخ و اصرخ لكن لا أحد ينقذني...
لا أستطيع سحب أنفاسي...
سأموت...
يا إلهي سأموت...
اغلقت عيني مستسلمة لمصيري.
فليسرع فقط و يقتلني...
علي الأقل سيدخل السجن!
سأخلص والدتي من الاحتقار و جدي من ابن عاق...
سأخلص العالم من رجل مجنون!
توقف عن فعل ما يفعله جافلا ما ان سمع صوت رصاصتين و على إثرهما فتح الباب...
كان هو...
شيطاني الحارس!
بعنين مظلمتين نظر لحالتي...
لم ينطق بحرف و إنما صوب سلاحه ناحية والدي، لم أستطع فتح عيني أكثر من ذلك و اغلقتهما...
و بهذا سافرت إلى عالم آخر.
عيناه حمراوتان، كلما اتجهت حدقتاه لفتاته المرمية على الارض تشتد اعصابه أكثر، لقد قتلها...
هذا ما كان يجول بباله، أستعد ليطلق النار لولا ايدواردو الذي سارع بانتزاع السلاح من يده على غفلة منه.
هذا ليس وقته
همس بأذنه، كان ليوناردو يتنفس بصعوبة، كيف له أن لا ينتقم لفتاته، في ذلك الحين كان ايريك قد جثى على ركبتيه يحاول ايقاظ اخته...
الكدمات شوهت وجهها لحد صعب فيه التحديق بوجهها، الدماء رسمت تحفة مخيفة على ملامحها و الدموع جفت تاركة أثرا واضحا، ما كان يخيفه هو ذاك الجرح في رأسها...
علينا أخذها للمستشفى، هي ليست بخير
نطقت ميرنا بعينين دامعتين رغم ملامحها الهادئة، كانت حالة ماريا مخيفة لدرجة لم يقوى فيها احد على لمسها...
الشيء الوحيد الذي كان يطمئن هو انفاسها التي كانت تلحظ بالكاد.
السيدة فيرناندا كانت منهارة على الارض اما عن سواريز فلم يتحرك من مكانه، يكاد يبكي رعبا على نفسه من نظرات ليوناردو الوجهة صوبه.
دعك منه الآن، لن تستفاد شيئا، فلنتصل بالشرطة و الاسعاف
بهذه الكلمات حاول ايدواردو تهدئة توأمه الذي يشتعل، كالأسد الذي ينتظر فرصة الهجوم، قلبه يؤلمه لحالة معشوقته و كلما وقعت عيناه عليها يشتعل أكثر و أكثر راغبا في انهاء حياة الواقف هناك.
معك حق.
همس ليوناردو مؤيدا ما فاه به ايد.
لكنني لن أستطيع التحمل هكذا
تحرك مع ما قاله الى الأمام مسددا لكمة قوية اطاحت بسواريز ارضا، ما كاد ان يستوعب ما حصل حتى انهال عليه باللكمات...
كيف تجرأ و لمسها...
و هي من وعدها بحمايتها...
حاول ايريك و ايدواردو ابعاده عن الرجل، و بعد محاولات نجحا، كان ليوناردو يصرخ بوحشية يحاول الافلات من قبضتي الشابين...
أقسم انني من سيجعلك تتمنى الموت، سترى ما معنى الاقتراب منها ايها الحقير
كان على وشك ان يستمر بالصراخ غير ان ميرنا التي هتفت بعصبية اوقفته.
و اللعنة الفتاة هنا تصارع للتنفس فليتصل أحدكم بالاسعاف
أسرع ليوناردو ناحيتها بينما اتجه ايدواردو ليتصل بالشرطة، لم يسعه انتظار الإسعاف و مراقبتها تئن بألم تحاول ان لا تموت...
حملها بحذر كبير و ركض بها الى الأسفل، لاحظ المرأة التي تطل من السور فوقهم و تبكي بألم على الكرسي المتحرك و شعر بميرنا و ايريك يركضان وراءه لكنه لم يلقي ذرة اهتمام بهم كلهم...
ما يهمه الآن فتاته
خطيبته التي تكافح الألم المميت...
اعتذر، آسف ماريا همس بندم في أذنها و هو يضعها في الكراسي الخلفية كان رأسها بحضن ميرنا التي حرصت على سد جرح رأسها بقميص وجدته بغرفتها سابقا، ايريك جلس بالمقعد الأمامي و ليوناردو أسرع يقود السيارة...
يقسم داخله ان حدث مكروه لها سيحرق قصر فيسكونتي بمن فيه...
كلما فكر أنه قادر على فقدانها يشعر بقلبه يتوقف...
قلبه الذي كان قطعة متحجرة قبل أن يعرفها...
اللعنة!
صرخ بوحشية يضرب المقود بعصبية لعله يتحسن ولو قليلا، ناظره ايريك بقلة حيلة، هذا الأخير كان يتصل بجده ينبئه بما حدث...
ستكونين بخير، انت ماريا! ارجوكي كوني بخير ماريا...
انت صديقتي الوحيدة...
اختي الوحيدة...
اتوسلك كوني قوية...
من اجلك!
تهمس و دموعها تحرق جفنيها، تريد ان تتحرر من محجريها...
الجميع يذرف دموعه على تلك التي لم تعد تستطيع التنفس حتى، فقدت كل اتصال مع من حولها، تريد الاستسلام فقط...
المغادرة دون ان تشعر بمزيد من الألم...
لقد اكتفت حقا!
ذاقت من كل نوع جرعة و اكتفت من حياتها التي أبت ان تتغير...
ان كانت هذه النهاية فلا بأس بالأمر
فقد كان محتوما عليها ان تنتهي كما انتهت ماريا جيوفاني...
و لهذا فلتمت...
لم تعد حياتها مهمة لهذه الدرجة...
لقد انقطعت انفاسها...
يشد خصلاته بقوة و هو يحمل ذلك الملف، يبلع ريقه غير متأكد مما سيقدم عليه، يعلم عن نوبات قلق ماريا و يعلم انها ستصاب بإحداها ان علمت ما اكتشفه عن ليوناردو اورسيني، اخذ نفسا عميقا و خرج من السيارة التي ركنها منذ ثوان فقط امام قصر خالته، إن لم تتركه من اجل حبهما ستتركه من أجل ماضيه...
في كل الأحوال ماريا فتاته هو و لا أحد غيره، سيستعيدها مهما حدث...
دق الباب و ما كانت الا ثانيتين حتى فتحت الخادمة، ساعدته على نزع سترته و تركته يفعل ما يشاء بعد ان سألته ان كان يحتاج شيئا فنفى لها، الخدم يعلمون ان نيكولاس فرد من العائلة و لهذا تتم معاملته على هذا الأساس...
صعد الدرج ناحية غرفتها و ما إن دلفها حتى تفاجئ بالسيدة فريناندا منهارة على أحد الكراسي بينما يتحدث شاب غريب الى احد ضباط الشرطة، نبض قلبه بخوف على محبوبته و سأل بدهشة و عينين مرتجفتين.
ما الذي حصل هنا؟
ارتفعت شهقات فيرناندا و ازدادت حدتها، بينما قام ايدواردو بصرف الضابط الذي انحنى باحترام له و غادر الغرفة، اقترب من نيكولاس بابتسامة واسعة و اجابه بسؤال.
انت، جيوفاني صحيح؟
اومئ الأشقر يريد فقط معرفة ما حدث مع ماريا...
من انت و أين هي ماريا؟
كان ايد على وشك ان يشرح له غير ان فيرناندا سبقته في فعل ذلك و هي تلطم وجها باكية.
لقد قتلها، قتل ابنتي عديم الرحمة ذاك، لقد قتلها، قتل ماريا قتلها،.
تردد و هي تلطم نفسها مرارا و تكرارا، بعد ان رأت حالتها تلك و هي مصرة على انها ماتت و ان سواريز قتلها...
شحب لون نيكولاس لما سمعه، هل جنت خالته؟!
يستحيل ان تموت ماريا...
لا زالت لم تكن معه...
لم يخبرها بمدى عمق مشاعره...
ما الذي حدث، أين هي ماريا؟
قبض على ياقة ايدواردو بحركة عصبية فضحك الآخر مبعدا يدي الأشقر عنه.
مستشفى المدينة المركزي
كان نيكولاس على وشك المغادرة غير ان همس ايد بأذنه اوقفه عن ذلك.
ليوناردو غاضب جدا ان رآك هناك بعد ان قمت بإزعاجها ذاك اليوم فلا أضمن لك ما سيفعله بك
ابتسامته المستفزة لم تؤثر بنيكولاس شيئا، يريد ان يراها، ان يعلم ماذا حل بها، ان يتأكد من انها بخير و أن ما نطقت به عمته مجرد هراء...
أسرع لسيارته و ما إن أراد أن ينطلق حتى رن هاتفه معلنا عن اتصال من والدته، اجابها معتقدا انها علمت ما حدث مع ابنة اختها.
أين انت نيكولاس،.
سألته بغضب بينما يقود ناحية المستشفى، كان سينطق بالاجابة لولا انها واصلت بعصبية.
خطيبتك أتصلت بك عدة مرات الى ان استبد بها القلق و جاءت بحثا عنك، المسكينة خافت عليك و انت هائم لا نعرف أين نجدك...
سأعطيها الهاتف و تحدث معها، اخبرها بأي حجة،
لم تمنحه فرصة الحديث و انما صمتت لبضعة لحظات تلاه صوتها و هي تقدم الهاتف لخطيبة ابنها مبتسمة.
مرحبا نيكولاس
راسيل انا،.
تحدث بسرعة راغبا في أن يشرح لها بأنه مشغول غير انها اوقفته عن ذلك بقلق
مابك نيكولاس، هل حدث شيء ما؟
سألته بعد ان ابتعدت والدته، فقط من كلمتين، فقط من نبرة صوته، علمت أن هناك ما حدث و عكر صفوه و ها هي الآن تقف تنتظر ما سيقول قلقة عليه، قلقة على الشاب الذي تحبه منذ ان ارتأته عيناها.
ماريا، راسيل إن ماريا بالمستشفى،.
راكع امام باب الغرفة التي دخلت إليها معشوقته لا تتنفس و تأبى ان تفتح خضرواتيها و تقابله، قلبه مرتعش و يقسم ان حدث مكروه لكونتيسته الصغيرة سيقتلهم، سينهي حياتهم كلهم...
فضل الجد الذهاب إلى مركز الشرطة بينما تجمع اخوتها الثلاثة و ميرنا إضافة اليه...
جميعهم خائفون عليها، ماريوس الذي لم يهزه شيء عيناه صارتا حمراوتين تنذران بالإفراج عن دموعه الخائفة، ماريا هي اخته الصغيرة، هي الفتاة التي مهما كبرت تظل شقيقته التي مهما شاجرها تكون أقرب الناس إليه، التي تعرف ما يحدث معه بنظرة واحدة، التي تضحك معه و التي تبكي معه...
اما عن جوليان فقد اختار الجلوس بهدوء بينما يعد داخله بأن ينتقم من والده...
ايريك شارد باللاشيء، كيف انه لم يفعل شيئا و ظل واقفا مصدوما لا يعرف ما يقدم عليه تاركا أخته تتذوق طعم الضرب المبرح بل الوحشي أيضا...
ارجوكي كوني بخير ماريا، ارجوكي كوني بخير يا أختي.
تهمس بينما الدموع تأبى ان تتوقف عن تلويث وجنتيها، ميرنا بعيدا عن الأربعة الذين معها كانت في حالة كآبة عظمى، هذه اختها، صديقتها الوحيدة، الفتاة التي تخبرها بكل ما يحدث معها، تتمنى انها كانت تتوهم فقط و ان انفاسها لم تقطع، تتمنى فقط لو أنها لم تخرج من الغرفة بعد ان لاحظت نظرات سواريز الغريبة تلك...
اللعنة علي، اللعنة علي، اللعنة على انا السبب، اللعنة على.
تصرخ و تضرب نفسها نادمة على ما حدث، لم يتحرك أحد ناحيتها غير ماريوس الذي أشفق على حالتها، او بالأحرى وجدها الوحيدة التي يستطيع ان يطمئنها لعل ما سينطق به يطمئنه هو الآخر.
اوقفها عن صفع خديها و نظر لأعماق عينيها، بالكاد استطاع ان يحبس دمعته من النزول.
لا دخل لك، ذلك الوحش هو السبب، و لن يقترب منها مجددا.
نطق يمسح على ذراعيها، كانت تشهق بحدة لا تستطيع التنفس بشكل صحيح، حاولت ان تكفكف دموعها و سألت بقهر شديد
ستكون بخير، ماريا بخير أليس كذلك
عض شفته السفلية و الألم داخله اشتد، اومئ لها غير قادر على فتح فمه فلم يجدها الا و هي تعانقه تبحث عن مأمن لها من ما يحدث، تتمنى ان صار مجرد حلم كاذب.
أين هي ماريا،.
سأل بقلق فتسبب هذا في ان يرفع الجميع انظارهم ناحيته، حدق ليوناردو بالأشقر قبل أن يعيد انظاره للباب، شاردا بعينين فارغتين، فتاته بخير هم يتوهمون، سيظل هنا بعيدا عنهم الى ان يخرج الطبيب و يخبره ان يأخذ خطيبته، أجل هذا ما أراد فعله لكن نيكولاس كان له رأي آخر ما إن رآه...
ما الذي فعلته لها؟
ايها اللعين ماذا فعلته لماريا؟
صرخ نيكولاس قابضا على ياقة ليوناردو، أبعد يديه و حاول أن يعود لمكانه جاثيا ينتظر لكن نيكولاس منعه.
هل تريد قتلها أيضا ايها الوحش، هل قتلتها؟
لكمه، لكم ليوناردو وجه نيكولاس مبعدا إياه ثم عاد يجثو و كأن لا شيء حدث، لا يريد ان يفعل أي شيء عدى انتظارها، لا يريد رؤية شيء او سماع صوت غير وجهها و صوتها، لذا فليبتعد الجميع عنه.
في حين كان الجميع يحدقون بنيكولاس الذي يتألم للكمة التي تلقاها كان ايدواردو الذي وصل قبل دقيقتين يطالع ميرنا المحشورة بحضن غير حضنه...
اللعنة!
همس تحت انفاسه يراقب الاثنين بعينين تطلقان الشرر، لا يستطيع انتشالها من بين احضانه و هذا جعل من اعصابه تحترق أكثر...
سيقتل هذا الماريوس دون شك لكن ليس الآن...
ما يهم الآن هو حياة ماريا التي لا يعلم أحد مصيرها!
غابة كبيرة، أشجارها ضخمة مخضرة لدرجة تعتقد فيها ان لونها أسود، كانت مخيفة أصوات الحيوانات، و النسمات الباردة جعلتني ارتعش دون ارادة مني...
لا تذهبي.
لم يكن صوتا وحيدا و انما مزيجا من الأصوات تجانس لدرجة بدى فيها صوتا واحدا، لكنني لم أصغي له بل واصلت التقدم الى الأمام اريد الخروج من الغابة المخيفة و بالفعل كانت هناك نهاية، ضوء، بل نهاية للغابة، ابتسمت بوسع، أخيرا سأغادر الغابة المرعبة و التي تشابكت طرقها و صعب الوصول لمخرجها...
ماريا لا تذهبي!
تكرر صدى الصوت و هذه المرة بدى مألوفا، التفت فوسعت عيني بدهشة، ميرنا و هي تحتضن ايدواردو، ايليت، ايريك، ماريوس، جوليان، جدي، العمة ايزابيلا، و حتى أمي التي كانت تبتسم لي و الدموع في عينيها.
و ليوناردو أيضا!
ابتسمت لهم و لوحت لهم، كنت أضحك بسعادة لأنهم معي.
لنذهب من هنا، المكان مرعب!
صرخت كي يسمعوني لكن والدتي أجهشت بالبكاء بينما اومأت ميرنا بالنفي لي.
هذا مكاننا ماريا، أبقي معنا!
أردفت ايليت تشير لي بالاقتراب، نظرت ناحية المخرج بتردد، الغابة موحشة لكن الذهاب وحدي ليس جيدا أيضا...
ابتسمت و زفرت انفاسي قبل أن اركض ناحيتهم جميعا، كانت عمتي تضحك على بينما ماريوس ينتعني بالبقرة الضاحكة، جوليان اوقفه و ايريك يطلب مني الابطاء كي لا أقع ارضا...
كنت أضحك بسعادة و انا عائدة اليهم، جدي كان يمسح على رأس عمتي و ينظر للمخرج بدلا مني، عندما وصلت لهم وقفت آخذ انفاسي التي سلبت مني، لكنني شعرت بقدمي ترفعان من على الارض التي يغطيها العشب، منحت ليوناردو الذي حملني ابتسامة لطيفة ثم نظرنا للمخرج أين كانت جدتي واقفة تنظر لي بابتسامة واسعة و تبتسم لي...
هذا ليس وقت قدومك ماريا، لا زال عليك البقاء قليلا.
نطقت جدتي ثم لوحت لي و خرجت من الغابة، عانقني ليوناردو بشدة و أجتمع الكل حولنا يضحكون و يتكلمون...
نظرت للسماء بإشراق...
رغم كل شيء السماء جميلة!
افتحي عينيكي كونتيستي الصغيرة
همس ليو بأذني فأومأت له...
السماء جميلة حقا،!
خرج الطبيب من الغرفة مبتسما...
لقد نجت!
أربعة ساعات كاملة، كانت فيها ماريا تحت التخدير بعد ان نجت من الموت، تعرضت لكسر بليغ في يدها اليمنى احتاجت على اثره اجراء عملية، جرح مخاط برأسها تمت اخاطته، و رضوض خطيرة على مستوى قفصها الصدري و كانت السبب في توقف تنفسها لفترة كادت ان تقتلها، كدمات وجهها كانت مخيفة لكنها لم تلحق بها اذى مزمن...
عدى جرح رأسها الذي لم يؤكد الطبيب مدى سوئه بعد لم يكن هناك أي ضرر مزمن بجسدها، و هذا ما جعل الجميع مطمئنا قليلا، اتجه ايريك رفقة ميرنا مع الطبيب الذي أكدت حالة مريضته انها تعرضت للتعنيف من اجل ادلاء شهادة لتسليمها للضباط فوضع ماريا كان مخيفا حقا.
الا يمكننا الدخول بعد؟
استفسر ماريوس بتعجل احدى الممرضات التي خرجت من عرفتها و تزامن هذا مع عودة كل من ايريك و ميرنا.
يمكن لشخصين فقط الدخول حاليا، فالمريضة تحتاج بعضا من الراحة و الهدوء
سأدخل انا!
نبس ماريوس بسرعة غير ان ميرنا أبعدته من امام الممرضة تدفع وجهه.
بل انا من سيدخل! لا تصغي لهذا الثور الهائج
وسع عينيه بصدمة و دفع وجهها هو الآخر محاولا أن يعود مكانه
بل لا تصغي لدودة القز، انا من سيدخل
بل انا
انها اختي و انا من سيدخل أولا!
انها صديقتي المقربة و انا من سيدخل أولا.
كلاهما يناظر الآخر بعناد بينما كانت الممرضة حينها تنظر لهما بابتسامة غبية تحاول فهم ما سيتفقان عليه...
المسكينة لا تعلم انهما اتفقا على ان لا يتفقا!
لا انت و لا هو، جوليان و ليوناردو دخلا!
تحدث ايريك و هو يطبطب على كتفي اللذين توسعت عيناهما بصدمة و صاحا بتذمر، غيرا مدركين لذاك الذي ينظر لهما بحدقتين تطلقين الشرر.
ماريا
همس جوليان مسرعا ناحية أخته التي ابتسمت له بتعب، الشاش يلف جرح رأسها إضافة الى ملصق طبي على انفها.
لقد عدت من اجلكم!
نطقت ضاحكة غير انها تفاجأت به يحضنها بلطف بالغ، ابتسمت بهدوء و عانقته بدورها حريصة على ان لا تحرك الإبرة المغروزة بيدها اليسرى توصل لدمها ذاك السائل الشفاف.
خفت عليك كثيرا
شردت بكلماته قبل أن تجيبه هي الاخرى.
انا بخير الآن.
و ستكونين كذلك بدء من اليوم، الخطأ على ذاك المختل و سأهشم كل خلية به صدقيني، لن ينجو بفعلته
ابتسمت له بخفة و رفعت رأسها تنظر لعينيه بهدوء، تعجبها فكرة الانتقام لكن، من سينتقم منه جوليان هو والده رغم كل شيء
لا تفعل شيئا تندم عليه أخي.
لم يجبها و انما جلس على سريرها يتفقد حالها، لم يترك استفسارا الا و قام به، ان كان الشاش يزعجها، و ان كانت الضمادة على انفها تضايقها و قد كانت تنفي له كل ما ينبس به مبتسمة لاهتمامه، فجأة وقعت انظارها عليه...
شيطانها الذي كان يناظرها ببشرة شاحبة و عينين زائغتين تراينها هي وحدها...
شردت به لا تعلم ما عليها قوله بعد ان أبى ان يشيح نظره بعيدا، لاحظ جوليان ما تحمل نظراتهما فأراد منحهما بعض الخصوصية، لا يعلم ان أخته ارتبكت من فكرة البقاء معه وحدها، تشعر أنه قد مرت فترة طويلة منذ ان رأته، و الحلم أين كان يحضنها و يقبل خدها جعل من خديها يحمران، ماذا لو علم انها حلمت به بهذه الطريقة؟!
تقسم انها ستموت من الخجل دون ادنى شك!
سأخرج لجلب بعض الماء لك.
بحق السماء ان خلفها على المنضدة اناء مملوء بالماء!
خرج من الغرفة مغلقا الباب على اخته و خطيبها و هو يتنهد بشبح ابتسامة، ما إن التفت حتى قابله ماريوس و ميرنا اللذان لا يزال كل منهما يعاند الآخر تحت محاولات ايريك في تهدئتهما، كان سيتوجه لهما لولا أن حدقتاه وقعتا على ذات الرأس الأحمر الجالسة بجانب نيكولاس تحاول الحديث معه، كانت تبتسم بهدوء بينما ملامح وجه من تحادثه شاردة يرد عليها بكلمات مقتضبة، بعد مدة فقدت الأمل فصمتت و بهذا لاحظت وجود جوليان أخيرا، ابتسمت بلطف و هي تلوح له تتدارى خيبتها من المسمى خطيبها اومئ لها و سار ناحية إخوته يحاول فهم ما يحدث مع الصهباء المزعجة...
ما إن صار جوليان خارج الغرفة حتى أخذ ليوناردو يقترب مني بخطى بطيئة، و كأنه خائف من ان اهرب منه ان هو أسرع...
انتظرته و خداي يحمران خجلا مع كل خطوة يخطوها للأمام، عندما صار امام سريري جثى على الارض يمسك يدي التي غرزت بها إبرة المحلول الغذائي، بدت اناملي صغيرة جدا مقارنة بيده الضخمة ذات العروق البارزة، يمسح عليها بابهامه، كان يناظر يدينا المتصلتين و كأنه عاجز عن رفع حدقتيه لي...
لأول مرة أجرب هذا الشعور ماريا
نبس بصوت هادئ فتحولت ملامحي للاستغراب.
أي شعور؟
حدق بيدينا في عمق بالغ، لم يواجهني و لم يرفع سوداويتيه مطلقا...
الخوف
الخوف من ان افقدك و انا الذي لم أكن اخاف شيئا مهما يكن، شعرت بالضعف و انا الذي لم تجعلني أشد المصائب أرهب شيئا، مزيج من جميع المشاعر السيئة داهمتني جاعلة قلبي ينقبض بطريقة سيئة.
كنت مستعدا لقتل الجميع ان حصل لك شيء لكنني لم أكن اريد غير ان تكوني بخير...
انا لم استطع تخيل الامر من،
توقف عن الكلام و كأنه لاحظ تعمقه في الافصاح عن ما يخالجه غير عالم عن ذاك الاعصار الذي تسببت به كلماته، أيعقل ان الشيطان خاف علي؟!
شيطاني الحارس الذي أشعر به يشد على يدي يبعث دفئا محببا بقلبي، و الذي جعل اوصالي تتجمد حين شعرت بدمعته تنزل حاطة رحالها على ظهر يدي!
ه، هل يبكي؟!
مرت لحظات من الصمت استغلها ليوناردو بتأمل يدينا و ضبط مشاعره التي أشك أنه يلعنها حاليا...
لا أصدق انني شهدت على دمعة من عينيه المخيفتين!
هذا يبدو خياليا...
خطرت ببالي فكرة، فكرة جنونية لكنه خطيبي و لا بأس بأن أفعلها معه، بالطبع الأمر طبيعي!
أخذت نفسا عميقا تبعه زفير أبعد فيه آخر ذرات خجلي ثم...
بيدي الحرة حاوطت وجنته امسح عليها برقة كتلك الابتسامة التي زينت وجهي ما إن التقت عينانا...
كان ينظر داخل عيني بلمعة لم تكن لها سابقة من قبل، بريق جعل اطرافي ترتعش لجمال المشاعر المتلاطمة داخلي...
انا بخير الآن، لا شيء قادر على أذيتي ما دمت معك أتذكر؟
ابتسم لي بهدوء و قرص وجنتي بخفة نابسا بنبرة جميلة هادئة.
تحفظين كلامي أيتها الصغيرة؟
ابتسمت بإشراق له و اومأت، شعرت انني طفلة صغيرة لكنني أحببت الوضع معه!
نظر لوجهي يعاين معالمه المتضررة كان هناك كدمة بالقرب من ذقني فلمسها بروية حريصا على ان لا يؤلمني...
أقسم لك كونتيستي الصغيرة، سأرد له الصاع صاعين و سأجعله يتألم في كل لحظة، سأنتقم لكل دمعة نزلت من عينيك و لكل أذى ألحقه بك، فقط صبرا حلوتي!
إعجاب؟ كلا لم يكن كذلك
خوف؟ لا كان الأمر بعيدا جدا عن هذا الشعور...
اذا ماذا يطلق على هذه الشرارة التي تهز كياني استجابة لما ينطق به؟!
ابتسمت له و نزعت يدي عن خده متحدثة بضحك.
سأعود لمنزلي مرتاحة البال إذا!
بكلماتي هذه أثبت له انني اريد الانتقام من ما لحق بي لكن ما نطق به جعلني أتوقف عن الحركة لثوان.
لن تعودي لذاك المنزل ماريا.
دودة قز
ثور هائج
يتمتان لبعضهما محاولين ان لا يلفتا انتباه ايريك الذي كان على وشك صفعهما للشجار الذي أبى ان يتوقف، و لهذا اختارا ان يتشاجرا بهدوء...
متطفلة
حشري
اخرسا
نطق جوليان الذي كان يعبث بهاتفه فبلع الاثنان ريقهما، جوليان لا يشبه ايريك، لن يهددهما بالصفع و إنما سيطبعهما بحائط المشفى دون ان ينطق بكلمة.
كان هو بدوره يدعي الانغماس في شاشة هاتفه، لكنه حقيقة يحدق براسيل التي عادت تتحدث مع نيكولاس بابتسامة مشرقة و هو شارد بالسقف لا يرد الا بكلمة او كلمتين يجرح بها دواخلها فتحزن للحظة لكنها تعود لعلها ترفه عنه، كلما أراد أن يشتت انتباهه بما يعرض على الهاتف تعود لتشد انتباهه بحركاتها و ابتسامتها الحيوية، و بينما هي تتحدث نهض نيكولاس فجأة و امسك ذراعها ساحبا إياها وراءه تحت أنظار الآخرين، و بعد هنيهة صارا بعيدين عن مرأى الجميع...
إنه يبدو مخيفا، أشفق على المسكينة
همست ميرنا لماريوس و قد اومئ لها بهدوء، تلك الكلمات أثارت شيئا في جوليان، رجفة غريبة سماها فضولا فقط...
الفضول فقط ما جعله ينهض و يلحقهما لمعرفة ما سيحدث بينهما...
لكن،
من دون لكن ماريا، لن اسمح بعودتك و المرور بنفس الموقف، لا أدري ما الذي سيحدث مع سواريز قبل أن أحط يدي عليه و لهذا ستكونين في خطر ما دمت بعيدة عن ناظري
حدقت به مشوشة بما يقوله فجأة، جلس بجانبي و حاوط وجهي بلطف ناطقا بإصرار.
سنتزوج دون حفل الى ان تشفي، نوقع العقد و تنتقلين للعيش معي، بعد ان تشفي أعدك بحفل لن تري له مثيلا بايطاليا كلها،.
فكرة ان نتزوج هكذا كانت، غريبة و قد منحنتي شعورا سيئا لكن...
والدك شيطان ماريا، مقامر له أياد في السجن، أستطيع ان آمر بقتله الآن لكن الأمر ليس بهذه السهولة و هو رجل معروف و الصحافة تنتظر شيئا واحدا لنشره عن عائلتكم
شردت بضعة لحظات أفكر بما قد يحدث ان انا عدت لذاك القصر، يستطيع والدي التسلل للقصر و قتلي و دون رحمة و بعدها يحضر لجنازتي قائلا أنه ندم على ما مر و أنه حزين لما حصل معي...
لا أبالغ قد يفعلها دون ان يرف له جفن و ان حصل هذا ستسكنه روحي الغاضبة!
ما قولك ماريا؟
أخذت نفسا عميقا قبل أن انظر لعينيه بهدوء...
موافقة.
انا احب ماريا
نطق بهدوء و هو ينظر لعينيها بعمق، لم يعد قادرا على التلاعب بمشاعرها، لا يريد تضييع الوقت و إضاعة الفرصة...
يريد ان يكون مع فتاته و يحضى بالنهاية السعيدة بعد ما مر به اليوم من ضغط جعله يتبرأ من كل خلية بعقله.
بلعت راسيل ماء فمها و هي تضغط على قبضتيها، اقتربت منه و هي تبتسم تداري دموعها التي ما لبثت تحرق محجريها.
ما الذي تقوله نيكولاس، ماريا مخطوبة و انت و انا.
ليس هناك شيء يسمى انا و انت راسيل
قاطعها بهدوء يبعد يدها التي امتدت لخده، يريد إنهاء الأمر الآن.
أعلم ان الأمر قاس لكن راسيل، انا و انت نعلم ان علاقتنا كانت من اجل والدينا فقط، علاقة مصلحة لا تزينها أية مشاعر.
لكنها تحبه، عندما تعرفت عليه من طرف والدها أحبته، رأت فيه الحبيب الطيب و الخطيب المراعي و الزوج المتفهم و والد أطفالها المثالي، هو لم يحاول ان يتقرب منها، بل لم يوهمها يوما انه لا يريدها، لطالما ابتسم لها عندما تحدثه و لهذا اعتقدت انهما بخير و أن علاقتهما جيدة، فلما الآن يطلب منها الانفصال و يعترف لها بحبه لابنة خالته، لما يكسرها و هي من لا يحتمل قلبها كلمة واحدة، لطالما كانت لطيفة، لم تؤذي أحدا و لم تزعج شخصا قط، كانت متواضعة و عاشت حياة لطيفة و بعيدة عن المشاكل قدر الإمكان...
فلما يكسرها نيكولاس الآن؟!
نظرت له بهدوء و هو ينزع خاتم الخطبة عن بنصره قبل أن يعطيه لها و فعلت المثل، هو لا يحبها لقد انتهى الأمر، لا يهمها ما سيحدث تريد فقط ان يتركها لتبكي الآن، لا يود ان يراها بشخصية ضعيفة، سلمته خاتمه و وقفت تزم شفتيها منتظرة مغادرته و التي لم تطل كثيرا، و ما إن شعرت بأنها وحدها حتى وقعت ارضا تبكي خيبتها بمرارة، تبكي ألم تحطم أحلامها و تبكي واقعها الذي أصبح كابوسا من دون نيكولاس.
يا ذات الرأس الأحمر.
أردف بهدوء فنظرت إليه غير قادرة على كتم شهقاتها، مهما كفكفكت دموعها تعود لتنهمر دون رغبة منها، كان جوليان يمد لها منديلا وجده بجيب سترة بدلته التي ارتداها بسبب اجتماع اليوم.
أمسكته تضغط عليه، لا يعلم لما رغم شفقته عليها ابتسم على صوت شهقاتها التي بدت لطيفة كخاصة الأطفال.
مد يده لها و ساعدها على النهوض، قادها للحديقة الخاصة بالمشفى أين اجتمعت أقراح الدنيا و أفراحها...
اختارا كرسيا خشبيا و جلسا عليه، لا زالت تبكي لكن بصمت، مهما حاولت كبت دموعها تزداد جموحا، لم يدري ما عليه فعله، لهذا تركها تذرف الدموع كما تشاء، و اكتفى بارخاء ظهره على مسند الكرسي يحدق بالأشجار و السماء التي ترصعت بالنجوم منذ مدة من الزمن.
أتعلم هو محق في الانفصال عني، انا مجرد فتاة ذات حظ سيئ لا تفهم شيئا و ليست مؤهلة للحب، لا أملك جمالا جذابا كباقي الفتيات و لا شخصية قوية...
انا ضعيفة!
اشتكت له و هي تحاول بشتى الطرق ان تكون مخارج كلماتها مفهومة رغم الشهقات التي تحاول منعها.
نظر لها و بصوت هادئ نبس
بالعكس انت جالبة للحظ الجيد و من ذوات الشخصيات القوية
رفعت رأسها و وجهت حدقيتها له تمسح الدمعة المتمردة و بلمعة أخاذة في عينيها سألت.
أحقا ما تقول؟
قرأت هذا في رواية، اصحاب الشعر الأحمر يكونون هكذا.
تعابيرها الحزينة تحولت الى أخرى فارغة، هل يخبرها الآن انها شخصية قوية و جالبة للحظ بناء على رواية لا تمت للواقع بصلة!
انت غبي
همست بصوت مسموع فأجابها باعتيادية.
انت مزعجة
أرخت جسدها هي الأخرى على مسند الكرسي، الحزن لا زال يستعمر دواخلها لكن البكاء لن يساعدها...
فجأة وسعت عينيها للفكرة التي خطرت لها!
وجدتها
نظر لها باستغراب عاقفا حاجبيه.
ستكون معلم الحياة الخاص بي
واصل التحديق بها لا يفهم ما تقصده.
لقد شاهدت هذا في فيلم رومانسي، تنفصل البطلة عن خطيبها و تكتئب و عندما تحاول الانتحار تلتقي بشاب يساعدها على تجاوز هذا و في الأخير يتزوجها بطريقة جميلة جدا بعد ان يحدث بينهما الكثير
شرحت له بحماس و هو شرد بفكرة اخرى، أتطلب منه ان يحبها و يتزوجها بعد ان يحدث بينهما الكثير؟!
و من اليوم ستكون انت معلم الحياة الخاص بي كما كان البطل و البطلة فما رأيك
رمش مرات عديدة قبل أن يومئ لها، لا مانع له بالزواج بها!
وقف عائدا للمستشفى، استغربت فعلته و لم تكبح فضولها.
أين تذهب؟
التفت لها و اجاب بهدوء.
عندما تنوين الانتحار أخبريني كي أبدأ مساعدتك
ارادت البكاء، تقسم أنها كادت تبكي سخطا!
ضربت وجهها بيأس...
لم يبدو غبيا و هو يقرأ الكتاب ذاك اليوم لكن المظاهر خداعة!
مرت ثلاثة أيام على وجودي بالمشفى، عملت فيها انا و ليوناردو على اقناع إخوتي بزواجنا المبكر، أكبر معترض على الأمر كان ماريوس الذي اعتبر ذهابي هكذا تقليلا من شأني و ان عائلة فيسكونتي قادرة على حمايتي غير أنني تحدثت معه...
و قد استسلم آخر الأمر.
تناوب الجميع على الحضور لغرفتي، مرة ميرنا و التي رفضت ان تبتعد عني، إخوتي، ايدواردو أيضا كان يأتي بين الحين و الآخر و هذا الاخير كان يعاني من ميرنا.
أخبرتها انني احبها فلم تستمع، فقلت أحبك ميرنا فصفعتني لتوقضني، تألمت كثيرا و عندما أشفقت على حالي و ارادت ان تتفقدني أخبرتها انها فتاتي فتجاهلتني، أخبرتها انني أعشقها فهي مشاغبتي الصغيرة فدفعتني و على إثر ذلك وقعت مجددا
تذمر يشتكي همه و ما إن رفع رأسه وجدني أكبت ضحكتي بصعوبة، المسكين تعرض لشتى انواع التعنيف لأنه اعترف لها.
تضحكين؟
زممت شفتي أمنع نفسي من الانفجار في وجهه، أقسم ان الأمر مضحك حقا!
لا أنا لا أفعل
تحمحمت أعدل وضعيتي و أردفت في محاولة مني في رفع معنوياته.
لربما تعتقد انك نسيت الأمر، ردة فعلها طبيعية لأنها شعرت بالخجل من ما حدث، فقط قم بشيء من اجلها و عبر عن حبك بطريقة لطيفة
كان يصغي لي و هو في أشد مراحل التركيز، بدى لطيفا حقا، ايدواردو عبارة عن نسخة لطيفة من ليوناردو، يبدو أحيانا و كأنه يود ان يصبح مثله، لكنه ذكي و له شخصية قوية حقا.
و كأنه قفز من افكاري، اقتحم ليو الغرفة و هو يحمل بيده اوراق خروجي و الوصفة الطبية و بعضا من نصائح الطبيب التي طلب منه تدوينها ليتم اتباعها بالحرف الواحد.
حمل حقيبتي التي سبق و جهزتها ايليت التي زارتني عدة مرات، ثم اتجه ناحيتي نابسا لأخيه باستنكار.
عن ماذا كنتما تتحدثان و لما صمتما عندما دخلت؟
نظر ايدواردو ناحيتي يهددني بالصمت، المسكين لا يعلم انني اسوء كاذبة.
كنا، نتحدث عن الطقس.
هذا أول ما خطر ببالي، تبدو الكلمات عادية عكس ملامحي التي اوضحت انني أكذب.
نظر ليوناردو لي رافعا أحد حاجبيه فابتسمت بغباء، سيقتلني احدهما على كل حال!
غادرنا المشفى و اتجهنا لمنزل عائلتي و الذي تم تجهيزه لاستقبالي، كنت ابتسم سعيدة...
لا أدري لما بالضبط لكنني فقط احببت الوضع، نكات ايدواردو التافهة بدت مسلية لي، فكرة ان العائلة التي تكون عائلتي تنتظرني على أحر من الجمر راقتني و...
نظرات شيطاني أيضا كان لها دور في جعل قلبي يقرع في سعادة.
لم تكن سوى دقائق حتى وصلنا للمنزل، فتح الرجال البوابة الكبيرة ركن ليوناردو السيارة بالحديقة، اتجهنا ثلاثتنا للقصر فاستقبلتنا مشرفتا القصر رفقة ايليت التي ابتسمت لي بالخفاء، اقتدنا الى غرفة استقبال الضيوف الكبيرة و التي ما ان فتحت بوابة القاعة حتى تناثرت القصاصات الملونة هنا و هناك، كانت عائلتي مجتمعة حول الطاولة ذات الطول الكبير و التي وضع عليها مختلف انواع الطعام و المقبلات سارعت أمي ناحيتي، كانت الوحيدة التي لم تستطع القدوم الى المشفى بسبب الصحافة.
لا أصدق انك واقفة امامي، حمدا لله انك بخير
كانت تبكي و هي تمسح على ظهري فبادلتها العناق اغتنم الفرصة التي لن تعاد قريبا.
انا بخير
قبلني الجميع و عانقني الجميع، كنت أضحك بسعادة لحين اختراق ذاك الصوت مسمعي...
صغيرتي!
وسعت عيني بدهشة، و التفت لمصدره، كانت عمتي بكرسيها المتحرك عند الباب تناظرني بابتسامة و عينين دامعتين، تجمدت لا أصدق انها هنا فعلا، خارج تلك العلية، أسرعت إليها أحضنها بكل قوة و بادلتني تشدني لها لا تصدق انني على قيد الحياة...
اتضح انك لا تخافين العتمة أيضا
نبست ضاحكة بينما تبكي فضحكت أيضا...
أجل اعتقد هذا.
في هذا الجو الجميل و اللطيف احتفلنا بخروجي من المشفى، في كل لحظة أشعر بعيني ليوناردو تحدق بي شاردة، يبتسم كلما حادثته، بل كلما ابتسمت، اكتشفت أن ماريوس اشترى ثوب زفاف بسيط أبيض، ساعدتني ميرنا على ارتدائه رفقة ايليت و بهذا سلمني جدي لليوناردو...
كعروس للشيطان الحارس ليوناردو اورسيني...
العروس ماريا فيسكونتي لا ماريا اورسيني...
في نفس اليوم خرجت من قصر عائلتي الى بيت ليوناردو الذي وعدني و أقسم لي أنه لن يقترب مني الا بعد ان أقع له كما وقع لي...
اتجهنا لمنزلنا الجديد و نحن نتحدث مجددا عن أفكارنا الغريبة، و هذه المرة كنت اراه شخصا آخر، شخص آخر تماما!
هذا هو منزلنا؟!
سألته بدهشة فأومئ لي و هو يبتسم بجانبية، كنا في نفس المنزل الخشبي، حاوط كتفي بذراعه و سحبني للداخل.
أجل لكنني غيرت القليل بغرفتنا
غرفتناا؟!
توقفت ارمقه بصدمة لما قاله.
أجل غرفتكما!
صرخت بفزع لذاك الهمس الخارج من العدم التفت فوجدت ايدواردو المبتسم بمرح.
هذا المنزل لي و لاخي، صمم لنا من أجل الزواج و هو بغرفتين و قاعة واسعة إضافة الى مطبخ و حمامات اضافية عدى تلك التي بالغرف.
دهشت لما اكتشفته، كيف لأثرياء ان يكتفوا بغرفتين فقط؟
ماذا ان جاءكم ضيوف؟
رمش ايدواردو بغباء قبل أن يرفع كتفيه يدلي بعدم معرفته، ضربت وجهي بيأس قبل أن انظر لليوناردو الذي سحب خدي يبتسم بجانبية.
لا مهرب لك من احضاني كونتيستي الصغيرة
نبس فتورد خداي، أعتقد انني سأهرب للحمام.
استيقظت في الصباح بين يدي ليوناردو الذي كان يحضنني بقوة، نائم بملامح ملائكية بعيدة عن تلك التي يكونها تحت ضوء النهار، ابتسمت و بأصبع يدي مررت على جبينه ثم انفه الحاد، شفتيه اللتين تزينهما بضعة تشققات و أخيرا ذقنه الذي ينافس السيوف.
لطيف
همست و انا أضحك، كانت الساعة تشير للسادسة و النصف و بهذا انطلق المنبه يرن، استقمت اطفئه و بيدي هززته برفق اوقظه، اطلق همهمة ناعسة جلعت ابتسامتي تتسع أكثر.
هيا انهض، عليك الذهاب للعمل
كان قد حدثني عن اجتماع ليلة البارحة، بعد ان اختبأت في الحمام هربا منه جلس على الأرض يحدثني عن حياته و عن ما يفعله و سيفعله الى أن استبد به التعب فأشفقت على حاله و فتحت الباب، حملني و ألقى بي السرير محتضنا إياي و بهذا بعد تقلب كثير استطعت النوم.
دعك عينيه و تثاءب، لابد أنه متعب حقا!
فتح احدى عينيه و ما أن سلط بصره على حتى ابتسم و جذبني لحضنه.
النوم و انا احاوط جسدك بحضني، ان توقظيني للذهاب للعمل، أعتقد أن الرب يحبني لتحقيق هذا الأمر
تحدث و هو يمسح على يدي المجبرة، لا تزال بحاجة للراحة.
ابتسمت له بلطف عاجزة عن النطق بسبب خجلي، اغتسلت بسرعة و ذهبت لتحضير الافطار، دون مبالغة أجيد الطبخ و أحب فعل هذا!
صباح الخير!
نطق ايدواردو بكسل و هو يمدد ذراعيه، ابتسمت له و دعوته لمائدة الافطار التي جهزتها فأظهر أسنانه مبتسما.
سينزعج ليوناردو كثيرا لأنني اتطفل عليكما، هذا ممتع!
تناولنا الافطار مع بعضنا، كان ايدواردو يحدثني عن مشاغباته هو و ليو في الثانوية و كانت استمع له و أضحك بينما أشعر بيد زوجي التي تمسح على خاصتي تحت الطاولة و هو يحدثني هو الآخر عن مدى غباء شقيقه.
بعد ان تناولنا طعامنا ودعتهما، طلب مني ليوناردو عدم فتح الباب إلا لميرنا التي اتفقت انا و هي على الالتقاء اليوم، قبل خدي دون مبالاة لصاعقة التي ضربت جسدي إثر التقاء شفتيه ببشرتي هامسا.
وداعا، كونتيستي الصغيرة
أراك لاحقا كونتيسته الصغيرة
نطق ايدواردو و هو يلوح لي و بهذا ركبا سيارتهما و تركاني بالمنزل أبتسم كالمجنونة للتغير الشامل بحياتي...
قفزت في جميع أنحاء المنزل سعيدة، نظفت الطاولة و...
طرق على الباب!
أخيرا لقد جاءت ميرنا
نبست بسعادة و أسرعت للباب و فتحته مبتسمة لصديقتي، أو بالأحرى لمن ظننت أنها صديقتي.
وضعت الصينية على الطاولة التي تزين الحديقة الخلفية، جهزت بعض الشاي مع قطع من الحلويات وجدتها بالصدفة في احدى ادراج رخام المطبخ.
لم اتوقع قدومك نيكولاس
نظر لي بهدوء و نبس بصوت بارد
و لم اتوقع ان اسأل خالتي عنك فتقول أنك متزوجة!
بلعت ريقي و شتت نظري في الارجاء، السماء تنذر بتساقط الامطار قريبا.
اذا ما،
ماريا هناك ما اريد اخبارك به، دعينا لا نضيع مزيدا من الوقت
عقفت حاجبي باستغراب
ما الذي تقصده بكلامك؟
رفع الملف الذي كان بيده و قربه مني فوق الطاولة.
?سف لما سترينه لكنها الحقيقة!
فتحت الملف فتوقفت الدماء عن السريان بعروقي اقشعر بدني و شعرت بالحموضة تلوث فمي...
إلهي ما هذا
هذه حقيقة من أصبح زوجك...
قاتل عديم الرحمة!