رواية أسطورة ماريا فيسكونتي للكاتبة كيم ميرا الفصل الأول
بين جدران قصر فيسكونتي الواسعة و تحت هدوء ثلاثة اطفال و زوجين كان الجد يكافح لابقاء عينيه مفتوحتين، الحمى كانت تجعل دمه يغلي، منذ اسبوع و حالته تؤول للاسوء، و هذا ما جعل الجميع مشغولا عن السيدة فيسكونتي و ولادتها القريبة.
رغم كل هذا كانت اعين سواريز فيسكونتي تبحث عن شيء آخر من بين جميع الهلاوس التي كانت تخرج من ثغر والده المصاب بالحمى، الارث، ذلك الكم الهائل من الاموال التي جمعها والده طيلة حياته التي سخرها من اجل القضاء على أعداء الدين كما كان يدعوهم .
كان الجميع يعلم ان أعداء الدين هؤلاء ليسو سوى من خالف قواعده فقط و عصوا ما أمر به و لك ينفذ.
عائلة فيسكونتي عرفت بقوتها، شهامة دمائها، شرف اناثها، شجاعة رجالها...
كل هذه الصفات جعلت من الجد غابرييل واثقا من ان عائلته لن تقهر أبدا رغم تفوق عائلات اخرى عليها، لكن بعد كل شيء لقد سعى جاهدا للحفاظ على علاقات جيدة مع عائلة الدوق و الماركيز.
من لم يعرف الكونت غابرييل فيسكونتي و احفاده الذكور الثلاثة.
لم يكن ابنه محل فخر كبير، فقد كان ماجنا لا يهتم الا لاشباع رغباته التي لم تنتهي الا لاجباره بالزواج من فيرناندا زوجته الحالية، لحسن حظها ان انجابها للذكور فقط قد شفع لها عنده، وجد سواريز الامر مدعاة للفخر و الغرور، انجابه لذكور فقط و الذين سيحملون اسمه لآخر ايام عمرهم جعله يعتز بأطفاله الثلاثة منتظرا ولادة طفله الذكر الرابع، ليوناردو!
هذا كان الاسم الذي ستطلقه أسرة فيسكونتي على طفلهم الرابع و الذي قدر ان يكون آخر نسل للزوجين سواريز و فيرناندا، ليوناردو، كان اسما مشعا، يعطي هالة قوية لسامعه، معناه يشمل اسم الاسد، لقد كان سواريز ينتظر طفلا قويا و شجاعا، الطفل الاصغر و الاقوى في سلالته.
في اليوم الذي اشتد فيه مرض الجد غابرييل، علم ان ابنه مشتت في تقسيم الميراث و الشركات الكبرى التابعة له، و لهذا استدعى الأسرة الصغيرة.
الاب سواريز فيسكونتي
الام فيرناندا فيسكونتي
الطفل الاكبر ايريك فيسكونتي
الطفل الأوسط جوليان فيسكونتي
الطفل الاصغر ماريوس فيسكونتي
كان الخمسة ينتظرون قرار الجد حيال مصيرهم من سيخلفه، يتحكم بثروته و ياخذ جبروته، من ناحية الاب سواريز فقد كان راضيا باي شيئ اطفاله الثلاثة كانو يطيعونه رغم صغر سنهم.
اغلق الجد عينيه لبرهة، و قد كانت طويلة لدرجة اعتقد فيه ابنه انه قد توفي فيها لكن ما تصوره خاب كون غابرييل ما لبث ان فتح عينيه و نطق بهدوء كما اعتاد ان يفعل دائما: سياخذ الطفل الرابع الحكم، سيخلف من بعدي و يكون كبير عائلة فيسكونتي ما ان يبلغ سن الثامنة عشرة، هذه وصيتي و ستنفذ رغم كل شيء، اسمعت هذا سواريز
حسنا والدي.
اجاب باختصار و هو يبتسم، كان يثق داخله ان ابنه الرابع و الاخير سيكون متميزا، منفردا، و افضل عن الجميع...
لم يؤمن بان القدر قد يغير كل شيء و ان حماسه هذا سيتحطم في يوم السابع من اغسطس من تلك السنة، لم يمت الجد مرضه لم يفارقه لكنه و مع مرور الوقت كان يتحسن عما سبق و ظل على عهده قويا.
الجميع يقف امام غرفة الزوجين في القصر الكبير ينتظرون سماع صوت الرضيع الصغير تحت صراخ فيرناندا المتالم، و ما هي الا لحظات حتى اخترقت اذان الجميع ذاك الصوت الضعيف و الرقيق، كان بكاء الا انه كان جميلا و هادئا، و هذا ما جعل قلب سواريز ينقبض بتوجس و تخوف مما جال بباله، ايعقل ان يكون هذا صحيحا!، ان يكون طفله الرابع و الذي انتظره على احر من الجمر فتاة، مستحيل!
اقتحم القاعة بسرعة متجها ناحية زوجته التي تحيط الطفل بيدها تخبئه بحضنها بعيدا عن انظار سواريز الذي يقترب بسرعة منها و عيناه تتقدان بنار مخيفة، من دون ان تشعر بدات اطرافها تهتز بخوف مما ستخبره به و عيناها الزرقاوتان كمياه المحيط صارت مستعدة لذرف جواهرها، كان هذا الخبر هو الجحيم بذاته لعائلة فيسكونتي.
انتشر الخبر بسرعة في انحاء فلورانسا، وريث الكونت غابرييل و ابنه الكونت سواريز انثى، كان هذا كافيا لجعل ابي يكرهني و يشاجر والدتي كلما سنحت له الفرصة، جيوفاني فيرناندا اطلقت على ابنتها اسم ماريا فيسكونتي نسبة لعمتها الكبرى ماريا جيوفاني لانها علمت ان ابنتها مجرد نذير شؤم و فقط.
و عكس الوالدين الحاقدين على الابنة الصغير كان الجد غابرييل يحبها اكثر من اي شيء اخر، كان يرى في عينيها الخضراوتين زوجته المتوفاة و ابنته ايزابيلا في شعرها الفحمي الجميل، لم ترث ماريا شيئا عن والديها، لا الاجفان الحادة و الملامح القاسية من سواريز، ولا العيون الزرقاء و الشعر الاشقر من والدتها، كانت جميلة بشكل خارق للطبيعة، تشبه عمتها و جدتها كثيرا و لربما ان هذا هو سبب تعلق الجد بها لتلك الدرجة.
ساتوقف هنا ماريا، لقد جف حلقي!
افقت من عالمي عندما سمعت صوت ميرنا المتذمر، ابتسمت لها بلطف ثم اومات معلنة عن تفهمي، اطلقت زفيرا طويلا، سماع قصتي بهذا الشكل يجعلني اشعر بالغرابة، و كانها قصة من قصص الخيال الحزينة لا ما عشته في الحقيقة.
هل نعود للمنزل؟
سالت صاحبة الشعر الاحمر الجميل فهمهت تاخذ الدفتر معها.
بحقك ميرنا الن تعطيني الكتاب؟!
كلا! عندما انتهي من الكتابة تماما سامنحك اياه عزيزتي.
صارت ملامحي متذمرة، الحصول على ذاك الدفتر اصبح من احلامي الصعبة...
عيد ميلادك السادس عشر سيكون الاسبوع المقبل، اية خطط ايتها الكونتيسة الصغيرة
سالت ميرنا ببهجة، كنا نسير بهدوء ناحية بيوتنا بعد جلسة فتيات لطيفة خلف المدرسة اين يكمن مكاننا السري.
كالعادة يجهز والداي لهذا اليوم بجهد.
ما ان سمعت ان صوتي متنهد و تخلله بعض البرود حتى علمت عن مدى كرهي للامر، لحظات و سطعت ببالها فكرة جهنمية و لم تبخل على بمشاركتها.
ما رايك ان نقيم حفلا خاصا بنا ماريا، الن يكون الامر جميلا
كنت ساشاركها سعادتها تلك لولا تذكري لامر والدي، يستحيل ان يسمح لي بالخروج من القصر لسبب كهذا، رغم انني لم افصح عن اي شيء الا ان صديقتي فهمت ما تبادر لذهني لهذا وضعت ذراعها على كتفي و نطقت بعزم.
بعد الحفل عند الساعة الثانية صباحا ستقفزين من نافذة غرفتك و نذهب الى مكاننا، لن يشعر احد بك!
ضحكت باشراق و وافقت على كل ما خرج من ثغرها، هذه الفتاة مصدر سعادتي، اقسم بهذا!
ودعنا بعضنا عندما صرت بالقرب من البوابة الكبيرة لقصر فيسكونتي، و قد دخلته بوجه مبتهج لما سيحصل بعد اسبوع.
ايتها الشيطانة الصغيرة! اين كنت من ساعة، لقد انتهت دروس اليوم عند الثالثة مساء.
صرخت امي بهمس في وجهي خشية ان يسمع والدي، هي على علم بانني لن اكون الوحيدة التي ستعاقب ان علم ابي بانني متاخرة عن المنزل و بساعتين ايضا.
لقد كان لدي مشروع من اجل صف الاحياء و بقيت في الثانوية انا و ميرنا من اجل انهائه
قبضت والدتي على ذراعي بعنف و هزتني مرارا و تكرارا تزامنا مع بصقها لكلمات مهددة في وجهي الخالي من التعابير بلهجة قاسية و محتدة.
اسمعي من اليوم فصاعدا ستكونين هنا عندما تدق اجراس الكنيسة عند الساعة الثالثة و النصف، لا يهمني ما ستواجهين و لا طول الطريق، انت من اردتي السير و التمتع بالمناظر اليس كذلك ايتها الكونتيسة الصغيرة؟
افلتتني اخر كلامها تناظرني بسخرية، لم اجبها بحرف بل اكتفيت بالتحديق بها ببرود انتظر انتهاء الاسطوانة التي اسمعها كل يوم.
اسرعي لغرفتك، ستخرجين رفقة كاثرين للسوق من اجل اختيار فساتين مناسبة للحفل، كل ما وجدته بخزانتك مجموعة من الاقمشة الرخيصة، بحق الجحيم اين هو الذوق النبيل فيما ترتدينه؟
وسعت عيني بصدمة عند سماعي ما نطقت به، اللعنة، قلادتي!
لم اجبها بحرف و انما تخطيتها اصعد الدرج ناحية غرفتي، قلبي يدق بعنف لما جال ببالي، ان حدث شيء لقلادتي اقسم انني ساحرق المنزل بمن فيه!
تنهدت براحة و انا احمل القلادة بهدوء، ذلك السلسال الفضي و الذي يزينه قفل على شكل قلب بنفس اللون، رغم انني لا اعلم من اين حصلت على هذا العقد لكنه كان هدية شخص مجهول في عيد ميلادي الرابع عشر، و اعتقد انني بدات احل لغز الشاب الغامض الذي منحني القلادة.
طبعا و من غيره نيكولاس جيوفاني، ابن خالتي الوحيد، و الذي يحمل دماء القديسة ماريا جيوفاني بعروقه.
مجرد التفكير في انه يحبني يجعل قلبي الصغير يرفرف، نيكولاس شاب لا مثيل له، بشعر اشقر و عينين زرقاوتين اضافة الى ملامحه الحادة رغم كونه هادئا و متميزا ببرودة اعصابه، قليل الابتسام و الكلام و رغم هذا عندما ينفرد بي في اللقاءات العائلية لا يكف عن الحديث معي و السؤال عن احوالي، يهتم بكل شيء احدثه عنه حتى لو كان تافها و يبتسم بدفئ لي عندما اضحك له، كنا الثنائي الذي يحسده الجميع، كنت استطيع رؤية اعتراض خالتي على بشكل واضح، لم تكن تكرهني و لم اكن افعل هذا بدوري لكن كانت تؤمن ايضا بانني نذير شؤم و زواجي من ابنها الوحيد سيكون سيئا له و لي، و لربما ان هذا احد اسباب عدم اعترافي لنيكولاس بانني معجبة به، كما انني احببت ان احبه من بعيد، رغم بريق عيني الواضح و انا انظر له الا انه لم يحرجني ابدا، لم يمانع قربي منه و هذا ما جعلني ابتسم بصدق امامه.
اعدت القلادة الى مكانها و انا اتنهد بعمق و ابتسامة رقيقة قد رسمت على وجهي، بعيدا عن فضولي في ما يوجد داخل القلب المغلق و الذي يحتاج المفتاح كنت معجبة بقصة القلادة، جلست على سريري، قدماي تلمسان الارض و جذعي متكئ على السرير ما جعل وجهي يقابل السقف المطلي بلون ابيض يجعل الجدران المخملية فاتحة اللون قليلا.
فجاة اخترقت مسامعي صوت طرقات على الباب، طبعا لم يكونا والدي او ماريوس، هؤلاء الثلاثة يقتحمون غرفني كالثيران رغم غضب جدي الدائم من الامر، ليس دفاعا عني فحسب بل على حسب قوله الاستئذان قاعدة مهمة في قصور النبلاء
هذه هي القاعدة الوحيدة الوحيدة التي احببتها و الوحيدة التي لم تطبق مطلقا في قصر فيسكونتي.
ادخل.
استطردت بهدوء استقيم بجلستي، فتح الباب مظهرا خلفه ايريك، اخي الاكبر و الوحيد الذي يظهر حبه الطاهر لي عكس باقي اخوتي، كان ايريك صاحب شعر اسود يشبه خاصتي و عينين زرقاوتين مثل امي، وسيما ذا ذقن حاد و عينين كالسيف، مبتسما و بشوشا على الدوام، حكيما و لا يتسرع على الاطلاق، ذو نظرة بعيدة الافق و وسامة غير غريبة عن عائلة فيسكونتي الشهيرة، هذا ما كان عليه ايريك.
ماريا، هل انت بخير؟
اومات له مستفسرة.
لما تسال اخي؟
علمت من احدى الخادمات ان والدتي صرخت بك مجددا
ابتسمت بهدوء له، كان يعتقد ان مصدر ابتسامتي كان اهتمامه بي لكنني كنت افكر بشيء اخر، الخادمة ايليت ميديشي، ابنة السائق الخاص بوالدي، كنت الوحيدة التي تعلم عن علاقة اخي بهذه الخادمة و دون ان يعلم بانني سمعت عن الامر.
لا تقلق نفس الكلام المعتاد.
اومئ بتفهم، جميع من في القصر كان يعلم ان فيرناندا فيسكونتي تكن الكره لابنتها الوحيدة فبسبب ولادتي اتهمها والدي بخيانته معتقدا انه من يخرج من صلبه ليس الا ذكرا و انه قامت بعلاقة غرامية من وراء ظهره و كنت انا الخطيئة التي فضحت الخيانة و لكن بعد اجراء الاختبارات الكثيرة في مختلف مستشفيات ايطاليا باكملها اتضح انني ابنة سواريز فيسكونتي و فيرناندا جيوفاني دون ادنى شك في هذا الامر.
بالمناسبة ايريك، تريد امي ان اخرج للسوق رفقة مربيتي من اجل شراء ثياب للحفلة و،
تلعثمت اخر كلامي، او بالاصح خجلت من ان اطلب منه للمرة الالف نفس الطلب، دائما ما شعرت انني عبئ على ايريك لكن ملامحه كانت دائما تنفي اعتقادي، كان يشعرني بالراحة و الطمانينة كلما ضاق بي الامر في هذا القصر.
تريدين ان تذهبي رفقة ميرنا و معي بدل السيدة كاثرين.
اومات بخدين محمرين، لا اعلم ما المحرج في كوني ارغب بالخروج للتسوق مع اخي الاكبر و صديقتي المقربة لكن لطالما شعرت بالحرارة ترتفع براسي عندما اطلب شيئا ما من ايريك، حتى لو كان كوبا من الماء.
ربت على شعري في حنان و نبس بهدوء: لا اعلم ان كان باستطاعتي الخروج معك لكن ساطلب من ماريوس فعل هذا و ان يصطحب ميرنا معكما
تمسكت بيده موسعة عيني بصدمة، انا و ماريوس و ميرنا، هذا ابشع كابوس على الاطلاق!
كلا اخي، افضل الذهاب مع الشيطان الاسود للجحيم بدل الذهاب مع ماريوس، اطلب من جوليان بدل ذلك الاحمق
كان على وشك ان يخبرني بموافقته لولا اقتحام ذاك الثور الهائج لغرفتي
من تنعتين بالثور يا ام الاربع و الاربعين
شددت على قبضتي متمالكة اعصابي، فان سمع والدي صراخنا ساعاقب وحدي و سينجو هو كالعادة.
لست ماريوس الوحيد بهذا العالم
لكنني ماريوس الوحيد الذي تخشين الذهاب معه لمكان ما!
جيد انك تعرف.
همست بصوت منخفض كي لا يسمعني، ماريوس كان الطفل المدلل، المتسرع، و الذي يحب مضايقتي كما يحب لعب كرة السلة معي...
أوقات تحالفنا كانت قليلة لكننا مع هذا نحب بعضنا، على ما أعتقد!
على كل سأطلب من جوليان ان يذهب معك ماريا، فلتجهزي نفسك، اتصلي بميرنا لتجهز نفسها ايضا!
همس آخر كلامه، لم يكن احد يعلم انني أملك هاتفا غير ايريك، كان حلمي ان أملك واحدا خاصا بي و قد حقق امنيتي بشرط ان لا يعلم أي شخص آخر عن الامر، و طبعا لم اجد سببا لانزعج.
بعد ساعتين تقريبا خرجت من غرفتي، كانت الخادمة قد اخبرتني ان جوليان ينتظرني في الاسفل و ان ميرنا وصلت منذ لحظات فقط، توقفت عند الباب الرئيسي، عندما افتحه ستقابلني سيارة جوليان السوداء، التفت للمراة اتحقق من مظهري، كنت ارتدي فستانا ابيضا يمتد الى ما تحت ركبتي و يحيط خصري سلسال به خرز ابيض شعري منسدل على ظهري يعاكس اللون الفاتح للفتسان، لم تكن عائلتي تعترض على ما ارتديه، من ناحية والدي كانا يتمنيان ان اجذب الانظار و اتزوج بسرعة قبل سن الثامن عشر كي لا ارث منصب جدي كما جاء في وصيته، فمن التقاليد التي لا تكسر في الزواج عند العائلات النبيلة ان تتخلى الزوجة عن كنيتها بعد الزواج في طقوس روحانية و فيتغير اسمها، و لسبب ما كنت مقتنعة بداخلي انني ساظل الكونتيسة الصغيرة ماريا فيسكونتي، و حتى بعد زواجي.
اخذت نفسا عميقا قبل ان ابتسم بهدوء و افتح الباب، البقاء مع جوليان اكثر شيء موتر قد اقوم به، خصوصا عندما نكون بمفردنا، ميرنا و من دون شك ستكون في احدى سيارة عائلتها، و سيتوجب على الركوب مع جوليان بمفردنا، يعني ساقضي ما يقارب النصف الساعة مع قطعة من الجليد لا تتحدث، اخي الاوسط هو كتلة اثارة اخرى، بشعر اشقر داكن جدا و عينين زرقاوتين عيناه حادتان قليلا و تعابير جامدة لم يسبق ان زينها بما يدور في داخله من احاسيس...
اية فتاة كانت قادرة على الوقوع في حب احفاد عائلة فيسكونتي بسهولة، بنيات جسدهم القوية، وسامتهم التي فاقت الحدود، و ثروتهم التي ساستلم انا التحكم بها في سن الثامنة عشر، رغم الوصية التي كانت تظلمهم نوعا ما الا انهم لم يحقدوا على رغم ذلك، حتى ماريوس كان يكتفي بمشاحنتي لارضاء غروره و شخصيته اللعوبة و المستفزة فقط، و بخلاف هذا كنت مدللة اخوتي و لا احد كان قادرا على ازعاج الكونتيسة ماريا دون ان يعترض طريقه ثلاثة شبان اقوياء و وسيمين.
يا فتاة لا استطيع النظر لك، انت تبدين ساطعة من الجمال!
انتحبت صديقتي بمزاح و هي تغطي عينيها، ضحكت على ما قالته، لطالما كانت ميرنا مصدرا للبهجة، الفتاة المدللة لعائلة دوق فلورنسا، حبا بالرب من لم يسمع بشهرة و ثروة عائلة اورسيني بالعالم باسره...
قميص اسود من دون اكمام و بدل ذلك يمتد منهما خيطان رفيعان حول الرقبة و بنطلون واسع قليلا من الجنيز الازرق مع كعب ابيض زاد من حلة ميرنا بهاء و اناقة، كان من الممنوع على ان ارتدي السراويل، فحسب قول والدتي كنت السروايل تظهر عيوبي بشكل واضح للعامة لكن ميرنا كان لها راي اخر تماما، كانت تعيطيني دائما من سراويلها فارتديها خلال هروبي من المنزل من اجل رحلاتنا السرية انا و هي.
هل رايت نفسك بالمراة، اخال اننا سنتعرض للاختطاف بسبب جمالك
دنت ميرنا مني كي تهمس لي، لطالما كانت اطول مني و ارتداءها لكعب عال زاد الطين بلة.
لا اعتقد ان جوليان سيهتم بالامر حتى لو تم تعذيبنا امامه
ضحكت بخفة على ما قالته احاول ان ابدو كفتاة راقية بما ان اعين جوليان و والدي من فوق تراقبانني، لا اريد ان اخذ دروسا في اللباقة، جربت الامر ثلاث مرات و قد كان الامر مرعبا!
في داخلي كنت متاكدة ان جوليان ليس هكذا، لو مسني احد بكلمة واحدة كان مستعدا لقلب العالم في الخفاء، عندما كانت والدتي تصرخ بي في صغري امامه كان يوقفها بطريقة غير مباشرة عبر استدعائي قائلا ان جدي يحتاجني، و عندما يحتجزني ابي في غرفتي او في القبو كان يفتح الباب في السر و يسلمني المفتاح الاحتياطي، عندما يتنمر احد اطفال المدرسة على كان يتوجب عليه الدخول للمشفى لمدة اسبوع فماريوس كان سيضربه مباشرة و جوليان سيحرقه دون ان يعلم احد انه الفاعل اما عن ايريك فقد كان ليمنع المستشفيات من استقباله، او بالاحرى استقبال جثته و في الاخير سيقتله ابن خالتي نيكولاس دون ان اعلم ايضا و دون ان يخبرني.
ماريا اسرعي، لدي عمل
تجمدنا في اماكننا من نبرته المخيفة و الهادئة لهذا اومات بسرعة، ركبت ميرنا سيارتها مستعدة للقيادة بينما اتجهت انا للمقعد الجانبي للسائق، كانت قد حصلت على رخصة قيادة منذ سنة، على عكسي انا التي تلقيت صفعة على وجهي حالما طلبت من والدي تعلم القيادة.
كنت متحمسة للذهاب الى المركز، لا احب التسوق كثيرا لكن مرافقة ميرنا امر لا يحصل كثيرا، فهروبنا من المنزل يعني الذهاب لمكاننا السري فقط فتجولنا يعني الامساك بي في وقت قياسي.
و الخروج للتسوق مع مربيتي كاثرين كان فيلم رعب لا اكثر، يمنع خروجي من القصر وحيدة خصوصا عندما يكون الامر عديم الفائدة كالتسوق و حضور الحفلات، عدى ذهابي للثانوية كان السير خارج البوابة الحديدة امرا محضورا تماما، فالجميع يعلم انني وريثة الكونت غابرييل فيسكونتي، ما يجعل حياتي معرضة للخطر على الدوام.
انطلقت سيارة جوليان و لحقتها سيارة ميرنا رباعية الدفع، عقلي لا يتوقف عن نسج الافكار لما سارتديه في الحفل، ففرصة اختياري انا للفساتين امر لا يحدث كثيرا...
انتهت رحلة تسوقي بشراء ثلاثة فساتين، كلها تنافس بعضها فخامة و اناقة.
اول فستان كان فستان احمر قاتم، يصل الى ما بعد ركبتي، اكمامه تحيط كتفي سامحة لعضمة تروقتي بان تظهر، قالت ميرنا انه من الافضل ان نترك هذا الفستان لاخر الحفل، اذ انه سيلائم الرقصة الاخيرة مع الشاب الذي سيدعوني اليها تزامنا مع قرع الاجراس معلنة انتصاف الليل، صراحة بدى الامر جميلا، ففخامة الفستان اثبتت انه يستحق ان يكون قماشه ما سيحيط جسدي و انا ارقص مع الشاب الوسيم و الذي اتمنى ان يكون من في بالي.
اما عن الثوب الثاني فقد كان عبارة عن تصميم يشبه المعطف الربيعي، بلون بيج يميل الى ان يكون داكنا، يحيطه من ناحية الخصر حزام اسود رقيق يظهر مدى رشاقة جذعي، ذو ياقة مفتوحة مزينة بدبوس ذهبي يتماشى مع ازراره الممتدة الى ما يقارب نهايته، يصل الفستان الى كوعي قدمي مع شق صغير ابتداء من ركبتي الى اسفل الفستان من الجانبين تحت الياقة يظهر قميص ابيض يصل الى بداية عنقي. طلبت ميرنا مني ان ارتدي قفازين بيضاوين ايضا كي يكتمل المظهر الرسمي و قررنا ان ارتدي هذا في بداية الحفل من اجل استقبال الضيوف و اظهار مدى نبالة و رقي عائلة فيسكونتي الغنية عن التعريف.
و من اجل اداء عرضي و القاء كلمة ترحبيبة للضيوف خلال مائدة العشاء اخترنا فستانا لطيفا، يشبه الى حد كبير فساتين العصر الفيكتوري الذي كنت مولعة به، كان لونه ابيض كريميا تزينه اشرطة زرقاء من الجانبين اضافة الى شريط ازرق حول الخصر و عند الياقة، كان الثوب طويلا جدا مما اجبرني على شراء حذاء ذي كعب عال تفاديا لعدم وقوعي في منتصف القاعة، هذا ان لم اتعثر بسبب الحذاء.
تناقشنا انا و ميرنا مطولا في تفاصيل الحفلة، كانت تعلم عن اعجابي بنيكولاس مما جعلها تكون جادة في ادق التفاصيل، فتاة ذات خيال واسع مثلها و تجارب عديدة في الوقوع بالحب من بعيد جعلها تكون واثقة من اختياراتها.
ثاني اسرع طريق لقلب الرجل بعد بطنه هو ما تراه عيناه، عندما يراك في بادئ الامر بفستانك الرسمي سيفكر داخله انك الفتاة النبيلة التي تحتاجها عائلته، و بعدها تفاجئينه بثوبك اللطيف ذاك و مرة ثانية يقول محدثا نفسه هذه هي الملامح الملائيكة التي ابحث عنها، لكنه سيفقد عقله في اخر المطاف عندما تقابلينه بفستانك الاخير الذي يسلب انفاس اي شخص عاقل كان او مجنون، سيفقد عقله و دون شعور منه سيتقدم منك فاردا يده امامك، انسة ماريا هل تسمحين لي برقصة، تمسكين يده و تسيران لمنتصف القاعة تزامنا مع انطلاق تلك الالحان الهادئة، يراقصك بمهارة و فجاة يهمس في اذنك بنبرته الهادئة و الرجولية، ايتها الكونتيسة الصغيرة، هل تقبلين ان تكون حبيبة قلبي و انسية وحدتي، نوري في الظلام و دفئي في الصقيع، ان تكمليني فنصبح جسدا واحدا و قلبا واحدا الى ازل الازلين، و طبعا ستحمر خدودك كالعادة و تبتسمين له برقة معربة عن موافقتك، يفقد نيكولاس خاصتنا صوابه و يلثم ثغرك بجموح، ياااه الن يكون هذا رومانسيا كثييرااا.
كنت اسخر منها عندما تتكلم هكذا لكن في داخلي كنت اتمنى ان يحدث هذا، حسب تحليلي لشخصية ابن خالتي فهو شاعري رغم برودة ملامحه، و ان حصل ما تخيلته ميرنا لن استغرب كثيرا، لكن احتمال ان اصاب بسكتة قلبية يبقى واردا رغم كل شيء، ماذا! ان يعترف لك شاب احلامك ليس امرا سهلا بعد كل شيء...
دخلت غرفتي منهكة من المسير، كان اليوم طويلا جدا و رغم هذا كانت الساعة لازالت تشير الى السابعة و النصف ما يعني ان هناك متسعا للوقت حتى موعد العشاء، رغم ان جفني كانا يصارعان للبقاء مفتوحين الا انني فضلت الصعود الى العلية، عندما يصل الى مسامعنا كلمة علية اول ما نفكر به هو مكان مظلم تنتشر به الادوات القديمة و التي لم نعد بحاجة لها، لكن علية قصر فيسكونتي كانت مختلفة، كانت تحمل بداخلها سرا لا يعلم عنه الكثير، تخفي كائنا بشريا لطيفا و مهملا منذ سنوات طويلة مضت...
ها قد عدت!
صرحت بابتسامة و انا افتح الباب، تطلب الصعود الى هنا جهدا كبيرا، فالخدم منتشرون بكل مكان، و ان علم احد انني قد عاودت القدوم الى الغرفة لا اعلم اي عقاب قد يقع على عاتقي، اذ ان احد اهم قوانين قصر فيسكونتي هو عدم التفكير حتى بالاقتراب من الدرج المؤدي لهذا الجناح، و ها انا ذي، ماريا فيسكونتي اخرق القاعدة رغما عن الجميع رغم كل شيئ!
ماريا حبيبتي!